مأساة سيدي بوزيد !! برنامج وطني للإصلاح الزراعي وحده الكفيل بالقضاء على شاحنات الموت


محمد نجيب وهيبي
2019 / 4 / 28 - 22:01     

عذرا سيدتي وزيرة المراة ، عذرا سيدي وزير الفلاحة وعذرا سيدي رئيس الحكومة صاحب شاحنة الموت الذي ينقل عددا مهولا من العاملات الفلاحيات من "دوارهم" الريفي إلى "السانية" الريفية متسببا في موتهم هو المسؤول الاول والأخير عن الكارثة ، كان الأولى به أن يموت وعياله جوعا وأن يترك "العاملات" الفلاحيات يمتن كمدا لعدم تحصيل لقمة العيش!! ، أصلا هن أي أمهاتنا الشهيدات في طرق الموت بين المطبخ و الحقل هن المسؤولات عن عمليات انتحارهم الجماعية اليومية صباحا مساءا ، كان الأجدر بهن ربما أن يصممن آذانهن عن حاجيات عيالهن ويتركنهم ليقارعوا بطش الحياة والجوع وحدهم ! عوض إرتكاب خطيئة فضح عجز الدولة عن رعاية مواطنيها مضاف لها خطيئة الاختلاط عند التنقل وبين أشجار الحقول !! ثم ذلك الفلاح الصغير البائس الذي يعاني الأمرين هو أيضا مجرم لانه يغفل عينه عن ظروف النقل "اللاقانونية" و"اللاإنسانية" !! بينما كان لزاما عليه أن ينضبط لبرنامج "الاصلاحات الكبرى" بان يترك أرضه التصحر ويتركهن يعتصرهن وعيالهن الجوع والفاقة حتى الموت المسالم الصامت الذي لا يزعج حكامنا ويخفّض عدد الفقراء في هذا البلد دون تعرية لحجم الخراب الحكومي !! . عذرا سادتنا المسؤولين عشاق السلطة ، نحن كلنا مجرمون لأننا نزعجكم في موتنا ونزعجكم بحياتنا البائسة وركضنا يمنة ويسرة خلف ما يكفي فقط أن نسد به القليل القليل من الرمق مجبرين على ذلك مكرهين لأننا بكل بساطة بشر لنا حاجيات بيولوجية غصبا عنا تزعج برامجكم التنموية الجبارة !! .
اما انتم فلا جرم لكم ولا جناح عليكم ، لستم منا ولسنا منكم ، لا برامج لكم غير بيعنا بالجملة والتفصيل لاسياد ما وراء البحار يتاجرون بنا وفينا من المهد إلى اللحد في أزقة المدن الهامشية المكتضة بعبيد الخبز وبين المسالك الريفية المنسية الممتلاة بعبيد رغيف " الكسرة" ، تسنون قوانين العدل ، وحماية المرأة الريفية ، والقضاء على الفقر ... الخ ترسانة من القوانين المنسية والمهجورة بحكم واقع الحياة اليومية ، وتسارعون في نفس الوقت لامضاء الاتفاقات المهينة ضمن التبادل الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي( اليكا) لبيع فلاحتنا وتدمير فلاحينا .
سادتنا الا تعلمون أننا حتى في البؤس غير متساوين ، وأن في هذا البلد ذو السياسات الهجينة تخصص حكوماتنا العادلة اجرى أدنى صناعي مضمون واخر فلاحي أدنى منه !! الا يكفي فقط هذا الميز المقنن لنضرب عرض الحائط كل عدالتكم المزيفة وترسانة قوانينكم الوهمية ؟
الا تعلمون أن هذا البلد فيه 10 مليون هكتار اراضي فلاحية ، أي ما يقارب ثلثي جملة الأراضي بتونس ، بطاقة تشغيلية تقارب 16% من اليد العاملة الجملية ، وأن هذا القطاع الاستراتيجي والحيوي يعاني منذ زمن من الزمات هيكلية حادة محورها وجوهرها السياسات التهميشية المتعمدة ، لأحد اهم القطاعات الحيوية لبلادنا ، فبالإضافة لازمة الملكيات الفلاحية وتوزيع الأراضي التي جعلت القطاع في اسوإ حالاته الانتاجية والتسويقية حيث 80% من مالكي الأرض من صغار الفلاحين المقسمة والمشتتة ملكياتهم ، وحيث نسبة الأمية الفلاحية يقارب 50% ، وحيث لا تتجاوز الاستثمارات الجملية في القطاع الفلاحي ال8% من جملة الاستثمارات في تونس في افضل الاحوال.
سادتنا إن القضاء على شاحنات الموت في الارياف ، وانقاذ امهاتنا المناضلات ، لا يحتاج ترسانة قوانين ولا يحتاج رقابة على الطرقات ولجان تحقيق ... الخ إنه فقط يحتاج أن تتحمل الدولة مسؤوليتها بكل وضوح وبشكل كامل ، في إطلاق استراتيجيا وطنية شاملة لبرنامج "إصلاح زراعي" شامل وحقيقي ، يجعل من هذا القطاع في صدارة منوال تنموي ذو طابع تضامني واجتماعي ، إصلاح زراعي قد يُزعجُ السادة خلف البحار و أرباب الشركات العابرة للقارات ، ولكنه يرجع لتونس سيداتها ويرجعُ لاهلها بعضا من كرامتهم ويقطع مع شاحنات الموت والانتحار فقرا في كل ربوع هذا الوطن ، نحن بحاجة لإدارة جديدة ، تضامنية للضيعات والاراضي "الدولاتية" إستئناسا بتجربة واحات جمنة الرائدة و مثالها التنموي التضامني والاندماجي ، نحن بحاجة أن تطلق الدولة برنامجا للتعاضد الطوعي لصغار الفلاحين حتى تتجمع ملكياتهم الصغيرة ضمن إدارة جماعية مستقلة تنهض بالقطاع وتمكنه من تطوير الإنتاج وعصرنته كما وكيفا ، وأن تتحمل الدولة تبعا لذلك مسؤوليتها في دعم الإقراض و تطوير الاستثمارات بشكل استثنائي وفي عملية مركّزة وممنهجة في كل البنية التحتية ومهن الجوار والاسناد مثل الطرقات والنقل المنتظم في الأرياف و إطلاق مشاريع للصناعات الفلاحية التحويلية ...الخ وهكذا يمكن للمشاريع الفلاحية التضامنية "التعاضدية" الكبرى أن تنهض وتستجيب بجملة المجهود التنموي للبلاد وتضمن ديمومته واستقراره لتخلي المجال للدولة أن تخصص مجهودها لاصلاح استراتيجي لقطاع ثاني وثالث ... الخ . وهكذا في النهاية يمكن أن تختفي شاحنات الموت ويمكن أن نحسن نسبيا من شروط الفقر في الريف وفي المدينة على حد السواء .