حول ديكتاتورية البروليتاريا


أشرف حسن منصور
2019 / 6 / 6 - 14:10     

حول ديكتاتورية البروليتاريا
"ديكتاتورية البروليتاريا" Dictatorship of the Proletariat هي المصطلح الذي ظهر في البيان الشيوعي لماركس وإنجلز (1848). أرادا منه الإشارة إلى النظام السياسي الذي سيعقب الثورة الاشتراكية وسيطرة البروليتاريا على جهاز الدولة. وديكتاتورية البروليتاريا هي عندهما النظام الذي ستتعامل معه البروليتاريا مع جهاز الدولة بعد توليها السلطة.
لا يجب أن نفهم من كلمة "ديكتاتورية" هنا معناها الذي ارتبط بها في القرن العشرين، والذي صار يدل على نظام سياسي يتصف بالطغيان والاستبداد وحكم الفرد والفاشية. فكل هذه المعاني لم تكن مرتبطة بهذا المصطلح في القرن التاسع عشر، ولم تكن مقصودة بالطبع من ماركس وإنجلز عندما وضعاها في البيان الشيوعي أو في الأعمال اللاحقة عليه. كل ما كان يقصده ماركس من ديكتاتورية البروليتاريا هو المعنى الدستوري والقانوني الروماني القديم لكلمة "ديكتاتور"، وهي الحق الاستثنائي الذي يمنحه مجلس الشيوخ لشخص تنفيذي، في حالة الأزمات والأخطار التي تهدد كيان الدولة، والذي يخوله سلطة إصدار كافة القوانين والأوامر دون العودة إلى مجلس الشيوخ، وكذلك الإجراءات الضرورية واجبة النفاذ لحماية الدولة من خطر واضح وجسيم يهددها بالزوال. الديكتاتور إذن في القانون الروماني Dictator هو من له حق استثنائي في إملاء القوانين، فهي سلطة إملائية، والكلمة أتت منها Dictate أي يملي. وبذلك تكون الديكتاتورية هي سلطة تشريعية استثنائية تمنح لشخص تنفيذي، تمكنه من وضع كل إمكانات الدولة تحت يده، بصورة مؤقتة، لمواجهة الخطر القائم وإنقاذ الدولة.
توقع ماركس وإنجلز أن يكون المجتمع في حالة فوضى شاملة بعد الثورة اشتراكية، كما توقعا أن تقوم القوى الرأسمالية بإثارة الحروب والصراعات والفوضى وتحاول القيام بثورة مضادة، مما يستدعي حينئذ سلطة قوية حاسمة تستطيع إنقاذ المجتمع وحماية جهاز الدولة. المقصود بديكتاتورية البروليتاريا إذن هو حماية المجتمع وجهاز الدولة من قوى الثورة المضادة. وكانت عندهما سلطة استثنائية مؤقتة أيضاً، لحين إعادة تنظيم المجتمع، والانتقال من الاشتراكية إلى الشيوعية. إن جهاز الدولة الذي ستستولي عليه البروليتاريا هو جهاز بورجوازي في الأساس، البورجوازية هي التي صنعته وهي التي كانت تسيطر عليه وتديره قبل الثورة الاشتراكية، ومع استيلاء البروليتاريا على هذا الجهاز يكون لزاماً عليها السيطرة القوية عليه كي لا يكون هذا الجهاز أداة في يد ثورة مضادة أو أن تكون هناك خلايا بورجوازية نائمة فيه أو "دولة عميقة" داخل جهز الدولة الذي صنعته البورجوازية من البداية. وكان في ذهن ماركس وإنجلز التجارب الثورية السابقة عليهما في أوروبا، خاصة ما حدث في الثورة الفرنسية، إذ تولت الجمعية التأسيسية (1789 – 1792) سلطات ديكتاتورية استثنائية، قانونية وإدارية، وبعد إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية، تولت حكومة المدراء -dir-ectoire نفس السلطات الديكتاتورية (1795 – 1799)، حتى وصول نابليون للسلطة.
كان نموذج الثورة الفرنسية وسلطات الجمعية التأسيسية وحكومة المدراء في ذهن ماركس وإنجلز عندما تحدثا عن ديكتاتورية البرولتياريا.