قصاصات سيلوسية28: الصراع الأبدي بين الأديان2


سيلوس العراقي
2019 / 3 / 19 - 00:00     

الله يعلن طلاقه من حبيبته صهيون
في القرن الثالث سيأتي دور القديس اوريجينوس 182 ـ 254 م الذي يعتبر واحد من أشهر لاهوتيي زمانه، تعلم اللغة العبرية كما درس الكتاب المقدس العبري على يد معلمين يهود، لكنه في كتاباته يعلّم المسيحيين تعاليم بعيدة عن جذورها اليهودية.
على يد اوريجينوس أصبح أسلوب التفسير أو التأويل الكتابي الرمزي (الاستعاري) أكثر شيوعًا، علمًا بأن هذا الأسلوب التأويلي كان قد بدأ مع الفيلسوف اليهودي الافلاطوني فيلو (أو فيلون) الاسكندري ومن بعده القديس كليمنت رئيس المدرسة الاسكندرية اللاهوتية المسيحية، لكن مع اوريجينوس سيجد انطلاقة وشيوعًا كبيرًا في الأوساط المسيحية اللاهوتية والشعبية.
أصرّ اوريجينوس في أسلوبه التأويلي الرمزي أو الاستعاري على التمييز بين المعنى الحرفي والمعنى الروحي لنصوص الكتاب المقدس العبري ـ التوراة ـ الى درجة اعتباره أن للمعنى الروحي للنصوص مرتبةً ومنزلة ودرجة وأهمية أكبر وأعلى ممّا للمعنى الحرفي والتاريخي للنصوص، وباصراره هذا وصل الحد الذي يعتبر فيه بأن نصوص في الكتاب المقدس ـ الملهم ـ لم تكن حرفيًا صحيحة وتقديمها على أنها تاريخية يعتبر أمرًا مستحيلاً، ويدّعي اوريجينوس بأنه فقط المؤمنين البسطاء ـ الجهلة ـ يقتصرون في فهمهم على المعنى الحرفي للنص.
وسمح له اسلوبه الرمزي المغالي وبكلّ أريحية وحرية بفهم وتفسير مقاطع من التوراة ـ العهد القديم ـ التي تتحدث بشكل صريح على الاثنية الاسرائيلية وتاريخيتها، بينما يسيء الى الشعب اليهودي في فهمه، اوريجينوس، بالقول إن الوظيفة الايجابية الوحيدة لاسرائيل هي في أنْ يصبح ويكون اسرائيل الروحاني ـ الكنيسة المسيحية. وعلى هذا، بحسبه، فان الله في وعوده التي قطعها، لم يقطعها على اسرائيل (المادي) الشعب لأن اسرائيل غير مستحقٍ لها، وإن اسرائيل شعب غير كفءٍ على فهمها. وهكذا وصل اوريجينوس الى التنكر الفعلي لاسرائيل الكيان المادي ـ الشعب.
ففي تفسيره الرمزي الاستعاري لنص من انجيل متى 19: 6ـ 8 يُشبّه اوريجينوس اسرائيلَ بالامرأة الطالق ـ المطلقة ـ ويقول بأن الرمز ـ العلامة على هذا هو : ان اسرائيل التي استلمت كتاب طلاقها هو سقوط اورشليم وخرابها مع خراب ما كانوا بعتبرونه هيكلهم المقدس . (اوريجينوس: تفسير متى ، آلان مينزيس، ص 507).
كان لأسلوب اوريجينوس الرمزي والاستعاري ،غير العلمي وغير التاريخي، أثره الكبير في تشويه طريقة فهم المسيحيين لنصوص الكتاب المقدس من خلال قراءتهم لهكذا تفسير، وهكذا فهم مغلوط الى حد كبير كان السبب في التفكير (المسيحي) بأن فكرة أن اسرائيل الحقيقي كان دائما الكنيسة المسيحية وليس اسرائيل المادي ـ شعب اسرائيل، خاصة ان اوريجينوس ـ بالنسبة للمسيحيين ـ يعتمد على نصوص من الكتاب المقدس مع أن فهمها تم بطريقة رمزية تلغي تمامًا تاريخية النصوص، بل تتنكر للتاريخ بأكمله، أدّت هذه الطريقة وهذا الحال الى تأسيسٍ لقاعدة لاهوتية بائسة من خلالها ستنمو العدائية لليهود وستنتشر أعمال الاضطهاد والاحتقار والتعالي على كل ما هو يهودي باحتقاره وجعله غير ذي استحقاق أو أهمية.
والى القصاصة السيلوسية التالية : تحية وسلام