الوعي العمالي وتأثيرات التدين


مالوم ابو رغيف
2019 / 4 / 23 - 15:45     

لا اعتقد ان من الدقيق التحدث عن طبقة عاملة في بلدان الشرق الاوسط او ما تسمى بالبلدان العربية، اذ ان السمات العامة للفقر والامية اصبحت هي الغالبة وقد ازالت الحدود بين الشرائح الدنيا واحالت الجميع الى اكسدوس ضائع في متاهات ليس فيها مخرج سوى الاضطرار الى الرضا بالامر الواقع والانغماس في اساطير التدين والدعاء الى الرب لتحسين الحال.
لقد انتشرت النظريات الدينية بين جميع الطبقات والشرائح الاجتماعية بما فيها الطبقات الكادحة واصبحت هي البديل عن الفكر اليساري الثوري الذي تراجع الى الخلف واصبح الحديث عن فكر يساري محسن هو الشائع، وهو فكر ينزع نحو التصالح وتغليب ما يسمى بالوطنية على ضروريات العمل من اجل حياة حرة كريمة للطبقات الكادحة، من هنا، من منطلق المصلحة الوطنية العام كان منطلق التهادن مع الاحزاب الاسلامية التي تشيع الوهن الذهني بين الناس، وبدلا من النضال لانتزاع الحقوق او تحسين الحياة، طغت نزعات التدين والتطيفن بين الطبقات الكادحة، وهي نزعات فرضها انتشار الدين وسيطرة الاحزاب الاسلامية وتخلي الاحزاب اليسارية عن الصراع الفكري الذي هو محرك التغيير نحو الافضل.
وان كان النضال من اجل تحسين ظروف العمل ومتطلبات المعيشة مهم جدا في هذه الظروف المعتمة التي لا يُرى فيها ولو بصيص ضوء، الا ان نشر الفكر الثوري المتصدي لافكار الاستسلام للقدر وانتظار الارزاق من الله هي المهمة التي يجب النهوض بها قبل اي عمل اخر. انها مهمة لا يجب ان تخضع لمتطلبات السياسة ومتطلبات التحالفات، ذلك ان اي طبقة او اي شريحة اجتماعية ستكون جزء من هذه التيه الاجتماعي الكبير اذا لم يكن لها وعيا طبقيا يميزها عن الشرائح والطبقات الاخرى.
ويمكن لنا الاشارة الى العراق حيث ان نجاح الاحزاب الاسلامية في السيطرة على صناديق الانتخابات والوصول والاحتفاظ بالسلطة، ما كان ليكون لولا انها عملت على نشر افكار التدين بين الناس واستطاعت ان تخلق طبقة دينية طائفية مذهبية امتد واتسع تأثيرها حتى اصبحت هي القائدة وعملت على ان تكون اغلب الاتجاهات الثقافية والفكرية صدى وامتدادا لها، بينما تراجعت الافكار اليسارية والتحررية الى الخلف وفقدت مراكزها النظرية وتغلبت المصالح السياسية الحزبية على المهمة الرئيسية وهي نشر الفكر التنويري بين الناس.
نشير هنا الى خطبة الملا احمد الصافي وهو وكيل المرجع الاكبر في العراق السيد على السيستاني في احد ايام الجمعة حيث خاطب الناس قائلا:
انت فقير في الدنيا لا يهم، المهم ان تكون غنيا في الاخرة.
كذلك نشير هنا الى شيوع ظاهرة علو مقام ومرتبة الرموز الدينية الاحياء منهم والاموات، بينما انمسحت عن ذاكرة المواطن اسماء الرموز النضالية والتحررية اكان في الوطن او في العالم واصبحت حكايات البطولات الدينية هي الرائجة في الاعلام وفي الثقافة وفي احاديث المجتمع، حيث سُوّق الفقر والمكابدة المعيشية وكانهما جوهر البطولة التي عاشها الانبياء والقديسون.
ان هذا الغسل الجمعي للعقل، والذي ينطلق ليس من صغار رجال الدين فقط، انما ايضا هو قاعدة التثقيف لكبار رجال الدين واللذين لهم السيطرة الفعلية على الدولة بالتعاون مع الاحزاب الاسلامية القابضة على السلطة، لم يقابله ما يناقضه او ما يمنع انتشاره او الحد من تأثيراته الضارة، على العكس من ذلك، اصبح ليس من الغريب مشاركة القوى الوطنية في مواكب ومهرجانات الاحزان الدينية وبذل جهود كبيرة جدا لطرد تهمة (اللادينية) عن الاحزاب والمنظمات اليسارية.
ان السبب وراء هذا التراجع الفكري يكمن في تحليل خاطيء مبني على حسابات السياسة وليس على حسابات النظرية.
هذا الخطاب الديني الذي يعتبر الفقر ابتلاء إلهي، لا يؤثر على الشرائح الثرية، فهو موجه بشكل مباشر الى الطبقات الكادحة والتي لم تجد لها ملتجأ سوى الوقوع في مصيدة الايمان.
ان يوم العمال في البلدان التي تكون فيها الطبقات الكادحة مقهورة فكريا واقتصاديا ومعيشيا، يجب ان يكون مناسبة لاحياء الوعي الطبقي واحتجاجا واضحا ضد السلطات الحاكمة التي تستأثر بكل الوليمة ولا ترمي الا فتات معلوس الى الكادحين الذين يشكلون اغلبية الشعب.
تحية للعمال وللطبقات الكادحة في يوم يجب ان يكون ضوء يسترشد فيه الناس لكسر كل السلاسل الفكرية والدينية التي تعيق ان يشعر الانسان بانسانيته.