حقيقة التغيير وتغيير الحقيقة


محمد وهاب عبود
2019 / 5 / 18 - 04:33     

تطرق مسامعنا دائما وباستمرار عبارات من قبيل: "الناس عاجزين عن التغيير نحو الأفضل ، والطبيعة البشرية لم ولن تتغير, فالظلم دائمًا يقف شاخصا وفي معظم الحالات ينتصر ، ومن حيث المبدأ لا يمكن تغيير او إصلاح أي شيء". هذا الرأي يتنافى مع الحقيقة ويجانب الصواب او بعيارة اقسى كذبة
قبل ثلاثة قرون عاش الاوروبيون في هذا العالم حياة يصعب وصفها , واذا ما حاولنا تشكيل صورة عنها فهي اشبه بنمط حياة تنظيم داعش المحضور:

*ألا يعجبك الايمان ؟ هل لديك ادنى شك بصواب العقيدة؟ اذن مثواك جهنم في الدنيا والاخرة , ايها الملعون الزنديق
* تريد أن تطلق زوجك؟ الكنيسة ضد الطلاق
* قلت ان ضرائب الملك الجديد تثقل كاهلك ؟ الملك هو وكيل الله في الارض وممثل سلطانه كما جاء في الكتاب المقدس وكل من يعترض فهو مارق ومكانه في الباستيل
* هل ممتعض من ارتفاع سعر الخبز؟ العشب يؤكل..
* هل اعجبتك الخادمة الجديدة يا سيدي ؟ اذا حظيت باعجابك فسوف اطلب منها ان تأتيك ليلا الى الفراش..
كانت هذه مفاصل حياة العالم الاوربي , عالم الملكيات المطلقة والكنيسة والنبلاء والملوك والاباطرة والديكتاتورية , عالم الحرمان والتخلف والعبودية الذي يحلم ويسعى البعض بالعودة الى ذلك الجحيم التاريخي

هذه الأمثلة قادرة على ضخ الأمل في نفوسنا فعالمنا ، رغم كل عيوبه وعلله الراهنة ، يختلف اختلافًا دراماتيكيًا عن أهوال القرون الوسطى وهذا لم يكن بفضل الكنيسة والقديسيين والكهنة ، مع فرضياتهم المدعية السلم والخير للبشرية وانما للثورات في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر التي قدمت لعالمنا الحقوق المدنية الابتدائية. بالإضافة إلى ذلك ، نحن مدينون للاحتجاجات العمالية التي كان لا حصر لها ولا مدى والتي بفضلها اكتسبنا حقوقًا اجتماعية هامة

بعد كل ما تقدم نلاحظ اليوم المتشائمين والمحافظين يقدمون حزمة من الأكاذيب عن الإنسان وطبيعته ، وهم في الحقيقة لا يعرفون شيئًا عنها. علاوة على ذلك ، فإن أكاذيبهم تساق من ذلك المفهوم الذي يؤسس لفكرة الايمان بخطيئة الانسان الاصلية لكن الحقيقة التي تدحض ادعاءهم, ان العالم بالفعل قد تغير نحو الافضل.
واذا تعمقنا اكثر وقبلنا فكرتهم فلا يوجد منع او حضر طبيعي او اجتماعي لتشكيل عالم افضل اما اذا كان العالم مبني او قائما على مبادئ و احكام ذاتية مسبقة عن الانسان كما يقولون فلماذا هذا الاصرار منهم على تحديد انظمة سياسية واقتصادية بعينها والبرهنة على انها الطريق الوحيد لتحقيق سعادة ورفاه الانسان ؟!