- إزدواج الواحد - مفهوم ماديّ جدلي ثوري و- جمع الإثنين فى واحد- مفهوم مثالي ميتافيزيقي رجعي


ناظم الماوي
2019 / 5 / 20 - 21:17     

" إزدواج الواحد " مفهوم ماديّ جدلي ثوري و" جمع الإثنين فى واحد" مفهوم مثالي ميتافيزيقي رجعي


" لقد علمنا ماركس و إنجلز و لينين و ستالين أن لكل شيء خصوصياته التى ينفرد بها عن بقية الأشياء و أن لكل ظاهرة جوهرها الذى تتميّز به عن الظواهر الأخرى. غير أن ماوتسى تونغ بدعوى أنه يطبق " وحدة الأضداد"، و من أجل تمرير مواقفه اليمينيّة حول الصراع الإيديولوجي داخل الحزب الشيوعي، يزعم أن لكل شيء طبيعة مزدوجة ، و يرى أنّ الإعتقاد بغير ذلك هو من باب التفكير الميتافيزيقي " .

( "هل يمكن إعتبار ماو تسى تونغ ماركسيّا- لينينيّا ؟"، ص 20).
1- ملاحظتان :

هذه الفقرة الأولى لأصحاب وثيقة " هل يمكن ...؟ " المهزلة تستدعى منّا ملاحظتين إثنتين :

أوّلا: أنّ ماو عكس ما يدّعون يفهم جيّدا معنى خصوصية الشيء أو الظاهرة و لا يهرع الى التعميم و التجريد لغاية التعمية مثلما يفعل الدغمائيون التحريفيون الخوجيّون المتستّرون حين يتحدّثون عن الخصوصية و عن "لكل ظاهرة جوهرها الذى تتميز به عن الظواهر الأخرى ". ما هو هذا الجوهر ؟ لا جواب عندهم و لامثال بينما يقدّم ماو تسى تونغ الفهم العميق الديالكتيكي فعلا و المعتمد فعلا على التحليل الملموس للواقع الملموس عن طريق قانون التناقض / وحدة الأضداد :

" إن كلّ شكل من أشكال الحركة يحتوى فى ذاته على تناقضه الخاص. و هذا التناقض الخاص يشكل الجوهر الخاص الذى يميز الشيء عن الأشياء الأخرى . وهذا هو السبب الباطني أو الأساس كما يسمّى أيضا ، فى الإختلاف العظيم الذى لا يمكن حصره بين الأشياء المتنوّعة فى العالم . و ثمّة أشكال عديدة للحركة فى الطبيعة : الحركة الميكانيكية ، و الصوت ، و الضوء ، والحرارة ، و الكهرباء ، و التفكك ، والتجمّع ، و هلمجرا. و جميع هذه الأشكال يعتمد بعضها على بعض فى البقاء و يختلف بعضها عن بعض جوهريّا فى آن. و إن الجوهر الخاص الذى يحمله كلّ شكل من أشكال حركة المادة يتحدّد بالتناقض الخاص الذى يتميز به ذلك الشكل. و ينطبق هذا لا على الطبيعة وحدها ، بل ينطبق كذلك على ظواهر المجتمع و التفكير. فإنّ كلّ شكل من اشكال المجتمع و كل أسلوب من أساليب التفكير ، له تناقضخ الخاص و جوهره الخاص ".

( " مؤلّفات ماوتسى تونغ المختارة " المجلّد1، الصفحتان 465-466)

و خصوصية / خاصية التناقض ، يا " جماعة " ، لا تتضارب مع " إزدواج الواحد " ذلك أنّ نقيضها هو شمولية / عمومية التناقض التى ينكرها " نقّاد ماو" على حدّ ما لمسنا فى نقطة سابقة . و من جديد ، نجد أنفسنا مضطرين إضطرارا ، الى التنبيه و الإنتباه و الحذر و اليقظة دوما حيال هذا الخلط المطبق المتعمّد فى المفاهيم الذى ينغمس فيه هؤلاء فشمولية و خصوصية التناقض يمثّلان وحدة أضداد / تناقض ، أمّا " إزدواج الواحد " المبدأ المادي الجدلي كما عرضنا و سنعرض فهو نقيض" جمع الإثنين فى واحد " الطبخة المثالية الميتافيزيقيّة التحريفية .

ثانيا : فى نظر الخوجيين المتستّرين ، قائد الثورات و الحزب الصينيين " يزعم أنّ لكلّ شيء طبيعة مزدوجة ، و يرى أن الإعتقاد بغير ذلك هو من باب التفكير الميتافيزيقي ". لكل شيء طبيعة مزدوجة بمعنى " إزدواج ما هو واحد " حقيقة مادية جدلية و الإعتقاد بغير ذلك هو فعلا ضرب من التفكير الميتافيزيقي. هذه حقيقة موضوعية و ليست مزاعم أو تأويلات ذاتية . يقول لينين فى الجملة الأولى من " حول الديالكتيك " و هي جملة أهال الجماعة عليها ترابا كثيفا :
" إن إزدواج ما هو واحد و معرفة جزئيه المتناقضين ... يشكلان جوهر الديالكتيك ( أحد "جواهره " إحدى خصائصه أو ميزاته الرئيسية ، إن لم تكن خاصته الرئيسية ) ".

( المجلد الرابع من المختارات فى عشرة أجزاء ، الصفحة 467 - التسطير فى النص الأصلي)

لا مجال للفّ و الدوران ف" إزدواج ما هو واحد " مقولة لينينية تعكس حقيقة عميقة و تعتبر جوهر الديالكتيك و من يتنكّر لها ينزلق لا محالة الى المثاليّة الميتافيزيقية و التحريفية . " إزدواج ما هو واحد " هي التناقض هي وحدة الضدّين ، القانون الجدلي الجوهري الذى يفيد أنّ الشيء الواحد ينطوى على تناقض أي ينقسم الى متناقضين أو ضدّين و الحركة تناقض و الحياة تناقض و النمو تناقض و التناقض شمولي مطلق مادي موضوعي. وهكذا بمهاجمتهم لماو يهاجم الخوجيون المفضوحون منهم و المتستّرون ، فى الواقع ، لينين و أسس الفلسفة الماركسية و المادية الجدلية ذاتها وفى جوهرها.

2- أسلوب إنتهازي فى التعاطي مع الإستشهادات :

-(1)- " يقول ماو تسى تونغ : "الشيء الواحد له طابع مزدوج ، فهو فى نفس الوقت سيئ و حسن. إن عددا لا يستهان به من الرفاق ما زالوا لم تحصل لهم فكرة واضحة حول هذا الموضوع. إن إعتبار العناصر السيئة و الأشياء السيئة مضرة بصورة مطلقة هو طريقة أحادية الجانب ميتافيزيقية ، و غير جدلية ، و ليست بوجهة نظر ماركسية . إن العناصر السيئة و الأشياء السيئة لها مظهر سلبي و مظهر إيجابي ...و نفس الشيء بالنسبة الى الشيء الحسن فهو يتضمّن أيضا مظاهر سلبية...". ( بالصفحة 20 عينها من "هل يمكن...؟ " )

ما يستوقفنا هنا هو أسلوب تعامل الدغمائيين التحريفيين مع المقتطفات و لكن قبل أن نتوغّل فى هذا الأسلوب و نكشف إنتهازيّته نذكر بأن ماو إعتمد على لينين كما رأينا و إعتمد كذلك على إنجلز فى هذا الصدد و بما أن الخوجيين ينالون فى الأصل من لينين فإنّهم ينالون من إجلز أيضا سيما وهو الناطق بما يفنّد أباطيلهم حيث أكّد :

" لقد شاهدنا أعلاه أنّ الحياة تستقيم قبل كل شيء بالضبط فيما يلى : أن الشيء هو فى كلّ لحظة ذاته و شيء مختلف أيضا و بالتالي فإنّ الحياة هي أيضا تناقض حاضر فى الأشياء و العمليات التطورية ذاتها ، وهو ينشأ و ينحل بصورة متصلة ، و لا يكاد هذا التناقض ينقطع حتّى تنتهى الحياة أيضا و يحلّ الموت. و لقد رأينا كذلك أنّنا لا نستطيع فى مجال الفكر أيضا أن نفلت من التناقضات ".

( إنجلز ،" أنتى دوهرينغ "، دار دمشق1981 ، الصفحة 145 - التسطير منا )

وسعيا منّا لدراسة أسلوب إستشهاد نقّاد الماوية فى أدقّ دقائق تفاصيله ، عدنا الى الصفحة التى منها إقتطفت الفقرة وهي الصفحة 408 من المجلد الخامس من مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة (المجلّد الخامس، طبعة بالفرنسية ) " une chose mauvaise possède un double caractère " فإكتشفنا أن une chose mauvaise عرّبها "الجماعة" ب"الشيء "عوضا عن شيء سيئ و عربوا mauvaiseب"الواحد " ( الواحد له طابع مزدوج ) و لا أحد يصدّق أن هذا زلة قلم لاغير أو أن المعرّبين لم يفهموا دلالة كلمات فرنسية بسيطة.

التفسير الممكن الوحيد في إعتقادنا هنا هو أنهم حاولوا إعطاء الصيغة صبغة عامة و إطلاقية تجريدية يبنون عليها قصورا من التهم على هواهم خاصة و أنهم سيعرّبون بعد قليل ذات العبارات على وجه سليم فى حين أن ماو حدّد و عيّن موضوع الحديث و مدّنا بأمثلة معيّنة و ملموسة أغفلوها عمدا و قصدا.

و النقاط المسترسلة فى ما أوردوه حلّت محلّ الأمثلة ليس فرضا لصيغة عامة على الصيغة الملموسة فقط بل و أيضا لحرف الحقيقة المتجسّدة فى أمثلة عينية إقتطفها ماو تسى تونغ من الواقع . ما حذفوه و عوّضوه بالنقاط
المسترسلة الثلاثة الأولى هو :
Par exemple, un élément mauvais comme Wang Ming joue un rôle positif en tant que professeur par l’exemple négatif.

و مضمون المحذوف هذا بالذات يضرب فى العمق الحملة المسعورة التى شنّت ضد ماو فى تعاطيه مع وانغ مينغ ذاته فى صفحات متتالية من "هل يمكن...؟". ماو ينظر الى وانغ مينغ بإعتباره عنصرا سيئا فى الحزب وهذا لا غبار عليه و لئن أبقاه فى التنظيم فللغاية الواضحة و الجليّة : إنه يلعب دورا إيجابيّا بإعتباره مثالا سيئا حيّا ينبغى ألاّ يحتذى به.

و النقاط الثلاثة المسترسلة التالية حجبت المثال الملموس الثاني من التاريخ الصيني الموثّق و المعروف عالميا لدى من له عين ليرى و أذن ليسمع :

« Par exemple , du fait des grandes victoires remportées depuis la libération , c’est-à- -dir-e au cours de ces sept dernières années , et en particulier , à la suite de celles de l’année dernière , certains de nos camarades se sont laissé griser par le succès et s’enflent d’orgueil. »

إثر الإنتصارات المحقّقة ، و هذا هو الشيء الحسن الذى يرمي التحريفيون الى تغييبه ، صار بعض الرفاق الصينيين نرجسيين وهو شيء سلبي.

بإختصار إجتثّت الأمثلة إجتثاثا ليبقى الكلام تجريدي عام قد لا يمكن الإلمام به بيسر و من ثمّة ينطلق التحريفيون فى تلفيق التهم من هنا و من هناك. و بهذا المضمار، لا يسعنا إلاّ أن ندع لينين يذكّر بأنّ " الإستعاضة عن الملموس بالمجرّد إنّما هي خطأ من الأخطاء الرئيسية ، الأخطاء الأكثر خطرا على الثورة . "

( لينين ، " حول الشعارات "، 1917 )
-------------------

-(2)- و دائما حول الطابع المزدوج للشيء الواحد ، بالصفحتين 20 و 21 من " هل يمكن...؟ " نقرأ :

" إن هذه النظرة الرجعية قد دعا إليها ماو صراحة فى الفقرة الحاملة لعنوان
Une chose mauvaise peut-elle se transformer en une bonne ?

هل يمكن أن يتحول شيء سيء الى شيء حسن ؟ و فيها يقول ماو " مثلما ذكرت ، فى مجتمعنا ، إن الإضطرابات داخل الجماهير هي شيء سلبي و نحن لا نؤيّدها ، حينئذ ، أي حادث يؤدّى بنا الى إستخلاص العبرة منه ، و الى إبعاد البيروقراطية و تثقيف الكوادر و الجماهير . و فى هذا المعنى فإن شيئا سيئا يمكن أن يتحوّل الى شيء حسن ، و فى ظروف معيّنة يمكن لشيء سيء أن ينتج نتائج حسنة ، و الشيء الحسن هو بدوره يمكن أن ينتج نتائج سيئة "(1) . ثم يضيف ماو هذه الجملة الخرافية المثالية التى تذكرنا بثنائية الخير و الشر ، و الشيطان و الملائكة و الغنى و الفقر : " لقد قال لؤوتس منذ أكثر من 200 سنة ، إن السعادة تبنى على الشقاء و فى السعادة يكمن الشقاء " (2). و حسب هذا المفهوم لا يمكن القضاء على الشقاء و الحرمان ، و الإستغلال ، فهي أمور طبيعية ، و الخير و الشر فى وحدة ضروريّة ، و شرّ لا بد منه ملازم لوجود التحرر الوطني و الإنعتاق الإجتماعي و العدالة الإجتماعية ، فمرة شقاء و مرة سعادة و مرة إستغلال و مرة عدالة و هكذا دواليك. و قد ذكر ماو هذا المنحى حرفيا " فى ظروف معيّنة ، يتحوّل حتما لكلّ واحد من الإتجاهين المتعارضين لتناقض ما الى نقيضه إثر صراع بينهما "(3) إذا لا يمكن التخلص نهائيا من الإستغلال !! هذا قضاء و قدر!! إنه مرّة يغيب و مرة يطفو على السطح من جديد. أما إزالته فأمر حسب الرؤية الماوية غير ممكن".

( بالمناسبة كلام أصحاب " هل يمكن ...؟ " هذا إعادة حرفيّة تقريبا لما كتبه أنور خوجا فى " الإمبريالية و الثورة " بهذا الباب )

و قبل الخوض فى غمار هذا الخبط العشوائي و كيما نعلي كلمة الحقيقة وحدها ، نمدّ القرّاء على الأقل بالفقرات التى إنتزعت منها المقتطفات الثلاثة إنتزاعا وهي موثّقة ضمن الخطاب الشهير لماو تسى تونغ " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات فى صفوف الشعب " المؤرخ فى فيفري 1957 و بالضبط ضمن النقطة العاشرة المحرّرة فى ستّ فقرات و ليس من " الفقرة الحاملة لعنوان..." كما يدّعى التحريفيّون زورا و بهتانا .

" مثلما ذكرت ، فى مجتمعنا ، الإضطرابات داخل صفوف الجماهير هي شيء سلبي و نحن لا نؤيدها. مع ذلك (cependant de tels incidents peuvent nous inciter)، مثل هذه الحوادث يمكن أن تدفعنا الى
إستخلاص العبرة منها، و الى القضاء على ( (éliminer) البيروقراطية و الى تربية الكوادر( éduquer)
والجماهير . (en ce sens) بهذا المعنى ( شيء سيء يمكن أن يتحوّل الى شيء حسن . يمكن معالجة جميعها من وجهة النظر هذه."

( " مؤلّفات ماوتسى تونغ المختارة " المجلّد5، الصفحة 451 - التسطير من وضعنا )


" بإختصار ، علينا أن نتعلم معالجة المشاكل من كل جوانبها ، أن نرى لا وجه الأشياء و الظواهر وحسب ، بل أيضا قفاها. فى ظروف معينة ، شيء سيء يمكن أن يفرز نتائجا حسنة ، و الشيء الحسن هو بدوره يمكن أن يفرز نتائجا سيئة. منذ أكثر من ألفي سنة ، بعدُ (déjà) كان لؤوتس يقول disait) )على الشقاء تقوم السعادة
والسعادة تنطوى على) الشقاء ". (sur le malheur s’appuie, se cache ) . لما غزا اليابانيون الصين نعتوا ذلك بالنصر . و إعتبر الصينيون إجتياح المعتدى لمناطق واسعة من البلاد هزيمة. مع ذلك ، فى هزيمة الصين كانت توجد بذور النصر، و النصر الياباني كان ينطوى على الهزيمة. ألم يؤكد التاريخ ذلك ؟ "

( الفقرة الثالثة من الصفحة 452 من المجلد الخامس - التسطير من وضعنا )


و " فى ظروف معينة ، يتحول حتما كل واحد من المظهرين / الطرفين (aspects) المتعارضين لتناقض ما الى نقيضه نتيجة (par suite de) صراع بينهما. هنا ، الظروف هامة. دون ظروف معينة ، ليس بإمكان أي من المظهرين المتصارعين التحول الى ضده... وضع الصين كبلد فقير تم إنكار حقوقه ، على الساحة الدولية ، سيتحول كذلك: سيصير البلد الفقير بلدا غنيا و ستحل حقوق كاملة مكان غياب الحقوق ، يعنى أنه سيحدث تحول الأشياء الى نقيضها. هنا ، الظروف تلعب دورا حيويا وهي النظام الإشتراكي و الجهود الموحدة للشعب المتّحد".

(آخر فقرة من النقطة 10، المجلّد الخامس ،الصفحة 453 )


و لنعقد الآن مقارنة بين أقوال ماوتسى تونغ الأصلية و ما يلفّقه التحريفيون من إفتراءات. ماذا بمقدورنا أن نلاحظ ؟ كثيرة هي الملاحظات التى تتيحها لنا المقارنة الدقيقة :

1- عديدة هي أخطاء التعريب بالنسبة للإستشهاد الأوّل و منها بالأساس نعلّق على الخطإ المتعمّد فعلا وهو تغيير "مثل هذه الحوادث " ب" أي حدث " و البون شاسع . مرّة أخرى هدف الدغمائيّين هو القفز على الجانب المادي الملموس لتفكير ماو أي القفز على الأمثلة الحيّة الواقعية المعبّرة عن الترابط المادي الجدلي بين العام و الخاص. مرّة أخرى ، يشدّد ماو تسى تونغ على " الظروف المعينة " و مرّة أخرى يسعى هؤلاء لجعل الصيغة تسبح فى المجرّات منبتّة عن الظروف المعيّنة . مرّة أخرى يغتصبون النصّ الأصلي إغتصابا خدمة لمآربهم التحريفيّة .

2- فى الحقيقة ، كما لاحظتم بالتأكيد ، ما قدّم على أنّه الجملة الأخيرة من الإستشهاد الأوّل (و فى ظروف معينة -... نتائج حسنة) ليس سوى جملة من الفقرة الثالثة بصفحة أخرى هي صفحة 452 فهي إذا على مسافة فقرتين و نيف و هم يلصقونها بجمل فقرة أخرى منها إنتزعوا جملا لها دلالة بالغة . عمليّة التركيب هذه تذكرنا بتقنية فنّية كان بيكاسو من روادها وهي تقنية التلصيق و الدغمائيّون التحريفيون الخوجيّون يعمدون إلى هذه التقنية الفنّية فى الصراع الإيديولوجي مركّبين الجمل كما يحلو لهم و يروق ، معوّضين الكلمات، لاغين تراكيب ... إنّهم يقدمون نصوصا على أنّها أصيلة و أصليّة و الحال أنّها تراكيب مشوّهة لاأكثر . بيكاسو حين ركّب فنّيا أبدع و أتى بجديد باهر بجماله و التحريفيّون حين ركّبوا الكلمات والجمل و الفقرات على هواهم ضمن سجال نظري إيديولوجي أبدعوا على طريقتهم التى تنتمى موضوعيّا إلى التشويه و التزوير . ثمّة إبداع و ثمّة إبداع !!!


3- ما حذف من الفقرة التى نعالج هو " للإضطرابات طابع مزدوج. يمكن معالجة جميعها من وجهة النظر هذه". ما حذف يؤكد أنّ ماو يعرض وجهة نظر جدليّة تبعد الرفاق والرفيقات عن الرؤية الكوارثيّة المثاليّة للإضطرابات إذ هي ( الإضطرابات ) شيئا سيئا فى ظروف الصين آنذاك و الماويون لا يؤيّدونها إلاّ أنّها من جهة ثانية تدفع الى " إستخلاص العبرة منها ، و القضاء على البيروقراطية و تربية الكوادر و الجماهير ". هنا ماوتسى تونغ يحثّ الرفاق و الرفيقات على تحويل الشيء السيء الملموس و ليس المجرّد الى شيء حسن ملموس. يدعوهم الى التعلّم من الأخطاء . فالخطأ شيء سيء و لكن من فهمه بشكل عميق نتعلّم و نتقدّم . هذا هو جانب من المنهج المادي الجدلي فى تحصيل معرفة أرقى إنطلاقا من الممارسة العمليّة.

4- و الجدير بالذكر أيضا هو أنّ الجماعة يوردون ذلك الإستشهاد الأول (1) بالصفحة 12 و لا يجهدون أنفسهم حتى للتعليق عليه و نقاشه. يعتبرون أفكاره الأساسية خاطئة و بيّنة الخطإ و لا يفسّرون لماذا . هذا شأن لا يعنيهم. و بدل التعليق على الإستشهاد الأول (1) بالصفحة 21 يمرّون رأسا الى إلصاق إستشهاد آخر!!!

5- و ماو تسى تونغ ينزّل قولة لاؤوتس ضمن فقرة على مسافة فقرتين من الإستشهاد الأول (1) و التحريفيون يردفونها كأنها إضافة للإستشهاد الأول . ماو تسى تونغ يقدم لها ب "علينا أن نتعلم معالجة المشاكل من كل جوانبها، أن نرى لا وجه الأشياء و الظواهر و حسب ، بل أيضا قفاها . فى ظروف معينة شيء سيء يمكن أن يفرز نتائجا حسنة و الشيء الحسن بدوره يمكن أن يفرز نتائجا سيئة ". و أصحاب "هل يمكن ...؟" يقدّمونها ، على الطريقة الخوجية ، ب"الجملة الخرافية المثالية التى تذكرنا بثنائية الخير و الشر ، و الشيطان و الملائكة و الغني و الفقر."

ماو يحدّد الإطار الذى أورد فيه الإستشهاد بلاؤوس ألا وهو تحول السيء و الحسن كمظهري أو طرفي تناقض ملموس مادي كلّ الى نقيضه و فى ظروف شدّد ماو على أنّها معيّنة إسترشادا بمقولة لينين " إن المبدأ الأساسي للديالكتيك هو أنّه ليس ثمّة حقيقة مجرّدة فالحقيقة ملموسة أبدا" ( " خطوة الى الأمام ، خطوتان إلى الوراء" ) و الخوجيّون يذكرون ثنائيّات مجرّدة لم يستعملها قائد البروليتاريا الصينية نهائيا "الخير و الشر و الشيطان و الملائكة " يذكرها هؤلاء لأنّ خوجا سبقهم الى ذكرها فهم ينقلون هذه الكلمات عنه و لأنهم مثله ينهلون من المثالية و فى أذهانهم يعشّش الفكر الخرافي.

ثم إنّ مقولة لاؤوتس بلسانه هو "على الشقاء تقوم السعادة و السعادة تنطوى على الشقاء " ما هي أصلا ميتافيزيقيّة ، بالعكس هي تعبير من التعابير الجدليّة فى التراث الصيني و التراث العالمي . هي تعبير عن قانون التناقض/ وحدة الأضداد الجدلي و كيف أنّ مظهرا / طرفا التناقض يتحوّلان فى ظروف محدّدة الواحد الى نقيضه، ألم يقل إنجلز : " إن الشيء هو فى كلّ لحظة ذاته و شيء مختلف أيضا "(صفحة 45 من "أنتى دوهرينغ" ) ؟ و ألم يصدح لينين بأنّ المفهومين الميتافيزيقي و الجدلي : " التطور بوصفه نقصانا و زيادة ، بوصفه تكرارا و التطور بوصفه وحدة أضداد ( إزدواج ما هو واحد ، الى ضدّين ينفى أحدهما الآخر ، و علاقات بين الضدين ) " ( " حول الديالكتيك " ص 468 من المجلّد 4 من "المختارات فى 10 مجلدات" ) وبأنّ " ماهو خاص هو عام " (صفحة 469 من المصدر السابق) ؟

أجل الشقاء و السعادة وحدة أضداد أيضا ، فى السعادة شقاء و فى الشقاء سعادة و هما فى علاقة تنافر و لهما علاقات متبادلة أي يمكن للواحد منهما أن يتحوّل الى نقيضه أي يمكن للشقاء أن يتحوّل فى ظروف معيّنة الى سعادة و العكس بالعكس . و على أيدى الخوجيين يستحيل الديالكتيك الى خرافة مثالية.

و على عادته لم يقف ماو عند عرض الفكرة و إنّما ربط جدليا النظرية بالممارسة و الفكر بالواقع فشرح الفكرة عبر أمثلة حيّة عيانيّة تاريخيّة ( " يجب تحليل القضايا الملموسة بطريقة ملموسة لا أكثر" - لينين " خطوة الى الأمام ، خطوتان إلى الوراء ") . لذا ذكّر بغزو اليابان للصين الذى كانت نتيجته ما أسماه العدو بالإنتصار و ما إعتبره الصينيون بالهزيمة. بيد أن إنتصار اليابان حمل فى طياته هزيمته اللاحقة و حملت هزيمة الصين فى طياتها الإنتصار اللاحق . و سجّل التاريخ ذلك بحروف كبيرة فى حجم كبر أكثر بلدان العالم سكانا و لم يبصر ذلك الدغمائيون الذين يحلقون كمثاليين فى المجرات بعيدا عن المادة المتحركة طبيعة و بشرا و فكرا.

6- هل أشار ماو فى كلامه الى " لا يمكن القضاء على الشقاء ، و الحرمان ، و الإستغلال فهي أمور طبيعية ، و الخير و الشر فى وحدة ضرورية و شر لا بد منه ملازم لوجود التحرر الوطني و الإنعتاق الإجتماعي و العدالة الإجتماعية ، فمرة شقاء و مرة سعادة و مرة إستغلال و مرة عدالة و هكذا دواليك " ؟ هل فهم أحد و لو إيحاء فى ما كتب ماو مثل هذه الترّهات ؟ كلاّ و ألف كلاّ . هي منهم إلصاقات أخرى لمحترفى التلصيق الإيديولوجي كفنّ برع و يبرع فيه الإنتهازيّون .

و يواصل نقاد ماو لعبتهم الصبيانية هذه ليعلنوا " قد ذكر ماو هذا المعنى حرفيا . فى ظروف معينة ، يتحول حتما كل واحد من الإتجاهين المتعارضين لتناقض ما الى نقيضه إثر صراع بينهما." و يعلقون " إذا لا يمكن التخلص نهائيا من الإستغلال !! هذا قضاء و قدر !!"

ما نطق ماو بتلك الجملة بالمعنى الذى ألصقه بها الإنتهازيون غصبا و إغتصابا. لم ينطق بها متحدثا عن عدم إمكانية القضاء على الشرّ و ما الى ذلك من أن الإستغلال أمر طبيعي و الخير و الشر فى وحدة ضرورية ...
ما قام به ماو هو بيان جوانب قانون جدلي جوهري هو قانون وحدة الأضداد الذى يعنى فى مظهره الأول كما سبق و أن أشارإليه لينين : " تنافر / صراع الضدين المطلق ، و يعنى فى مظهره الثاني النسبي :" العلاقات المتبادلة بينهما " . و ماو يشرح المظهر الثاني و يسحبه على الواقع و مجدّدا يضرب مثالا هو نكران حقوق الصين دوليا ساعة كتابة الخطاب و تمتّعها بحقوقها الكاملة على الساحة الدولية كوحدة أضداد / تناقض مظهراها يحتملان تحول الواحد الى نقيضه أو ضدّه و يتم ذلك فى ظروف معينة حددها ماو بالنظام الإشتراكي و نضال الشعب الموحد.

و هذا ليس صحيحا و سليما نظريّا فقط بل إنّه صحيح و سليم عمليّا فتاريخيا أيضا : عدم الإعتراف بالصين ضمن منظمة الأمم المتّحدة تحوّل الى إعتراف بها و هي من أهم أعضائها مذّاك. ماو كجدلي و مطوّر للجدلية يحلّل بعمق الظواهر التاريخية متسلّحا بجوهر الجدلية : قانون التناقض/ وحدة الأضداد بينما ينكر الدغمائيون التحريفيون الخوجيّون الوقائع التاريخية و يصيبون مقتلا من مقولة لينين : " لا وجود للحقيقة المجرّدة ، فالحقيقة دائما ملموسة ".

7- و ما إنفك الإنتهازيون عن تحريف كلام ماو حيث عربوا
les deux aspects opposées d’une contradiction
ب" إتجاهين " عوضا عن مظهري/ طرفي التناقض سعيا منهم لجعلنا نتصوّر أن ماو يحيلنا على " مرّة إستغلال و مرّة عدالة " و الحال أنّ ذلك لم يصدر عنه و سعيا منهم أيضا لإفراغ جمل ماو من مضمونها الجدلي عبر إفراغها من المفاهيم الجدلية الصحيحة. و لا نظنّهم بتاتا أخطؤوا صدفة أو عن حسن نيّة فى التعريب . سلوكهم هذا ترجمة فاقعة لخطّ خوجي رسموه فى التعامل مع نصوص ماو وهو خطّ دون شكّ معاد للنزاهة العلميّة .

وما رأيكم فى الإستنتاج النابغة الذى خرجوا به مباشرة من جملة ماو ، إستنتاجهم " إذا لا يمكن التخلص نهائيا من الإستغلال !! هذا قضاء وقدر!! ؟ بالتأكيد أدركتم أنّ مثل هذه الخزعبلات منبعها تفنّنهم فى الإلصاق تلو الإلصاق.

و فى نهاية هذه النقطة ، تصوّروا اللوحة الفنّية التى يرسمها لنا أصحاب "هل يمكن...؟ " عن ماو و هم يعتمدون بإبداع فنّ الإلصاق و يتفوّقون فيه ، لعلها رائعة أليس كذلك ؟ و ليس من الجمال مأتى روعتها و لكن من الخوف و الرعب الذى تبعثه هذه الصورة المشوّهة التشويه كلّه على يد أعداء الحقيقة التي هي وحدها الثوريّة .

3- صراع على الجبهة الفلسفية : يلتقي الخوجيّون مع التحريفيّين الصينيّين فى مهاجمة " إزدواج الواحد ":

عن البعد العالمى للمفهومين و الصراعات التى دارت حولهما و لمزيد لمس مدى دفاع الخوجيّين المتستّرين منهم و المفضوحين عن التحريفية نعمد الى مقتطفات ثلاث من نصّ للشيوعيين الماويين الصينيين المسترشدين ب " إزدواج الواحد " و هذا النص يحمل عنوان "جمع الإثنين فى واحد " فلسفة رجعية لإعادة تركيز الرأسمالية " ( " أخبار بيكين " عدد 28 ،17جويلية 1972 . ذكره جلبار مورى بالصفحات 204-218 من مؤلفه : " من الثروة الثقافية الى المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الصيني /الجزء الثاني ، سلسلة 10-18 بالفرنسية ، باريس 1973).

"مثالية برجوازية و ميتافيزيقا برجوازية مائة بالمائة ":

معارضين الفلسفة الماركسية ، إجتهد كافة الإنتهازيين و التحريفيين دوما فى فسخ التمايز بين المادية و المثالية و كذلك بين الجدلية و الميتافيزيقا. و على وجه الضبط ، الى هذا التكتيك الحقير لجأ المرتد يانغ هسيان تشان ليروّج بضاعته الرجعيّة . إنّه يلبسها لباسا جدليا و يدعى أن ل"جمع الإثنين فى واحد " و " إزدواج الواحد " نفس المعنى. لقد سعى عن قصد الى إنكار التناحر الجوهري القائم بين " إزدواج الواحد " و " جمع الإثنين فى واحد ".

أشار لينين الى : " إن إزدواج ما هو واحد و معرفة جزئيه المتناقضين ...يشكلان جوهر الديالكتيك ". ( " حول الديالكتيك ") و" إن الديالكتيك ، بالمعنى الخاص للكلمة، هو دراسة التناقضات فى ماهية الأشياء نفسها "( لينين، " ملخص علم المنطق لهيغل ").

إن الرئيس ماو قد طوّر هذه الفكرة اللينينية فى " فى التناقض" و فى " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات فى صلب الشعب " وفى أعمال فلسفية أخرى . قال الرئيس ماو : " قانون وحدة الأضداد هو القانون الأساسي للكون. وهو قانون مطلق الوجود سواء فى الطبيعة أو فى المجتمع البشري أو فى تفكير الإنسان. فبين الضدين فى تناقض ما توجد وحدة و صراع فى آن واحد ،و هذا ما يبعث الحركة و التغير فى الأشياء. إنّ التناقضات موجودة فى كلّ شيئ، إلاّ أنّ طبيعتها تختلف بإختلاف طبيعة الأشياء. " ( " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات فى صلب الشعب " ) مفهوم " إزدواج الواحد " يعبّر بصورة نافذة و يلخص بإقتضاب قانون وحدة الأضداد و يمسك بجوهر الديالكتيك المادي.

طبقا لهذا ، ينطوى كل شيء على تناقضات و طرفا / مظهرا التناقض مرتبطان الواحد بالآخر وهو ما يحدّد كل شيء . وتحفل الطبيعة و المجتمع و الفكر جميعهم بالتناقضات و الصراعات و لا وجود لأي شيء إسمه "جمع الإثنين فى واحد ". دون تناقض لن توجد طبيعة و لن يوجد مجتمع و لا فكر و لن يوجد الكون. إنّما التناقضات حاضرة فى جميع السيرورات ومن البداية الى النهاية ، وهي مصدر تطور الأشياء. و التناقضات تظهر بصورة متصلة و تحل بإستمرار.هذا هو القانون الشامل لتطوّر الأشياء.

مطبّقين مفهوم "إزدواج الواحد " فى معالجة المجتمع الإشتراكي، علينا أن نعترف بأنّ طوال المرحلة التاريخية للإشتراكية ، هنالك طبقات و تناقضات طبقية و صراع طبقات و هنالك صراع بين الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي و هنالك خطر إعادة تركيز الرأسمالية و تهديد قلب النظام القائم و إعتداء تقوم به الإمبريالية و التحريفية المعاصرة. لمعالجة هذه التناقضات ، علينا أن نوطّد دكتاتورية البروليتاريا و بقيادتها نتمسك بمواصلة الثورة . حتّى فى المجتمع الشيوعي ، ستوجد تناقضات و صراعات لا تحصى بين الجديد و القديم ، بين المتقدّم و المتأخّر و بين الصحيح والخاطئ . فقط الذين يتشبّثون بهذا المفهوم و يطبّقونه للإسترشاد به فى ممارستهم الثوريّة هم الماديّون الديالكتيكيون الصرحاء . إنكار هذا المفهوم يعنى إنكار شمولية التناقض و خيانة المادية الجدلية ممّا يجر بطريق الحتم الى خيانة سياسية للثورة البروليتارية و دكتاتورية البروليتاريا.

لبّ " جمع الإثنين فى واحد " هو جمع التناقضات و القضاء على الصراع و مقاتلة الثورة ، بغاية " دمج " البروليتاريا مع البرجوازية و الماركسية مع التحريفية و الإشتراكية مع الإمبريالية . و هذا هو الفهم المثالي و الميتافيزيقي للعالم وهو فهم برجوازي للعالم و رجعي الى أبعد حدّ و مناهض على طول الخط لفهم العالم بإعتباره "إزدواج الواحد".

يعنى " جمع الإثنين فى واحد " دحض مفهوم الخلاصة :

لقد إدّعى يانغ هسيان تشان و أضرابه أيضا أن :" التحليل يعنى " إزدواج الواحد " بينما تعنى الخلاصة ( التأليف / التلخيص ) "جمع الإثنين فى واحد ". هنا لا يتعلّق الأمر بجهلهم بالفلسفة الماركسية و حسب و إنّما هدفهم الحقيقي كان تحطيم العلاقة الجدلية بين التحليل و التلخيص و تعويض المادية الجدلية بالميتافيزيقا الرجعية.

إنّ الفلسفة الماركسية تعلمنا أن التحليل و التلخيص يمثلان قانونا موضوعيا للأشياء و الظواهر و فى نفس الوقت طريقة تسمح للمرء بمعرفة الأشياء. فالتحليل يبيّن كيف يزدوج الواحد الى جزئين متضادين و الصراع الدائر بينهما و يبيّن التلخيص كيف يهيمن الواحد عبر الصراع بين الطرفين المتضادين و ينتصر على الآخر و يلغيه و كيف أن تناقضا جديدا يحلّ و يظهر تناقض جديد و كيف أن شيئا قديما يلغى و أن شيئا جديدا ينتصر . بإختصار ، يعنى التلخيص أن "يلتهم " الواحد الآخر. سيرورة التطوّر التاريخي هي : الثوري "يلتهم" على الدوام الخاطئ بيد أنه من أجل ذلك ينبغى المرور بعديد الصراعات المعقّدة و الملتوية مثلما يعلمنا الرئيس ماو : " الطبقات تتصارع فبعضها ينتصر و البعض الآخر يقضى عليه . ذلك هو التاريخ ، تاريخ الحضارة منذ آلاف السنين . و تفسير التاريخ حسب وجهة النظر هذه هو الماديّة التاريخية ، ونقيض وجهة النظر هذه هو المثالية التاريخية ". (ماو تسى تونغ ، " أنبذوا الأوهام و إستعدوا للنضال" ).

يتميّز تاريخ الإنسانية بالصراع الطبقي ، وهو تاريخ خلاله تسحق الطبقات الثورية و" تلتهم " الطبقات الرجعية . فى آخر المطاف ، الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة و الإمبريالية الإشتراكية و كل الأنظمة الإستغلالية الأخرى سوف " تلتهمها " الإشتراكية و الشيوعية . هذا قانون موضوعي مستقلّ عن إرادة الإنسان . و عندما ينعكس فى ذهن الإنسان ، يقتضى هذا التحليل و هذا التلخيص الموضوعيين أن ننجز تحليلا ملموسا لحركة التناقضات فى كل شيء و على أساس من هذا ،أن ننجز تلخيصا و نؤكد على طبيعة المسألة المعنية و أن نجد طريقة حلّها. إن التناقضات المختلفة نوعيّا تحلّ بطرق مختلفة. و من البديهي تماما أن التحاليل و الخلاصات الموضوعية و الذاتية لا يمكن أن يكونا إلاّ " إزدواج الواحد " و ليس " جمع الإثنين فى واحد ".

يرتبط التحليل و التلخيص إرتباطا وثيقا إذ نجد التلخيص فى التحليل و التحليل فى التلخيص . لهذا قال إنجلز بخصوص الكيمياء ، الكيمياء التى يشكّل فيها التحليل شكل البحث المهيمن ، لا تساوى شيئا دون ضد هذا الشكل : التلخيص ".(" ديالكتيك الطبيعة ") . و أنكر يانغ هسيان تشان و أضرابه العلاقة بينهما و إدعوا أن "التحليل يعنى "إزدواج الواحد" بينما يعنى التلخيص " جمع الإثنين فى واحد " ." هذه هي نفس الترّهات الثنائية البرجوازية التى رفع رايتها تروتسكى : " سياسة - ماركسية ، فن - برجوازي ".

فى " فى التناقض " يؤكد ماو [ " مؤلّفات ماوتسى تونغ المختارة " المجلّد1، الصفحة 459) ] :

" ... حتى جاء ماركس و إنجلز ، هذان الرائدان العظيمان للحركة البروليتارية فلخّصا المنجزات الإيجابية فى تاريخ المعرفة البشرية ، و إستوعبا على الأخصّ بصورة ناقدة العناصر المعقولة فى ديالكتيك هيغل ، و إستبطنا النظرية العظيمة نظرية المادية الديالكتيكية و المادية التاريخية ، عندئذ فقط حدثت ثورة عظمى لم يسبق لها مثيل فى تاريخ المعرفة البشرية " و شرح الرئيس ماو بصورة عميقة أيما عمق كيف حلّلا و لخّصا المنجزات التاريخية للمعرفة الإنسانية. و ماركس و إنجلز ما قبلا و لا نبذا بصفة مطلقة الجدلية الهيغلية . لقد نقداها ممارسين " إزدواج الواحد " فنبذا شكلها المثالي و إحتفظا بجوهرها العقلاني . هذا التحليل و هذا التلخيص يبينان بصورة تامة الروح الثورية البروليتارية الصريحة و الموقف العلمي الذى ما إنفكّا يتّخذانه . و بذلك قدّما لنا مثالا لامعا.

و السيرورة التى خلالها نلخّص تجربتنا هي أيضا سيرورة تحليل و تلخيص. من خوضهم صراعات الممارسة الإجتماعية ، راكم الناس تجربة غنية بنجاحاتها و إخفاقاتها. و مستخلصين حصيلة التجربة ، من الضروري لنا أن نميز بين الصحيح و الخاطئ و أن نتمسّك بالأوّل و أن ننبذ الثاني . و مفاد هذا أنّه ينبغى ،على ضوء الماركسية - اللينينية و فكر ماوتسى تونغ ، أن نضع عديد المعطيات التى توفرها الرؤية الملموسة أثناء ممارستنا العملية لسيرورة التحويل و إعادة البناء" متخلّين عن القشور للإحتفاظ باللبّ ، واضعين جانبا الخاطئ للإبقاء على الصحيح و معالجين الشيء تلو الشيء ، و من الخارج الى الباطن" رافعين المعرفة الحسّية الى مستوى المعرفة العقلية و مستوعبين القوانين الداخلية الكامنة فى الأشياء و الظواهر . حركة الأضداد ( إزدواج الواحد ) موجودة طوال هذه السيرورة . بعد تلخيص التجربة على هذا النحو ، بمقدورنا أن نتمسّك بصلابة بالحقيقة و إصلاح أخطائنا و" نشر التجارب المفيدة و إستخلاص العبر من التجارب الخاطئة ".

التيّار الرجعي للتحريفيّة العالميّة :

هل أنّ الفلسفة الرجعية " جمع الإثنين فى واحد " من إبداع المرتدّ ليو تشاو شى ويانغ هسيان تشان و اضرابهما؟ كلآ ! ليست سوى لون من " التوفيق بين التناقضات " يقوم به الإنتهازيّون و التحريفيّون من الخطّ القديم فى ظروف تاريخية جديدة .

منذ نشوء الماركسية رفع الأعداء اللدودون للإشتراكية العلميّة النظرية الرجعية " التوفيق بين التناقضات ". لقد صرّح برودون أنّه كان يريد " البحث عن مبدأ التوافق " لأجل التوفيق بين تناقضات المجتمع الرأسمالي . و دوهرينغ زاول سخافات مثل أن العالم "غير قابل للإنقسام " و " لا وجود لتناقضات داخل الأشياء " و قادة الأممية الثانية الرجعيّون حاولوا عبثا تعويض الجدلية الثورية بالتطوّرية الفجّة و تعويض النظريات الماركسية عن الصراع الطبقي و دكتاتورية البروليتاريا ب" التعاون الطبقي". و كاوتسكى أعلن أنّه " لا وجود لطبقتين فى المجتمع ليست لهما مصالح مشتركة. حتّى بين مالكي العبيد و العبيد ثمّة مصالح مشتركة " و " ثمّة فعليّا مصالح مشتركة بين الرأسماليين و العمّال ". كلّ هؤلاء لم ينزلوا ضيوفا عابرين على التاريخ . عندما نقدهم و فضحهم ماركس و إنجلز و لينين و بلا رحمة ، أظهروا وجههم الحقيقي ّ.

إثر إنتصار ثورة أكتوبر فى روسيا ، أسرع ديبورين و أمثاله الى المعارضة الشرسة لنظريّة وحدة الأضداد التى صاغها لينين . كانوا يدّعون أن التناقضات لا تظهر منذ بداية السيرورة و إنّما عند درجة معيّنة من التطوّر و أن معالجة التناقضات هو " التوفيق بين الأضداد ". نظرية " التوفيق بين التناقضات " هذه ، هي إنعكاس فلسفي لنظرية "إضمحلال الصراع الطبقي " لبوخارين الذى أكّد أنّ " الرأسمالية ستندمج سلميّا فى الإشتراكية " وقد نقد ستالين بقوّة هذه الفلسفة الرجعيّة لإعادة تركيز الرأسمالية .

إلاّ أنّه بعد إغتصاب سلطة الحزب و الدولة فى الإتّحاد السوفياتي ، أعادت طغمة المرتدّ خروتشوف الحياة لفلسفة ديبورين الرجعيّة و طوّرتها بلا خجل هادفة الى إعادة تركيز الرأسمالية فى المجالات كلّها . و مقدّما نفسه على أنّه المنقذ ، كان خروتشوف يردّد : " العالم واحد و غير قابل للإنقسام فى وجه تهديد كارثة حرارية - نووية. من وجهة النظر هذه ، ننتمى جميعا الى العنصر البشري ." و قدّم المرتدّون الخروتشوفيّون بصفاقة هذه الفلسفة الرجعيّة المرتدّة على أنّها " تطوير خلاق للماركسية – اللينينية ".

و لمّا دفع هؤلاء المرتدين نحو تيّار مضاد تحريفي ضد الفلسفة الماركسية ، شدّد الرئيس ماو ، قائدنا العظيم ، فى مناسبات متكرّرة ، على الدلالة العظيمة التى يرتديها إنتشار الماديّة الجدليّة . لقد أشار: " نودّ أن تنتشر الجدليّة تدريجيا و أن يعرف الجميع شيئا فشيئا إستخدام هذه الطريقة العلمية " . ( " خطاب فى الندوة الوطنية للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية ") و فى خطابه ، فى إجتماع الأحزاب الشيوعية و العمّالية الملتئم فى موسكو فى 1957 ، عرض مجدّدا و بصورة عميقة الجدليّة الثورية ل" إزدواج الواحد " و وجه ضربة مباشرة للتيّار المضاد التحريفي .

لأكثر من مرّة ، بيّنت التجربة التاريخية للحركة الشيوعيّة العالميّة أنّ حزبا ماركسيا - لينينيا ، إذا لم يتابع المشاكل و يعالجها و لم يحلّلها إنطلاقا من وجهة نظر مادية جدلية ومادية تاريخية ، يقترف أخطاءا و ينحط ّ سياسيا . و لمّا خانت الطغمة المرتدّة التحريفية السوفياتية كلّيا المادية الجدلية و كذلك المادية التاريخية ، إنزلقت أكثر فأكثر فى الطريق التحريفي و إنحطّت الى إمبريالية-إشتراكية .

و اليوم ، صارت النظريّة الرجعيّة " التوفيق بين المتناقضات " أداة تستعملها الإمبريالية - الإشتراكية التحريفيّة السوفياتيّة كي تعزز دكتاتوريّتها الفاشيّة و تكرّس سياستها العدوانيّة و تتعاون مع الإمبريالية الأمركية فى نفس الوقت الذى تنافسها الهيمنة العالميّة . و يطالب التحريفيّون السوفيات بصوت عال بخلق " وحدة إشتراكية " و " الأولوية للمصالح المشتركة ". هذه محاولات لا طائل من ورائها يقومون بها لمحو الإختلافات بين الجلاّد و الضحيّ ة و المستغِل و المستغل و المهيمن و المهيمن عليه . إنّهم يطلبون من شغاّلي " الوحدة " أن يضحوا بمصالحهم الخاصة و أن يتخلّوا عن إستقلالهم و سيادتهم و " يندمجوا " كلّيا فى " كيان " الهيمنة الإستعمارية للإمبريالية -الإشتراكية . لكن النظرية الرجعية ل" التوفيق بين المتناقضات " لا يمكن أن تنجيهم أبدا. فالقوانين الخاصة بالديالكتيك مستقلّة عن إرادة التحريفيين . فى الوقت الراهن ، بات النضال الذى تخوضه شعوب العالم بأسره و عديد البلدان الصغيرة و المتوسّطة معا ضد هيمنة القوتين الأعظم ( الإمبريالية الأمركية و الإمبريالية الإشتراكية ) لرسم خطّ تمايز بيّن معها ، تيّارا تاريخيا لا يقاوم . و الجدليّة الثوريّة : إزدواج الواحد ، تتغلغل بعمق فى قلوب الشعوب و يدركها أكثر فأكثرالأحزاب الماركسية - اللينينية و الثوريّون . لقد صارت سلاحهم الفولاذي فى نضالهم ضد الإمبريالية و التحريفية المعاصرة و رجعيّة كلّ البلدان . جامعين بين الحقيقة الشاملة للماركسية - اللينينية و الممارسة العمليّة للحركة الثوريّة فى بلاد كلّ منهم ، سيقلب الثوريّون فى كلّ بلدان العالم النظام القائم و سيحقّقون نصرا نهائيا للثورة البروليتارية العالمية ."
----------------------------------------------------------------------------------------------------