لا حاجة لنا بالقوات المسلحة


محمد وهاب عبود
2019 / 6 / 15 - 23:39     

من الغباء الاصرار على مسـالة حاجة الدول والناس للقوات المسلحة, فليس هناك حاجة فعلية لتلك القوات خاصة اذا ما امعنا النظر في جملة من المفاهيم البالية التي ابتليت بها البشرية منذ قرون واصبحت خارج اطار النقد والتفكير بضمنها مفهوم تشكيل الدولة الامنة . يقول دافيدوفيتش: "عندما تُسَّخر الدولة معظم طاقاتها من أجل الدفاع تصبح دولة غير امنة " اما ماركوس أوريليوس ينظر الى هذه القضية من منظار فكري اخر قائلا: "غيَر رأيك بشأن الأشياء التي تزعجك ستكون آمنًا تمامًا من شرها "

وفقًا للمفاهيم العلمية المعمول بها حاليا هي : تحتاج الدولة والشعب إلى الحماية من هجوم الأعداء. وهناك طريقتان لضمان أمن الدولة: الطريقة العسكرية ونهج الصداقة. وتكرار عبارة" أن الدول مجبرة على الحفاظ على امنها من خلال الجيش" يلام عليها صنّاع هذه المفهوم - الغارق في الخطأ- وهم الدبلوماسيون.

واستنادا الى المفاهيم الخاطئة والمتبعة، فإن أمن الدولة تحدده القوات المسلحة. وعلى أساس هذا المبدأ الخاطئ ، وجهَ حكام الدول جهودهم نحو إنشاء الجيش وصناعة السلاح.
لقد تبنى المجتمع الدولي مقاربة خاطئة لمشكلة أمن الدولة وربط حلها بالقوات المسلحة، والتي أظهرت تضاربا وتناقضا صارخا . فوجود أسلحة قوية لا يحدد او يحقق أمن الدولة. هذه الاستراتيجية لم ولن تنجح. مثال على ذلك هو الهجمات المتكررة والواسعة التي تواجهها الدول المسلحة بالعدة والعدد واصبحت تشكل تهديدا وجوديا لكيان الدولة. الافتراض بأن أمن الدولة تحدده القوات المسلحة هو عبارة عن عقيدة/ايدولوجية سياسية.

إن أمن دولة ما يرجع إلى حقيقة وجود علاقات ودية مع الدول الأخرى. الحرب هي مشكلة خارج ارادة المجتمع والهدف الرئيسي المُعَبر عنه من قبل السياسيين لتبرير الحرب هو محاربة العدو. يرتكب الدبلوماسيون الخطأ الفادح باستمرار فبدلاً من حل المشكلة الأساسية المتمثلة في إقامة علاقات صداقة مع دولة أخرى قاموا بأعادوا صياغة لمشكلة الحرب والنظر لها برؤية ضيقة اذ بدأت الدول والمجتمعات وانصياعا لتلك الرؤية في إنشاء جيش قوي ومسلح ومُكلَف للغاية. لقد ادت صياغة السياسيين المنحرفة للمشاكل الى اعتماد نهج عسكري خاطئ وتسويقه كحل وحيد فالعسكرة كما هو معروف "ظاهرة خادعة"

عاشت البشرية عبر تاريخها رهن الأساطير والأوهام وفي توتر وتسارع مستمر انتقل الجنس البشري من وهم إلى آخر. ماذا لدينا اليوم؟ لقد رفضنا وعارضنا الأوهام القديمة سابقا والآن ندافع حتى الموت عن اساطير واوهام جديدة. في السياسة ، لطالما سادت فكرة أن أمن الدولة مشروط بالقوات المسلحة لكن تعتمد الأفكار العلمية الرصينة حول مفهوم الدولة الامنة على المنطق السليم وليس على التبرير النظري.
من بين اكثر الافكار الخاطئة والقاتلة هي أطروحة "أمن الدولة تحدده او تضمنه القوات المسلحة" فهي عقيدة سياسية ترويجية لا اكثر.

هناك صورتان للعالم. تمثل الصورة الأولى الإنسانية كمجموعة متفرقة متنافرة من الدول وصاحبة مفهوم "أمن الدولة تحدده او تضمنه القوات المسلحة" فيما تمثل الصورة الثانية الإنسانية كدولة كوكبية من الدول رؤيتها " أمن الدولة يرتبط بمبدأ الصداقة بين الدول والشعوب والاديان" هي صورة تعكس الجوهر الانساني الساعي الى الوحدة والحالم بالسلام.
اليوم , لا العلم ولا السياسة لديهما المعرفة اللازمة والكافية لظاهرة امن الدولة بينما الافكار العلمية الراسخة حول مفهوم امن الدولة هي اوهام واخطاء جامدة لا تلامس الواقع والمنطق السليم .