أمه راقية


رياض حسن محرم
2019 / 4 / 30 - 00:42     

30 أبريل.. مؤتمر الفلاحين المصريين بكمشيش..وذكرى رحيل الشهيد صلاح حسين
أمه راقية
لن أكتب هذا العام عن الراحل العظيم / صلاح حسين أو عن القضية الزراعية ولا عن الذكريات حول 30 إبريل والمغامرات لإقامة الذكرى فى كمشيش فى تحد لأجهزة أمن السادات الذى كان يحاربها بكل الطرق الخشنة، ولا كيف تسلل نجم والشيخ إمام فى زى فلاحين عائدين من الغيط مساءا لحضور الذكرى "المؤتمر"، سأخصص حديثى اليوم عن " أمه راقية" كما كانت تناديها شاهندة ونحن جميعا تقليدا لها.
عرفتها ببيت شاهندة بشارع تانيس بالإبراهيمية بالأسكندرية، عجوز يصعب تقدير سنها، كانت تحمل منزلة خاصة لدى شاهندة، هى من ربّتها طفلة فى بيت والدها اللواء "شوقى عبد الحميد مقلد"، كانت تعاملها بمثابة والدتها، ومن الجهة المقابلة كانت أمه راقية تتقمص دور الأم، تشخط أحيانا وتلين أخرى، كان أبناء شاهندة ناجى ووسيم وبسمة يعاملونها كجدتهم، كانت تستيقظ يوميا مع صلاة الفجر، بعد أن تؤدى الصلاة تظل متيقظة حتى الصباح، تعدّ الفطور والشاى، كانت العادة أن يستمرون فى شرب الشاى الخفيف عدة مرّات حتى الظهيرة.
كاان وجهها مليئ بالتغضنات، تضع على عينيها نظارة سميكة، تحرص على إستعمال الحناء لشعرها، عاشت تلك السيدة جميع اللحظات الحرجة فى حياة شاهندة، شهدت ذلك اليوم الذى هاجم فيه الشقة مباحث أمن الدولة فجرا، فى حين كان أحد الفلاحين المبعدين من كمشيش "عم أحمد رجب" يقضى ليلته عندهم، أسرعت شاهندة بإيقاظه ومن منور الشقة "دور أرضى" ساعدته فى إرتقاء السور والقفز الى شارع بور سعيد للهروب، عندما تأخرت فى فتح باب الشقه كسره المخبرون بعتلة حديدية أحضروها معهم، تذكر أيضا يوم أن كان عندهم أمان صقر والدكتور سمير الحبشى " وكانا ما يزالا مخطوبين بعد"ن ولما تأخر موعد عودتهم وقررا قضاء الليل، وبحدس الفلاحين قررت شاهندة أن تنام أمان فى غرفة الأطفال وينام سمير فى غرفتها وأن تنام هى على الكنبة فى الصالة لتضمن الفصل بين القوات.
مع تقدم أمه راقية فى العمر وضعف بصرها أصبحت غير قادرة على القيام بمهامها، خصوصا بعد فشل عملية المياه البيضاء "التى أجرتها لها شاهندة على نفقتها"وفقدها لبصرها، إضطّرت شاهندة لإستقدام خادمة أخرى "سهير" لخدمة أمة راقية، كانت تطلب الدكتور/ فؤاد منير أكثر من مرّة للكشف الطبى على أمة راقية وكتابة العلاج لها، حيث كنت أقوم بإعطائها الحقن.
فى يوم حضر الى ناجى مبكرا "وكنت قد تخرجت من الكلية وأشتغلت طبيبا" وأخبرنى أن أمه راقية مريضة وأن شاهندة تطلبنى لمعايدتها"، كانت لا تشتكى من عرض محدد ولكنها تتأوه بصفة مستمرة، لم أملك الاّ أن أصف لها بعض الفيتامينات والمسكنات وذهبت الى الصيدلية وأحضرت الأدوية ومعها 10 زجاجات بنسلين ج وجهاز نقل محاليل، وبعد أن ركّبت لها المحاليل شعرت ببعض الراحة والهدوء ودعوت لى كثيرا، تكرر ذلك فى الأيام التالية أكثر من مرّة، لكن فى الحقيقة كانت صحتها تتداعى سريعا، وصلت الى الدرجة التى كان يتم حملها لقضاء حاجتها، حتى أتى ذلك اليوم الموعود وفاضت روحها.
عملت بالخبر وأسرعت الى الإبراهيمية حيث كانت شاهندة تنتحب بشدة، حاولت تهدئتها وطلبت منها أن تتوقف عن البكاء حتى نفكّر ماذا سنصنع؟، أخبرتنى شاهندة أن الموضوع لا يحتاج الى تفكير، فأمه راقية أصبحت واحدة من العيلة وستدفن فى مقابر العائلة بكمشيش، وفعلا كما أرادت تم نقل الجثمان الى كمشيش ودفنت هناك واقيم مأتم العزاء.
بعد أكثر من شهرين حضر شاب صغير الى بيت شاهندة مدعيا أنه إبن أخت المرحومة وطالب بميراثها، طلبت منى شاهندة أن أحضر فحضرت، أعطته بعض المال وقالت له أن خالته لم تترك ميراثا سوى حلق "كانت شاهنندة قد اشترته لها" وبعض الملابس، أخذها وذهب.
تلك كانت أخلاقيات شاهندة، مناضلة تحمل أخلاقيات الفلاحات ونبل الملائكة، رحمها الله وزوجها (ابن عمتها) ورفيقها المناضل/ صلاح حسين الذى سقط بيد الغدر دفاعا عن الفلاحين والحركة الوطنية المصرية.
وداعا صلاح وشاهندة وأمه راقية.