ليبيا : سواءا تمكن حفتر من طرابلس او اندحر ! يبدو ا انه تم الحسم في وضع الميليشيات فيها في كل الحالات !!


محمد نجيب وهيبي
2019 / 4 / 15 - 17:10     

يبدو الوضع الليبي الحالي ، بعد زحف قوات "الجيش الليبي" بقيادة حليفة حفتر على العاصمة طرابلس ، قد إنفرط عقده وزاد تعقيدا بما ينبئ بتجدد الحرب الأهلية في ليبيا بشكل اشد شراسة ، خاصة وأن الهجوم الاخير يأتي في ظل إسناد من الأمم المتحدة لحكومة "الوفاق الوطني" لفايز السراج وقبل أيام قليلة للقاء تفاوضي مفترض و بدعم أممي رسمي بين السراج وحفتر يهدف لتباحث سبل تقاسم السلطة وأحداث الاستقرار النهائي في ليبيا بآليات تضمن مصالح اهم الدول المتدخلة في فيها منذ إسقاط نظام القذافي واغتيال الاخير بتدخل عسكري أجنبي انتقامي سافر ومخالف لكل الأعراف الدولية ، كما يبدو من الصعب إتخاذ موقف مبدئي من هجوم حفتر على طرابلس خاصة لما يكون داعميه الاساسيين سرا وعلنا مصر والسعودية والامارات، ويصعب كذلك استشراف مآالات العملية العسكرية والسياسية الحالية في ظل عدم الوضوح الكافي لمواقف اهم القوى الغربية المتدخلة نخص بالذكر منها فرنسا وبريطانيا وايطاليا و امريكا ، ولذلك يجب أن نبسط الموضوعة الحالية من جوانب مختلفة حتى نضع مقاربة أكثر موضوعية للوضع الليبي الحالي .
مهما يكن من أمر اتفاقات الأمم المتحدة وامينها العام حول وضع ما في دولة ما فهي لا تمثل باي حال من الاحوال رؤية/سياسة رسمية للمجموعة الدولية برمتها ولا يمكنها أن تجبر الدول أن تكف عملها الاستخباراتي و العسكري كما لا يمكنها أن تمنع الدول العظمى من الدفاع عن مصالحها الخاصة ، أو أن تنخرط بشكل كامل في توجهاتها ، ولذلك فإن مصطلح الاعتراف الدولي الذي تحظى به حكومة السراج يظل فضفاضا وغير دقيق وخاضع للتغيير في أي وقت وفق المعطيات على الأرض ، ومن هنا كان الموقف الرسمي المصري الساند لهجوم خليفة حفتر على طرابلس لتصفية الميليشيات المختلفة ( خليط من مجموعات إسلامية واخوانية إلى جانب مجموعات من المرتزقة المحليين ممن لا ولاء لهم ) المسيطرة عليها وتحجيم دور "حكومة الوفاق الوطني" وكذلك تردد الدول العظمى في إتخاذ موقف صارم من هذا الهجوم رغم تواصله لاسبوع وانتفاء عامل المفاجأة المزعوم وظلت بيانات الدول العظمى تراوح مكانها بين التحذير من الحرب الأهلية وطلب وقف القتال ... الخ وكل منها في حقيقة الأمر ينتظر أن تحط المعركة أوزارها حتى يتبين ميزان القوى الحقيقية ويتمكن من ضبط سلوك سياسي يحفظ له مصالحه في ليبيا ويوطد وجوده فيها .
ولأن "الحرب هي إستمرار للسياسة بأشكال أخرى " ولأن هدف السياسة الأساسي هو ضمان الاستقرار لتحقيق تدفق مصالح الطبقات والقوى المسيطرة على الاقتصاد العالمي ، فإنّ سياسات فرنسا وبريطانيا وإيطاليا ارتكزت وترتكز أساسا على ما تمثله ليبيا من مصالح استراتيجية أهمها إطلاقا على المدى القريب والمتوسط ضمان تدفق الغاز الطبيعي ( ثامن احتياطي عربي ) والبترول ( خامس احتياطي عربي ) منها إلى أوروبا بكلفة متدنية وبتحكم شبه كامل ، اما إستراتيجيا فإن التحكم في الاوضاع السياسية الليبية يضمن للمتدخل موقعا استراتيجيا يفتح مباشرة على 6 دول إفريقية ( مصر ، السودان ، تشاد ، النيجر ، الجزائر وتونس ) منها اربعة دول على لائحة القوى الرسمية والمالية الدولية لاحداث تغييرات استراتيجية فيها لضمان التحكم في مقدراتها وثرواتها والحاقها بشكل كلي بسوق الاستهلاك العالمي الحديث ومنها كل شرق ووسط افريقيا ( يورانيوم ، ذهب ، بترول ...الخ ) ، كما تفتح من الشمال على 1700 كلم من السواحل المواجهة لأوروبا وهو ما يبوؤها لان تكون معبرا مفتوحا من أوروبا للعمق الأفريقي والعكس بالعكس في حركة تدفق مهولة للبضائع والأموال والأسلحة والمهاجرين .
لذلك دعمت فرنسا و جزئيا المانيا بشكل شبه مطلق ورسمي خليفة حفتر من البداية رغم ضعفه على الأرض بل ومكنته من أن يتحول إلى قوة ( تدريب عسكري ، أسلحة ، عمليات استخباراتية ) وكذلك فعلت روسيا وأمريكا وتبعتهم مصر والإمارات والسعودية ، بينما ساندته بريطانيا واغمضت ايطاليا أعينها عنه لما حقق انتصارات في محوري بن غازي ( الشرق) و سبها ( الجنوب ) ضد مجلس شورى الثوار وبعده تنظيم "داعش" والمجموعات المتطرفة الأخرى المصنفة "ارهابية" ضمن القائمات الدولية ، فضمن سيطرته على الهلال النفطي في الشرق وعلى حقلي الفيل والشرارة جنوبا وهي اهم مواقع إنتاج الطاقة التنقيبية في ليبيا ، إن انتصارات حفتر في جنوب وشرق ليبيا بالإضافة إلى حمايته للبرلمان الليبي المنتخب و المنعقد في طبرق قد مكناه من أن يكون له دور سياسي مهم في ليبيا ، كما حققا له توسعا في قوته العسكرية الموحدة والمنظمة تحت يافطة " الجيش الليبي" وهو ما خول له أن يكون ضامنا لاستمرار تدفق البترول والغاز إلى أوروبا شاريا بهما صمتا أوروبيا تجاه تحركاته.
لئن فشل حفتر ومسانديه نسبيا على المستوى العسكري حيث كانوا يعتقدون أنه سيستغل انحسار التأثير القطري والتركي في المنطقة الى جانب الاوضاع الإقليمية المتفجرة في السودان و الجزائر حيث تدعم الأولى الميليشيات الإسلامية في طرابلس و تدعم الثانية حكومة فايز السراج المتعاونة مع الميليشيات ، لينهي أمر حكومة الوفاق الوطني و الميليشيات في طرابلس في عملية خاطفة لا تحرج حلفائه وأصدقائه ، الا أن الدعم المصري الصريح اعطاه دفعا بان ظهره في الشرق حيث نقاط قوته محمي إن تقهقر وإن لم يتمكن من السيطرة على طرابلس ، كما أنه مسنود في الجنوب من قبل ميليشيات وقبائل سودانية تعارض حكم الاخوان ، في حين أن حكومة السراج محاصرة في طرابلس وترتكز على ميليشيات غير نظامية تدين بالولاء لمجموعات سياسية وفكرية مختلفة من مكونات "المؤتمر الوطني العام الجديد" باغلبيته الإسلامية والاخوانية تحديدا ، أكثر من ولائها لحكومة السراج المعترف بها أمميا ، وهو ما يمكن أن يمنح حفتر مزايا إضافية على الأرض لتغيير كفة موازين القوى لصالحه تحت شعار القضاء على تعدد الميليشيات المسلحة وتحجيم دور الاخوان والتيارات الإسلامية الباقية في طرابلس بهدف فرض الاستقرار واحتكار السلاح لدى قوة نظامية موحدة تبسط سيطرتها على كل التراب الليبي ليفاوض وحلفائه في ما بعد على مستقبل العملية السياسية من هذا المنطلق بوصفه أحد أهم مكوناتها الأساسية إن لم يكن المكون الرئيسي فيها ويبدو أنه سيحقق ذلك وإن طالت المعارك في طرابلس وإن لم يحقق انتصارا عسكريا مهرجانيا كما كان كان يتوقع ويخطط فعلى ما يبدو أن القوى الأوروبية حتى تلك التي دعمت الإسلاميين منها ، بعد ان تمكنت الاخيرة من الانقلاب على تمشي اول انتخابات عامة في ليبيا "المؤتمر الوطني" لسنة 2012 الذي انهزمت فيه التيارات الإسلامية ولم تتمكن من تحقيق الدور الأساسي المفترض لها في المشهد الليبي حينها فقامت بتغيير الاوضاع عبر عسكرة خياراتها لنصل إلى باكورات الحرب الأهلية لسنة 2014 ، قد بدأت ( القوى الدولية) تتوجه إلى القبول بضرورة تصفية الميليشيات المتفرقة أو على الأقل ضمها تحت لواء واحد قابل للتحكم الممركز والموحد حتى يكتب لأي عملية سياسية النجاح في المستقبل، خاصة مع انحسار تأثير العمل السياسي المدني الديمقراطي المنتظم في كل ليبيا