الدكتاتورية وإنشاء الديمقراطية


ييلماز جاويد
2019 / 6 / 2 - 10:10     

عند نشوء البشرية ، سواء قسنا على أساس الفكر الديني من خلق الربّ لآدم ، أو فكر داروين في تطوّر الكائنات الحيّة من الأسلاف ، كان الإنسان ، قبل تكوين المجتمعات ، يتمتع بالحرية الفردية المطلقة ، ولم يكن الفرد متعلّقاً بآخر لأي سبب ، حتى إضطر إلى أن يلتقي مع غيره إتقاء الحيوانات الكاسرة التي كانت تهدد حياته . في هذه المرحلة بالذات أصبح الإنسان بحاجة إلى نوع من النظام الذي يحدد مسؤولية كل فرد في الجماعة في إطار المصلحة المشتركة ، فتكوّنت أولى حلقات التنظيم الإداري الذي أوجدت لائحة المتطلبات ومسؤولي التنفيذ . ومع تقدّم الحياة وكبر حجم تلك الجماعات جاءت الحاجة لوجود رأس للمنفذين ، يراقب التنفيذ ويصحح المسار ، فكانت البداية لتقسيم المجتمع إلى قسمين (آمر ومأمور) واحد يأمر Dictate وآخر ينفذ Apply ، ومن يومها أصبح ذلك نظاماً لسير كافة الأعمال سواء في التجمّعات البشرية الصغيرة كالعائلة ، أو المتوسطة كالقبيلة والعشيرة أو الكبيرة كالدول ، وأيضاً في أي تنظيم إداري كالمدارس والجمعيات والأعمال التجارية أو الصناعية والزراعية . فالأصل في أي نظام أن يكون هناك آمر Dictator يُملي ، وجهة ثانية تطيع وتنفذ .
بمرور الزمان إنتشر الوعي والإحساس عند الشعوب ، بعدم عدالة انظمة الحكم ، فإنتشرت الدعوات في المجتمعات من أجل حياة أفضل ، وتحوّلت إلى صراعات ، مختلفة المستويات ، حسب ما تفرضه الظروف الذاتية والموضوعية ، في كل مجتمع ، بدءاً بالصراع في تغيير رئيس العشيرة ، ثم الصراع في تغيير وتبديل حاكم أو ملك ظالم بآخر يتوسم فيه أن يكون عادلاً ، ثم في ثورات يقودها فلاسفة توصلوا إلى وضع مبادئ يتوخون بها تحقيق العدالة ، فكانت الثورة الفرنسية عام 1789 م تحت شعار الحرية والمساواة ، فكانت البذرة الأولى للنظام الديمقراطي ، تحت آلية أن أبناء الشعب المتساوون في الحقوق ينتخبون الحكام ، ولهم الحق في إقالتهم إذا لم يكونوا عادلين .
فالخلاصة ، أن الفكر البشري قد توصّل ، عبر التاريخ الطويل ، إلى بناء النظام الذي يسمى " النظام الديمقراطي" : أن أبناء الشعب يذهبون بحريتهم الكاملة وينتخبون بملء إرادتهم حكاماً Dictators ليصدروا القرارات بإسمه وينفذونها على مًن يرضى بتلك القرارات أو لا يرضى !
لا شك أن جميع شعوب العالم مؤهلة لبناء الديمقراطية ، ومنها شعبنا العراقي ، ولكن تبقى مسألة أي مستوى من الديمقراطية يمكن بناؤه في كل مجتمع ، فتلك تعتمد على مدى قوة وسيطرة أصحاب السلطة بالقياس إلى قوة وتماسك ووحدة أبناء الشعب والقوى السياسية المطالبة بحقها والداعية للإصلاح . أصحاب السلطة ، في دفاعهم عن مصالحهم ومواقعهم يستخدمون كافة الوسائل ، من ضمنها الصلاحيات المفوضين بها في إنتخابهم ، بينما يطالب أبناء الشعب بحقوقهم المهدورة . وسيستمر هذا الصراع في كل مجتمع ، على أمل أن تأتي كل دورة إنتخابية بحكامٍ أعدل من سابقيهم .