تعقيدات أنظمة وسياسات الأجور في مصر ( 1 )


إلهامي الميرغني
2019 / 4 / 3 - 09:15     

تعقيدات أنظمة وسياسات الأجور في مصر ( 1 )

توضح منظمة العمل الدولية أن العمل ليس سلعة وأن العامل لا يبيع عمله بل يبيع قوة عمله.السلعة التي يبيعها العامل أو قوة العمل تختلف عن باقي السلع إذ هي تنتج نفسها حين يتم وضعها حيز التنفيذ أي في عملية الإنتاج، ولا يتم إنتاجها عند نهاية عملية الإنتاج كباقي السلع. وهنا تكمن المفارقة: العامل يبيع قوة عمله مقابل أجر لا يساوي قيمة عمله التي تتجسد بالسلعة التي أنتجها. والفرق بين قيمة العمل والأجر هي فائض قيمة العمل التي هي بنفس الوقت أرباح مالك وسائل الإنتاج. ولذلك يصبح أجر العامل محل للتفاوض بين العامل وصاحب العمل حيث يريد العامل زيادته لتوفير حياة كريمة ليستمر في العمل ويواجه تكاليف المعيشة بينما يسعي صاحب العمل إلي تخفيض الأجور والمزايا لتعظيم الأرباح التي يحصل عليها.
منذ نشأتها في عام 1919 ، اعتبرت منظمة العمل الدولية أن العمل ليس سلعة وأعادت تأكيد ذلك مجدّدًا في إعلان فيلادلفيا في العام 1944 ، حيث شددت على أن قيمة الأجر لا يجب أن تخضع لقواعد السوق من حيث العرض والطلب، بل هو جزء أساسي من حياة كل فرد وأساسي لكرامة الإنسان وتطوره وعيشه الكريم. فمقدمة دستور منظمة العمل الدولية قرنت العمل بحقوقٍ أساسية وطورتها فيما بعد لاعتماد مفهوم العمل اللائق كشرط لكل عملية تنمية اقتصادية وأساس الاستقرارين الاقتصادي والاجتماعي المبنيين على الحق في الحماية الاجتماعية، حق التنظيم والمفاوضة الجماعية، عدم التمييز في العمل، والاستدامة في العمل. وأسهب إعلان فيلادلفيا، الذي أصبح جزءاً من دستور منظمة العمل الدولية، في تأكيد حق "كل الأشخاص، بغض النظر عن عرقهم، معتقدهم وجنسهم في السعي إلى رفاههم المادي ونموهم الروحي في ظروف الحرية والكرامة، الأمان الاقتصادي والمساواة في الفرص ( إعلان فيلادلفيا، المادة 2، الفقرة أ). وفي الفقرة د من المادة 3 نفسها تتعهد المنظمة في الدفع نحو "السياسات حول الأجور والأرباح، وساعات العمل وظروف العمل الأخرى المحتسبة من أجل ضمان حصة عادلة من ثمار التقدم للجميع، وحد أدنى للأجر لكل العاملين والمحتاجين إلى هذا النوع من الحماية".
على هذا الأساس ووفق اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم ١٣١ بشأن تحديد الحد الأدنى للأجور عرفت منظمة العمل الدولية الحد الأدنى للأجور على أنه "الكسب الأدنى المسموح قانونًا أو فعلاً مهما كان مستوى كسب أو مهارة العامل؛ هو الأجر الذي لديه في كل بلد قوة القانون وتطبق تحت تهديد العقوبة الجنائية أو غير الجنائية". ووفق الاتفاقية ذاتها، يوفر الحد الأدنى للأجور "حماية للعاملين بأجر من الأجور شديدة الانخفاض". وعلى الحد الأدنى للأجور أن يشمل:
1- احتياجات العمال وعائلاتهم مع مراعاة المستوى العام للأجور في البلد وتكاليف المعيشة وإعانات الضمان الاجتماعي ومستويات المعيشة النسبية للمجموعات الاجتماعية الأخرى.
2- العوامل الاقتصادية ومنها متطلبات التنمية الاقتصادية ومستويات الإنتاجية والرغبة في بلوغ مستوى مرتفع من العمالة والمحافظة عليه". فبذلك يكون التعريف السالف قد حدد وظيفتين أساسيتين (اجتماعية واقتصادية) للأجور وللحد الأدنى للأجور تتمثلان بضمان عيش لائق للعامل وفق ما يتطلبه الوضع المعيشي العام والحماية الاجتماعية.
يتضح من العرض السابق وفق ميثاق منظمة العمل الدولية فإن الأجور مرتبطة بعدة عوامل هي:
- أن الأجر لا يجب أن يخضع لقواعد السوق من حيث العرض والطلب.
- الأجر جزء أساسي من حياة كل فرد وأساسي لكرامة الإنسان وتطوره وعيشه الكريم.
- تحددت خمس عوامل مؤثرة علي الأجور هي :
1- الحق في الحماية الاجتماعية.( تشمل الحماية الاجتماعية التأمين الاجتماعي والمعاشات اللائقة والتامين الصحي وسياسات الحماية الأخري مثل الدعم والسلع المخفضة والخدمات المجانية ).
2- الحق في التنظيم. ( بمعني حرية إنشاء النقابات العمالية ودمجها وتشكيل نقابات عامة واتحادات عمالية وحلها دون قيود تحد من هذه الحرية وحرية الانضمام والانسحاب وحرية انشاء نقابة أو أكثر من نقابة داخل المنشأة).
3- الحق في المفاوضة الجماعية.وهو جزء من علاقات العمل وطالما امتلك العمال حريات نقابية أصبح من حقهم المفاوضة حول الأجور وعلاقات العمل فذلك هو جوهر وقلب العمل النقابي سواء كان صاحب العمل الحكومة أو القطاع الخاص أو المستثمر الأجني.
4- عدم التمييز في العمل والأجر .علي أساس الجنس أو الدين أو الجنسية أو المحافظة فيجب تحقيق مساواة كاملة بين عمال المنشأة او القطاع الواحد.
5- الاستدامة في العمل.وما يوفره من استقرار للعامل واسرته واستقرار للمجتمع فكلما زاد الاعتماد علي العمل المؤقت والعرضي وقل التشغيل الدائم كلما أخل ذلك باستقرار علاقات العمل .
3- كما اتضح من اتفاقيات منظمة العمل الدولية أن الحد الأدني للأجور يحدد للعامل بغض النظر عن مستوي كسبه أو مهارته وهو ملزم قانوناً.ويجب ان يراعي الحد الأدني للأجور احتياجات العامل واسرته والمستوي العام للأجور وتكاليف المعيشة والأسعار وبذلك قلنا " أربط أجري بالأسعار ، أصل العيشة مرة مرار " .
4- كما يجب أن ترتبط سياسات الأجور بمستويات الإنتاجية والتشغيل التي تضمن تحقيق التنمية وضمان مستوي معيشة لائق للعامل وفق ما يتطلبه الوضع المعيشي العام والحماية الاجتماعية.
وعندما نتحدث عن الأجور فإننا نتحدث عن مشكلة اقتصادية تخص 17.7 مليون عامل في عام 2016 منهم 12.1 يعملون داخل المنشآت أي في القطاع المنظم ويشكلون 68% من الأجراء في مصر و 5.6 مليون يعملون في القطاع الخاص غير المنظم خارج المنشآت ويشكلون 32% من العاملين بأجر في مصر عام 2016.
يشكل العمال بأجر 61% من قوة العمل في مصر و 70% من إجمالي المشتغلين .ويعمل المشتغلين بأجر في عدة قطاعات هي :
- موظفي القطاع الحكومي 4.7 مليون موظف وتخضع أجورهم للقانون رقم 81 لسنة 2016 المعروف بقانون الخدمة المدنية والذي قسم الأجر الي اجر وظيفي وأجر مكمل.إضافة الي استثناء ما يقرب من مليون موظف من تطبيق القانون 81 وهم الموظفين وفقاً لكادرات خاصة.
- موظفي القطاع العام وقطاع الأعمال العام 863 ألف عامل تخضع أجورهم حتي الأن لقانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وتعديلاته والذي يجري تعديله الآن .
- 6.1 مليون عامل يعملون في القطاع الخاص المنظم وتخضع أجورهم أيضاً لقانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وتعديلاته .
- 5.6 مليون عامل يعملون في القطاع الخاص غير المنظم خارج المنشآت والمفترض أيضا ان أجورهم تخضع لقانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وتعديلاته .ولكن هذا القطاع يعمل في ظروف عمل هش سنعود إليها في جزء تالي وقد يقبلون بأجور أقل من الحد الأدني للأجور كما ان الكثيرين منهم يعملون لعدة أيام فقط في الأسبوع أو في الشهر وبدون أي حماية اجتماعية.
- 315 ألف عامل يعملون في قطاع الاستثمار وهم يخضعون في أجورهم أيضا لقانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وتعديلاته.لكن قوانين الاستثمار أعطت المزيد من الحقوق للمستثمرين وسلبت الكثير من حقوق عمال الاستثمار الذين يعمل الكثيرين منهم بدون أي حماية اجتماعية .
- كما يوجد 68.5 ألف يعملون في قطاعات أخري غير مصنفة وغير معروف أنظمة الأجور التي يخضعون لها.
كانت هذه مقدمة لابد منها قبل أن نتطرق بتفاصيل أكثر لقضية الأجور بشكل عام والأجور في مصر بشكل أكثر تحديداً.ونستكمل في حلقة قادمة .

إلهامي الميرغني
3/4/2019