انتفاضة آذار الخالدة مالها وما عليها : ج 5


حامد كعيد الجبوري
2019 / 3 / 20 - 00:09     

انتفاضة آذار الخالدة مالها وما عليها :
ج 5
قبل سقوط محافظة بابل :
لست أستدرك وأعود لما قبل سقوط محافظة بابل يوم 3 آذار، ولكن ما حدث قبل يوم 3 شئ مهم جدا يدلل على غباء السلطة الحاكمة، وعدم الخبرة بتقدير المواقف، واتخاذ القرارات المناسبة حينها، والغريب أن عضو القيادة لحزب البعث العربي الاشتراكي المجتث لديه مستشار عسكري، خَبرَ الحروب وخاض غمارها، ونتجنب ذكر أسمه، ونتجنب ذكر أسماء كثيرة أخرى، ونقف عند أسماء الشهداء فقط لاحقاً ، وكذلك أعضاء الفروع لديهم مستشارون من الجيش وبرتب عالية يقدمون المشورة لهم، الغرابة التي ذكرتها هو كيف يرسلون قوة من الجيش الشعبي لا يستهان بها إلى محافظة النجف وبقيادة أمين سر شعبة وغالبيتهم من المدرسين والمعلمين والموظفين ، وقوة أكبر منها يصل تعداد أفرادها إلى 400 مقاتل يقودهم أمين سر فرقة حزبية أغلبهم من الموظفين وبالتحديد من عمال معمل النسيج الناعم ، وأصحاب المهن الحرة، الغرابة تكمن كيف يفرغون محافظة بابل من المقاتلين، ويرسلونهم لمحافظات أخرى. القوة الحلية لإسناد محافظة السماوة :
القوة التي أرسلت لجهة لا يعرفها المقاتلين تتكون من 400 مقاتل، أغلبهم من عمال وموظفي معمل النسيج الناعم في الحلة، انطلقت الحافلات صوب الجنوب ظهيرة يوم 28 شباط ، إلى أين لا يعرف بذلك إلا أمر القاطع وبعض رفاقه، الحافلات أغلبها أخذت عنوة وبطريقة ( الصُخرة)، يقول أحد المقاتلين حين اجتزنا محافظة الديوانية، وطائرات التحالف تحلق في السماء، وتقصف الأهداف المحددة لها، لم يستهدفوننا بسبب الحافلات المدنية التي نستقلها، قال أحد المقاتلين ( ياجماعة تره هاي الطيارات تعرف بكلشي وخاف تقصفنا، وكلماته كانت كافية لتدب الذعر بيننا كلما سمعنا صوت طائرة ما ، وبدأنا نحدس أين يأخذوننا، وقلنا الظاهر واجبنا هو تطهير محافظة البصرة، مررنا بالرميثة ووصلنا إلى مشارف محافظة السماوة والأمور طبيعية جدا في كل قضاء أو ناحية أو قرية .
حين وصولنا وجدنا الجسر الذي يربط طرفي السماوة قد دمرته طائرات التحالف الأمريكي، أتخذ أمر القاطع بالتشاور مع قيادة فرع السماوة من أحدى المدارس ذات الطابقين مقرا لنا، طالنا التعب وهاهو الليل بدأ يحل علينا ونحن بلا طعام الغداء ولا العشاء ، كلنا جلب معه القليل من ( الصمون ) والطماطم وما إلى ذلك مما تيسر عند أهلنا، اتخذنا من صفوف المدرسة سكنا لنا، قبل الساعة العاشرة ليلا بدأت قيادة قاطعنا تختار بعض الشباب من بيننا، أصبح عددهم أكثر من 30 مقاتل، إلى أين يأخذونهم لا ندري، قال أحد المقاتلين أن هذه الوجبة الأولى ونحن بلا شك بعدهم، لم يأت أحد ليأخذونا وجبة ثانية، رغم التعب والمشقة لم نستطع النوم، فجرا عاد المقاتلون من واجبهم، أتضح أنهم عبروا نهر السماوة (الفرات) بالقوارب، ووجدوا الحافلات مهيأة من قيادة قاطع السماوة تنتظرهم، وانطلقوا بهم نحو الطريق المؤدي للناصرية ، ونصبوا الكمائن على مقتربات الطرق لاصطياد الطائرات أو الدبابات الأمريكية .
صباح يوم 1 آذار مر علينا بسلام لحين حلول الليل، ولا نعرف ماذا حدث بعد حلول الظلام ، أنواع الأسلحة الخفيفة صوبت نحو مدرستنا وأمطروها بوابل من الرصاص، نتساءل مع بعضنا أين هو العدو؟ ومن هو؟، وصدرت لنا الأوامر بالرمي نحو المقتربات التي توصل للمدرسة ، الرمي بصورة عشوائية ، وأبلغنا الاقتصاد بالعتاد لعدم معرفة كم ستطول هذه المعركة، أغلب المقاتلون يصوبون نيران أسلحتهم أعلى من رؤوس البشر إن كانوا موجودين في الطرق التي لا نعرف عنها شئ ، يقول هذا المقاتل صرنا بين ناريين أخفهما هو الجحيم، إن لم نرمي نحاسب من قبل الرفاق الحزبيين، وإن رمينا صوب المهاجمين نخشى أن تسقط المدرسة بين أيديهم ويطالنا العقاب وهو الإعدام بلا شك ، يقول أطلقت من بندقيتي رصاصة واحدة صوب السماء لكي أبرهن للرفاق في ما لو تفحصوا البنادق لاحقا سوف يعرفون أني قد رميت من خلال ريح البارود ، قضينا الليل هكذا، وحصلت إصابات طفيفة وخفيفة بين مقاتلينا، وبدأنا نبحث عن أي شخص لتوجيهنا وما نفعله ، ولكن لم نجد أحدا لذلك، يقول اقترحنا الذهاب لآمر القاطع المتواجد مقره في الطابق العلوي، وفعلا ذهبنا له ولم نجد إلا حارسه الشخصي، قال لنا الحارس وهو يضحك، أن آمر القاطع اختبأ بغرفة المخزن في الطابق السفلي، ذهبنا لغرفة المخزن، ووجدنا فيها دواليب حديدية كثيرة ذات البابين، المخزن أظلم بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وكنا نستخدم المصباح اليدوي بين لحظة وأخرى خوفا من أن يرصدنا المهاجمون ، صاح أحد المقاتلين أستاذ... نحن من قاطعك، استغربنا أن آمر القاطع فتح باب أحد الدواليب وكان مختبئ به وخرج لنا وهو يقول ماذا تريدون؟، قلنا له ماذا نفعل؟، قال فجرا يتكشف الموقف ومن المؤكد سيرسلون لنا التعزيزات لفك الطوق عنا، فجرا وبدأ الضياء يكشف ما هو أمامنا وخلفنا، وبهذه اللحظات أمطرنا بوابل كثيف آخر من الرصاص ومن كافة الاتجاهات، أيقن آمر القاطع بأننا محاصرون أولا، ولم يأتي المدد ثانيا ومصيرنا محتم وهو الوقوع بالأسر أو الإعدام ، وقال أفعلوا ما تجدونه مناسبا لهذا الموقف، مجرد أن نطق جملته الأخيرة سمعنا أكثر من هتاف من بين المقاتلين يدعونا لعدم إطلاق الرصاص والاستسلام ورفع أي قماش ابيض دليل لذلك .
لحظات سريعة رأينا أكثر من مقاتل يلوح من خلف الشبابيك ب(فانيلته) البيضاء التي نزعها توا، توقف الرمي علينا من قبل المنتفضون، وسمعنا نداءً من خلال مكبرة صوت يدعونا إلى ترك سلاحنا في ساحة المدرسة، والخروج وأيدينا مرفوعة فوق رؤوسنا من الباب الرئيسية للمدرسة حصراً، وليس بتسلق الجدار من أي جهة كانت ، ومن يخرج من غير هذا الباب فسيكون مصيره القتل، نفذنا ما أمرنا به، والغريب وجدنا حشدا من الناس رجالا ونساء وأطفال يتوسطون لنا عند المقاتلين الذين لا يتجاوز عددهم العشرون ، وساطتهم هي عدم عقوبتنا أو إلحاق أي أذى بنا ، وقدموا لنا ما يمكن تقديمه من خبز وشاي، وقالوا من أي محافظة انتم؟، قلنا من بابل، قالوا انطلقوا لمحافظتكم آمنين، ونقترح عليكم السير على الطرق المعبدة لكي لا تظلوا الطريق وربما تمر سيارات لتقلكم .
كل مقاتل منا معه ( دسداشة) أو ( بجامه) لغرض النوم، نزعنا بدلة الجيش الشعبي وارتدينا ملابس النوم، قسم منا يملك ( الشماغ ) الأبيض أو الأحمر، افترقنا كل ثلاثة أو أربعة أو خمسة مقاتلين سوية ، وسرنا حثيثا نحو قضاء الرميثة، كثيرون استطاعوا أن يركبوا بالسيارات المدنية أو العسكرية، وهنا تذكرنا نصيحة أولئك الناس الذين قدموا لنا نصيحة السير على الطرق المعبدة، الظاهر أن محافظة السماوة بيد الثوار الآن، وصلنا لسيطرة الرميثة بعد الغروب، ووقفنا بالسيطرة ربما سنجد من يقلنا لمحافظة القادسية، لم نحصل على اي سيارة واقترح علينا رجال السيطرة الذهاب إلى تلك الحسينية القريبة، استقبلنا رجال لا نعرفهم وقدموا لنا طعام العشاء ونمنا ليلتنا بتلك الحسينية، فجرا عدنا للسيطرة وحمدا لله وجدنا سيارة تقلنا إلى الديوانية.
دخلنا الديوانية صباح يوم 3 آذار، المحافظة ليس فيها أي شئ لحد الآن، حمدا لله وصلنا ( الكراج ) الموحد، ووجدنا سيارة تنقلنا للحلة، انطلقت سيارتنا إلى الحلة، اجتزنا ناحية السنية، دخلنا لحدود محافظة بابل، عبرنا ناحية الطليعة، بعد الظهر بقليل وصلنا لمشارف ناحية القاسم، وجدنا الناحية قد سقطت بيد الثوار تزامنا غير مخطط له مع مركز مدينة الحلة، سائق السيارة المدنية من أهالي الديوانية ورفض الدخول لناحية القاسم وقال ( اخواني اني ارجع للديوانية وانتو دبروا حالكم )، نزلنا من السيارة، قسم منا توكل على الله وسار نحو مدينة القاسم ، وقسم كبير بدأنا السير في البساتين التي تحيط مدينة القاسم، الخوف والجوع والظلام وعدم معرفتنا بتلك الطرق جعلتنا نسير بعيدين عن القرى التي تتوزع على الطريق المؤدي للحلة، كثير من المقاتلين كان لهم أقارب من عشائر خفاجة وجبور فتحوا لهم بيوتهم واستضافوهم ، وحمدا لله أن هذا الليل ستر مسيرنا نحو أهلنا في الحلة.
فجر يوم 4 آذار وصلنا لمدخل الحلة ولا نعرف عنها أي شئ ، اجتزنا معمل الغاز ، الحي الصناعي ، هذا هو معمل النسيج وذاك بيتنا الذي يقع في حي نادر، طرقت باب بيتنا فجر يوم 4 آذار، فتحت الباب زوجتي وحين وقع بصرها علي سقطت مغشيا عليها ، أجتمع أولادي وبناتي حولي وهم يبكون ويقولون أتانا خبر قتلك في السماوة يوم أمس ويوم أمس يا أبي سقطت الحلة بيد الثوار .
القوة التي أرسلت لمحافظة النجف :
يتبع الجزء السادس
حامد كعيد الجبوري