الأزمة البنيوية .. والمأزوم الحقيقي!

عصام مخول
2019 / 5 / 30 - 22:52     

إن السقوط المدوي لنتنياهو زعيم الفاشية الاسرائيلية والعودة الى صناديق الاقتراع ، هو التعبير الاعمق وغير المسبوق عن أزمة الحكم في اسرائيل . لكن عمق الازمة لن يقلل من خطر الفاشية في اسرائيل بل يفاقم هذا الخطر. فالفاشية قد تصبح ملاذ المأزومين والمهزومين .

ما كشفته مصادقة الكنيست على حل نفسها الليلة الماضية ، قبل ان تبدأ عملها الحقيقي وقبل ان تشكل لجانها، هو تعبير عن عمق أزمة السياسة المستعصية التي دخل فيها النظام السياسي الحاكم في إسرائيل . والحقيقة أن هذه الأزمة أكبر من نتنياهو وأكبر من ائتلافه الفاشي القائم على تحالف رأس المال المعولم الكبير ومعسكر المستوطنين والنهب والاحتلال، مهما ظللتهم مظلة الامبريالية الامريكية ومظلة ادارة الرئيس ترامب المثقوبة ، ومهما تفننت هذه الادارة في مشاريعها التدميرية في المنطقة وفي العالم وفي صلبها صفقة القرن التعيسة المتعثرة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية .
إن تعمق الازمة البنيوية في اسرائيل من شأنه أيضا أن يعمق أزمة المشاريع الامريكية وعكاكيزها المهترئة في المنطقة بدءا من البحرين ومؤتمرها الاقتصادي وحتى استفزازت امريكا العدوانية وحاملات طائراتها في منطقة الخليج.
ويخطئ من يظن أن الدور الاساسي للقوى البديلة العربية واليهودية التقدمية وغير التقدمية في الكنيست هو أن "تمرمر لنتنياهو حياته" (كما توعّد لبيد وحزبه كحول لفان)، ويخطئ من يصور التناقض الرئيسي وكأنه مع نتنياهو الشخص ولوائح الاتهام بحقه ، وليس مع البنية السياسية والاستراتيجية الفاسدة والمدمرة أصلا في اسرائيل، وأكتب هذا على الرغم من إقراري وقناعتي بخطورة دور الفرد في التاريخ ، وخصوصا حين يكون الفرد قائدا للمعسكر الفاشي وقد أشرف على بنائه بنفسه لبنة لبنة عبر سنوات طويلة.
إن تعامل قوى المعارضة في الكنيست على اختلاف مشاربها، مع الطريق المسدود الذي وصلت اليه محاولات نتنياهو الفاشلة لتشكيل حكومته وبناء ائتلافه المستقبلي راوح بين خيارين : خيار إفشال مناورات نتنياهو وخطته الرامية الى حل الكنيست والذهاب الى انتخابات جديدة تقطع الطريق على رئيس الدولة لئلا يقوم بإلقاء تشكيل الحكومة على عضو كنيست آخر، حتى ولو كان من حزب الليكود (حزب نتنياهو نفسه) . فالمعارضة مقتنعة أن من شأن هذا السيناريو أن يبقي نتنياهو على قارعة السياسة الاسرائيلية ، يواجه لوائح اتهامه دون ان يتمكن من تشريع قوانينه الالتفافية على الجهاز القضائي وعلى حكم القانون. وواضح وفق هذا المنطق أن نتنياهو ومصيره الشخصي والقضائي المهزوز هو المطروح في مركز الحسم لدى قوى المعارضة الطامحة الى الحكم من دون الطموح الى المس بالبنية السياسة السائدة ومضامينها وأزمتها القاتلة.
اما الخيار الثاني والذي اتخذته كتلة الجبهة والعربية للتغيير بدعم حل الكنيست واجراء انتخابات برلمانية جديدة ، فهو يكشف عن عمق ازمة الحكم البنيوية في اسرائيل وأزمة سياستها الاقليمية والعالمية ، حتى ولو كان هذا التصويت يلتقي مع تصويت نتنياهو وحزبه وأحزاب ائتلافه.
إن نظرة معمقة أكثر الى الاحتمالات الحقيقية القائمة بشكل فعلي وفق خيار التصويت لمنع حل الكنيست كما فعلت كحول لفان واحزاب المعارضة ، تشي بأن من شأن هذه المناورة أن تؤدي الى غياب نتنياهو عن الحكومة القادمة ، او عن قيادتها على الأقل ، ولكن ان تقود في الوقت نفسه الى تشكيل حكومة وحدة قومية من دون نتنياهو الشخص، ولكن من دون التخلص من سياساته المأزومة ، وهو موقف مثابر دعت اليه كاحول لفان منذ أشهر، تشارك فيها الى جانب الليكود واتحاد أحزاب اليمين ويسرائيل بيتنو والمتدينين المتشددين وربما حزب العمل ،
إن من شأن مخرج كهذا أن ينفّس الازمة السياسية العميقة في اسرائيل ويؤجل تفجرها ، ومن شأنه أن يبقي ممثلي الجماهير العربية وحدهم بعيدا على قارعة السياسة في اسرائيل وعلى قارعة المعارضة السياسية ايضا.
اعتبرنا في الماضي ونعتبر اليوم أن دورنا في الحزب الشيوعي والجبهة، هو أن نطرح بديلا فكريا وسياسيا للفكر والسياسة السائدة في اسرائيل . دورنا أن نكشف عمق الازمة البنيوية الحقيقية في اسرائيل كأزمة نظام سياسي استراتيجية وليست تكتيكية او موضعية فقط ، ورأينا على طول الطريق ، أن دورنا الاساسي هو أن نهز هذا النظام من الأعماق كلما لاحت الفرصة لذلك وكلما استطعنا الى ذلك سبيلا .
في الليلة الماضية كانت الفرصة حاضرة وكان علينا أن ندعم حل الكنيست وندفع نحو انتخابات جديدة، وحسنا فعل نواب الجبهة والعربية للتغيير والموحدة والتجمع حين صوتوا الى جانب حل الكنيست . لأن بنية الخارطة السياسية القائمة ليس بمقدورها ان تنتج الحلول لأية قضية حقيقية مطروحة بل من شأنها أن تعمّق الازمة .
إن السقوط المدوي لنتنياهو زعيم الفاشية الاسرائيلية والعودة الى صناديق الاقتراع ، هو التعبير الاعمق وغير المسبوق عن أزمة الحكم في اسرائيل . لكن عمق الازمة لن يقلل من خطر الفاشية في اسرائيل بل يفاقم هذا الخطر. فالفاشية قد تصبح ملاذ المأزومين والمهزومين . وهذا يتطلب منا أن نشحذ طاقاتنا كلها في هذه المرة وان نوجّه عينا واحدة الى معركة الانتخابات، وعينا الى بناء الجبهة اليهودية العربية المناهضة للفاشية، فلا المعركة الانتخابية انتهت ولا المعركة الكفاحية الميدانية توقفت ، فحي على الكفاح وتحقيق النصر !