-محاربة الفساد- ام تأديب الابناء العاقين- محاربة الفساد من وجهة نظر التيار الصدري!


نادية محمود
2019 / 5 / 21 - 14:38     

احتلت الاسبوع المنصرم اخبار معاقبة التيار الصدري لاحد معاونيه بقضية "فساد"، وهو كاظم العيساوي مساعد مقتدى الصدر، و قائد في سرايا السلام، الميلشيا التابعة لييتار الصدري. ووضع العيساوي امام خيارين: اما اختيار بزنسه الذي جاء بفعل وجود في الميلشيات وفي التيار الصدري، او اختيار الصدر والتخلي عن ثرواته! تقدّر ثروة العيساوي ب 13 مليار دولار!

أنصار الصدر، تظاهروا بعد قرار الصدر هذا، امام مول البشير، وهو واحد ممتلكات العيساوي، من بين العديد، في النجف هجموا عليه، و احرقوه، ودافع أمن المول عن المكان، فأردوا اربعة قتلى في الحال، ويجرح اقل من 20 متظاهرا صدريا. هذا ناهيك عن وصولهم- اي انصار الصدر- الى بيت العيساوي نفسه وتهديد امنه وامن اسرته.

في هذا الحادث السريع تتبدى واضحة عدة مسائل:

الاولى وهي كيف تدار قضية "محاربة الفساد" من وجهة نظر احزاب السلطة ذاتها؟ باعتراف احزاب السلطة والتيار الصدري على رأسها، هنالك عشر ملفات فساد كبرى تنتظر في القضاء العراقي البت فيها، تتعلق بصفقات اسلحة، بالحصة التموينية، الكهرباء، امانة بغداد، وغيرها، تبلغ عشرات المليارات من الدولارات، ومن قبل مسؤولي الدولة انفسهم( ومنذا الذي يعقد هذه الصفقات غيرهم؟؟)! لكنه لم يحرك احد ساكنا. لم يطرد احد، لم يتهجم على ممتلكات احد من زملائه في السلطة التشريعية او التنفيذية او القضائية!!

ثانيا: يبدو ان الصدر اراد الشروع بحل قضية " الفساد!!!" مبتدئا من منظمته، وحزبه وتياره وميلشياته.لم يتوجه الصدر الى اولئك الذي افسدوا بالصفقات المذكورة اعلاه، فهذه بايدي القضاء ، بعضها ينتظر من سبع سنوات، بل اراد ان "يحارب الفساد" في صفوف تياره. فبدأ باقرب مساعديه، قادة ميلشياته ( سرايا السلام). الرجل المنحدر من اسرة فقيرة والذي تمكن من جمع 13 مليارا، بفضل وجوده في التيار. بدأ الصدر ب" محاربة الفساد" بمن هم تحت سيطرته، بمعاقبة الابناء العاقين اذا ما خرجوا عن الطريق، وتنكروا لرب نعمتهم! انه حكم قانون اسمه قانون الغاب. القوي يأكل الضعيف. من هو اعلى سلطة يستطيع تجريد املاك من هو ادنى مرتبة، وخاصة ان تلك الثروات جائت بفعل المحسوبيات والعلاقات الزبائنية.


ثالثا: رجل الدولة مقتدى الصدر لم يلجا الى قضاء دولته، لم يقدم اية اوراق ادانة، و لم ترفع اية دعاوى قضائية ضد المتهم( حيث ووفق الدستور المتهم بريء الى ان تثبت ادانته) فكيف جرى اطلاق الحكم، تنفيذ الحكم، والاكثر من هذ، المضاعفات الجانبية لهذه العقوبة،حيث فقد اربعة اشخاص حياتهم في المواجهة بين جماعة التيار الصدري الذي تظاهروا امام المول،و هجموا عليه، وبين الامن الذي دافع عنه.فالهجوم على المول -وهو احد ممتلكات المتهم - هو مكان عام ومفتوح، ويتوقع ان يكون فيه اسر واطفال وافراد في شهر رمضان الجاري. اي بمعنى ان امكانية احداث اذى للاخرين امر حتمي، ومؤكد. ان هذا التصرف يعني بشكل واضح ولا نظير لوضوحه بعدم اعتراف احزاب السلطة نفسها، احزاب الدولة انفسهم، باي وجود لقانون ل" دولتهم" هم. لم ترفع شكوى، ولم يطلب اي استدعاء حكومي، ولم تقدم دلائل على اعمال الفساد، فقط حين قرر القائد، وجود فساد، فاذن هو فساد، بدون ادلة ولا اي شيء!

رابعا: وبعد كل هذه المعمعة والفوضى صفح وغفر الصدر للعيساوي،و منحه فرصة اخرى، واعطاه مهلة سنة لاثبات حسن نواياه. تسليم امواله وممتلكاته للفقراء!! وعادت المياه الى مجاريها. هنا، بكل تاكيد لم يقضى على الفساد، ولا حتى داخل صفوف التيار الصدري، الذي عرفنا الان، ومن خلال مقتدى الصدر نفسه، حجمه، بل كل ما في الامر ان الصدر اعطى لمساعديه درسا في الاخلاق، وفي ان يعرفوا من هو " القائد"!

خامسا: ان ما حدث من معاقبة العيساوي، حرق المول، تهديد منزله، والكتابة على جدرانه، كما تقوم العشائر به عادة، بان ا"لبيت مطلوب للسيد" والتي ستعقبه وفق القانون العشائري " الدكة العشائرية" ان لم يحل الامر. يدلل هذا على نسف اي نظام واي وجود لقانون ولدولة، بل عدم وجود فكرة ّ دولة وقانون" باذهان هؤلاء القائمين على السلطة في العراق.

لقد تم التأكيد واعطاء الدليل للمرة المليون، على ان لا قانون في العراق ولا دولة، وتحولت البلد الى حارة " كل من ايده اله"! انها باختصار، دولة اللادولة، دولة الفوضى، دولة مشغولة شخوصها بامر جمع الثروات، دولة يعاقب بعضهم البعض ويعفو ويغفر بعضهم لبعض، الاخطاء وزلات اللسان وزلات القدن، حيث ان المال المقدس، يبقى مقدس، ولا تمس قدسيته.

لكم ردد عن حق كل الذين تابعوا القضية، الحقيقة التالية: اذا كان احد مساعدي مقتدى الصدر كون لنفسه ثروة تقدر
ب 13 مليار دولار، فكم تمكن من هم اعلى منه مرتبه وموقعا في الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية، وقيادة ميلشيات من جمع ثروات؟ واذا هذا ما كان كشفه الصدر نفسه؟ فما هي حجم الاموال المنهوبة التي لم يكشف عنها؟ ما الذي يملكه اذن الحكيم والعبادي والمالكي والصدر نفسه؟ اذا كان معاون وشخص ثانوي يملك هذا القدر من الاموال؟ والذي تمكن الصدر من كشفه، مالذي يملكه الاخرون اذن؟


لقد قدم لنا التيار الصدري وقائده، نموذجا وذكرّنا في- حالة كنا نسينا- على حجم الفساد، ومن هم الذين يفسدون وينهبون، وحجم الاموال المنهوبة، ولمن تعود ملكية ما حولنا: مولات واسواق؟ مآرب السيارات؟ العمارات؟ العقارات؟ المزارع؟ الفنادق؟ المطاعم؟ المستشفيات؟ المدارس؟ اي قدم لنا ما حدث في الاسبوع الماضي تصورا واضحا عن كيف اندمج الاقتصاد بالسياسة والدين. وكيف جرى صنع هذا الثالوث المقدس والذي لم يجلب في العراق ومنذ عام 2003 ولن يجل غير اخبار الفساد والنهب، والعنف والفوضى وسيادة قانون الغاب.

وما صنعوه ويصنعوه لا يعني غير انهم انما يحفرون قبورهم بايديهم.