حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 5


محمد عبد القادر الفار
2019 / 3 / 27 - 17:43     

حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين

قصة متعددة الفصول، وسردها سيطول

-5-

(ملتيفاك يجيب السؤال الأخير)


لم يحدث أي شيء جديد لفترة، وفوق هذا بدأت متطلبات الحياة تجرفني بعيداً عن لغز تاكاهيرو والرجل المسكين والحضرة، وراودني إحساس عميق بأن كلّ ما جرى كان عارضاً وليس بالضرورة أن يكون له مغزىً أو معنىً ما. لم أعد أنتظر تاكاهيرو.

كل شيء عاد لرتابته، وشعرت بارتياح رتيب أنا أيضاً، فلعلّ قلبي كان يخفي تحت كل ذلك الفضول شئياً من الخوف من المجهول، فارتاح حين بدا له أنه لن يحدث شيء غير عادي. لكنّ أحلامي في المقابل لم تعد رتيبة. أصبحت أرى منامات لا علاقة لها بذاكرتي أو بمحتوى عقلي من المعلومات. وجوه لا أعرفها تقوم بأفعال عادية، ولكن لا أفهم لماذا يتم استدعاؤها لأحلامي من قبل ذاكرتي أو عقلي الباطن في حين أنها لا تعني لي شيئاً ولا علاقة لها بأحداث يومي أو بذكرياتي أو بهواجسي. فعلى سبيل المثال كنت أرى امرأةً تطرز ثوباً أخضر، وقد يستغرق الحلم وقتاً طويلاً أو لعلي كنت أشعر أنه طويل. وكان العجب ان الاحلام كانت تتكرر وتتغير، فأرى في الليلة التالية المرأة نفسها تطرز ثوباً أصفر، وهي مرتدية للثوب الأخضر الذي طرزته في الليلة السابقة. ثم بدأ التكرار يتخذ أنماطاً، فأرى امرأةً تطرز لليلتين، وأرى أسداً نائماً في الليلة الثالثة، ثم تعود المرأة في الليلة الرابعة والخامسة ويعود الأسد في السادسة. ما كان يميز الأحلام شدة وضوحها، وإدراكي خلالها إلى أنها أحلام، وعادة ما كان هذا الإدراك يأتي في اللحظات الأخيرة من الحلم، حيث كنت أحاول التمسك بالحلم كي يتسنى لي أن أقوم بما أشاء في عالم الأحلام الحر، ولكن الحلم كان يفلت مني وتتلاشى صورة الأسد أو المرأة، وأصحو، ثم أذهب إلى عملي، ويعود زوار الليل في الاحلام.

وذات ليلة، ظهر لي تاكاهيرو مثل السليوليت خلال الحلم، وكانت يداه تتخذان وضع المودرا نفسها، وقال بهدوء: أنا المرأة، وأنا الأسد، وأنا الذي أنتظرك.

أصابني ذعر شديد عند سماعي لهذه الكلمات وأفقت ورأسي ثقيل جداً وكأنني قادم من مكان بعيد. فتحت عينيّ وكانت الساعة حوالي الثالثة فجراً، فأشعلت الإنارة في كل أنحاء الشقة، وفتحت التلفاز ورفعت صوته وذهبت لإعداد القهوة، لم أهتم بالمحطة التي أدرت التلفاز عليها، وسمعت أثناء إعدادي القهوة صوت أم كلثوم آتياً من التلفاز " أنا في انتظارك مليت ". حاولت أن أهدئ من روعي، فمهما شعرت بالحماس لفكرة أن أغنية أم كلثوم رسالة موجهة، سيكون أمراً لا عقلانياً أن أنجرف وراء وهم كهذا، بل وسيكون أمراً نرجسياً وطفولياً وتوهماً لأنني مميز ومهم. ولما كانت القابلية لإصابتي بالشيزوفرانيا بالأساس واردة في شخصيتي وتركيبتي النفسية والجينية، كان عليّ أن أحذر.

أطفأت التلفاز وقلت بصوت مرتفع: حماسي لم ينته ولكن صبري هو الذي ينفد. أنا أريد أن أعرف. ولكنّني لا أريد أن أُذلّ كي أعرف. لماذا عليّ أن أعاني؟

رفعت الستارة لأستقبل أشعة الفجر وأشعر بشيء من الطمأنينة فوقع بصري على لوحة إعلانية ل لشامبو لوريال وعليها كتب صلوجان الشركة Because you’re worth it، أي لأنك تستحق ذلك (تستحق بالمعنى الإيجابي).

ما الذي سألته؟ لماذا عليّ أن أعاني؟؟؟ لا يمكن أن يكون هذا الجواب البسيط هو جواب أكثر الأسئلة تعقيدا بالنسبة لي في الوجود؟ أيعقل ذلك؟


لقد عاد تاكاهيرو بعد هذه الليلة مجدداً إلى واجهة تفكيري، وبقوة غير مسبوقة.


ولكن، أين تراه ينتظرني، وما المطلوب مني؟؟
.
.
.
.
يتبع