ويسألونك عن سعد محمد رحيم


عصام عبدالعزيز المعموري
2019 / 4 / 27 - 18:58     

((ويسألونك عن سعد محمد رحيم ))
مشاركتي المتواضعة في الاحتفاء بالكاتب والروائي المبدع سعد محمد رحيم في اتحاد أدباء وكتاب ديالى في التاسع من نيسان 2019 بمناسبة مرور عام على رحيله
الأستاذ الدكتور عصام عبد العزيز المعموري – بعقوبة
...............................................
تعرفت لأول مرة على سعد في نهاية عام 2001 عندما كان مسؤولاً للصفحة الثقافية في جريدة أشنونا الصادرة عن محافظة ديالى ، حيث كان يبحث عني ليسلًمني مكافأة الجريدة لكوني أنشط كاتب في الصفحة ، وتوطدت علاقتي به بعد ذلك حيث كان يتردد دائماً على مكتبة الشهيد مؤيد سامي والورشة الفنية للقاص حسين البعقوبي التميمي ( أبي آسر ) حيث كان هذان الملتقيان بمثابة اتحاد ادباء وكتاب مصغر .
في الولايات المتحدة الأمريكية يستخدمون مصطلح Public Intellectual بمعنى ( المثقف العام ) وهو يمثل نوعاً من الضمير أو المرجع يثق الناس برؤيته لأمور بعينها ويختلف عن المثقف العضوي الذي بشّر به غرامشي ، فهو لا يمكن تصنيفه تحت أي مسمى ابداعي بعينه ..هكذا كان ( سعد محمد رحيم ) فهو لا يمكن حصر توصيفه الابداعي بكاتب أو قاص أو روائي أو ناقد أو مؤرخ لتاريخ الأدب أو غير ذلك ، انه ذلك الكل المعقد من الاقتدار اللغوي البارع على التلاعب
ان وصفه للروائي بأنه خيميائي يسعى عن طريق اللغة والخيال والتجربة للوقوع على الوصفة السحرية لذهب المخيلة تنطبق عليه تماماً ، فهو يمتلك أدواته في الكتابة باحترافية عالية .
تزداد قناعاتي يوماً بعد آخر بأن أغلب المبدعين بشتى توزعهم على المشهد الابداعي الانساني هم من خارج الاختصاص ..فها هو (سعد محمد رحيم ) لم يدرس في كلية تعنى باللغة العربية نحواً وصرفاً وبلاغة وطرائق تدريس ، لكنه تألق فيها وتفوق على ذوي الاختصاص ، وهذا ما يفسره ما أشار اليه الروائي الروسي (تشيخوف ) يوماً عندما سئل : لماذا تميزت في الأدب ولم تتميز في الطب الذي تخصصت فيه في دراسة أكاديمية بحتة ، فأجاب : تفوقت في الأدب لأنني أتعامل معه تعامل العاشق مع معشوقته ولم أتفوق في الطب لأنني أتعامل معه تعامل الزوج مع زوجته وشتان بين العاشق والزوج .
سعد محمد رحيم كان عصياً على التصنيف القومي والمذهبي والعرقي فهو التركماني السني من محافظة ديالى قد تزوج عربيةً شيعية من الجنوب .
ما هي دوافع الكتابة عند سعد محمد رحيم ؟ وماذا تعني الكتابة في حياته ؟وما هو رأيه في كتابة اليوميات ؟
يقول(سعد محمد رحيم ) : ( أن يكون المرء كاتباً في بلد عربي فهذا معناه أنه يخوض مغامرة ً غير مضمونة النتائج ويقامر بلقمة خبز عائلته ويخاطر بحياته ومستقبله لأنه يجد نفسه متورطاً ومن حيث لم يحتسب بصراعات في مواجهة أكثر من سلطة ظاهرة وخفية .أظن أن معظم الكتاب العرب ستكون اجاباتهم قريبة من هذا ، وأنا لست استثناءً. أنا أكتب لأنني لا أقف على أرض صلبة في الواقع ، لأنني أفتقد الأمان ، لأن هناك أشياء في العالم ليست على ما يرام ، والمفارقة التي تعيننا لحسن الحظ هي أن نجعل من الأخطاء ..النقص ، الاختلال، القلق ، الأسى ، الظلم ، الاستعباد ، الاستغلال ، الحرمان ، الكآبة ، حتمية الموت ، دوافع محرضة على الكتابة ..لست كاتباً سياسياً ولا أرغب أن أكون ، وانغماسي في الكتابة الفكرية المتشربة برؤية سياسية أوجبته ظروف واقعنا وتناقضاته وصراعاته )
أما عن كتابة النص الأدبي فيقول : ( كتابة النص الأدبي فعل حر لا يمكن اخضاعه لمتطلبات منهج أدبي أو فكري بشكل صارم ..الاطلاع على المناهج الفكرية والأدبية والفلسفات الحديثة والقديمة وتمثلها نقدياً ضرورة لأي كاتب وأديب بشرط ألا يغدو واقعاً في أسرها ).
هل أن الكتابة تحمل وعداً بخلاص نهائي ؟ يقول سعد في هذا المجال : ( ما نراهن عليه هو أن الكتابة لا تحمل وعداً بخلاص نهائي لكنها واحدة من وسائل استمرار الوجه الجميل للحياة ، فحين نكتب لا ندّعي أننا سنغير العالم وانما نوفر ولو بقدر ضئيل الأمل بتغييره ، وهذا ما نحتاجه في راهننا العراقي والعربي ، والمعيقات التي تحول دون هذا المسعى عربياً لا تحصى ، بدءاً من صعوبة العيش ومروراً بمؤسسات صناعة الممنوع ، وذهنية التحريم ، وربما ليس انتهاءً بشبح الاستبعاد وما يخلقه لنا من كوابيس مفزعة ، أما ما أحاول تجنبه هو أن يسطو علي حس اللاجدوى بسبب ما يحصل حولنا ، فوضعنا العام سيء والانكسارات تترى على الصعد كافة وصورة الغد مبهمة) .
وعن كتابة اليوميات يقول سعد : ( توفر كتابة اليوميات مادة أرشيفية غنية للدارسين في حقول معرفية متعددة مثل التاريخ وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا لأنها تلقي نظرة فاحصة على صورة الحدث الشخصي الجاري على خلفية الحدث التاريخي العام ..وتندر كتابة اليوميات لدى الكتاب العرب لأسباب تتعلق بصعوبة النظر الى مرآة الذات ، وفي حالة تورط بعضهم الا أن يومياتهم ستبقى في الأدراج وربما ستتعرض للتلف بعد رحيلهم ) .
هل يستحضر سعد معارفه النقدية عندما يكتب ؟ يقول سعد : ( حين أكتب لا أستحضر معارفي النقدية بل أمنح نفسي الحرية للتعبير )
ماذا تعني الكتابة عند سعد ؟ يقول سعد : (أن يختار المرء الكتابة يكون قد اختار طريقة عيش محددة وهي للأسف ليست ممتعة دائماً ، لأنه وبفعل فيزياوية عملية الكتابة مضطر أن يبقى وحيداً مع ورقه وقلمه أو مع آلته الطباعية أو مع جهاز حاسوبه ، انها أكثر مهنة وحدةً في العالم كما يقول ماركيز ) .