زريف الطول والعلامة السرية (مسرحية من فصل واحد)


حسين محمود التلاوي
2019 / 6 / 16 - 15:57     

المشهد (1)
(أضواء وأعمدة دخان تتصاعد من خلف صخرة كبيرة في وسط الجزء الخلفي من المسرح، مع أصوات صياح وهدير طائرات ومعدات عسكرية. صخرة أخرى صغيرة في الطرف الأيسر من المسرح)

يخرج رجلان من الناحية اليمنى للصخرة الكبيرة عليهما آثار معركة من دماء وغبار.
الرجل 1 (يلهث): صدقني هو... لقد لمحته وأنا ألقي الحجر الأخير.
الرجل 2 (يلهث): أصدق أنك تعتقد أنك رأيته، ولكن (يصمت قليلًا) هل أنت متأكد من أنه المدعو زريف الطول بنفسه؟
الرجل 1 (يلهث بشكل أقل): لن أخطئ في تعرفه على الإطلاق... إنه هو المدعو زريف الطول بشحمه ولحمه وكأن كل هذه السنين لم تؤثر فيه.
الرجل 2 (مشيرًا إلى الصخرة الصغيرة): هل أنت متأكد من أنه كان على هذه الصخرة؟
الرجل 1 (متقدمًا نحو الصخرة الصغيرة): نعم... نعم... متأكد تمامًا.

(يظهر رجل فوق الصخرة الصغيرة مرتديًا زيًّا عسكريًّا مموهًا، ويطلق الرصاص بسخاء من أحد المدافع الرشاشة. يتعالى بعدها صوت سقوط طائرة، تتصاعد إثر ذلك تكبيرات وهتافات عدائية ضد الصهاينة).

الرجل 2 (في انفعال جارف): ها هو فعلًا يا حمزة... زريف الطول يسقط طائرة صهيونية أمام أعيننا!
الرجل 1 (في انفعال مماثل): نعم... نعم... (يجري نحو الصخرة مناديًا المدعو زريف الطول).. يا زريف الطول... يا زريف الطول...

(يلتفت إليهم المدعو زريف الطول، ويختفي وراء الصخرة، ثم يظهر ثانيةً مرتديًا زيًّا مدنيًا عاديًّا)

حمزة (مسرعًا نحو المدعو زريف الطول): أنت... أنت يا رجل... ألا تسمعنا؟
المدعو زريف الطول: من أنت؟ وماذا تريد؟
الرجل 2: نحن من أبناء هذه الأرض، ونريد أن نعرف... هل أنت زريف الطول فعلًا؟
المدعو زريف الطول: وماذا سوف تستفيد من ذلك؟ لأكن زريف الطول أو لا، ما الذي سوف تستفيد من معرفته؟
الرجل 2 (متحمسًا): يا رجل... يبدو أنك لست زريف الطول! فلو كنت هو، لأدركت عم نتكلم... لأدركت أن البارود نفسه يستحيي أن يصيبه... لأدركت...
المدعو زريف الطول (مقاطعًا): أنا لست المدعو زريف الطول... لكنني أعرفه...
حمزة (منفعلًا): إنه ابنه يا عواد... ابنه... أنت ابن زريف الطول.
المدعو زريف الطول: نعم... أنا صبح... ابن زريف الطول... لكن (يصمت قليلًا) كيف عرفت؟

(أصوات القتال وهدير الآلات سكتت الآن، وخفت أعمدة الدخان)

حمزة: أنت مثله تمامًا... لقد رأيته وأنا صغير، لكنك أصغر سنًّا بالتأكيد.
صبح: نعم... أنا ابنه... لقد رحل أبي بعد أنا خرج الفلسطينيون من لبنان، وذهب إلى أرض عربية أخرى مكث فيها إلى أن تزوج أمي. ولما مات، دفناه دون أن نخبر أحدًا بهويته... وظللت أنا آتي في أوقات المقاومة؛ فجئت في انتفاضة الأقصى...
عواد (مقاطعًا في انفعال): رأيتك... رأيتك وقلت للجميع إنني رأيتك لكن أحدا لم يصدقني.
حمزة (في انفعال مماثل مخاطبًا صبح): إنك تشبهه كثيرًا.
صبح: نعم... إنني نسخة طبق الأصل منه.
عواد (متسائلًا): لكن... لكنك كنت ترفض القتال معنا وقتها... لماذا؟
صبح: طلب مني أبي آلا آخذ سلاحًا ولا أقاتل تحت راية أحد إلا من أرى فيه العلامة.
حمزة (متسائلًا بدوره): علامة؟
صبح: نعم... علامة سرية أبلغني أبي بها، وطلب مني أن أدين بالولاء لمن يحملها.
عواد: ولم تجد من يحملها؟
صبح (في أسف): كلا... لم أجد من يحملها. (يستدير مبتعدًا) وإلى ذلك الحين... إلى اللقاء.

(يختفي خلف الصخرة الصغيرة)
عواد: وكأنني أحلم... ابن زريف الطول يعود.
حمزة (في تفكير): ويرفض الانصياع لأحد غير حامل العلامة (متسائلًا): ولكن ما العلامة؟

(يتبادل النظر المتسائل في صمت مع عواد ويخرجان من الناحية الأخرى من المسرح)

المشهد (2)
(مائدة مستطيلة طويلة حولها مقاعد موزعة بالتساوي على الجانبين مع مقعد على رأس المائدة، وجدران من الستائر البيضاء. على المقاعد يجلس 7 أشخاص يرتدون زي الجيش الصهيوني)

رئيس المائدة: بالطبع سمعتم إن زريف الطول عاد. أريد أن أسمع رأيكم في ذلك.
الضابط 1: أعتقد أنها خدعة من حماس... يريدون أن يستغلوا ذكرى أسطورة فلسطينية لتجميع الناس بعد الضربات التي تلقوها في العملية الأخيرة.
الضابط 2: أختلف... حماس لا تريد أساطير غير أساطيرها... مصدر تلك الشائعة طرف غير حماس.
رئيس المائدة (متسائلًا): تنظيم جديد مثلًا؟
الضابط 2: ربما.
الضابط 3: لكن كيف لم تصل إلينا معلومات بشأنه من المخابرات؟
الضابط 4: ربما كان تنظيمًا جديدًا.
رئيس المائدة (متسائلًا): هل هذا يعني إقرارًا منكم بأنه تنظيم جديد يحاول استغلال أسطورة زريف الطول؟
الضابط 5: كلا، لا أعتقد أنه تنظيم جديد... ربما كانت فعلًا محاولة من حماس، وتريد إرباكنا.
رئيس المائدة (موجهًا حديثه للضابط 6): لم نسمع رأي العقيد بيني.
العقيد بيني: لا أعتقد أن الأمر متعلق بحماس ولا بتنظيم جديد. أظن أن الأمر متعلق بزريف الطول نفسه.
الضابط 2 (هازئًا): زريف الطول نفسه عاد؟
العقيد بيني: لا أقول ذلك. لكن تحريات المخابرات التي أجريت قبل 25 عامًا واطلعت عليها قبل الاجتماع تقول إن زريف الطول أنجب ابنًا أثناء تنقله بين سوريا والعراق والقاهرة قبل أن يرحل إلى بلغاريا.
الضابط 4: إذن، هذا هو ابن زريف الطول، أليس كذلك؟
الضابط 5: صبح زريف الطول (يهز رأسه في تأكيد) نعم، بيني محق. لا ريب أنه صبح زريف الطول (لائمًا نفسه) كيف نسيت هذه المعلومة؟
الضابط 2: لكن هناك معلومة أخرى قد تساعد على التوصل إلى حل.
رئيس المائدة: وما هي؟
الضابط 2: زريف الطول أو ابنه أو أيا من كان يعمل بمفرده. لا يتبع تنظيمًا. لقد ترك جثة المقدم رافي جونين في مكانها، ولم يسلمها إلا أحد.
الضابط 5: إذن هو فعلًا صبح زريف الطول. لا يعمل لمصلحة أي من التنظيمات الإرهابية العاملة في غزة. يعمل بمفرده مثلما كان أبوه يعمل بمفرده. ولن يضم قواه إلى أي من التنظيمات الإرهابية في غزة، وسوف يأتي عليه حين يشعر بالملل؛ فينصرف أو يقتله تنظيم يشعر بالغيرة منه. لكننا إن قتلناه، سوف نزيد من نيران الأسطورة وقطاع غزة ليس في حاجة إلى مزيد من الزيت على النار.
العقيد بيني: لو صحت هذه المعلومة أنه صبح زريف الطول، ما العمل؟ هل نضع خطة للتعامل؟ لدي اقتراح.
رئيس المائدة (مديرًا عينيه في الجالسين): هل هناك اقتراحات؟ (صمت) إذن قل اقتراحك أيها العقيد بيني.
العقيد بيني: اقتراح بسيط. نترك صبح زريف الطول يعمل بمفرده كما هو، ونحاول اصطياده بوسائلنا التقليدية. إننا إن تركناه يعمل، لم نخسر شيئًا؛ فيمكننا أن نعتبره إضافة نوعية ليست خطيرة. هو يعمل بمفرده، ولن يضم قواه إلى أي من التنظيمات الإرهابية في غزة.
رئيس المائدة: من يوافق على هذا الاقتراح؟ (يديره عينيه في الحاضرين) الموافقة بالإجماع. ليعمل ليبق إذن ولكن تحت السيطرة.

المشهد (3)
(أضواء وأعمدة الدخان لا تزال تتصاعد من خلف الصخرة الكبيرة في وسط الجزء الخلفي من المسرح، مع أصوات الصياح وهدير الطائرات والمعدات العسكرية. والصخرة الأخرى الصغيرة لا تزال في الطرف الأيسر من المسرح)

عواد (مخاطبًا حمزة في انفعال): انظر... انظر يا حمزة... لقد قتل صبح جنديًّا صهيونيًّا. لقد قتله... لقد قتله.
حمزة (في انفعال): أين؟ أين يا عواد؟ لقد ضعفت عيناي، ولم أعد أر جيدًا.
عواد (في الانفعال نفسه): هناك... أسفل الصخرة التي يقف عندها دومًا.

(أضواء تلتمع أسفل الصخرة الصغيرة ودخان يتصاعد من عندها دليلًا على قصف الطائرات الصهيونية لها)

حمزة (في انفعال): لقد رأوه، ويقصفونه بالصواريخ. سوف يموت يا عواد... صبح سوف يموت.
عواد (في حماس): هيا لنحاول إنقاذه.

(يعدو الاثنان نحو الصخرة الصغيرة من طرف المسرح الآخر، ويتوقفان عند الجانب المواجه للجمهور)

حمزة: أين هو؟ أين هو؟
عواد (متلفتًا، وهو يسعل من الدخان): لا أستطيع أن أرى من الدخان.

(يخرج صبح من خلف الصخرة الصغيرة، وقد تغطى تقريبًا بالتراب والسواد، لكنه شامخ كما هو)

صبح (مخاطبًا حمزة وعواد): لماذا أتيتما وسط القصف؟
حمزة (وهو يسعل): جئنا لننقذك.
عواد (يسعل هو الآخر): نعم، جئنا لننقذك من كل هذا القصف. (متسائلًا) لقد قتلته، أليس كذلك؟
صبح: نعم. قتلته.
حمزة: وأين ذهبت له؟
صبح: أرسلته للتي تستحق أن امنحه لها..
عواد (في تعجب): من هي؟
صبح: لقد منحته للتي تحمل العلامة.
حمزة (في تعجب): إذن، قل لنا من هي.
صبح: لقد دفنته.
حمزة (في استنكار): لماذا؟ كان من الأفضل أن تسلمه لنا لكي نبادل جثته مع معتقلين أو جثث بعض شهدائنا.
صبح: دفنته؛ لأنني رأيت العلامة التي أخبرني بها أبي مرسومة على الأرض. إذن الأرض هي التي تستحق أن أمنحه إياها، وأن أعمل تحت قيادتها، وأن آخذ منها السلاح. هكذا أوصاني زريف الطول.

(يسير مبتعدًا، والاثنان يشيعانه بنظرات مندهشة منبهرة، فيما تتعالى أنشودة يا زريف الطول يا بو الميجانا في لحن صاعد ببطء)

(ستار)