4 الهة وشياطين: الاساطير البابلية والاشورية 1


مالوم ابو رغيف
2019 / 5 / 12 - 03:49     

لقد اثرت الحضارة السومرية كثيرا على الحضارات السامية لوادي الرافدين التي اتتت بعدها مثل بابل واشور وهذا التأثير انعكس واضحا على اساطيرها وعلى اشكال عباداتها. ومثلما ارتبط الدين الفرعوني بعلاقة وثيقة بالطبيعة فكانت الشمس Atun هي مركز الالهة، افردت حضارة وادي الرافدين مكانا مهما للشمش( الشمس) واضفت عليها سمات وميزات اخرى .
كذلك كانت الالهة الاكثر اهمية مرتبطة ايضا بمدنها، وكلما تعاظم دول المدينة تعاظم دور الاله الذي تقدسه واتسع نفوذه واهميته في كل البلاد.
في الحضارة الرافدينية ترتبط الالهه برباط وثيق مع النجوم التي تلعب دورا مهما في تصورات البابليين والآشوريين.
لقد كان الاعتقاد بالنجوم مبنيا على وجود نظام فلكي يكمل فيه السماء والارض احدهما الاخر دون نشوء تعارض بينهما، فالسماء هي الصورة البدائية والارض هي الصورة المستنسخة عنها، فما يحدث على سطح الارض تجد فكرته في السماء، اي صورته الاولى التي تشكل ضرورة حدوثه، من ناحية اخرى، كل ما يحدث في السماء تكون له تأثيرات على ما هو قد كان وما قد يكون على الارض. وبالطبع هذا هو اساس ما يسمى بالتنجيم وقراءة الطالع الذي برع فيه العبرانيون واستنسخه المسلمون منهم، كما انها الفكرة الاولى للقضاء والقدر، حيث ما يحدث في السماء لا يمكن تفاديه على الارض.
لقد كان واجب الكهنة هو البحث في اغوارعلاقة الارتباط العميقة ما بين الحياة السماوية وما بين الحياة الارضية وتوجيه الناس بما يترتب عليها. ومن هنا نشأ علم الفلك وعلم التنجيم في بابل.
وكما هو الحال في الاديان المعروفة اليوم، ليس لحياة الانسان من معنى سوى خدمة الالهة وتقديسها والمحافظة على النظام الذي اختارته لصلاح العالم من خلال اطاعة واتباع قوانينها وآوامرها.
لقد كان البابليون والاشوريون يشعرون بعظم الخطيئة التي لا تجلب لهم سوى العواقب الوخيمة والفال السيء اذا لم يطعوا الالهة او عند عدم اداء واجبات تقديسها وتنفيذ اوامرها، ويلجأ الناس الى نواعي النواح واغاني الندم والتوبة لطلب المغفرة من الالهة، وهذا ما نجده في جنوب العراق وكان الزمن لم يتغير، فمازالت النساء تنشد النواعي( الاغاني الحزينة وتنذر الى الله ليعافي مريضها ويشفيه او يزرقها او ينتقم من الذي ظلمها، ومازال رجال الدين في الجنوب ينشدون الادعية التي تحتوي على كم كبير من عبارات الخضوع ولوم النفس على عصيانها الى درجة التحقير.
من اهم الامور التي وقف عندها البابليون والاشوريون وحُظيت عندهم باهمية كبيرة هي تلك التي نجد اجوبتها وحلولها في الاساطير مثل:
اصل الكون واصل نظامه
العمل على توجيه حياة الانسان بما ينسجم مع الترتيب والنظام الالهي من خلال الخنوع والخضوع الكامل للالهة ولرغباتها.
السعي للحصول على الحياة الابدية والخلود.
يمكن القول ان الكتب المقدسة للاديان الثلاثة، استمدت اغلب اساطيرها وحكاياتها من اساطير حضارة وادي الرافدين:
فالاله البابلي مردوخ خلق العالم وخلق الانسان واسس النظام الذي وفقه يسير الكون.
اسطورة الطوفان التي لا تختلف كثيرا عن الاسطورة التوراتية، اذ ان الاله مردوخ يكافي اوتنابشتم على خوفه من الاله وخضوعه وخنوعه له بانقاذه من المصير الوخيم الذي سيلاقيه الخطاة والعاصون ، ثم يمنحه الخلود ويرفعه ليعيش بين الالهة.
ولعل اسطورة گلگامش من اهم اساطير حضارة وادي الرافدين وهي تصف رغبة وارادة وطموح الانسان في التغلب على الموت الى ان يصل في بحثه الى الحقيقة المرة باستحالة الخلود وعبث المحاولة.
نشير ايضا الى ان قصة الخلق في حضارة وادي الرافدين وان تشابهت بالفكرة الى ان اسم الاله الخالق يختلف بين مملكة واخرى كما هو الحال في الاديان الثلاث الآن، ففي سومر يكون انليل هو الخالق بينما في بابل الخالق هو مردوخ.
"الأينوما إيليش " Enuma Elish او الالواح السبعة لاسطورة الخلق الاي وجدت في مكتبة اشوربنبال في مدينة نينوى: وتعتبر اسطورة الخلق ونشوء الالهة الرافدينية من اقدم ان لم نقل الاقدم في العالم. لاحظ التقارب بين كلمة اينوما البابلية وبين كلمة اينما العربية وكذلك التقارب بين الاعالي وبين ايليش او عليش.
ينبغي الاشارة الى انه لحد القرن التاسع عشر كان يُعتقد بان الكتاب المقدس الـ Bible هو اقدم كتاب في العالم وان رواياته اصيلة غير منقولة، لكن بعد اكتشاف الاثار في وادي الرافدين وجدوا ان هناك تطابقا في الاساطير والحكايات التي نُقشت على الالواح الطينية السومرية والبابلية والاشورية وبين ما جاء بين دفتي الـ Bible.

اسطور الخلق البابلية
لم تكن هناك سماء ولا ارض بعد، وحدها كانت اولى المياه.
كان الماء العذب ابسو (Apsu )
وكانت المياه المالحة تيامات (Tiamat )
كانا ممتزجان ببعضيهما ويحملان فيهما مومو(Mummu ) النموذج الاصل للكينونة.( ربما هي الروح)
حيث نشأ لاحــمو (Lah-mu ) و لاحا- مو (Laha-mu )
حصلا على اسميهما وكانا اول الالهة
بعدهما نشأت السماء آنشار(Anshar ) وتكونت الارض كيشار(Kishar )
ومن انشار خرج آنو(Anu ) اله السماء الكبير.
آنو Anu أنجب الاله آيا (Ea)
الذي تفوق بالحكمة على جميع الالهة وفاق بالقوة على جده انشار
وبعده نشأ الاله انليل رب العالم المأهول.
الالهة ارادت اخضاع آبسو ِApsu
لذلك استشار ابسو Apsu موموMummu
ثم كليهما ذهبا الى تيامات Tiamat يترجاها ان تقف معهم ضد ابناءها الألهة.
وقفت الالهة تيامات مع مومو وأبسو وصمموا على افناء الالهة الابناء.
لكن الاله آياEa المطلع والعارف بكل شي
تكلم بمقولات السحر فنام ابسو فاسرع اليه وذبحه
ثم انجب الاله آيا Ea من عروسته لحامو Laha-mu
بطل الالهة الاله العظيم مردوخ الذي كان له اربع عيون واربع اذان
حتى يرى ويسمع كل شيء (السميع البصير)
كلامه مثل ضوء النار المتوهجة
وفاقت هيئته رفعة وسموا على جميع الالهة
انه اله الشمس
اله الربيع
قاهر الظلام.

المياه المالحة تيامات طلبت من بعلها الاله كنجوو kingu الانتقام لها
( وهو ايضا ابنها لكنها تزوجته بعد موت أبسوApsu )
جمعت جحافلها
احد عشر وحشا مفزعا اعدتهم للقتال واعطت القيادة لبعلها الاله كنجوو
قاد الاله آيا Ea الالهة ضد هذه الوحوش المفزعة
ودار صراع ضاري، ولم يكن فيه ايا الاقوى فضعفت الالهة وخسروت
ولم يطع الاله أيا Ea امر الاله انشار Anshar عندما امره بمواصلة الصراع مرة اخرى.
لذلك امر الاله انشار Anshar ابنه الاله انو Anu بقيادة الالهة ضد جيش الالهة تيامات الرهيب.
ولكن عندما رأى آنو حشد الأعداء في الصحراء ، اصابه الرعب وقفل راجعا الى ابيه انشار طالبا اعفاءه من مهمة الصراع.
اصبحت الالهة بدون قيادة فذهبت مرة اخرى الى الاله أيا Ea راجية ان يقنع ابنه مردوخ بتولي الصراع.
كان مردوخ مستعدا فتقدم امام الاله انشار وتكلم:
قبل ان تنهي كلامك ساكون قد بدأت الصراع، كيف لنا ان نخاف من تيامات وهي ليس الا انثى!!
فتكلم انشار
بالتأكيد، فاذهب الى تيامات وخفف من غضبها وحاول تهدأتها واقنعها بالسلام.
لكن الاله مردوخ طلب مقابل الانتصار ثمنا كبيرا:
طلب بان الالهة التي تجتمع سنويا في قاعة تحديد المصير عليها اتخاذ قرار بان تكون كرامته هي الاعلى على كرامة جميع الالهة حتى يقدس كلمته وعبادته من هو في السماء ومن هوعلى الارض، الهة وبشر.
لم يكن للاله انشار Anshar ان يستجب لطلب مردوخ فدعى جميع الاله الى قاعة تحديد الممصير وامر باعداد وليمة كبيرة ..
سنواصل الحديث في الحلقة القادمة