لماذا بقي الإسلام السياسي خارج الحراك الجزائري؟


مولود مدي
2019 / 3 / 31 - 02:58     

لعدة أسابيع ، يزداد الضغط على هذا النظام البالي القائم على الزبائنية و الفساد وتوريث مناصب المسؤولية منذ مجيء بوتفليقة الى الحكم، بعيدا عن القاعدة الديموقراطية ، وهذا ما جعل نفاذ صبر الجزائريين على هذا النظام أمرا حتميا، و منذ بداية حركة الاحتجاج ، ظل المراقبون الدوليون – وخاصة الفرنسيون- يتتبعون الشأن الجزائري وهل هناك فرص ظهور نظام إسلاموي، فلا يزال في الأذهان سيناريو ، الإخوان المسلمين المصري في بداية الاحتجاجات في مصر ، في عام 2011 ، أين انتظر هؤلاء اللحظة المناسبة لركوب الموجة وتحوير المظاهرات لصالحهم، يعتقد العالم الغربي أن استيلاء التيار الإسلاموي في الدول العربية على أي حراك شعبي يطالب بتغيير نظام سياسي، هو قانون للطبيعة، لكن الشعب الجزائري على ما يبدو لا يسري عليه هذا القانون لعدة أسباب، وأي حديث عن استيلاء مرتقب لهذا التيار على الحراك الشعبي، فهو حديث سطحي يظهر أن صاحب لا يفهم معطيات الواقع الجزائري.

فخلال المظاهرات ، لم تكن المرجعية الدينية هي العامل الحاسم في التعبئة ، على العكس، وإنما هو الوعي السياسي، الذي ظهر بفضل ما يسمى بالإعلام البديل (الفيسبوك، تويتر)، هذا الإعلام البديل هو من كان وراء التعبئة، ووراء تشكيل الوعي السياسي للشاب الجزائري، مجموعات الفيسبوك التي تتناول المواضيع السياسية والفكرية تحظى بمتابعة الالاف من الجزائريين والذين يشاركون المئات من المواضيع السياسية فيها يوميا، بينما أكثر الدعوات الدينية كانت ضد فكرة التظاهر ضد النظام، والتاريخ يشهد أن الكثير من المساجد في العديد من ولايات الجزائر تحوّلت الى منبر للنظام البوتفليقي، ولحسن الحظ أن الرد كان سريعا من الشعب، فما ان بدأت رائحة الخطاب السياسي تنبعث من خطب الجمعة حتى بدأ المصلون بالخروج من المساجد وتأدية صلواتهم في الطرقات.

كما أن الإسلاموييون في الجزائر أيضا لم يكونوا وراء الحراك الشعبي، وفضلوا الابتعاد والانتظار لما سيسفر عنه هذا الحراك ، دون اغفال أنهم في موقع ضعف على أي حال ، ما زال الإسلاميون بعيدون كل البعد عن أن يكونوا شعارًا بالإجماع للمعارضة السياسية في الجزائر، إن أبرز فصيل في هذا التيّار والذي هو حركة مجتمع السلم الذي يرأسه الدكتور "عبد الرزاق مقري"، لا يحظى بأي دعم شعبي قوي، ولا يتمتع هذا الحزب في الجزائر بمصداقية كبيرة ، إلى حد ما ،و الكثير يعتبره أن حزب كان يلعب على الحبلين، موالاة صباحا، ومعارضة مساءا ، دون أن ننسى أن هذا الحزب شارك في حكومات سابقة لنظام بوتفليقة و استلم عدة وزارات مهمة، كما ساهم في تكريس المشهد السياسي الجاف الذي عاشته الجزائر، ويعتبر التمديد لبوتفليقة بتعديل الدستور على مقاسه في 2008 هي نقطة سوداء في هذا الحزب ستطارده لفترة طويلة، مما سمح لبوتفليقة بالترشح لعهدة ثالثة منتهكا الدستور الذي صاغه هو بنفسه.

أما بالنسبة إلى ما تبقى من الجبهة الإسلامية للإنقاذ ، الفصيل الإسلامي الشرس أيام التسعينات، تظل قاعدته الانتخابية ضعيفة للغاية ، ولا يجب أن ننسى أن هذا التيار قد طوّر خطابا معاديا للديمقراطية، يتجلى بوضوح في بعض الشعارات التي رفعها أيام التسعينات ك؛ "الديمقراطية كفر" او " الدستور الوحيد هو القرأن" بل وتشبيه العمليات الانتخابية بـ "الابتلاء الإلهي" فيصبح كل من لا ينتخبهم مشكوك في إسلامه، وكان أصحاب هذا الاتجاه يدعون الى تطبيق الاسلام بالقوة : اكراه النساء على ارتداء الحجاب، معاقبة المدخنين، او تطبيق الحدود الشرعية، ظهور مسمّيات "بلدية اسلامية" وكذا اخذ "الجزية" التي تحوّلت خلال سنوات الدم الى "ضريبة الجهاد"، وكل ما سبق كانت تستعمله الجبهة الإسلامية للإنقاذ وسيلة لمشروعها في الاستحواذ على الحكم في الجزائر.

لا يمكن أن نغفل أن من عوامل بقاء الإسلامويون سواء راديكاليين أو معتدلين، خارج الحراك، راجع بنسبة كبيرة الى تبلور نمط جديد من التدين بين الجزائريين أكثر انفتاحا ويتميّز بالفردية، الجزائريون أصبحوا ينتقدون علانية التدين الصارم المتشدد، ويتضايقون من محاولة الغير اقحام أنفسهم في حياة الاخرين بحجة الفتوى، واصبحت مقولات "لباس النساء هو سبب غلاء المعيشة" أو أن المزيد من التدين هو الحل لمواجهة الظلم والفساد المستشري في الدولة فكرة تثير السخرية في مواقع التواصل الإجتماعي، لقد بدأت الأفكار السلفية الوهابية في التراجع، ويجب أن نذكر أن مثل هذه الأفكار التي ازدهرت في الاحياء الشعبية الفقيرة هي التي تشكل أحد أكبر عوامل صعود التيار الديني المتشدد، الممثل بجبهة الإنقاذ أيام التسعينات، فلم يبرز الاسلام " الحركي" الى الوجود من العدم. فالبؤس الاجتماعي, وتهميش النخب التواقة الى مواكبة العصر, وكذا قمع السلطة أي حراك اجتماعي يسمح بتكوين تركيبة متناسقة تجمع بين الحداثة والتقليد, يضاف الى ذلك غياب الحريات الديمقراطية, وتفشي الرشوة والفساد في كل مكان, كل هذه العوامل والظروف مجتمعة ادت الى ظهور الحركة الاسلامية في الجزائر خلال الثمانينات.

ما يجعل مقارنة الحراك الشعبي مع المظاهرات السورية، مقارنة عبثية، هي الشعارات التي رفعها الجزائريون، وهي شعارات قريبة الى العلمانية، الشعارات الدينية والطائفية ممنوعة منعا باتا بين المتظاهرين في الجزائر، ان ما خرّب الثورة السورية بالأساس، هو هذا النوع من الشعارات الإقصائية، طيلة سبع سنوات، تحوّلت سوريا إلى معقل لتطبيق كل الأفكار المذهبية المتطرفة الحمقاء، ومرتعًا خصبًا لملايين التفاسير من أقوال الفقهاء والأئمة في حشد طاقة الشباب من مختلف الطوائف حتى تم «ملشنة» سوريا، ولأن بشار الأسد علوي المذهب نظرت المعارضة السورية والإخوان إليه بوصفه شيعيًّا يريد نشر التشيع، ونسوا أن زوجته سنّية في الأساس وفتح باب التطوع في جيوش المعارضة بعد ذلك لكل أجنبي لا علاقة له بسوريا، من الخليج وشمال أفريقيا ودول آسيا الوسطى والذين شكّلوا في ما بعد جيش مقاتلي تنظيم داعش.
كل هذه العناصر تجعل من تحذير سقوط الانتفاضة الجزائرية بيد الإسلاموييون تحذيرات لا معنى لها واقعيا، بل وتجعل الحراك الشعبي الجزائري خارج مسمّى "الربيع العربي" الذي يرى اليه الكثير من المحللين السياسيين أنه مؤامرة أكثر من انتفاضة شعوب مقهورة ارادت استعادة السيادة على أوطانها.