جوهر المشكلة


محمد وهاب عبود
2019 / 6 / 9 - 18:59     

في الطبيعة تخضع الظواهر لمبدأ "الثنائية" حيث هنالك أزواج معروفة من الظواهر: ولادة - موت ، جاذبية - تنافر ، اتحاد – تفكك , بناء - تآكل.
وقد لوحظ وجود نفس الثنائية في مجال العلاقات الدولية: ثورة - انقلاب ، استيلاء – انضمام طوعي , حرب - سلم .
ووفقًا للأفكار السياسية والدبلوماسية المعمول بها ، تدافع كل دولة عن مصالحها , بعبارة اخرى هي "أنانية الدولة" .

إن تاريخ السياسة العالمية مليء بأمثلة على اجراءات الانانية التي اتخذتها الدول بغية تحقيق مصالحها ولم تأخذ في الاعتبار مصالح الدول الأخرى ...مضطلعة بدور الشرطي العالمي اذ تقوم الولايات المتحدة بأنشطة لملاحقة مصالحها الوطنية الخاصة وتحقيقها وتمويهها بخطاب ديمقراطي زائف ...
إن أنانية الدولة لتحقيق مصالحها الضيقة بشراسة وشراهة عبر قنوات التواصل الدولي هي التي تسبب الأزمات السياسية الدولية والمحلية وتزعزع استقرار المجتمع الدولي اذ تتدخل الدول تحت ذرائع واهية في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بل إنها في الواقع تلجأ الى التدخل العنيف المغلف بالحجج والتبريرات ... إن الأنانية الحالية للدولة تتعارض مع مبادئ ومصالح التنمية السلمية المشتركة للمجتمع العالمي ككل

ويمكن القاء اللوم – بالاساس - على حكام الدول الناشئة, فبدلاً من إقامة علاقات ودية مع جيرانهم والتنسيق المشترك لطريق التقدم الاجتماعي ، يبدأون ويهتمون فقط بمصالحهم واهدافهم وبناء مجدهم.
فقد ارتكب حكام الدول الحديثة النشأة الخطأ القاتل للبشرية المتمثل باستخدامهم ظاهرة أنانية الدولة.
لمدة خمسة آلاف سنة تم استخدام ظاهرة أنانية الدولة فكل دولة تعلن - جهارا ونهارا- دفاعها عن مصالحها الخاصة. إن أنانية الدولة هي سبب التوترات والمعاناة ، والسبب في اشتباكات المصالح بين الدول ، و الصراعات بين الولايات والأعراق والحروب عبر تاريخ البشرية.
منذ لحظة ظهور الدول الأولى- وبلا جدل- كان هناك انقسام بين البشر نتيجة نرجسية او انانية الدولة ، اليوم الإنسانية رهينة لهذه الظاهرة اذ ان المصالح الوطنية كانت سببا لاضفاء الشرعية على انانية الدولة. والاكثر من ذلك نرى اليوم ان القوى الدولية العظمى ترفع الأنانية الحكومية إلى مرتبة فكرة وطنية.
أدت الأنانية المطلقة للدولة إلى حقيقة أن مصالح الدول ونخبها في حالة تصادم فبعد ظهور الدول الأولى نشأت الحاجة لتنظيم العلاقات المتبادلة ولهذه الأغراض أنشأت الشخصيات الحاكمة إدارات للسياسة الخارجية.
في تلك الأوقات لم تكن هناك دراسة علمية للدبلوماسية فقد تم تعريف مفهوم الدبلوماسية على اساس اشباع انانية الدولة/مصالحها الخاصة بوسائل لاعنفية . هذا المفهوم الخاطئ والملغوم لا يزال قائم الى يومنا هذا.
طيلة خمسين قرنا تسير وزارات الخارجية في الاتجاه الخطأ. كان هذا الخطأ هو الذي أدى إلى حقيقة أن التوترات بدأت في الظهور في العلاقات بين الدول من وقت لآخر. كان هذا الخطأ هو الذي أدى إلى تشكيل الجيوش. كان هذا الخطأ هو الذي أدى إلى نزاعات وحروب بين الدول. عبثا يحاولون حل المشاكل الدولية بما في ذلك مشكلة الإرهاب ، ولا يفهمون أنه لا يمكن حلها دون تغيير مصدر المشكلة الاساسية والأولية وهي ظاهرة أنانية الدولة.

في عصرنا الراهن ثمة اتجاهان: الاول -يدعونا للتفاؤل- اذ بدأ بطرح افكار "التفاعل الإيثاري" بين الدول في مضمار العلاقات الدولية لتجنب الصدام والتشاحن بين البشر اما الاتجاه الثاني يتمثل بتصاعد التيارات والقوى السياسية الراديكالية وخطاباتها الدافعة باتجاه المزيد من العدوانية والكراهية والتوتر. وبين هذه الاتجاهين يطرح الواقع الانساني جملة من المعطيات المتمثلة بتزايد حدة التوترات وتفاقم الازمات التي تضع المجتمع البشري امام خيارين لا ثالث لهما اما التعاون والايثار والصداقة بين سكان العالم او تحول الارض الى حلبة صراع ديكه, الخاسر فيه قتيل والمنتصر جريح يحتضر.
"إذا اردت أن تعيش لنفسك ، فعش من أجل الآخرين"
سينيكا