-النضال- البرلماني وإصلاح مؤسسات الدولة أم سيادة الأغلبية على قرارها وعلى الموارد والثروات ووسائل الإنتاج


بشير الحامدي
2019 / 4 / 20 - 23:11     

"النضال" البرلماني وإصلاح مؤسسات الدولة أم سيادة الأغلبية على قرارها وعلى الموارد والثروات ووسائل الإنتاج
المشروع السياسي اللبرالي الثاني والذي نشأ على إفلاس وانحطاط مشروع الأجداد المرتبطين وكذلك على عجز قوى المسار الثوري الذي انطلق في 2010 ـ 2011 الذي تعلن قواه السياسية في تونس على أنها ديمقراطية وتقدمية ووطنية وتتّخذ من النضال البرلماني و إصلاح مؤسسات الدولة قاعدة لها سينهي بدوره إلى الإفلاس وستنكشف حدود قواه السياسية وزيف شعاراتها وحقيقته كمشروع منته تاريخيا ولا يمكن أن يكون سوى نسخة رديئة من المشروع اللبرالي الأول لأن المسألة لم تعد متعلقة بإصلاح الدولة البرجوازية و إصلاح مؤسساتها ولا بإصلاح النظام وترميمه أو باستبدال رجاله الفاسدين برجال شرفاء ولا شبهة فساد حولهم بل بزوال المشروع البرجوازي برمته وهو الذي أصبح عائقا أمام تحرر الملايين من المنتجين ومن الذين لا يملكون عبر فرض سياتهم على قرارهم وسيادتهم على الموارد والثروات ووسائل الإنتاج.
ولئن فشل إلى حدّ الآن المسار الثوري الذي انطلق في 17 ديسمبر 2010 في الإطاحة بقوى المشروع الأول وفي سحب البساط من ورثته وكشف مغالطاتهم حول مسائل ـ الوطنية والدولة المدنية الديمقراطية ـ فإن جماهير الأغلبية التي لا تملك مازالت مطالبة بتنفيذ هذه المهمة التاريخية التي ينبني عليها كل مشروعها في التغيير الجذري.
مشروع الأغلبية في التغيير الجذري يشترط موضوعيا الاستقلال التنظيمي والسياسي لهذه القوة الطبقية عن النظام وأجهزته وعن كل القوى المرتبطة بنظام رأس المال وبناء هيئات "مواطنية مستقلة للمقاومة والدفاع الذاتي".
...
الأغلبية التي لا تملك والتي هي اليوم تجمع طبقي واسع مشكل من فئات وشرائح اجتماعية عديدة ـ خدامة ـ بطالة ـ موظفون في القطاع الحكومي و في القطاع الخاص ـ أصحاب الدكاكين الصغار ـ الطلبة والتلاميذ ـ ربات البيوت الفلاحين الفقراء العمال الفلاحيين ووو. وعلى قدر اتساعها فهي لم تفرز داخلها ومنذ أكثر من نصف قرن فئة بعينها قادرة على قيادة هذه الكتلة الطبقية والذهاب إلى النهاية في الاطاحة بالنظام الرأسمالي. في ديسمبر 2010 ثارت هذه الكتلة الطبقية ولكنها عجزت عن التأسيس لمشروعها الجذري وقد بينت السنوات الثماني الأخيرة أن الخدامة بقوا قوة على الهامش قوة يعنيها المحافظة على مواطن الشغل أكثر مما يعنيها التغيير وقلب النظام الاجتماعي كذلك لم يتمكن المعطلون من المقاومة على أساس مشروع للتغيير بل كان أقصى ما ناضلوا من أجله هو مطلب دمجهم في النظام القائم. فئات الشباب الطلابي والتلمذي أيضا بقيت بدورها مدجنة بالأطروحات القديمة وأشكال التنظم المركزية البيروقراطية التي كان أقصى ما تريد تحقيقه هو المشاركة في السلطة وليس التغيير الاجتماعي.
هذه الهشاشة وهذا التذرر هما اللذان جعلا مسار 17 ديسمبر يتراجع ومكنا قوى الثورة المضادة من لجمه والانقلاب عليه واجهاضه.
ولكن وفي كل الأحوال لن يستمر الوضع داخل هذه الكتلة الطبقية على حاله إلى ما لا نهاية فالتدهور المستمر لأوضاعها واستحالة تحقيق أدنى مطالبها في إطار نظام رأس المال لا شك سيدفع وبتضافر عوامل أخرى سينتجها الصراع اليومي ضد السياسات القائمة فئات متقدمة من داخل هذه الكتلة الطبقية لطرح عملية استقلالها واستقلال الأغلبية التي لا تملك عموما عن النظام والمقاومة من أجل فرض سيادة هذه الكتلة على قراراها وعلى موارد البلد وثرواته وعلى وسائل الإنتاج وعلى التخطيط والعمل وووو. هذا الشرط التنظيمي والسياسي قد يكون غير متاح الآن في ظل وضع الجزر الشامل ولكنه سيكون أساس كل نشاط جماهيري جذري أثناء احتداد الصراع.
الأغلبية بالاستقلالية وبالتنظيم الذاتي ستتحول إلى قوة لا تقهر وهذا ما سيؤكده الطور الثاني من مسار 17 ديسمبر الذي لن يطول انتظاره.
ــــــ
بشير الحامدي