راديو تكريت


ميسون البياتي
2019 / 4 / 8 - 10:10     

الدراسه الجاده المتمعنه للتاريخ تبين اننا نجهل كل شيء عن العالم في وقت نعتقد فيه أننا نعرفه حق المعرفه , مرد هذا الجهل يعود الى أكاذيب يطلقها الإعلام ويرددها الناس فيؤمنون بوجودها رغم أنها لا أساس ولا حقيقة لها . تزوير في اسماء الحروب وأسبابها ونتائجها , تزوير في مجريات الأحداث اليوميه حتى أصبح الناس يعيشون في خليط من الأكاذيب

في العام 1924 قامت صحيفة بريتش ديلي ميل بنشر رسالة كاذبه إدعت الصحيفه أنها قادمه من موسكو , موجهه من الزعيم الشيوعي ( غريغوري زينوفييف ) رئيس الأمميه الثالثه ( الكومنترن ) الى أعضاء الحزب الشيوعي البريطاني يدعوهم فيها الى إسناد حزب العمل البريطاني , لأن وصول هذا الحزب الى الحكم سيعجل بتطرف الطبقه العامله البريطانيه . كانت هذه الرساله كافيه لجعل الناخبين البريطانيين يعزفون عن انتخاب حزب العمل في الإنتخابات التي وقعت بعد 4 أيام من نشر الرساله , وصعود حزب المحافظين الى السلطه . جدير بالذكر أن ستالين أعدم زينوفييف عام 1936 بعد محاكمة صوريه اتهمه فيها بإدارة اعمال ارهابيه مع تروتسكي والتخطيط لقتل ستالين نفسه , كان عمر زينوفييف عند اعدامه 52 عام

قام البريطانيون بتأسيس راديو دويتشلاند الذي يبث باللغه الألمانيه , عمل فيه المذيع دنيس سيفتون ديلمر الذي كان يجيد اللغة الألمانيه إجادة تامه وأسس علاقه جيده مع العسكري الألماني إرنست روم الذي كان قيادياً في الحزب النازي حيث رتب له لقاءاً مع أدولف هتلر عام 1931 , وحين إندلعت الحرب العالميه الثانيه في عام 1939 قاد راديو دويتشلاند حملة اعلامية كبيره ضد هتلر والحزب النازي الى درجة أن اسم ديلمر وضع في الكتاب النازي الأسود كمطلوب للقبض عليه فوراً بعد الغزو الذي كان مخططاً له لبريطانيا , لم تفصح الإذاعه عن هويتها البريطانيه , وظن كثير من الألمان انها إذاعه ألمانيه معارضه

فيما يخص العراق فإن اذاعه غامضه تدعى ( راديو تكريت ) بدأت البث قبل الغزو الذي وقع على العراق في 2003 وهو راديو تابع لوكالة الإستخبارات المركزيه . اسم المحطه ( تكريت ) مستمد من اسم مسقط رأس الزعيم العراقي وعدد من أعضاء القياده , بدأت عملها منذ شباط 2003 وكانت تبث بواقع ساعتين يومياً من 7 – 9 مساءاً وتظهر مديحاً قوياً للقياده العراقيه وشخص الرئيس بهدف استقطاب إهتمام المستمعين الذين ظنوها اذاعة موالية للحكومه العراقيه

بالوصول الى 15 شباط 2003 بدأت نبرة الإذاعه بالتغيير وأخذت تعاير العراقيين بفقرهم وجوعهم الذي سببه الحصار لدرجة أنهم أخذوا يبيعون أبواب ونوافذ بيوتهم . في 18 شباط أخذت الإذاعه تلقي اللوم على القياده والرئيس وتشجع الجيش العراقي على رفض أوامر الطاغيه والتحلي بالشجاعه قبل فوات الأوان

بث راديو تكريت بتردد بلغ 1584 كيلو هيرتز وهو تردد مقارب لتردد إذاعتين تشرف عليهما حركة الوفاق الوطني العراقي المعارضه لحكم صدام وتلقيان دعماً من وكالة الإستخبارات المركزيه , اذاعة النهرين بتردد 1566 كيلوهيرتز , واذاعة المستقبل بتردد 1575 كيلو هيرتز , وجميع هذه المحطات الثلاثه تبث من الكويت وفي أحيان اخرى تبث من طائرات تحلق قرب أجواء العراق وهي نفس الآليه المستخدمه في الإذاعات الموجهه الى أفغانستان

قبل بدأ الحرب تم إسقاط 40 مليون منشور على العراق , و40 مليون أخرى عند بدأها , وكان راديو تكريت هو ( مركز العمليات السايكولوجيه السوداء ) حيث أشركت قوات التحالف الصحفيين مع الجيش لتمكنهم من كتابة تقاريرهم بشكل مباشر ولتتحكم في محتوى تلك التقارير حيث شهدت الحرب أسوأ التقارير الكاذبه حول سقوط ميناء أم قصر الذي أذيع بيان السيطرة عليه 9 مرات في حين أن القتال كان مستمراً فيه لما بعد اسبوع من اذاعة البيان , أما القتال الضاري الذي وقع في قاعدة حرير الجويه ومعبر ديبكه القريب منها والخسائر الجسيمه التي تكبدها الأمريكان وقوات البيشمركه في منطقة زوركه زراو النفطيه غرب اربيل فلم تذكر على الإطلاق في الإعلام ولولا المصادر الإجنبيه التي تحدثت عنها بإقتضاب لما عرفنا عنها شيئاً

أشارت تقارير أخرى إلى أن الهجوم النفسي ضد العراق إستمر وإن كبار المسؤولين في حكومة صدام استُهدفوا بالبريد الإلكتروني ورسائل الهاتف المحمول التي تنصحهم بالتخلي عن صدام وعدم استخدام الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية في أي نزاع مع الولايات المتحدة

لكل هذه الأسباب ينبغى عدم آخذ ما ينشر في الصحافه المقروءه والمرئيه والمسموعه على محمل الجد بل التعامل معه بشك وعدم تصديق أما كتّاب المواقع فعليهم تحري مصداقية ما يكتبون لأن تداول الأكاذيب يحولها الى حقائق في أذهان ناس مخدوعين