محاكمة النواب البلاشفة في الدوما - البلشفية طريق الثورة


آلان وودز
2019 / 5 / 26 - 09:40     



الفصل الخامس: سنوات الحرب

محاكمة النواب البلاشفة في الدوما


ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي

تسبب اعتقال نواب الدوما في مشاكل جديدة للحزب. ورغم أن الفروع المحلية تمكنت من إصدار بعض المنشورات الاحتجاجية السرية، فإنه لم يكن من الممكن تنظيم حركة عامة باستثناء بعض الإضرابات الصغيرة. سبقت محاكمة أعضاء الدوما موجة من الاعتقالات، كما كان هناك وجود مكثف للشرطة في شوارع المدن الرئيسية من أجل "تهدئة الطبقة العاملة". وفي فبراير شارك 4.630 شخصا في الاضرابات السياسية الاحتجاجية، وهو الرقم الذي لا يعتبر سيئا بالنظر إلى الظروف الصعبة للغاية، لكنه، بالرغم من ذلك، عدد قليل جدا، كان يعكس حالة الاحباط السائدة بين غالبية العمال.

كان أداء النواب في المحاكمة غير متشابه، فقد اقتصر م. ك. مورالوف على الاعتراف بأنه عضو في الحزب الاشتراكي الديمقراطي العمالي الروسي وكونه نائبا منتخبا من طرف العمال. لكن خطاب ج. إ. بتروفسكي "شرَّفه"، حسب تعبير لينين. ومع ذلك، فقد انتقد لينين بعض ممارسات الدفاع. فعلى سبيل المثال نفى المتهمون أي مشاركة شخصية من جانبهم في المنظمات غير الشرعية للحزب. كما أن كامينيف، عضو اللجنة المركزية، الذي اعتقل وحوكم مع نواب مجلس الدوما، ألقى خطابا لم يعبر فيه عن الشجاعة التي يمكن توقعها من شخص في منصبه، وهو ما أثار استياء لينين. وفي إشارة إلى محاكمة نواب الدوما، كتب تروتسكي:

«حافظ المتهمون، في المحاكمة التي جرت في 10 فبراير، على نفس الموقف. ولم يكن إعلان كامينيف بأن الوثائق التي وجدت معه "تتناقض مع وجهات نظره الخاصة بشأن الحرب الحالية" راجعا لقلقه على سلامته الشخصية فقط، بل كان في الأساس يعكس موقف قيادة الحزب بأكمله تجاه تكتيك الانهزامية. لقد تسببت تكتيكات المتهمين الدفاعية في إضعاف الأثر التحريضي للمحاكمة، مما أثار استياء لينين الشديد. كان في مقدور الدفاع القانوني أن يسير يداً بيد مع الهجوم السياسي. لكن كامينيف، الذي بالرغم من ذكائه وثقافته، لم يكن مؤهلا لمواجهة الحالات الاستثنائية. قام المحامون من جانبهم بكل ما بوسعهم، حيث رفضوا تهمة الخيانة، وتنبأ أحدهم، بيريفيرزيف، في المحاكمة قائلا إن إخلاص النواب العماليين لطبقتهم سيسجل إلى الأبد في ذاكرة الأجيال القادمة، في حين أن نقاط ضعفهم (عدم الاستعداد واعتمادهم على مستشاريهم، وما شابه) كل ذلك سوف يسقط، مثل قذيفة فارغة، إلى جانب تهمة الخيانة الكاذبة».[1]

كان لينين يتوقع شيئاً أكثر من ذلك. ففي الوقت الذي كان فيه جميع قادة الأممية الثانية ينبطحون، كان لينين ينتظر من المحاكمة أن تكون فرصة للبلاشفة لكي يقفوا ويقدموا عرضا علنيا واضحا للحزم والشجاعة. كان ينبغي للمحاكمة أن تكون محطة لرفع الروح الكفاحية للعمال في روسيا وعلى الصعيد الأممي. لكن تم تضييع الفرصة. كما أن تكتيكات الدفاع المهادنة التي تبنوها لم تؤد إلى تخفيف العقوبات عليهم، حيث تم الحكم على المتهمين بالنفي المؤبد إلى سيبيريا. لكن وعلى الرغم من شكوك لينين فإن المصير الذي تعرض له النواب البلاشفة ساعد على زيادة مصداقية البلاشفة في نظر الجماهير، التي لم تتمكن من فهم تفاصيل النقاط الدقيقة للدفاع، لكنها رأت أن قادتها البرلمانيين كانوا على استعداد للذهاب للسجن من أجل الدفاع عن مبادئهم. بعد المحاكمة أكد لينين أن البلاشفة لديهم دعم أربعة أخماس العمال الواعين في روسيا. كان هذا صحيحا بالتأكيد في عام 1914، كما رأينا. فقبل الحرب كان حوالي 40 ألف عامل يشترون برافدا بشكل منتظم. وكان يقرأها عدد أكبر من ذلك. وعلى الرغم من الاعتقالات والسجن والنفي، فقد استمر هذا التقليد –الذي هو تقليد بلشفي- قائما. ورغم أن قوة المنظمة تراجعت بشكل كبير، فإنها استمرت حية في قلوب وعقول العمال. وكانت هذه هي التربة التي سمحت للتيار الثوري في النهاية أن يزدهر مرة أخرى.

لكن وضع الحزب في ذلك الوقت كان سيئا، فقد تراجعت أعداد أعضاءه مع اندلاع الحرب. كانت خلايا المصانع السرية تشكل التنظيم القاعدي البلشفي الأساسي. لكن عدد العمال النشيطين في تلك الخلايا كان قليلا جدا في ذلك الوقت. وبسبب الاعتقالات والتجنيد، صارت نسبة الأعضاء الجدد عديمي الخبرة عالية في الحزب. كانت اللجنة المركزية البلشفية تضم لينين وزينوفييف وشيليابنيكوف، الذي كان مسؤولا عن العمل داخل روسيا، وكروبسكايا التي كان عملها كسكرتيرة للحزب ضروريا لا غنى عنه. كان هذا كل شيء! لم يتم تشكيل مكتب روسي للجنة المركزية إلا في خريف 1915. ومع حلول خريف العام التالي أعيد تنظيم المكتب. آلت القيادة إلى كل من زالوتسكي ومولوتوف وشيليابنيكوف وبقي الحال كذلك حتى فبراير 1917. تدريجيا وبصعوبة شديدة بدأ الحزب يعيد تنظيم صفوفه داخل روسيا. كانت المجموعة الأكثر أهمية موجودة في بتروغراد بطبيعة الحال. ويقال (في كتاب Istoriya KPSS) إن عشر لجان محلية كانت تشتغل هناك، بالرغم "من الانقطاعات" (أي أن وجودها كان ضعيفا).

لكن بحلول عام 1915، تغير المزاج وبدأت الجماهير تتخلص تدريجيا من خوفها. وبحلول النصف الثاني من عام 1915 اندلعت بالفعل بعض الإضرابات المتقطعة في موسكو ضد ارتفاع تكلفة المعيشة. وقد انعكس هذا التغير على شكل انتعاش تدريجي لعضوية الحزب. في نوفمبر 1914، كان لدى منظمة الحزب في بتروغراد ما بين 100 و120 عضوا فقط، لكن بحلول ربيع عام 1915، ارتفع هذا العدد إلى 500 وإلى 1200 بحلول الخريف. وفي منتصف عام 1916 وأوائل عام 1917، صار هناك 2000 عضو في العاصمة. حتى في المناطق النائية كانت منظمات الحزب قد بدأت بدورها في توسيع صفوفها. وبصرف النظر عن العمال، كانت هناك أيضا مجموعات من الطلاب، بل وحتى الجنود والبحارة من أسطول بحر البلطيق. كان الوضع نفسه في أماكن أخرى. ففي خاركوف كان هناك 15 عضوا فقط في ربيع عام 1915، لكن بحلول الخريف ارتفع العدد إلى 85، وبعد عام واحد وصل إلى 120. في ييكاتيرينوسلاف كان هناك 200 عضو في نهاية عام 1915، لكن بحلول نوفمبر 1916 وصل الرقم إلى 300، ومع بداية عام 1917 ارتفع إلى 400. لقد كان الحفاظ على انتظام الاجتماعات السرية، حتى عندما كان عدد الأعضاء قليلا، هو مفتاح النجاح الذي تحقق لاحقا.

وتدريجيا بدأ عمل الحزب ينتعش. كان العمل يتم في المنظمات الشرعية، مثل التعاونيات والجمعيات. ومع ذلك فقد كانت ظروف هذا العمل صعبة وخطيرة. يزعم كتاب Istoriya KPSS إن الحزب كانت له مجموعات في 29 بلدة ومدينة وهي: بتروغراد وموسكو وخاركوف ويكاتيرينوسلاف وكييف ومكييفكا وسمارة وساراتوف وريازان ونيجني نوفغورود وروستوف أون دون وأوديسا وإكاترينودار وباكو وتفليس وإيفانوفو فوزنيسينك وتولا وأوريخوفو زييفو وتفير وغوميل وفيازما وريفيل ونارفا ويوريفا وإيركوتسك وزلاتوست وييكاتيريبورغ وأورينبورغ. ومع ذلك ينبغي التعامل مع هذه المزاعم بحذر. فالعديد من هذه المجموعات كانت مجرد أسماء، وكان وجودها شكليا. تعرض العمل لعراقيل مستمرة بسبب اختراق البوليس والاعتقالات. في الغالب كانت العديد من تلك المنظمات تفتقر إلى الاستقرار والاستمرارية، مثلما كان حال لجنة بتروغراد التي تعرضت للتحطيم 30 مرة على الأقل، رغم أنه كانت تتم إعادة تشكيلها في كل مرة.

يتطلب العمل السري في زمن الحرب أشد أشكال المركزية والسرية صرامة. كان من المستحيل عمليا الإبقاء على مبدأ الانتخاب. كان الانتخاب هو الاستثناء وليس القاعدة. كانت اللجان تتشكل عن طريق التعيين: كانت اللجنة الإقليمية (Rayonny komitet) المشكلة من أعضاء خلايا المصانع المحلية، ترشح أعضاء اللجنة المحلية (Gorodsky’ komitet) التي كان لها الحق أيضا في ضم عمال ذوي خبرة. كان من الحتمي حدوث بعض التجاوزات، إلا أن القواعد كانت تبقى، بقدر الإمكان، على علم بجديد الاجتماعات والصحافة السرية. وقد لعبت الجريدة، على الرغم من جميع الصعوبات، دورا حيويا في الحفاظ على وحدة قوى الحزب. بعد ثلاثة أشهر على اندلاع الحرب، تم اصدار جريدة بلشفية جديدة، سوتسيال ديموكرات (Sotsial Demokrat)، والتي صدر منها، في الفترة ما بين أكتوبر 1914 ويناير 1917، 26 عددا (من العدد 33 إلى 58)، بمعدل عدد واحد في الشهر- وهو الشيء الذي يعتبر إنجازا عظيما في ظل تلك الظروف.

هوامش:

1: L. Trotsky, Stalin, p. 169.