قايد صالح.. وخارطة طريقه للجزائريين


مولود مدي
2019 / 5 / 4 - 22:22     

هل أصبح (قايد صالح ) لا يعرف شعبه؟ هذا الأخير عندما خرج في 22 فيفري، فرض في البداية حلا اصلاحيا على النظام، وهو عدم ترشح بوتفليقة، تعنّت النظام المتستر وراء رجل لا يعرف يمينه من شماله، و عجز العصابة التي تتخفى وراءه عن ايجاد مرشح توافقي يعوض شخص غائب عن الساحة منذ 2013 أدى الى المطالبة برحيل كل منهم في النظام، ويبدو أن (قايد صالح ) لا يريد أن يفهم بأنه لن يكون استثناءا هو أيضا.. الشعب يعرف من يكون قائد الأركان ومن أتى به الى هذا المنصب ومن جعله نائبا لوزير الدفاع، لكن الحراك منحه فرصة لكي يكفر نيابة عن المؤسسة العسكرية ذنوبها التي يشيب لها الولدان والتي لا داعي لذكرها، لكن خطة القايد اليوم وعصبته مكشوفة للجميع و غايته هي استنساخ نفس المنظومة البائسة التي جاءت ببوتفليقة في 99 و نفس أسلوب الحكم الذي لا يقيم لصوت الشعب قيمة، بل صوت العصب هو من سيبقى يقرر.

فهو يريد ان تقام انتخابات رئاسية في 4 جويلية، "احتراما للدستور ومؤسسات الدولة" على حد تعبيره، دستور لم يكن للشعب أي دور في صياغته، ولم يكن يسمع عنه شيئا قبل 22 فيفري، وعندما سمع به، وجد أنه عبارة عن كراس محاولات تتلاعب به السلطة كما تشاء، دستور عدّله النظام 3 مرات في ظرف 20 سنة، في سابقة تاريخية لا تحدث الا في الجزائر، بينما يبقى الدستور في البلدان الاخرى نصف قرن او حتى قرن كامل لكي يتم تعديله، فضلا أن هذا الدستور المزعوم، يمنح للرئيس صلاحيات لا تجعله موظفا، ومسؤولا يمكن ايقافه عند حده ان أخطأ، فهو يمتلك صلاحيات تجعله يتدخل حتى فيما لا يعنيه، كإمتلاكه لصلاحيات قضائية وهو الذي بالأصل ينتمي الى السلطة التنفيذية.. عن أي مؤسسات يتحدّث قائد الأركان اذن، والرئيس ذو صلاحيات عابرة لحدود المؤسسات؟ منذ متى كانت الجزائر تدار عن طريق مؤسسات؟ هل يقصد البرلمان الذي تحوّل الى أداة لنهب المال العام بدل طرح مشاكل الشعب؟ هل يقصد المؤسسة القضائية التي يعلم الشعب أنها تسير بالهاتف؟ عن أي مؤسسات يتحدث و (قايد صالح) في كل خطاباته يوجه الحركة السياسية في مؤسسات الدولة خلافا لكل معايير الدستور؟.

اليوم، الجزائري يجب أن يلعن كل حلّ يقال له "دستوري" .. منذ الاستقلال وهذا "الدستور" المزعوم في خبر كان، لا محل له من الاعراب في منظومة الحكم، ولا يزال من هم في السلطة رفقة المتملقين الجدد الذين يعتقدون ان ( قايد صالح) قد امتلك مفاتيح السلطة الى الابد، يخوّفون الشعب بمصطلحهم المضحك (فراغ دستوري)، بينما الدستور المتحدث عنه هو خلاصة تجربة إجرامية بائسة في تاريخ الجزائر كتبه مجرمون لصالح مجرمين و صادق عليه مجرمون بالصفة و بالمهنة ويخرقه في عدة مناسبات مجرمين ايضا، بالدستور أو بغيره نحن منذ الاستقلال خارج كل إطار دستوري. الحل الدستوري الوحيد الذي يتمتع بالمصداقية يعني العودة إلى سلطة الشعب و الحل غير الدستوري هو ما تقترحه السلطة، و لا معنى لأي شطحات وخزعبلات "دستورية" بحجة الحفاظ على السلم والأمن، ان ما يحدث حاليا هو التماطل و تسمية الأشياء بغير أسمائها، ومحاولة إستبدال مسار سياسي بمسار قانوني في مشهد يدل على أن الدستور الذي يتحدثون عنه لم يعبّر يوما عن الارادة الشعبية ولهذا يخيّرون (اما حلا سياسيا، او حلا دستوريا)، في الوقت الذي يصر فيه الحراك على مدى احدى عشرة جمعات متتالية دون ملل، أن أولوية الأولويات هي المسار السياسي طالما أن الفساد السياسي هو منبع كل الفساد في المجتمع ، وان حتى "المحاسبات المسرحية" الحالية لن تكون بديلا للانتقال الديموقراطي.

وما معنى أن يصر (قايد صالح ) على تنظيم انتخابات، بإشراف حكومة غير شرعية يترأسها خبير في التزوير وقائد الأركان بالأساس يشكل طرفا فيها، ثم يقول أن الانتخابات هي " الحل الأمثل للخروج من الأزمة والتصدي لكل التهديدات والمخاطر المحدقة ببلادنا وإفشال كافة المخططات المعادية"؟ ألا يدري قائد الأركان بأنه بهذا الاستماتة حول تنظيم انتخابات برعاية شخص فاسد و حكومة فاسدة، فهو يرسل رسالة مفادها ان الرئاسيات لن تكون الا وسيلة لاعادة بعث العصابة بوجوه جديدة وبنفس الدستور البوتفليقي؟ هل نسي الذين يشككون في وطنية من يرفض مهزلة الانتخابات أن قانون الانتخابات نفسه لا يضمن حتى نزاهة العملية الانتخابية بأن لا يتم الاعلان عن حجم الكتلة الناخبة مما يسهل التزوير؟ ما تفسير هؤلاء للمفارقة المضحكة المبكية التي تحكي قصة جمع بوتفليقة ستّة ملايين توقيع ثم قال بعدها أنه لم يكن ينوي الترشّح !!هل نسي من يأمل في انتخابات نزيهة أن رئيس الهيئة الانتخابية يتم تعيينه من طرف رئيس الجمهورية أو رئيس العصابة بالأحرى؟ وماذا سنفعل مع الولاة الذين كرسوا التزوير؟ المشكلة ليست مشكلة انتخابات، المشكلة هي مشكلة ضمانات، ليس هناك أدنى ضمانات للحراك الشعبي بأن الانتخابات ستكون حلا لا يمكن الطعن في نزاهته، ومن يزايد علينا بالقول اننا نخاف من الصندوق، لماذا لا يقولون أيضا أن الحراك الشعبي كان خائفا من الصندوق برفض ترشح بوتفليقة؟ فكيف يمكن أن تصبح الانتخابات اذن بدون ضمانات وقوانين واضحة يوم 4 جويلية معتركا نزيها الفائز فيه هو من يعبّر عن امتلاك برنامجه ثقة الارادة الشعبية، بعدما كانت تعبّر عن ارادة عصب السلطة؟.

ان الذهاب نحو رئاسيات بنفس الأليات وبدون مؤشرات عن نزاهتها وبقاء الذين يساهمون في تزويرها سيقودنا الى حائط، و التأجيل يمكن أن يصاحبه دعوات لتعديل الدستور الحالي ونظام الحكم في البلاد الذي مكّن الجماعة من احكام سيطرتها على الجزائر منذ أكثر من خمسين سنة، هذا ما يخافونه، وبالتالي يريدون من الحراك أن يقبل بالصعاليك والخونة والفاسدين الجدد، والا هو في زمرة من يحاول " عرقلة كافة المبادرات البناءة التي تكفل الخروج من الأزمة، وقد برهنوا بذلك بأنهم أعداء الشعب".. لاحظوا أن الحراك نفسه في نظر (قايد صالح ) هو أزمة ! بطبيعة الحال هو ازمة بالنسبة لمن هو في السلطة، بينما هو في الواقع حدث لا يقل اهمية عن أول نوفمبر و 5 اكتوبر..

الخطير في رسائل (قايد صالح) هو أنّه يخوّن كل من يرفض خارطة الطريق التي يقترحها ولا زال يستخدم أحد أبرز مصطلحات لغة الخشب "المغررين بهم" والتي تثير غضب كاتب هذه السطور وغضب كل جزائري، لأنه تعطي انطباعا ان على الشعب في كل مرة ان يقدّم برهانا على وطنيته وليس على من احتكر السلطة لمدة اكثر من نصف قرن ..انّ جلّ رسائله تريد أن تقول للشعب الجزائري (عليك أن تختار اما بين الطاعون أو الكوليرا، اما رئاسيات مزورة بدستور بوتفليقة، واما الارهاب والعنف..)، لا، الشعب لن يختار بين الطاعون والكوليرا، ولم يعد يخاف لا من صالح ولا من توفيق ولا من أمثالهم، هذا النظام الذي كانت واجهته (بوتفليقة) والذي يختار (قايد صالح) واجهته الجديدة، أثبت لألف مرة انه لا يزال نظاما عقيما، لقد اراد ترشيح رئيس لا يستطيع تحريك يديه، واليوم يريد أن يفرض خارطة طريق تنجيه من مطالب الحراك الشعبي التي ستقضي على امتيازاته، واستفراده بالدولة، ونتمنى من "الباديسيون الجدد" أن يفيقوا من وهمهم الوثني باعتقادهم أن من شارك في الفساد السياسي بالأمس سيكون منقذا للأمة بالغدّ .. لقد أصبحت الباديسية عند هؤلاء هي في مناصرة ديكتاتورية عسكرية، ولعن أي مسار ديموقراطي بالمناسبة !.