نشأة الحركة النقابية


الحزب الشيوعي السوداني
2019 / 4 / 20 - 21:43     



الحركة النقابية تهدف إلى تنظيم العمال وقيادتهم للنضال من أجل فرض الاستجابة للمطالب القطاعية والمركزية أو المركزيات النقابية تلك المطالب تبقى متغيرة باستمرار
الحركة العمالية تهدف إلى تغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي تغييراً يفضي إلى جعل الملكية الفردية لوسائل الإنتاج ملكية جماعية
برنامج الحركة العمالية المرحلي والاستراتيجي هو برنامج سياسي يعطى للمطالب العمالية الآنية والمستقبلية بعداً أساسياً، يهتم برصد التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية
بقلم/أحمدعلي

لم تكتشف الوسائل المتطورة بعد ما يجعل لليد العاملة الدور الطليعي في العملية الإنتاجية إلا بعد القضاء على النظام الإقطاعي وظهور الثورة الصناعية التي صحبتها الكثير من الاختراعات والاكتشافات، وظهور بعد ذلك النظام الرأسمالي القائم على "الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج" ثم انتقال المجتمع من النشاط الزراعي إلى النشاط الصناعي، وحمل أيضاً النظام الرأسمالي الفكر الرأسمالي الذي يقوم على مبادئ تتفق مع مصالح الطبقة الرأسمالية، هو المذهب القائم على (حرية العمل) الذي بموجبه لا تتدخل الدولة في العلاقة بين أصحاب العمل والعمال. وترك الحرية في التعاقد وفق الشروط التي يرتضيها الطرفان بإرادتهما بدون قيد أو رقابة، وكان ذلك سبب في تسلط أصحاب العمل على العمال بفرض شروط عمل مجحفة وأجور متدنية وساعات عمل طويلة، مما أدى إلى الاحتكاك بين العمال وأصحاب العمل وأيضاً لظهور أول الحركات العمالية في بريطانيا وتكونت في سنة 1720م الجماعات الأولى للعمال والحرفيين، وبرزت الإتحادات المهنية الأولى تحت تسمية الجمعيات مثل:(جمعية الخياطين) في لندن و(جمعية عمال الصناعات الصوفية) ولأول مرة رفعت مطالب إلى البرلمان، وقد عمل العمال البريطانيون في محاولتهم لتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية من خلال الانتفاضات والمظاهرات والإضرابات التي قاموا بها على غرار أحداث "ميرلاند" سنة 1841 إلى جانب انتفاضة مجموعة من العمال في "ويلز سنة 1939م" وهم عمال المناجم وتم قمعها من قبل الشرطة والجيش، بالإضافة إلى انتفاضة 1849 بانجلترا حيث كانت البداية عبارة عن إضرابات ومظاهرات "عفوية" ثم تحولت إلى إضراب عام في التاريخ وقد شارك فيه نصف مليون عامل، وقد دمج هذا الإضراب بين المطالب السياسية والاقتصادية كما نتج عن هذه الانتفاضات والإضرابات والمظاهرات إنشاء تنظيمات نقابية تهتم بالدفاع عن مصالح العمال والدفاع عن حقوقهم.



وفي فرنسا أقيمت التعاونيات وكانت أهدافها زيادة الأجور وأيضاً قام تشكيل أخر من الجمعيات تسمى "الزماليات الفرنسية" وتضم عمال من مهن مختلفة متجاوزين بذلك حدود المهنة وبعد ظهور الثورة الفرنسية عام 1779م للقضاء على الملكية الإقطاعية ووجود صراع بين الطبقة البرجوازية والطبقة الشغيلة، بل تنازلهم عنهم والاكتفاء برعاية مصالحهم وهذه الحركات كونها ذات طابع ثوري، واستمرت هذه الحركات حتى أقر البرلمان في عام 1848م بحرية تكوين الجمعيات في فرنسا "وبتأثير من روسو" تم التصويت بالإيجاب على هذا الحق في 21 مارس 1884 وأول نقابة ظهرت كانت سنة 1895م تحت اسم الكنفدرالية العامة للعمل ، وفي ألمانيا لم تتولد النقابة التعاونية كما هو في فرنسا ولكن بتأثير من فرنسا بدأ عمال بعض الحرف وعلى الأخص العاملين في صناعة "القبعات" إقامة تنظيمات عمالية كانت على شكل نقابات، وبدأت الأشكال النقابية تبرز إلى حيث الوجود. وفي الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن هناك حركات عمالية بالمفهوم الحقيقي كما هو بشأن النسبة للحركات العمالية في أوروبا، لأن أمريكا ونظراً لاتساع أراضيها كانت بلداً زراعياً بامتياز، وتجدر الإشارة إلى الصراع الذي كان قائماً بين شمال يتميز بالديمقراطية والنمو في حين وجود جنوب عكس ذلك تماماً، فالعديد من دعا إلى توحيد أمريكا وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومع نهاية القرن الثامن عشر قامت الطبقة الشغيلة بحركات احتجاجية بمصانع شيكاغو مطالبين برفع أجورهم وتحسين أوضاعهم المهنية والاجتماعية وتخفيض ساعات العمل وسقط على أثر هذه الحركة عدد من العمال وتحديداً في مايو بهذا سمى هذا اليوم بعيد العمال تخليداً لذكرى هؤلاء الضحايا وهذا على المستوى العالمي.

وأما الحركة النقابية في دول العالم الثالث فقد ربطت وبصورة خلاقة بين القضايا الاقتصادية والسياسية في نضالها من أجل تحسين أوضاع العاملين الاقتصادية وفي نفس الوقت كانت في طليعة المناضلين من أجل الاستقلال من المستعمر. وقد انتزعت الحركة النقابية خلال نضالها المستمر الاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي ونص هذا الاعتراف في الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق الدولية وقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948م في المادة(23 الفقرة 4) لكل شخص الحق في أن ينشئ وينضم إلى نقابات حماية لمصلحته . وقد نص الإعلان العالمي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966م في (المادة 8 الفقرة/أ ) حق كل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين وفي الانضمام إلى النقابة التي يختارها دون قيد سوى قواعد المنظمة المعينة على قصد تعزيز مصالحه الاقتصادية والاجتماعية وحمايتها ولا يجوز إخضاع هذا الحق لأي قيود غير تلك التي ينص عليها القانون ويشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي والنظام العام حماية لحقوق الآخرين وحرياتهم.

الفرق بين الحركة العمالية والحركة النقابية:ـ
على حسب رؤية الباحثين فإن الحركة العمالية هي"منتوج سياسي، نتيجة أحزاب الطبقة العاملة وحلفائها يمتلكون "وعيهم الطبقي" الذي يؤهلهم لأن يلعبوا دورهم في تنظيم أحزاب الطبقة العاملة وفي تقويتها وفي مضاعفة منتوجها النظري والعملي الذي يؤهلها لقيادة الطبقة العاملة وحلفائها في أفق تحقيق برامجها".

*الحركة النقابية منتوج نتيجة النقابات بهدف الضغط في اتجاه تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للعمال وباقي الأجراء من اجل القدرة على مواجهة متطلبات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى جعل العمال مالكين لوعيهم النقابي الصحيح وقادرين على التمييز بين النقابة المبدئية المناضلة والنقابة التحريفية حتى لا ينساقون وراء النقابات التي تستغلهم لأغراض أخرى.

*الحركة العمالية تهدف إلى تغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي تغييراً يفضي إلى جعل الملكية الفردية لوسائل الإنتاج ملكية جماعية سعياً إلى تحقيق التوزيع العادل للثروة في إطار دولة تضمن التمتع بالحرية والديمقراطية كامتداد للتمتع بكافة الحقوق التي تسمح بها القوانين التي تشرف الدولة بأجهزتها المختلفة على تطبيقها والتي تشترط فيها أن تكون ملائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

*إن الحركة النقابية تهدف إلى تنظيم العمال وقيادتهم للنضال من أجل فرض الاستجابة للمطالب القطاعية والمركزية أو المركزيات النقابية تلك المطالب تبقى متغيرة باستمرار تبعاً لتحولات الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي بما يدعو إلى جعل الملفات المطلبية مفتوحة باستمرار والنضالات النقابية المبدئية واردة وباستمرار.

*برنامج الحركة العمالية المرحلي والاستراتيجي هو برنامج سياسي يعطى للمطالب العمالية الآنية والمستقبلية بعداً أساسياً، فالبرنامج المرحلي يهتم برصد التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، ويسعى إلى التأثير في تلك التحولات لصالح الجماهير الشعبية الكادحة من جهة ولخدمة تحقيق البرنامج المرحلي . إن البرنامج الاستراتيجي فإنه يسعى إلى تحقيق الحرية والديمقراطية والاشتراكية عن طريق التغيير الشامل للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وإلى تخليص الجماهير الشعبية الكادحة من اشكال الاستغلال.

*إن برنامج الحركة النقابية لا يتجاوز السعي إلى تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للعمال وباقي الأُجراء في ظل النظام القائم في كل بلد ودون تجاوز ذلك شيء آخر يمكن أن يفهم منه إن البرنامج النقابي يمكن أن يسعى إلى تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية القائمة في مجموع البلاد العربية، وهذا الفهم من هذا النوع لا يمكن أن يقبل أبداً أن الحركة النقابية التي لا يمكن أن تكون إلا اصلاحية في حدود معينة.

*المواقف التي تتخذها الحركة العمالية هي مواقف تستهدف نقض سياسة الطبقة الحاكمة في كل بلد والعمل على ترسيخ سياسة بديلة لها من أجل تعبئة الجماهير الكادحة وطليعتها الطبقة العاملة لخوض النضال من أجل التغيير الشامل للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية بما في ذلك العمل على دفع الظلم عن الكادحين وطليعتهم الطبقة العاملة .

*إن المواقف التي تعلن عنها الحركة النقابية تستهدف كأقصى ما تستهدف ضمان التحسين المستمر للأوضاع المادية والمعنوية للعمال وباقي الأُجراء في القطاعين العام والخاص حتى تطمئن العمال على مستقبلهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وانطلاقاً من هذه المقاربة للحركة العمالية والحركة النقابية نستطيع أن نقول أن تجليات الحركة العمالية والحركة النقابية تمثل في:

ـ كون الحركة النقابية حركة سياسية تسعى إلى تحقيق الحرية والديمقراطية والاشتراكية.

ـ كون الحركة النقابية حركة مطلبية تستهدف العمل على تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للعمال.

ـ كون الحركة العمالية عبارة عن تنظيم أو مجموعة التنظيمات الحزبية التي تقتنع بأيدولوجية الطبقة العاملة القائمة على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية.

ـ كون الحركة النقابية تنظيم أو مجموعة من التنظيمات النقابية التي تتفق وقد تختلف في مجموعة من المطالب المادية والمعنوية للعمال.

ـ كون برنامج الحركة النقابية هو برنامج مطلبي واقتصادي واجتماعي وثقافي في إطار ماهو قائم.

ـ كون مواقف الحركة العمالية، مما يجري في مختلف البلدان هي مواقف سياسية تستهدف نقض الممارسة السياسية القائمة.

ـ كون مواقف الحركة النقابية هي مواقف مطلبية تستهدف ممارسة الضغط على المستغلين في القطاعين العام والخاص من أجل الاستجابة إلى المطالب النقابية.

*هذه التجليات واضحة تفرض التفريق بين الحركة العمالية والحركة النقابية نظراً لاختلاف طبيعة كل منهما.

أدبيات العمل النقابي:
حدد خبراء العمل النقابي هذه الأدبيات في عشرة مبادئ، وأن الإلمام بها أمراً ضرورياً للغاية ولفهم العمل النقابي ولترشيد الممارسة النقابية نفسها وأدبيات العمل النقابي هي مبادئ عامة تقوم عليها كافة أشكال العمل النقابي، إلا انها في الغالب غير مكتوبة أو مدرجة ضمن نصوص ولوائح النظام الداخلي للنقابة، وهذا لا يعفي من مسؤولية الالتزام بها من قبل الاعضاء التزاماً أدبياً، لذا سميت هذه المبادئ العامة التي يقوم عليها العمل النقابي بأدبيات العمل النقابي والتي نعرض أهم ما جاء فيها:

1/ مبدأ الاقتناع

من أهم مبادئ العمل النقابي أن يكون الفرد مقتنعاً بأهمية الممارسة النقابية وجدواها في المحافظة على حقوق الجميع وتحسين أوضاع الأعضاء والارتقاء بالواقع الموجود نحو الأفضل فهو ضرورة ملحة لاستمرار العمل النقابي والصمود أمام جميع الظروف الطارئة.

2/ مبدأ الذاتية الايجابية

يعتبر العمل النقابي عملاً تطوعياً ولذا تكمن أهمية الذاتية الايجابية للأعضاء لتكون المحرك الأساسي للعمل والمثابرة لتحقيق الأهداف المرجوة وتتبلور في هذا المبدأ عملية الاستعداد والتضحية في سبيل البلوغ للغايات المرجوة.

3/ مبدأ الديمقراطية المركزية

يعتبر هذا المبدأ العمود الفقري الذي يرتكز عليه النشاط النقابي والحياة التنظيمية للحركة النقابية ككل،و هو الذي يعني بأن تكون إدارة النقابة وكافة القرارات والمواقف المعبرة عنها صادرة وفق آليات ديمقراطية، يشارك فيها جميع الأعضاء ، هذه الآليات تعطي الأفراد حق اختيار المجموعة التي تقود العمل النقابي ويلتزم جميع الأفراد بالقرارات الصادرة من هذه المجموعة.

4/ مبدأ القيادة الجماعية

هو المبدأ الذي يجنب العمل النقابي الأخطاء والاندفاع خلف الأنانية المقيتة، ويتجلى هذا المبدأ عند إتخاذ القرارات بالاعتماد على رأي الأكثرية والتزام الأقلية بها والدفاع عنها حتى إن كانوا معارضين لهذه القرارات، وعلى الأكثرية أن تحترم رأي الأقلية ولا تشهر به.

5/ مبدأ العمل الجماعي والشوري

ويشترط هذا المبدأ بأنه على كل نقابي قائد أو مسؤول أن يستعين ويسترشد خلال قيامه بالنشاط النقابي بأراء أصحاب الخبرة، إضافة إلى أراء زملائه حتى يتم ضمان ترشيد آلية اتخاذ القرار بما فيه الأسلم والأفضل للنقابة.

6/ مبدأ المسؤولية الفردية

بموجب هذا المبدأ فإن كل نقابي مسؤول يتحمل نتائج ما يقوم به من وظائف ومهام نقابية وخلال قيامه بعمله يتعرض العضو النقابي للمراقبة والمحاسبة من القيادات والأجهزة العليا ومن القواعد الدنيا للتنظيم النقابي.

7/ مبدأ المراقبة والمحاسبة

حين يفتقد النشاط النقابي لمبدأ المراقبة والمحاسبة يتعرض التنظيم النقابي لنوع من الفوضى والتسيب يصل احياناً إلى حد التلاشي الفعلي للعمل وانهياره والرقابة والمحاسبة كمبدأ لا يهدف بالدرجة الأولى إلى اثبات الخطأ وفرض العقوبات يقدر ما يهدف إلى تحسين نوعية النشاط النقابي ورفع إنتاجيته.

8/ مبدأ النقد والنقد الذاتي

النقد الذاتي لمبدأ هو حق لكل عضو نقابي بغض النظر عن موقعه النقابي إن كان هو عضو في الأجهزة القيادية أم هو ضمن قواعد النقابة ومن خلال هذا المبدأ يقوم العضو بتوجيه انتقاداته للجهة المسؤولة مراعياً الموضوعية في تناول الموضوع المراد انتقاده بعيداً عن التجريح وبصورة بناءةٍ.

9/ مبدأ تقبل الرأي المعارض

على كل فرد في النقابة مهما كانت مشاربه وتوجهاته أن يتقبل الرأي المعارض بكل مرونة مهما كانت صحته ومدى مخالفته لرأيه كما قيل "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا عليه".

10/ مبدأ موضوعية الاختيار

يقضي هذا المبدأ بأن يراعي العضو الموضوعية قبل إتخاذ القرار بعيداً عن تأثير العاطفة والمصالح الفردية بأن يكون الفرد علمياً في اختياره الذي يجب أن ينشد الصالح العام.