حين أصبح الحزب الشيوعي غاية في ذاته


سيلوس العراقي
2019 / 4 / 1 - 16:55     

تتمة لمقالنا السابق
مصير دكتاتورية الدولة والحزب الواحد


ان الدولة القسرية (التعسفية) التي تعتمد على نهج التغيير بالعنف والقوة والاكراه لم يتم انكارها من قبل الصفّ الأول من القادة الشيوعيين. ففي دفاعه عن دولة تعتمد على القوة والاكراه يفترض فلاديمير ايليتش لينين، قائد ثورة اوكتوبر 1917 ، بأنها ستكون مؤقتة، على افتراض أن الدولة القسرية ستتلاشى حال انتهائها من انجاز مهمتها
لكن الأمر الجوهري الذي فات لينين، أو أنه تجاهله وتجاوزه على أكبر تقدير، هو أن التجريد المسمى "دولة" لا يتكون من أفراد، أو أشخاص منزَّهين أو مجموعة من الرهبان الزاهدين المتصوفين المتقشفين، أو انهم هبطوا من السماء أو من كوكبٍ آخر، بل انه يتكون من أشخاص (من الجنس البشري الطبيعي العادي بسلبياته وايجابياته)، يحملون الخصائص الطبيعية البشرية التي يحملها مجتمعهم، فهم أشخاص يهتمون بمصالحهم الخاصة، مهما كانت مهمتهم التاريخية كبيرة ومهما كانت الأهداف الكبرى والسامية والمثالية التي كانوا قد ملأوا رؤوسهم بها، ومهما كانت مشعة وضّاءة الهالة المشعة التي اصطنعها لهم مريديهم وأنصارهم

الأمر ذاته بشأن الدولة كان قد وقع فيه ماركس. فعلى الرغم من أن الدولة بحسب ماركس لا تخدم سوى ملاّكي العقارات وليس لها مصلحة خاصة بها
إلا أنه في الواقع، أن حكامها سيتطوّرون (ويتحولون) الى طبقة جديدة ستنتفخ تدريجيًا، وستسمي نفسها بالـ "الحزب الطليعي" الذي سيدخل في عصر جديد وسيصبح هكذا الحزب الطليعي بنفسه هو غاية في حد ذاته

وعلى هذا فالأمر في التطبيق العملي يبدو واضحًا جدًا، ولا مفرّ منه، فمن أجل الحفاظ على السلطة مركزيًا : " لا يوجد خيار أمام الدولة - أو بتعبير أدق أمام الحزب الشيوعي - سوى استيعاب هذه الطبقة الجديدة" لأنه يعتمد عليها في البقاء في السلطة

ففي ظل الشيوعية، تنمو السلطة الرسمية على قدم وساق لسبب بسيط تفرضه طبيعة ومنهجية حكم سلطة الحزب الشيوعي المركزية، المتمثل بوجوب الزامي وعقائدي بأن تكون جميع جوانب الحياة الوطنية وحياة الشعب، بما في ذلك الاقتصاد إلى حد كبير في قبضة الكادر القيادي المركزي، وأن يتم الاستيلاء عليها من قبل سلطة دولة الحزب الشيوعي بقبضة حديدية صارمة. ولانجاز كل هذا فإنها تتطلب بيروقراطية كبيرة لإدارتها
هذه البيروقراطية هي كبش فداء مفضّل لكلّ نظام شيوعي، لأنه لا يمكن لأحد أن يدير ويصرّف أمور الدولة (الامبراطورية) من دونها

في الاتحاد السوفياتي، وفي غضون بضع سنوات بعد الانقلاب البلشفي، بدأ النظام في تقديم مكافآت فريدة للكوادر القيادية، والتي تطورت في الوقت المناسب وتحولت إلى طبقة مميزة وراثية. وبهذا تم لفظ نهاية المثل الأعلى للمساواة
ماحدث في الاتحاد السوفيتي الشيوعي السابق، بشأن خلق طبقة مميزة متخمة من الكوادر القيادية، تم نقله واستنساخه في أنطمة الحكم ليس فقط في الكتلة الاشتراكية الشرقية، بل في كافة الدول في انحاء العالم التي دارت في فلك موسكو، التي تم حكمها من قبل الشيوعيين أو من قبل رؤساء وقادة استلهموا طريقة الحكم السوفيتية الشيوعية في ادارة أمور دولهم. فقدم القادة المكافآت للحلقة القريبة منهم وأغرقوهم بها، فخلقوا طبقة من الاثرياء المتميزين
وهذا الأمر يتنافى مع هدف المساواة الذي تدعي الشيوعية بانه هدف مهم من أهدافها النظرية



وقفة قصيرة
ألا نرى اليوم بقايا ذلك النهج في كوريا الشمالية الديمقراطية (جدًا جدًا) لحد التخمة، الى الدرجة التي يعتبرها بعض الشيوعيين اليوم معلّمة للديمقراطية في لعاملنا المعاصر، كما نرى ذات المأساة في الحالة الراهنة في ازدهار فنزويللا التي يصرّ نظام مادورو المتعفن على اتباع نهج قد تم اعلان فشله منذ تسعينات القرن الماضي أو قبل هذا التاريخ، ومن قبل قياديين شيوعيين سوفيت بانفسهم وباعترافاتهم الموثقة ـ انتهت الوقفة القصيرة


وبالعودة الى الاتحاد السوفيتي الشيوعي الراحل، ومن أجل فرض المساواة في الممتلكات، كان من الضروري إضفاء الطابع المؤسسي على عدم المساواة في الحقوق

التناقض بين الغايات والوسائل كان واضحًا في الدولة الشيوعية، كما في كلّ دولة تمتلك فيها الدولة كلّ الثروة الإنتاجية، ولم يكن للحكم الشيوعي من مفرّ من أمورٍ تخرج عن السيطرة عمليًا ولا تنفع في منعها ومحوها كل التنظيرات والافكار (المثالية) إن كانت تنظيرات ماركسية او لينينية أو غيرها

صحيح ان الدولة الشيوعية قد انتبهت لذلك، وحاولت علاجه، ولقد بذلت محاولات دورية للتخلص من القبضة التي أمّنتها الشيوعية على الدولة والمجتمع

فحاول لينين وستالين القضاء عليها، وتمت عمليات التطهير المعروفة التي أدت في عهد ستالين إلى القتل الجماعي ولم يقتصر الأمر على الاتحاد السوفيتي بل ايضًا حدث الأمر ذاته في الصين

ففي الصين أطلق ماو "الثوره الثقافية" وتمت عمليات تطهير وقتل. لكن.. ما النتيجة ؟

لم تنجح أي من هذه المحاولات في الاتحاد السوفيتي أو الصين. في النهاية، فازت طبقة النخبة القيادية ـ الكوادر الحزبية القيادية ـ للدولة
nomenklaturas
لأنه بدون هذه الطبقة لن ينجح شيء
بل من دونها سيكون فقدان وانهيار سلطة الدولة الشيوعية

كانت البيروقراطية المتأصلة في الأنظمة الشيوعية مسؤولة أيضًا عن الإخفاقات الاقتصادية، التي ساهمت إما في سقوطها أو أجبرت السلطة (من دون اعلان ذلك على الملأ ـ لأنه تحصيل حاصل)على التخلي عن الشيوعية شيئا فشيئا في كلّ شيء، باستثناء الاسم

ولجأت الانظمة الشيوعية والاشتراكية الى تأميم الأصول الإنتاجية في كل مفاصل الحياة الاقتصادية الخاصة: الزراعية والاصناعية والتجارية وغيرها، أدى إلى نقل إدارتها إلى المسؤولين الذين ليس لديهم الكفاءة ولا الخبرة ولا الدافع لتشغيلها بكفاءة
وكانت النتيجة الحتمية انخفاض الإنتاجية

علاوة على ذلك ، فإن الصلابة الموروثة في الإدارة المركزية جعلت الاقتصادات الشيوعية غير مستجيبة للابتكار والتطور التكنولوجي في العالم الراسمالي المعاصر للاتحاد السوفيتي، التطور الذي أدخل الغرب والعالم الرأسمالي في مرحلة الازدهار الشامل، وهو ما يفسر لماذا غاب الاتحاد السوفيتي، على الرغم من مستواه العلمي العالي، عن بعض أهم الاكتشافات التكنولوجية في النصف الثاني من القرن العشرين

لقد أشار "فريديريك حايك" إلى أن السوق الحرة هي وحدها القادرة على الإحساس بالتغيرات في الاقتصاد والاستجابة لها

النهج الأفضل للتطور
إن احتمال الإثراء وتحسين المستوى المعيشي الشخصي والخاص، هو الذي يحفز الناس على بذل كل جهودهم لتأمين أموال ومكاسب مادية بما يتجاوز احتياجاتهم الآنية أو العاجلة وتنفتح هكذا ابواب الازدها العام للمجتمع بكافة فئاته المجتمعية من دون تمييز
بينما تخالف الشيوعية هذه القاعدة الطبيعية . فماذا كانت النتيجة ؟
كانت نتيجة صلابة الادارة المركزية الشيوعية للاقتصاد والانتاج بقبضة حديدية صارمة الى إفقار مجتمعاتها وخلقت حالة واسعة من التخلف والتقهقر في المستوى المعاشي، بكلمة أخرى أدت الى حالة المساواة في الحرمان لدى أغلبية افراد الشعب، ازاء حالة المساواة في الرخاء والتخمة المادية لدى (طبقة النخبة الصغيرة جدًا) الطبقة الحاكمة والكوادر القيادية للحزب الطليعي حصرًا

يتبع

راجع مقالنا
الاشتراكية : نظام لسعادة المجتمع أم لتعاسته ؟