دورُ حزب البعث في الإرهاب الداعشي !


ييلماز جاويد
2019 / 3 / 30 - 12:21     

أبدأ هذا المقال بالتأكيد على أني لا أقصد التبرير أو الدفاع عن (المجرمين البعثيين) ، فالعراق كله والعراقيون ذاقوا الأمرَّين من الجرائم التي وقعت على أيديهم، حتى حقَّت عليهم اللعنة من كل شريف .
إطلعت على مقال بذات العنوان في موقع الحوار المتمدّن وودت إضافة مداخلتي هذه على ما ود فيه من زاوية شعوري بالمسؤولية ، وكوني شاهداً لفترة الخمسة عقود ونيف المقصودة ، و في ضرورة توجه الخطاب نحو بناء الأمن والمصالحة الوطنيين .
لم يكن تشكيل حزب البعث العربي الاشتراكي في السابع من نيسان 1947 من حصيلة اتفاق تنظيمات قومية في سوريا، بل أن الحزب تأسس من اندماج حزب البعث بقيادة ميشيل عفلق والحزب الاشتراكي بقيادة أكرم الحوراني . لقد جاءت أفكار حزب البعث إلى العراق من خلال جيل من الطلبة العراقيين، أبرزهم سعدون حمادي الذي كان طالباً في الجامعة الأمريكية في بيروت، لكن لم يكن الهدف (الرئيسي) أن يكون بديلاً ومواجهاً للتنظيمات اليسارية الشيوعية، وذلك بسبب أن التنظيمات الشيوعية في تلك الفترة كانت ضعيفة ومفككة ومتشتتة ، بعد تنفيذ حكم الإعدام بمؤسسها فهد ورفاقه، وكان العراق يُحكم بنظام الأحكام العرفية . لقد كان نشاط الحزب في تلك السنوات كفصيل ضمن الحركة الوطنية ، ففي عام 1957، أي قبل قيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958 بسنة واحدة ، أصبح حزب البعث العربي الاشتراكي ضمن جبهة الاتحاد الوطني من خلال اتفاق ثنائي بينه والحزب الشيوعي العراقي . لقد كان دور حزب البعث في جبهة الاتحاد الوطني للإطاحة بالعهد الملكي، و دور كوادر الحزب من المدنيين والعسكريين ( الذين كانوا في منظمة الضباط الأحرار مثل رفعت الحاج سرِّي وناظم الطبقجلي، وأحمد حسن البكر ) في تنفيذ الثورة دوراً فاعلاً لا يمكن إنكاره . لقد كان إنعزال قيادة حزب البعث عن الصف الوطني بسبب الأحداث التي وقعت بعد قيام ثورة تموز وتدخلات نظام جمال عبد الناصر في تشجيع القوى القومية بضمنها حزب البعث ، بحجة بناء بناء الوحدة العربية ، للوقوف في التيار المعادي للثورة والعمل على قلب نظام حكم عبد الكريم قاسم . وتنفيذ المؤامرات، بدءاً بمؤامرة عبد السلام عارف في تموز 1958 ، ثم انسحاب الوزراء القوميين من الوزارة، ثم مؤامرة رشيد عالي الگيلاني في تشرين 1958، ومؤامرة عبد الوهاب الشواف في آذار 1959 . كل ذلك فسح المجال للقوى الدولية، وخاصة الولايات المتحدة لاستغلال الظرف، والدخول على الخط في رسم خطة انقلاب الثامن من شباط 1963 ، فجاء انقلاب الثامن من شباط لصالح الولايات المتحدة ، وباعتراف صريح من علي صالح السعدي ( الذي كان أمين سر الحزب يوم الثامن من شباط ) . لقد تمكن الحزب من تهيئة كوادر مدرّبة على استعمال السلاح ، الذي كانت تجهز به من الجمهورية العربية المتحدة، وفي خطة محكمة كان الحزب يقوم بتطبيقات عملية لهذه الكوادر، حتى تجرّأَ وقام بمحاولة اغتيال عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد الذي يُعتبر أهم شوارع مدينة بغداد، وتحت سيطرة القوات الأمنية، و كذا الميليشيا التابعة للحزب الشيوعي المسمّاة (المقاومة الشعبيبة) ، إذ كان الحزب الشيوعي العراقي في أقوى موقع وصله في تاريخ العراق بعد ثورة 14 تموز، وذلك لسيطرته على الشارع في كافة مدن وقصبات العراق، بالإضافة إلى سيطرته على أوسع ميليشيا في البلد ووجود ضباط شيوعيين في المراكز المهمة للقوات المسلحة، والدائرة المحيطة برئيس الدولة. من هنا أصبح العراق ونظامه الذي كسر الطوق المكبل به، وخرج من حلف بغداد الاستعماري ، وأطلق عملته من كتلة الإسترليني، وتوجه بالعلاقات الواسعة مع الاتحاد السوفييتي، وعلى الخصوص تبديل سلاح جيشه من المصادر الأمريكية إلى الاتحاد السوفييتي؛ أصبح همّاً كبيراً للولايات المتحدة، فوجدت الولايات المتحدة أن لا مجال لقلب نظام الحكم إلاّ بعد زرع الفتنة بين قيادة الدولة وبين الحزب الشيوعي ، فكانت أولى البوادر الرسمية في خلاف عبد الكريم قاسم مع الحزب الشيوعي رفض وزارة الداخلية طلب الشيوعيين في إجازة حزبهم باسم (الحزب الشيوعي العراقي) ، وقد كان سبب الرفض مفتعلاً، إذ تمّ منح إجازة حزب في نفس اليوم لأحد الشيوعيين القدماء باسم (الحزب الشيوعي العراقي)، فجاء الرفض مسبباً بعدم جواز إجازة حزبين بنفس الاسم ، ومن بعد ذلك بدأت قوات الأمن بمكافحة النشاط الشيوعي في كافة المجالات .
جاء انقلاب الثامن من شباط 1963 بحزب البعث والقوى القومية الأخرى إلى سدة الحكم بأجندة أمريكية، ولذلك كانت أولويات مهامها : القيام بتثبيت نظام الحكم والسيطرة على البلاد، ومنع أية مقاومة قد تقوم بها القوى المناوئة للانقلاب ، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي . وفي الواقع فقد اشتركت في الجرائم التي ارتكبت في عام 1963 سواء على الشيوعيين أو القوى الوطنية الأخرى، كوادر من جميع القوى القومية المشاركة في الانقلاب، فبدءاً من إعدام عبد الكريم قاسم وجماعته في دار الإذاعة بحضور عبد السلام عارف وعلي صالح السعدي وانتهاءً بقصر النهاية وجميع مراكز التحقيق التي مورس فيها التعذيب والقتل، كان هناك قوميون من غير البعثيين . وقد ورد في المقال أسماء للمجرمين الذين ارتكبوا تلك الأعمال المشينة ، بالتركيز على أن معظمهم كانوا (أكراداً فيليين) وأن جرائمهم وقعت على (الشيوعيين) ، بينما ، الحق يُقال أن المجرمين كانوا من جميع الفئات ضد كل الوطنيين الذين كانوا بالضد من الإنقلاب .

النظرة الموضوعية ، غير المتحيّزة ، لا ترى الفترة الزمنية من تمّوز 1968 إلى 2003. فترة واحدة ، وخاضعة لسلطة حزب البعث وإلاّ خرجت عن موضوعيتها، و تعرّضت للنقد والشك؛ لذكرها السلبيات فقط دون الإيجابيات :
1. تتميّز فترة حكم حزب البعث بين تموز 1968 لغاية تموز 1979 بالكثير من التناقضات التي أثّرت على العراق ومستقبله، فمن سلبياتها أن لقيادتها رأسين، فرئيس الجمهورية أحمد حسن البكر الذي كان هو رئيس الوزراء في عام 1963 وفي عهده حصلت كل تلك الجرائم، ونائبه صدام حسين، ومن سلبياتها أيضاً بدء الحملة العسكرية على الكرد بعد توقفها لفترة قليلة بعد انقلاب الثامن من شباط، لكن لا يمكن إهمال الإيجابيات التي حصلت تحت ظل نفس القيادة، بدءاً من إيقاف الحملة العسكرية ، ثانية ، على الكرد وتوقيع اتفاقية آذار لمنح الكرد الحكم الذاتي، وتأميم عمليات شركات النفط، على الرغم من أن هذا المكسب قد ضيّعه نظام الحكم الذي أتى في 2003 ببطولة فائقة من حسين الشهرستاني وجولات التراخيص التي منحها للشركات الأجنبية ، وكذلك صدور قانون إصلاح زراعي أعمق بكثير من قانون الإصلاح الزراعي الذي صدر في عهد عبد الكريم قاسم، وكذا يمكن القول عن قانون العمل والعمال، ويضاف إلى كل ذلك التوقيع على بناء الجبهة الوطنية والقومية التقدمية مع الحزب الشيوعي والأحزاب الكردستانية والوطنية الأخرى، على الرغم من الجدل الذي دار حول هذا الموضوع ، لكن الحدث يبقى شاخصاً ، سياسيّاً ، في الاعتراف السياسي من حزب قومي شوفيني، وهو في السلطة بوجود الحزب الشيوعي .
2. فترة الحكم في العراق بين تموز 1979 لغاية 2003 (و لا أسميها أو أنسبها إلى حزب البعث)؛ لأن حزب البعث ليس إلاّ حزب البعثيين الشرفاء مثل عبد الخالق السامرائي وعدنان الحمداني وغانم عبد الجليل ومحمد محجوب ومحمد عايش ورفاقهم الذين أعدمهم صدّام حسين بعد استحواذه على السلطة في يوم 17 تموز 1979 وسرق الحزب من أصحابه وامتلكه وصار يحكم باسمه. يُخطئ كل مَن يقول أو يسمّي هذه الفترة من عمر العراق أنه كان نظاماً لحزب البعث العربي الاشتراكي؛ ففي يوم إعدام قادة الحزب الشرفاء طويت صفحة الحزب وطويت مبادؤه ،وأصبحت تنظيمات الحزب أداة طيّعة بيد صدام حسين ينفذ بها ما يشاء .
3. في فترة حكم صدام ( تموز 1979 – 2003 ) وقعت جرائم رهيبة كان ضحيتها مئات الآلاف سواء في الحرب العراقية الإيرانية، أو الأنفال والمقابر الجماعية وغزوة الكويت، بالإضافة إلى الخراب والدمار الذي أصاب العراق ككل وخاتمتها (حرب تحرير العراق) الذي قامت به الولايات المتحدة وحلفاؤها .
4. الاعتراف واجبٌ وطنيٌّ بحقيقة أنَّ بين ظهرانينا مواطنين عراقيين، وهم وطنيون مخلصون للعراق، لهم شعورٌ قومي وحدوي بتوجه اشتراكي، رأوا في مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي ، ما يعبّر عن آمالهم وطموحهم الوحدوي ، الحزب الذي استشهد من أجل تحقيق مبادئه عبد الخالق السامرائي وعدنان الحمداني ورفاقهما وجميع المناضلين الذين استشهدوا في مشاركتهم بتنفيذ ثورة الرابع عشر من تموز أو اغتيلوا في طريق الحلة أو عواصم الدول الأجنبية من قبل أزلام صدام ؛ هؤلاء المواطنون لهم حقوقهم في الوطن والمواطنة، بالقدر الذي يساوي حق أي مواطن آخر، وبالتأكيد لا أقصد أن ينصرف القياس إلى الذين ما زالوا يعبدون شخص صدّام ويعتنقون مبادئه .
5. لم يكن تسلل بعض البعثيين لأجهزة السلطة ومفاصل الدولة، من جديد بعد 2003 بسبب جملة ثغرات وأخطاء ، كما ورد في المقال ، فهل يا تُرى يمكن اعتبارها ثغرات وأخطاء، أن يوفد القائد العام للقوات المسلّحة ورئيس وزراء العراق ما بعد 2003، قائداً عسكرياً (بعثياً سابقاً) ، يحمل أعلى رتبة عسكرية في الجيش العراقي، ويمنحه كافة صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة، و يوفد برفقته قائدين عسكريين آخرين (بعثيين أيضاً) إلى الموصل، لإنقاذها من الهجوم الداعشي المرتقب؟ في السياسة يجتمع أصحاب المصالح؛ كل طرف يريد تحقيق مصلحته ، فلا عجب أن يتقارب عبدة صدام حسين مع الدواعش، و لا عجب أيضاً أن يسمح (أحدهم) أن يعاد بعثيُّ إلى الجيش ويقلّد أعلى رتبة عسكرية، ويمنح كامل صلاحيات القائد العام للقوات المسلّحة، وعند تكليفه بمهمة يهرب من ساحة المعركة، الأمرُّ من ذا و ذا أن لا يُحاسب أحد.

واجب كل كاتب وطني غيور على وطنه وشعبه الدعوة إلى توحيد الصف الوطني وتحقيق السلم المجتمعي ، فقد آن الأوان أن نترك خلافاتنا خلفنا ونعمل على بناء المستقبل ، بجهود الجميع .