مسودات عن الاشتراكية


فريدة النقاش
2019 / 4 / 24 - 09:39     

قضية للمناقشة: مسودات عن الاشتراكية

منذ سقوط تجربة الاتحاد السوفيتي، وتناثر البلدان المكونة له كل فى اتجاه، وتفكك المنظومة التي جرى تأسيسها بعد ثورة مجيدة، شكلت أول تجربة اشتراكية فى التاريخ، أخذ الاشتراكيون منذ ذلك التاريخ يتجنبون الحديث عن الاشتراكية التي باتت مؤجلة خاصة بعد أن سيطرت الرأسمالية المتوحشة على العالم كله تحت رايات الليبرالية الجديدة، وسياسات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي وهيئة المعونة الأمريكية فى ظل ما سمى بتوافق واشنطن، ومع ذلك فإن بعض الذين أجلوا أحلامهم عادوا نادمين.
وتتحلى قلة من الباحثين والمفكرين والكتاب مع ذلك بشجاعة كافية تدفعهم للدفاع عن إقتناعهم الراسخ بأن الاشتراكية هي مستقبل العالم، خاصة بعد أن تفاقمت بشاعة الرأسمالية المنفلتة، حتى أن أحزاباً اشتراكية وشيوعية كانت قد سارعت إلى حل نفسها بعد هول الصدمة، أخذت تراجع قرارها، وتستعيد تنظيم نفسها تحت رايات الاشتراكية، بعد أن أجرى بعضها مراجعة شاملة للأفكار وأساليب العمل والتنظيم القديمة، فأسقطت ما اثبتت التجربة والممارسة أنه أصبح بالياً، وأضافت الجديد طبقاً للاحتياجات الواقعية والأوضاع العامة، بل إن أشكالا تنظيمية جديدة تأسست تحت راية الاشتراكية بمبادرات لوافدين جدد إلى ساحات النضال من أجل تغيير العالم القبيح أخذت تنتشر على نطاق واسع فى الكثير من بلدان العالم، ونشط الماركسيون التحليليون الذين أخذوا يجددون برامجهم وهم يأخذون من الليبرالية الأولى مجمل أفكارها عن الديمقراطية، وهم يستعيدون أيضاً كتابات الآباء المؤسسين للإشتراكية العلمية « ماركس « وأنجلز « و» لينين «.
وكان « لينين» قد وجه نقداً عنيفا للديموقراطية البورجوازية، لكنهم جميعاً اتفقوا على أن الديموقراطية هي المضمون الحقيقي للإشتراكية.
ينتمي الزميل الطبيب « حازم الرفاعي « إلى هذه القلة من الكتاب الذي لم يفقدوا الثقة فى الاشتراكية، وألف كتابه « عن الاشتراكية.. مسودات لن تكتمل «، وسوف نلاحظ بداية ذكاء اختيار العنوان الذي رأى الاشتراكية كمشروع مفتوح على المستقبل، لن يكتمل أبداً لأنه يدرج بحكم منهجه ورؤيته مستجدات الواقع أولاً بأول فى صلب بنائه ورؤيته للعالم، إذ الأفكار والرؤى هي نتاج تغيرات الواقع، ولا شئ ثابت فى هذا العالم غير قانون التغير ذاته.
يقع الكتاب فى خمسة فصول وثلاثة ملاحق، وهو مكتوب بلغة تعليمية بسيطة ومفعمة بالحرارة، ولكنها ليست إنشائية فحرارتها مستمدة من موضوعها لا من أسس البلاغة اللغوية.
والفصول الخمسة هي : « الثورة الصناعية بين الثروة والمجاعة « الثورة الفرنسية ونهاية الحكم المطلق.. مواطنون لا رعايا « سان سيمون.. الاشتراكية الخيالية « ثم الفصلان الأخيران عن « فريدريك إنجلز « و» كارل ماركس « سيرة حياة المؤسسين وسجل إبداعهما.
أما الملحق الأول فهو ترجمة أنجزها الكاتب لبرنامج حزب العمال الإنجليزي بعد الحرب العالمية الثانية بعنوان « النصر فى الحرب والسلام الوشيك «، ونتبين فى هذا البرنامج الجذور الأولى لإشتراكية الحزب الذي انتخب مؤخراً « جيريمي كوربن « رئيساً له، وهو اشتراكي جذري أثار نجاحه حفيظة الرجعية فى كل من أوروبا وأمريكا، كما أن الحزب تحت قيادته مرشح لإزاحة المحافظين وتسلم حكم بريطانيا.
أما الملحق الثاني، وهو أيضاً من ترجمة كل من حازم الرفاعي وعلى شوشان « فهو نص تعليمي كتبه « فريدريك إنجلز « شارحاً مبادئ الشيوعية.
والملحق الثالث هو سجل لحياة وأعمال « كارل ماركس « ولا يخبرنا الكاتب لا عن المصدر ولا عن الترجمة شيئاً.
وتضيف هذه الملاحق عمقاً تعليمياً إضافيا لكتاب لا غنى عنه لمن يريد أن يعرف الأسس الأولية للإشتراكية ومدارسها ومؤسسيها، ليستشرف بصورة موضوعية آفاقاً جديدة لمستقبل البشرية، وهو يقدم مدخلا لخلفية الإشتراكية العلمية، وتضافر أحداثها مع زمنها.
حدد الكاتب فى تمهيده التناقض الرئيسي فى عالم اليوم بأنه هو التناقض بين العمل ورأس المال، وذلك فى رفض ضمني « للموضة « التي نشطت الدعاية الرأسمالية الجبارة فى ترويجها على الصعيد العالمي بأن فكرة تناقض العمل ورأس المال فكرة قديمة هزمها تطور التكنولوجيا التي حلت محل الإيديولوجيا، كذلك فإن علاقات الاستغلال لم تعد قائمة، بينما يؤكد المؤلف، ويشهد الواقع على صحة ما أكده، أن الصراع قائم على أشده ضد ثلاثية الرأسمالية : أي الاستغلال والفقر، والاستعمار والحرب، التبعية والتجارة بالدين وشعارات الحرية.
لم تنشأ الأفكار الاشتراكية العلمية، والتي مهدت لإندلاع الثورات الاجتماعية الكبرى من الفراغ، بل إنها تأسست على تراكم ثري فى تاريخ الإنسانية بدءًا بالثورة الصناعية ومروراً بالثورة الفرنسية ثم كوميونة باريس، والاشتراكية الخيالية وصولا إلى ثورة أكتوبر الاشتراكية فى بداية القرن العشرين.
ولابد أن أتوقف هنا أمام هذا الاستخلاص القطعي والحاسم تبريراً لسقوط الاتحاد السوفيتي وتفكك بلدانه، إذ يقول المؤلف « تعاملت الدولة الاشتراكية الأولى مع النظام الرأسمالي، وتعايشت وتنافست معه إلى أن أسقطها خصومها، وهو تبرير تبسيطي ليس من السهل تقبله، ذلك أن كل من عرف الإتحاد السوفيتي، ومنظومة البلدان التي كانت اشتراكية، لابد أنه كان قد استنتج أن النظام قد تآكل وشاخ وأن هناك مسافات بين « الرطانة « الإيديولوجية وحياة الناس الواقعية، وكما علمنا التاريخ إن القلاع تسقط من داخلها، دون أن نتجاهل دور الأعداء والخصوم كما سماهم « حازم « وهذا موضوع مازالت تنشغل به الحركة الاشتراكية العالمية بكل مستوياتها ومنظماتها صغيرة وكبيرة، فليس هناك أعظم من الفشل مدرسة لتعلم دروس التاريخ.
أتمنى أن يعيد « حازم « النظر فى استخدامه للتعبير الشائع عن الأفارقة المخطوفين من بلدانهم باعتبارهم عبيدا فهم متعبدون.
يستحق هذا الكتاب التعليمي احتفاء خاصا من قبل المنظمات والجماعات الاشتراكية فى كل من مصر والوطن العربي، فهو يصلح مادة لتثقيف الشابات والشبان الجدد الباحثين عن طريق وعن إلهام، وهم ناقدون جذريون للاوضاع الرأسمالية ولتوحشها، وأظنهم سيكونون ممتنين « لحازم « لو توفر لهم هذا الكتاب بطريقة سهلة.