السودان: ماذا بعد الإضراب العام؟


محمد حسام
2019 / 6 / 2 - 07:57     

كان الإضراب العام في يومي 27 و28 من الشهر الماضي هو سطر جديد في كتاب النضال السوداني الذي افُتتح في العام ديسمبر العام الماضي. سطرت الجماهير السودانية ملحمة بطولية في إضرابها عن العمل رغم تهديدات المجرمين أعضاء مجلس عسكر الثورة المضادة.

أظهرت الجماهير من هو المتحكم الفعلى على الأرض، من يستطيع أن يحرك وأن يشل البلاد، هل العمال والموظفين الكادحين أم هم الطفيليات رجال الأعمال والعسكريين؟، وبعد نجاح الإضراب في أغلب القطاعات العمالية والخدمية، من عمال الكهرباء والأطباء وعمال الموانئ والمطارات وموظفي بنك السودان المركزي وغيرها من القطاعات، تأكد مجلس عسكر الثورة المضادة أنه أصبح على شفا السقوط تحت أقدام الثور السودانية التي تشق طريقها نحو النصر بخطى ثابتة ولكنها بطيئة، وتأكدت الأنظمة الرجعية و الديكتاتورية العربية أن الثورة السودانية قاب قوسين أو أدنى من القضاء على النظام الرأسمالي التابع هناك.

هجوم الثورة المضادة المحلية والإقليمية:

بعد نجاح الإضراب العام أيقن مجلس عسكر الثورة المضادة ومن وراءه حلفائه الرجعيين في الدولة المصرية والعصابات الخليجية، أصبحوا على يقين أن عليهم تنظيم الهجوم النهائي على الثورة السودانية في أقرب فرصة، أصبحوا موقنين أنهم أن أعطوا الثورة مزيد من الوقت فإن الجماهير ستزيد من تنظيمها.

لقد بدأ هجوم الثورة المضادة، وهو ما يظهر بوضوح من خلال الهجمات المسلحة على ميدان الإعتصام أمام القيادة العامة، حيث بدأ المجرم محمد حمدان دلقو في إطلاق يد مليشياته صاحبة السجل الحافل في إرتكاب جرائم حرب في دارفور من حرق وقتل وإبادة جماعية وإغتصاب، أطلق يدها في مهاجمة الجماهير المعتصمة وحصارها، وما حدث في الأيام القليلة الماضية ما هو سوى مقدمة لأحداث أكثر دموية ومجازر أكثر بشاعة قادمة إن لم تستبق الثورة مجلس عسكر الثورة المضادة وتسدد له ضربة قاضية عن طريق إعلان عصيان مدني وإضراب عام سياسي ولكن ليس من أجل الضغط عليه ولكن من أجل تشكيل حكومة ثورية من قلب الجماهير المضربة والقطاعات المضربة التي أعلنت عصيانها على النظام القديم بكل ما يحمله من قمع وإستبداد وبطش وافقار لأغلبية الشعب السوداني.

لقد تم دعوة رئيس مجلس عسكر الثورة المضادة عبدالفتاح البرهان في اجتماع جامعة الدول العربية، والحقيقة أن ذلك ليس بالفعل الغريب، فجامعة الدول العربية ما هي في الحقيقة إلا تحالف الحكومات العربية الديكتاتورية لتنظيم هزيمة الجماهير العربية وضمان استمرار استعبادها، لقد جاؤوا بممثل الثورة المضادة في السودان ليؤكدوا حقيقة أن لا بديل أمام الجماهير السودانية المنتفضة إلا القبول بسلطة الأمر الواقع، وأن مجلس عسكر الثورة المضادة يحظي بدعم حكومات الجمهوريات الرأسمالية الديكتاتورية.
من المستحيل أن يدعو الديكتاتور القمعي عبدالفتاح السيسي مثلاً ممثلي الثورة السودانية ليتشاور معهم حول الثورة السودانية ومهمها، من الطبيعي أن يستدعي رئيس المجلس العسكري للثورة المضادة، ومن الطبيعي أن يذهب البرهان ملبياً دعوة أستاذه في مصر، يلبي دعوة من سيسير على خطاه في هزيمة وسحق الثورة والثوار.

إن مجلس عسكر الثورة المضادة يحظى بدعم جميع حصون الثورة المضادة، ولا يجب أن يعول الثوار السودانيين على أي دعم خارجي سواء من الحكومات الأوروبية أو من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، أو حتى من الاتحاد الأفريقي، فهؤلاء جميعاً يدعمون الآن عبدالفتاح السيسي الذي ارتكب مجازر في حق مئات من المصريين و الذى يقبع في سجونه الآلاف من المعتقلين، فجميع الحكومات الجمهورية الرأسمالية ستذهب مرهولة لعبدالفتاح البرهان عندما تري أنه المسيطر الأقوي على الساحة، وهذا بجانب الدعم الذي سيحظى به من ممالك الرجعية في الخليج، مثل ما حدث في الثورة المصرية.

لكن التجربة السودانية أعمق وأكثر قوة من التجربة المصرية، والتحالفات في معسكر الثورة فيها أكثر وضوحاً من التجربة المصرية، ولهذا سيكون من الأصعب هزيمة الثورة السودانية بنفس طريقة هزيمة الثورة المصرية، ولكن الأكيد أن الوقت ليس في صالح الثورة السودانية، الأكيد أن الوقت في صالح الثورة المضادة لهذا يجب تنظيم الهجوم في أقرب وقت.

نحو هدم سلطة مجلس عسكر الثورة المضادة ودولته:

يجب على الثوريين السودانيين تنظيم الهجوم النهائي على الدولة الجمهورية السودانية، إن أى تلكأ في تنظيم الهجوم هو أشبه بكتابة شهادة وفاة الثورة وحفر قبور الثوار. أن أى مراهنة على استئناف المفاوضات مع مجلس عسكر الثورة المضادة هو رهان يتسم بالغباء الشديد إن لم نقل بالخيانة الواضحة، خصوصاُ بعد أن أصبح من الواضح أن هذا المجلس مهمته الوحيدة هي حماية النظام من السقوط الكامل، وحماية رموز النظام من غضب الجماهير الثورية، وقطع الطريق على الثورة ومنعها من التطور والقضاء على كامل النظام السياسي والاقتصادي القائم.

يجب الدفع نحو مزيد من التنظيم الذاتي في الشوارع والأحياء والمصانع والشركات والمؤسسات، وانتخاب مندوبين يخضعون للرقابة الدائمة والمحاسبة والعزل في أى وقت من قبل الجماهير التي انتخبتهم، لتتشكل قيادة من قلب الثورة، قيادة من القاعدة للقمة، قيادة تنتمي للجماهير الثورية تقودها للقضاء على النظام بشكل حقيقي، لأخذ زمام السلطة بأيديها لتغيير نمط الإقتصاد الرأسمالي التابع، وإنشاء نمط اقتصادي قائم على السيادة الوطنية وبناء صناعة وتطوير الزراعة وتطوير منظومة التعليم والصحة، لتكون الخطو الأولى لبناء الإشتراكية.

إن طريق القضاء على سلطة مجلس عسكر الثورة المضادة يبدأ من إعلان العصيان المدني الشامل والإضراب العام السياسي لإلغاء كل سيطرة للمجلس على المجتمع والبلاد، والبدأ في تنظيم المجتمع وتسييره عن طريق لجان الجماهير المنتخبة من قبل المجتمع، وحث الطبقات الدنيا وقاعدة المؤسسة العسكرية من جنود وصغار ضباط للإنضمام لصف الثورة ووضع سلاحهم فى خدمة الجماهير الثورية.

يجب العمل على تجاوز مرحلة سيطرة جنرالات الثورة المضادة ورجال أعمالهم على المجتمع في أقرب فرصة وبأسرع ما يمكن، وإلا سيعملون هم على هزيمة الثورة بكل قوتهم وبكل الوسائل القذرة التي في حوزتهم وسيكون في خدمتهم جميع الحكومات العربية الديكتاتورية عملاء الصهيانة، هؤلاء الذين يسهرون على تخلفنا و استعبادنا لصالح دول المراكز الإقتصادية.

في النهاية رسالة للجماهير المنتفضة والثوريين السودانيين، يجب أن تعلموا أنكم لا تتكلمون بأسمكم فقط ولا تقاتلون من أجلكم فقط، بل تقاتلون من أجلنا جميعاً، تقاتلون بأسم جميع المضطهدين والمعذبين في هذا الكوكب، بأسم كل من حكم عليهم أن يولدوا و يعيشوا في بلدان ومجتمعات من بلدان الأطراف، مجتمعات حكم عليها بالتخلف لخدمة البدان المتطورة، مجتمعات حكم عليها أن تحكمها طبقات حاكمة وحكام لا يأبهون بتقدم المجتمع بل يأبهون فقط بالتكيف مع الوضع العالمي، يأبهون فقط بالبقاء كوكلاء للحكومات الإمبريالية، حكومات المراكز الإقتصادية. لذلك يجب أن تعلموا حجم التحديات والمهام التي أمامكم، أنتم على وشك قلب النظام العالمي المأزوم رأساً على عقب، يجب أن تتمسكوا بهذا الهدف حتى النهاية أياكم والتراجع أو المساومة.

المجد للشهداء والشفاء للجرحى والحرية للمعتقلين
ابنوا الخلايا والتنظيمات الثورية في كل مكان
تسقط قوات قمع الشعوب (الشرطة والجيش)
تسقط حكومات رجال الأعمال
لا حل سوى انتصار الثورة الاشتراكية بحكومة عمالية