اسلاموفوبيا، مسلموفوبيا تحليلات مبتورة للإرهاب!


توما حميد
2019 / 3 / 18 - 14:31     


نفذ ارهابي ينتمي الى اقصى اليمين يدعى برينتون تارانت (28عاما) يوم الجمعة 15 مارس 2019 هجوما بالأسلحة النارية على مسجدين بمدينة كرايست تشيرتش النيوزيلندية أدى الى مقتل حوالي 50 شخص واصابة عشرات أخرين كرد على مايعتبره غزو المسلمين للعالم الغربي. هذا الفعل الارهابي يعتبر اكبرحادث قتل جماعي في تاريخ هذا البلد الصغير. في هذه الحادثة لم يترك هذا الارهابي أي مجال لوصفه بانسان مختل عقليا او نفسيا او لوصف عمله المروع بفورة غضب انية.
لقد تبين بان هذه المذبحة خطط لها بشكل دقيق وقام المعتدي ببث الهجوم بشكل حي على وسائل التواصل الاجتماعي. ونشر أيضا "بياناً" بعنوان " الاستبدال الكبير" على الإنترنيت قبل هذه الجريمة من 73 صفحة ورد فيه تحليل تفصيلي لدوافعه وأهدافه من وراء هذه العمل الارهابي. ويجدر الإشارة الى ان تارانت اشاد بترامب ووصفه بانه " رمز لاحياء هوية الجنس الابيض والاهداف المشتركة"
كالعادة لقد خصصت معظم وسائل الاعلام وخاصة في الدول الغربية مساحات واسعة لتغطية هذه المجزرة الذي تستحقها بالفعل حيث يتم مناقشة هذا العمل الارهابي من كل النواحي بما فيها التفاصيل الدقيقة للحدث، استجابة الشرطة، الكادر الصحي، مزاج الناس، اخر تحركات الشخص المتهم قبل الحدث، اصوله، علاقاته، انتمائاته، من شجعه ومن الهمه ومن هو مثله الأعلى، الأسلحة المستخدمة، والحلول الخ.
وتختلف الاراء كثيرا حول أسباب هذا الحدث والاحداث المماثلة وكيف يجب الرد عليها ولكن يتفق كل قادة هذا النظام ومفكريه ومناصريه على مسالة واحدة وهي إخفاء السبب الحقيقي لهذا العمل الإرهابي وكل الإرهاب في العالم وهو ازمة النظام الراسمالي وتعفنه. يتفقون على إخفاء السياق العام والخلفية الحقيقية لهذه الجريمة. لذا يجب حصرها في عواطف واعمال الكراهية، الاسلاموفوبيا، سوء استخدام حرية التعبير، الاختلاف الثقافي وجود الأسلحة النارية ألخ.
ولذلك تكون الحلول هي إصلاح قوانين الأسلحة النارية في البلاد وضع قوانين حول حرية التعبير، ربما منع الكثير من مروجي الكراهية من دخول البلدان المختلفة ، النضال ضد الاسلاموفوبيا ومسلموفوبيا الخ. لايوجد أي إشارة الى الحل الحقيقي وهو ان الوقت حان لتغير هذا النظام بأكمله.

النظام الرأسمالي في ازمة عميقة، ولم يعد يخدم الأغلبية الساحقة من البشرية و باتت شرعيته تحت السؤال من وجهة نظر هذه الغالبية. في مواجهة هذا الوضع وفشل المؤسسة الرسمية التي مثلها الوسط بما فيه اليمين واليسار، تدفع البرجوازية بأقصى اليمين الى الواجهة كبديل للحكم. ويتمكن هذا اليمين من جر جزء من المجتمع ورائه. مثلما يقع جزء من المجتمع في قلب هذه الازمة وجو الياس السائد فريسة للادمان والانتحاروالامراض النفسية يقع جزء فريسة لايدولوجية اليمين بكل مشاربه. ان موت 72 الف انسان في السنة الواحدة نتيجة جرعات زائدة من المخدرات في الولايات المتحدة وحدها هو دليل على وضع البشرية تحت حكم هذا النظام.
فتعفن النظام الاقتصادي والاجتماعي و السياسي الرأسمالي وازمته الخانقة تؤدي الى بروز امراض اجتماعية وبروز اليمين المتطرف و"جماعات الكراهية" هو احد هذه الامراض. ان فوز ترامب وفاشيين مثل جاير بولسنارو في البرازيل وغيرهم الذين يعتبرون رموز للتعصب والعنصرية وكراهية المهاجرين والأقليات والمراة والشعوب الاصلية وحقوق الانسان الخ وكذلك بروز حركات يمينية متطرفة وعنيفة هي رد فعل البرجوازية المتازمة على أزمة نظامها ومحاولة جزء من المجتمع البحث عن شيئ مختلف عن الواقع الذي لايمكن تحمله .
" الحلول" التي يقدمها اقصى اليمين الذي في الحقيقية ليس له أي حل للمشاكل التي تواجها الاغلبية الساحقة هو توجيه إصبع الاتهام الى جماعات معينة وتحميلهم مسؤلية هذه الازمة، مثل المهاجرين و " المسلمين" والسود والنساء والسكان الأصليين الخ وتحويلهم الى كبش فداء. هذا يتطلب شيطنة هذه الجماعات بشكل مستمر من خلال الخطاب اليومي لقادة اليمين والاعلام ومؤسسات التحميق ونشر صور نمطية سلبية وعنصرية عن هذه الجماعات واعتبارهم ادنى من كل النواحي. هذه الشيطنة المستمرة تؤدي الى بروز اشخاص مثل برنتون تارانت وغيره ووقوع اعمال همجية مثل مذبحت كرايست تشيرتش وجعل القتل الجماعي امر طبيعي.
البرجوازية دائما بحاجة الى جماعات يمينية والى افكارها لتسخدمها ضد اعدائها وخاصة العدو الطبقي ولعل دعم حركات الإسلام السياسي في وجه الشيوعية والحركات التقدمية في منطقة الشرق الأوسط هو أفضل دليل. ولكن مانجده الان هو دفع اليمين الى الواجهة والحكم في قلب العالم الغربي. لذا يقول البوليس الفيدرالي الامريكي ان نمو التطرف اليميني الابيص على الانترنيت هو أسرع من نمو داعش، كما ان الاعمال الارهابية التي يقوم بها اليمين المتطرف في أمريكا والغرب ككل هي في تزايد هائل.

بينما يواجه المجتمع الأمريكي ألف ازمة وأزمة وهو على حافة الانهيار من كل النواحي، دونالد ترامب مشغول بمسرحيات سياسية لحرف الأنظار عن المسائل الأساسية واتهام الاخر والمهاجر والاجنبي والمسلم بالوقوف خلف الازمة التي يواجها النظام من خلال "سرقة وظائفنا وتكنلوجيتنا وتدمير قيمنا وثقافتنا وطريقة حياتنا الخ". لذا يلجا الى شن حروب تجارية على "الخصوم" وفرض الحصار على دول أخرى, بناء جدار على حدود المكسيك الخ. ولكن في الحقيقية هو يعلم جيدا بانه ليس لاي من هذه الأمور أي ربط بحل الازمة الخانقة التي تواجة الانسان العادي في هذه المجتمعات.
في وقت ان 60% من الامريكين لايمكنهم توفير 400-$- لمواجهة طارئ، يقوم ترامب بخفض الضرائب على الشركات الاحتكارية والاغنياء وشن هجمة على البرامج الاجتماعية. لذر الرماد في عيون المواطن ومنعه من رؤية السبب الرئيس من وراء الماساة الذي يعيشها، يجب إيجاد هذا " الاخر" وتحويله الى كبش فداء. يجب خلق أعداء وحاجة الغرب وخاصة امريكا الى أعداء معروفة. هذا العدو قد يكون روسيا او الصين او فنزويلا او داعش ومن قبلهم صدام حسين والقاعدة والاتحاد السوفيتي الخ. في الحقيقية ان داعش بالذات خلق من قبل الغرب في اوج ازمة النظام الرأسمالي الاقصادية في 2007-2008 لحرف الأنظار واشغال المجتمع عن هذه الازمة ولو لحين. اتهام الغير في ازمة النظام، يؤدي الى الرهاب من روسيا والرهاب من الصين ومن المهاجرين ومن "المسلمين" وهو جزء من حل اليمين. ومن حلول اليمين أيضا هي اللجوء الى العنف والحروب والتدمير لذا فان خطر حروب مدمرة هو خطر حقيقي.
لولا هذه الازمة وحاجة البرجوازية الى اقصى اليمين بكل صنوفه لكانت الحركات اليمينية من كل الاشكال سواءا كانت الحركات الإسلامية مثل داعش او تيارات اقصى اليمين في الغرب حركات هامشية ومعزولة وفي نفس الوقت لكانت الايدولوجيات التي تتغذى منها سواءا كان القرأن وعقيدة الجهاد الإسلامي او نظرية تفوق العرق الأبيض وأفكار ستيفن بانون ونظرية الكاتب الفرنسي رونو كامو بشان اندثار الشعوب الاوربية وغزو واحتلال اوربا من قبل المهاجرين والمسلمين المتدفقين عبر حدودها و من خلال معدلات الانجاب العالية الذي سيؤدي الى القضاء بشكل كامل على العرق والموروث الثقافي الاوربي وكل الأفكار الاخرى التي أوردها تارانت لتبرير هذه االمذبحة لبقت احاديث يتبادلها افراد هامشيين في المجتمع. .
لذا فان محاربة الإرهاب ووقف مذابح مثل مذبحة كرايست تشيرتش ليست في المقام الاول من خلال الوقوف في وجه الاسلاموفوبيا ومسلموفوبيا او حتى فضح هذه الايدولوجيات والدعوة الى التاخي بين الاقوام والجماعات المختلفة بل هو من خلال كشف السبب الرئيسي لهذا المد اليميني والإرهاب وهو النظام الرأسمالي المتأزم ذاته والذي حان وقت تغيره. ان عدم توضيح السبب الرئيسي والوقوف ضد النظام ككل سوف يجعل الحلول سطحية ومبتورة وغير فعالة.
النظام الرأسمالي في مرحلة تعفن وفي أزمة خانقة وهذا ليس ادعاء ايدولوجي ولكن أي شخص مهتم وعلى درجة من الاطلاع سوف يرى هذه الحقيقة. نظام رأسمالي متازم هو خطر فعلي على البشرية سواءا من خلال التغير المناخي او صعود الفاشية او حروب كارثية او مئات الامراض الاجتماعية الأخرى.
باتت البشرية اليوم امام خيار حياتي عندما يأتي الموضوع الى مسالة التغير المناخي. في افضل السناريوهات امام البشرية عدة سنوات لتفادي كارثة تهدد وجودها. لايمكن الاعتماد على البرجوازية في حل هذه المشكلة. البرجوازية وشركاتها الاحتكارية وخاصة المختصة بالوقود الاحفوري علمت منذ الستينيات من القرن الماضي بشكل لالبس فيه بان تصرفاتها تؤدي الى التغير المناخي ورغم ذلك قامت بالتستر على هذه الحقائق بل قامت بانكار العلم من اجل مصالحها. ان تركيب النظام يقود الافراد ويهفزهم على التصرف بهذا الشكل. من جهة أخرى ان خطر حروب كارثية بما فيها حروب نووية وحروب أهلية واعمال ارهابية ومجازر وقتل جماعي بات خطر جدي. ان النضال والانخراط في السياسة والنضال السياسي و التمسك بالتحزب وبالشوعية لم يعد خيار بل هو حاجة ملحة يفرضها الواقع الذي نعيش فيه. البشرية يجب ان تدخل الميدان بأسرع وقت لوقف الخطر المحدق نتيجة احتضار النظام الرأسمالي.
لقد بين البيان الذي نشره هذا الإرهابي بان اليمين الغربي يؤسس حركة اممية إرهابية للوقوف في وجه "الخطر الإسلامي" وهي تتبنى أيدولوجية وتكتيكات وفنون مشابهة لتلك التي تتبناها داعش. الحركات الإرهابية بكل صنوفها تتعلم من بعضها البعض بشكل سريع. ترانت يريد دفع اليمين المتطرف لشن هجمات ضد المهاجرين لوقف الهجرة الى اوربا والغرب. انه يدعو الى طرد "الغزاة" للحفاط على اوربا واثنيتها وهويتها وحضارتها. لذا لابد ان هذه المجزرة وفقدان عشرات الأبرياء لحياتهم سوف تكون مصدر الهام للكثير من الارهاببين من اقصى اليمين الغربي وفي نفس الوقت ستخدم قضية حركات الإسلام السياسي في سعيها لكسب النفوذ. لايكفي باي شكل من الاشكال ان نحصر أنفسنا بالتنديد بالاسلاموفوبيا او المسلموفوبيا. على البشرية المطالبة بتغير النظام كمطلب اني لإنقاذ نفسها من الكارثة البيئية المحدقة والحروب التدميرية والإرهاب الاعمى.