الانتفاضة الشعبانية في العراق عام 1991 (قضاء النصر انموذجا)(القسم الاول)


سلمان رشيد محمد الهلالي
2019 / 3 / 10 - 22:56     

(عند الثورة الفرنسية كادت النجوم في السماء ان تنزل الى الارض) هيغل
(عند الانتفاضة الشعبانية كادت النجوم في السماء ان تنزل الى الارض) سلمان الهلالي
الانتفاضة الشعبانية : هى الانتفاضة الشعبية التي قام بها الاغلبية من الشعب العراقي ضد النظام البعثي الديكتاتوري الحاكم في شهر اذار من عام 1991 , واسفرت عن تحرير مايقارب من اربعة عشر محافظة (شيعية وكوردية) من سلطة النظام الطائفي والعنصري . واستطاع النظام قمعها وتصفيتها من خلال استخدام القوة العسكرية المفرطة والابادة الجماعية اولا والتعاون العربي والتحريض الخليجي الطائفي تحديدا (وخاصة السعودية) ثانيا والصمت الغربي والدولي عن القمع والابادة والمجازر ثالثا . واطلق على هذه الانتفاضة تسمية الشعبانية لانها حدثت في شهر شعبان من عام 1411 هجرية , ويبدو ان الاسلاميين الشيعة في المنفى بداوا يطلقون عليها تسمية الانتفاضة الشعبانية منذ شهر حزيران عام 1991 اي بعد ثلاث اشهر من اندلاعها كما في جريدة نداء الرافدين التي يراس تحريرها بيان جبر في سوريا وعددها الصادر في (27) حزيران . فيما يطلق عليها البعض من الكتاب – وخاصة الشيوعيين - تسمية الانتفاضة الشعبية او الاذارية نسبة الى شهر اذار الذي اندلعت فيه ضمن التقويم الميلادي . وقد اثرنا اختيار تسمية الشعبانية لانها السائدة عن اغلبية العراقيين رغم ان الافضل والاصح تسميتها بالانتفاضة الشعبية , لانها اكثر تعبيرا عن الواقع الذي حصل انذاك واكثر حيادية من حيث الاطلاق العام . واما النظام البعثي الحاكم الذي استهدفته الانتفاضة بالثورة والاحتجاج , فقد اطلق عليها في البدء تسمية (الغوغاء) , ويبدو انه احس ان هذه التسمية لاتحوي اساءة متطرفة او شنيعة ضدها , فغيرها بعد اشهر قليلة الى تسمية اخرى وهى (صفحة الغدر والخيانة) . وتعمد الى تشويهها والنيل منها اعلاميا واجتماعيا ونفسيا .
يمكن تقسيم اسباب الانتفاضة الشعبانية المجيدة التي عمت ارجاء العراق في شهر اذار 1991 / شعبان 1411 هجرية ضد النظام البعثي الاستبدادي الحاكم الى اسباب غير مباشرة واسباب مباشرة :
فالاسباب غير مباشرة هى عديدة لايمكن حصرها في نطلق ضيق , واغلبها تتعلق بطبيعة النظام الديكتاتوري الطائفي العنصري الذي تبنى سياسة القمع والتسلط والتمييز في الحكم والاستئثار بمقدرات الدولة عند اقلية حزبية ومذهبية حاكمة , و ادخال البلد بحروب عبثية عديدة كان اولها الحرب مع ايران التي استمرت ثمان سنوات , ادت الى مقتل مئات الالاف من الشباب الابرياء , فضلا عن الاسرى والجرحى والمفقودين وتدمير البنية التحتية للبلد وتلاشي مقدراته الاقتصادية وغيرها .
اما الاسباب غير المباشرة , فقد تمثلت بقيام النظام البعثي الصدامي يوم الثاني من شهر اب من عام 1990 باحتلال دولة الكويت وضمها الى جمهورية العراق , الامر الذي ادى الى حدوث نقمة كبيرة من قبل المجتمع الدولي , استرعى تشكيل تحالف غربي /عربي تقوده الولايات المتحدة الامريكية من اجل العمل على اخراج صدام من الكويت . وكانت البداية تمثلت بفرض عقوبات دولية واممية عديدة , اهمها فرض الحصار الاقتصادي ومنعه من تصدير نفطه الذي يشكل المورد الرئيسي للدولة العراقية , الامر الذي ادخل البلد بحالة من الفقر والعوز والغلاء والمعاناة استمرت حتى عام 2003 . ورغم المفاوضات والوساطات العربية والدولية التي طالبت العراق بالانسحاب سلميا من خلال تقديم المغريات المادية وغيرها , الا ان نظام صدام حسين اصر على موقفه المتعنت والعبثي والصبياني دون التحسب للحرب وعواقبها الباهظة والتدمير الذي ستخلفه على البلد ومصيره ومستقبله .
في ليلة 16/17 من شهر كانون الثاني عام 1991 اعلن التحالف الدولي الذي ضم العديد من الدول العربية والاسلامية السنية والغربية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية عن بدء العمليات العسكرية المباشرة لاخراج الجيش العراقي من الكويت , اطلق عليها تسمية (عاصفة الصحراء) . وبدات العمليات العسكرية من خلال تنفيذ عشرات الالاف من الغارات الجوية المكثفة التي استمرت مايقارب الاربعين يوما , دمرت خلالها البنية التحتية للبلد وجميع المفاصل الاقتصادية والعسكرية والتربوية واعادته لعصر ماقبل الصناعة . وبعد قيام التحالف الدولي بالهجوم البري في اواخر شباط من هذا العام , قام الضباط الموالين للنظام البعثي الحاكم بترك مقراتهم وقياداتهم والهزيمة من الكويت الى داخل العراقة والهروب من المواجه المسلحة (واغلبهم من السنة) , وترك جنودهم والنواب ضباط (واغلبهم من الشيعة) تحت رحمة الطائرات الحربية التي قامت بقتل الالاف منهم في الطريق الرابط بين البصرة والكويت , الامر الذي خلق حالة من الغليان والتوتر والغضب والنقمة بين الناس من جراء فداحة الخسائر المادية والبشرية التي لحقت بالعراق , ادى في المحصلة النهائية الى اندلاع انتفاضة شعبية عفوية في (14) محافظة عراقية من اصل (18) محافظة , وتحرير اكثر من (250) مدينة بين ناحية وقضاء من سلطة الديكتاتورية . وهذه المحافظات هى ((الناصرية (ذي قار) والبصرة والعمارة (ميسان) والديوانية (القادسية) والكوت(واسط) وكربلاء والنجف والسماوة (المثنى) والحلة (بابل) وديالى وكركوك (التاميم) والسليمانية واربيل ودهوك)) . ولم يكن تاريخ اندلاع الانتفاضة قد حصل في وقت واحد , وانما كان متباينا بين المحافظات الجنوبية الشيعية والشمالية الكوردية , الا ان تاريخها منحصرا في شهر اذار 1991 والموافق لشهر شعبان من عام 1411 هجرية . وقد هيمن علي الانتفاضة التيار الاسلامي الثوري من حيث القيادة والشعارات والتوجهات في المحافظات الجنوبية , فيما كان يغلب عليها في محافظات كردستان الثلاث (اربيل والسليمانية ودهوك) الطابع القومي والمولاة للحزبين (الوطني الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) . وانطلقت شرارة الانتفاضة الاولى من المدن القريبة من الاهوار في محافظة الناصرية مثل كرمة بني سعيد والعكيكة والفهود والطار والجبايش وغيرها , ثم تمددت الى سوق الشيوخ والناصرية والشطرة والنصر وانتشرت الى باقي محافظات ومدن العراق . وهو بالضد لما اشيع خطا من ان الانتفاضة قد حصلت في بادىء الامر في البصرة من قبل الجيش العراقي المنسحب من الكويت , ونقمته وتذمره من الخسائر الكبيرة والمعاناة المريرة من المغامرات العسكرية التي يقوم بها باستمرار الديكتاتور الحاكم صدام حسين . واسطورة قيام احد الضباط المنسحبين في ساحة (سعد) في البصرة باطلاق صاروخ دبابته على صورة كبيرة او جدارية تمثل صدام حسين . وحتى لو صحت هذه الواقعة او ربما فعلا قام بعض الجنود المنسحبين من الكويت ممن تقطعت بهم السبل بعمليات تمرد وتوتر واثارة الغضب والتذمر ضد السلطة ونقدها او سبها بصوت عال بسبب جسامة التضحيات والخسائر التي تعرضوا لها , سواء اكان في مدينة البصرة نفسها او الزبير او ابي الخصيب وغيرها , الا ان هذا لايكون بالضرورة السبب في اندلاع الشرارة التي قامت بسببها الانتفاضة الشعبانية عام 1991 . كما ان المدن والقرى التي حدثت بها الانتفاضة في الناصرية اولا , هى معروفة تاريخيا بانها مقر تجمع الثوار والمعارضين الاسلاميين للسلطة البعثية الحاكمة خلال عقد الثمانينات , ولها امتدادات جغرافية ولوجستية وعقائدية بقيادات المعارضة في ايران , وهو الامر الذي يرجح القول بان شرارة الانتفاضة الشعبانية الاولى قد انطلقت من الناصرية فالعمارة ثم البصرة , ثم انتشرت في باقي انحاء العراق - وخاصة في النجف وكربلاء - التي تاخر فيها اندلاع الانتفاضة الى اكثر من اسبوع , الامر الذي ينفي بعض الروايات التي ترجح اندلاع شرارة الانتفاضة في النجف او كربلاء . وكذا الامر مع المحافظات الكوردية الثلاث وهى (اربيل والسليمانية ودهوك) التي ادعى فيها بعض الكتاب الكورد انطلاق شرارة الانتفاضة منها , فيما ان الثابت تاريخيا انها تاخرت عن الركب والتحرك بالقياس الى محافظات الجنوب اكثر من اسبوع . ويعد المؤرخ مجيد خدوري والباحث ادمون غريب من اهم الكتاب الذين اكدوا اندلاع شرارة الانتفاضة الشعبانية المجيدة من الناصرية في الثاني من اذار عام 1991 . علما المؤرخ الامريكي حنا بطاطو في كتابه (العراق) الكتاب الثاني وصف الناصرية بانها (بلدة مشهورة بروح الحرية التي لاتقهر) و (ان التمرد يكاد يشكل الطبيعة الثانية لاهل المنتفق) .
اندلعت الانتفاضة الشعبانية المجيدة في ناحية النصر (احدى نواحي شمال الناصرية) (قضاء النصر حاليا) في عصر يوم الثاني من شهر اذار عام 1991 , وكان السبب المباشر لاندلاعها هو التوتر والغضب والغليان عند الاهالي حول مصير ابنائهم العسكريين الذين تركهم النظام يلاقون حتفهم في الكويت والطريق الرابط الى البصرة , واخذ الناس يتجمعون في الاماكن العامة وقرب تقاطع الطرق الرئيسية والشوارع العامة لعلهم يرون عودة ابنائهم او يعرفون مصيرهم من خلال الجنود المنسحبين . وخلال تلك التجمعات قرب الشارع العام والرئيسي الرابط بين بغداد والناصرية , قام احد الضباط الموالين للنظام باطلاق النار عشوائيا على المتجمعين من اجل تفريقهم , الامر الذي ادى الى اصابة احد الفتيان ويدعى (ازهر ريسان حياوي الركابي) ومن ثم نقله الى مستشفى النصر , ولكنه سرعان ما توفى نتيجة الاصابة المباشرة , الامر الذي زاد من نقمة الاهالي وغضبهم , وخلال مسيرة التشييع ونقل الجثمان الى اهله من الصوب الصغير الى الصوب الكبير , هتفت الجموع منددا بالنظام البعثي واجرامه وممارساته وسياساته الرعناء ضد ابناء البلد , وانطلقت الاصوات مرددة عاليا (لااله الا الله صدام عدو الله) وسرعان مانضم اليها العشرات من الشباب والطلبة الذين كسروا حاجز الخوف الذي صنعه النظام من خلال القمع والارهاب والاعدامات والاعتقالات طيلة العقد الماضي . وسرعان ماهاجم المنتفضون المراكز الامنية والحزبية للسلطة البعثية الحاكمة التي سلمت مقراتها دون مقاومة تذكر , وكان اول المقرات التي سقطت بايدي المنتفضين هو مركز شرطة النصر ومقر الامن الملحق به في الصوب الكبير , ثم عبر المنتفضين الى الصوب الصغير حيث مقر حزب البعث البعث الحاكم , وسيطروا عليه بسهولة بعد هروب الرفاق الى اماكن عشائرهم او مدنهم الاصلية , وبعضهم كان متنكرا بالملابس النسائية ويرتدي العباءة السوداء للتمويه . وما ان اصبح يوم الثاني من شهر اذار الا والمدينة قد تحررت كليا من السلطة الغاشمة , وعاشت اجواء الحرية والانعتاق من الديكتاتورية والطغيان .
اتخذ الثوار والمنتفضين من جامع النصر الكبير (جامع الرسول الاعظم حاليا) مقرا للادارة والقيادة والسيطرة , وتمثلت القيادة بالشيخ زكي ابن الشيخ مرتضى محمد حرج الوائلي والشيخ سعود عزيز عبد الحسن الكعبي والاستاذ عبد الكريم مكي العكيلي . وكان اغلبية المنتفضون هم من الشباب والطلبة وخاصة الجامعيين منهم نذكر منهم (حافظ الشيخ مرتضى محمد حرج الوائلي والشهيد وائل عبد الكريم مكي العكيلي وسعود رمضان الخزاعي وحسن مزعل الركابي ومجيد حميد لفتة وسمير جويد وحيدر فليح وحسن حسين بانش الجبوري واخيه محسن وستار نعيم هويدي العكيلي واخوته (حافظ وامير وسمير) وهاتف محسن الركابي واياد كاظم السراي وسلمان رشيد محمد الهلالي وعلي عزيز كزار العبودي والشهيدين جهاد واخيه وليد رزاق الركابي وسلام السيد مهدي الهلالي والشهيد سالم داوود) .
تعرضت الانتفاضة للاسف الى غدر قوى الظلام من العرب وخاصة دول الخليج والاردن ومصر التي حذرت امريكا من سقوط العراق بيد المنتفضين والثوار الشيعة , وذلك لاسباب طائفية وعنصرية بغيضة , واعطوا الضوء الاخضر للنظام البعثي بقمع الانتفاضة واسقاطها في المهد , من خلال السماح له باستعمال القوة العسكرية المفرطة واهمها الطائرات الحربية والمدفعية والدبابات التي سبق ان اشترطوا عليه عدم استخدامها في المنطقة الجنوبية خلال مفاوضات وقف اطلاق النار بين العراق وامريكا في (خيمة صفوان) , صاحبها حدوث اكبر عملية تشويه اعلامي في التاريخ , بدعوى حصول عمليات قتل للاهالي وحرق الممتلكات الحكومية وسرقتها , فيما ان الثابت تاريخيا بانه لاتوجد هناك ثورة بالعالم لم تحصل بها هذه الاعمال الانفعالية والسلوكيات الخاطئة من قبل بعض العامة والرعاع او حتى المندسين من اجهزة النظام المخابراتية . وتحركت قوات الحرس الجمهوري والخاص وعناصر الامن والمخابرات تحت امرة قيادات حزب البعث لقمع الانتفاضة وضمن محاور عدة , وكان المشرف على القوات العسكرية الوافدة من الشمال لقمع الانتفاضة في الناصرية هو المدعو محمد حمزة الزبيدي وبعض اقارب صدام امثال عبد حسن المجيد وغيرهم , وقد وصلت القوات يوم الرابع من شهر اذار في الساعة الحادية عشر صباحا , واطلقت المدفعية نيرانها على المدنية , مما ادى الى حدوث حالة من الخوف والقلق وعمليات من النزوح الجماعي للارياف والضواحي , وطالبوا الاهالي بالخروج الى الشارع العام في الصوب الصغير , واعتقوا المئات من الشباب والشيوخ على الظنة والتهمة واغلبهم من الابرياء والجنود المنسحبين , وضربوهم امام اهاليهم وعوائلهم , واحرقوا عدد من المحلات التجارية للمنتفضين وصور الائمة ومراجع الدين ومكتبة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ مرتضى محمد حرج الوائلي وغيرها .
لم يتم اطلاق سراح المعتقلين , وسيق اغلبهم الى معسكرات الحجز والاعتقال في الرضوانية جنوب بغداد , واعدموا لاحقا في مقابر جماعية تحت اشراف صهري صدام حسن (حسين كامل وصدام كامل) واقاربه والموالين له من المنطقة الغربية , اكتشفت لاحقا بعد سقوط النظام عام 2003 , وكان من بين المعتقلين من اهالي ناحية النصر السيد حسن السيد محسن البوهلالة مؤذن جامع النصر وصالح الحاج فشاخ القره غولي وميثم علوان حسين الكعبي وفاخر نعيم هويدي العكيلي وصبار السيد هاشم الغرابي وسالم داود واخيه رحمن داود وجاسم عبد السادة وسلمان ذياب الكعبي وكريم صالح ومحمد هادي ووليد واخيه جهاد وابيهم رزاق الركابي وغيرهم .
لقد شكلت الانتفاضة الشعبانية المجيدة صفحة بيضاء في تاريخ العراق الحديث والمعاصر , واعطت درسا خالدا في المقاومة والرفض للسياسات الديكتاتورية والاستبدادية والطائفية والعنصرية البغيضة , وبقيت نبراسا وهاجا للاجيال القادمة , وحافزا في النهضة والثورة وعدم مهادنة الظالمين او السكوت عن جرائمهم وتجاوزاتهم ضد ابناء الشعب . كما شكلت البواكير الاولى لعملية اسقاط النظام البعثي الحاكم , وشجعت الناس على التجاسر والتطاول على السلطة الطائفية والعنصرية , وكسرت حاجز الخوف والتردد التي زرعها النظام عند اغلبية العراقيين بفضل القمع والتعذيب والاعدام في عقد الثمانينات .
خلال المائة عام الاخيرة والمنحصرة بين عامي (1920 – 2020) قام العراقيون الشيعة بثلاث ثورات او انتفاضات او مواجهات مسلحة وشعبية وهى :
اولا : ثورة العشرين الوطنية ضد الاحتلال البريطاني عام 1920 والتي كان من اهم نتائجها تاسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 .(رغم الجدل السياسي حول دورها السلبي في تهميش الشيعة عن الادارة والحكم من قبل الانكليز)
ثانيا : الانتفاضة الشعبانية المجيدة ضد النظام البعثي الديكتاتوري عام 1991 والتي تعد اول ثورة شعبية ضد الاستبداد في العالم العربي وسبقت ثورات الربيع العربي التي حصلت عام 2011 بعشرين عاما .
ثالثا : مواجهة الارهاب التكفيري وتنظيم الدولة الوهابي المعروف بداعش من خلال تاسيس قوة الحشد الشعبي عام 2014 والتي كان من اهم نتائجها تحرير المحافظات السنية الثلاث التي سقطت بيد داعش وهى (الموصل وصلاح الدين والانبار) والقضاء المبرم على الارهاب الذي ضرب العراق بعد سقوط النظام البعثي عام 2003 واستهدف الاغلبية الشيعية في البلاد .
الا ان المفارقة ان المثقفين والكتاب الثوريين العراقيين نجد عندهم اهتماما كبيرا بثورة العشرين واسبابها وتاثيرها ونتائجها الايجابية , ونشروا حولها المئات من الكتب والمقالات والدراسات , واقاموا عنها الالاف من المهرجانات والاحتفالات بمناسبة اندلاعها في شهر حزيران عام 1920 . الا اننا نجد عندهم سكوتا مريبا عن الانتفاضة الشعبانية واسبابها ونتائجها وتاثيرها على بنية المجتمع العراقي ومستقبله السياسي , او الكتابة عنها والاحتفاء بها كاحدى اهم الصفحات البيضاء الخالدة بوجه الديكتاتورية والاستبداد في تاريخ العراق . رغم انها من حيث الاهمية والخطورة والتاثير لاتقارن بثورة العشرين . واعتقد ان سبب سكوت الانتلجنسيا الشيعية العراقية عن النشر والكتابة والاحتفاء بالانتفاضة الشعبانية المجيدة يرجع الى احساسهم بالخصاء والاستلاب امام المركزية السنية والقومية العربية , والخشية من الاتهام بالطائفية من قبل احفاد الانكشارية . فكلنا يعلم بان المثقفين العراقيين ينقسمون الى قسمين :
القسم الاول : المثقفين الشيعة : ويعاني اغلبيتهم من الخصاء والشعور بالدونية والنقص امام السلطة البعثية القومية والمركزية السنية الحاكمة , وبالتالي فان من الصعوبة بمكان ان يمدحوا الانتفاضة الشعبانية التي وقفت ضد الحكم البعثي السني (الطائفي والعنصرية) والجهات والجماعات التي قامت بها خشية التجاوز على الاب الميت والاتهام بالطائفية من قبل السيد الوهمي في ضميرهم المدجن .
القسم الثاني : المثقفين السنة : ويتميز هؤلاء بان الهاجس الطائفي والمعطى العنصري يشكل البوصلة الاولى التي تحدد كتاباتهم الفكرية وتوجهاتهم الايديولوجية ومقولاتهم السياسية . وبما ان الانتفاضة الشعبانية المجيدة التي قام بها الشيعة والكورد ضد النظام البعثي السني الحاكم , فان من الاستحالة بمكان ان تجد كتابا ومثقفين سنة يمدحونها او يشيرون لها كاحدى اهم الصفحات التي واجهت الديكتاتورية الطائفية . واعتقد ان المواجهة العسكرية التي قام بها العراقيون الشيعة والكورد ضد تنظيم الدولة الاسلامية السني المعروف بداعش والقضاء عليه وتحرير المحافظات السنية التي احتلها عام 2014 وما اعقبها من فتوى الجهاد الكفائي التي اطلقها المرجع الاعلى السيد علي السيستاني وتاسيس الحشد الشعبي انما سوف تلقى نفس مصير الانتفاضة الشعبانية من حيث التهميش والانزواء من قبل المثقفيين الشيعة المخصيين , وسينظرون اليها كحركة طائفية استهدفت السنة , او ميليشيات خضعت للتوجه الايراني ضد السعودية , وغيرها من الاعذار التي يخلقها العقل الشيعي المخصي من اجل تبرير سكوته المريب عن الارهاب والاستهداف الطائفي اليومي ضد الاغلبية الشيعية في العراق من قبل التنظيمات البعثية السنية بعد السقوط عام 2003 .
لذا تجد ان الكتابة عن الانتفاضة الشعبانية اتخذ فصول متفرقة في كتب متعددة ونادرا مانجد كتابا مستقلا , الا اللهم عند اتباع الحركة الاسلامية الشيعية والاحزاب الكوردية , على اعتبار ان هذه الانتفاضة تشكل جزءا من تراثهم الجهادي والنضالي وراسمالهم الرمزي ضد السلطة البعثية الديكتاتورية . والمفارقة ان اول كتابا ذكر الانتفاضة والمذابح الجماعية التي اعقبتها ضد الشيعة والكورد التي قام بها البعثيون واتباعهم الطائفيون , انما هو كتابا لمنظمة مراقبة حقوق الانسان صدر عن مؤسسة المنار في لندن عام 1993 بعنوان (عذاب بلانهاية - انتفاضة اذار 1991 م في العراق ومااعقبها من الكوارث) مراجعة وترجمة وتدقيق الدكتور صاحب الحكيم .
واما اهم الكتاب العراقيين والاجانب الذين ذكروا الانتفاضة الشعبانية بالدراسة والتحليل في مؤلفاتهم , والتي سادرجها خدمة للباحثين والمؤرخين والاكاديميين الذين يرومون الكتابة عنها مستقبلا فهم (كنعان مكية في كتابه القسوة والصمت وفالح عبد الجبار في كتابه العمامة والافندي وفرهاد ابراهيم في كتابه الطائفية والسياسية في العالم العربي (مترجم) وعلي عبد الامير علاوي في كتابه احتلال العراق وشيركو كرمانج في كتابه الهوية والامة في العراق (مترجم عن الكوردية) وجاريث ستانسفيلد في كتابه العراق الشعب والتاريخ والسياسية (مترجم) وسلمان رشيد محمد الهلالي في كتابه عزيز السيد جاسم ودوره الفكري والسياسي في العراق وعبد الحليم احمد الحصيني في كتابه الناصرية تاريخ ورجال واريك دافيس (امريكي) في كتابه مذكرات دولة (مترجم) وفيبي مار في كتابها نظام صدام حسين 1979-2003 (مترجم) وعبد الخالق ناصر شومان في كتابه الطائفية السياسية في العراق وحسن لطيف الزبيدي ونعمة محمد العبادي وعاطف لافي السعدون في كتابهم العراق والبحث عن المستقبل وحسن لطيف الزبيدي في كتابه موسوعة الاحزاب العراقية ووليام بولك (امريكي) في كتابه لكي نفهم العراق (مترجم) ووفيق السامرائي في كتابه حطام البوابة الشرقية وهادي حسن عليوي في كتابه احزاب المعارضة السياسية في العراق 1968-2003 وعثمان الراوندوزي المحامي في كتابه استجواب صدام حسين رجل المتناقضات وتشارلز تريب في كتابه صفحات من تاريخ العراق (مترجم) ومحمد زكي ابراهيم في كتابه الديمقراطية الغائبة ونجيب الصالحي وكتابه الزلزال وصفاء الدين تبرائيان (ايراني) وكتابه الانتفاضة الشعبانية (مترجم من الفارسية) ومركز العميد الدولي للبحوث والدراسات وكتاب موسوعة الانتفاضة الشعبانية العراقية اذار 1991 وسلمان هادي ال طعمة وكتابه الانتفاضة الشعبانية في كربلاء ومختار الاسدي في كتابه موجز تاريخ العراق السياسي الحديث والشيخ محمد اليعقوبي في كتابه الشهيد الصدر الثاني كما اعرفه وعبد الرضا عوض وكتابه الانتفاضة الشعبانية في الحلة ومحمد العباسي وكتابه من زاخو الى كربلاء وعبد الحسين شعبان وكتابه عاصفة على بلاد الشمس وقاسم البريسم وكتابه الشرارة والرماد وحميد سعيد (الشاعر البعثي) وعبد الجبار محسن وعبد الامير معلة وكتابهم المنازلة الكبرى وقائدها (وهو يمثل خطاب السلطة البعثية) (انفرد الكتاب بالقول ان الانتفاضة بدات في مدينة الحي بالكوت) وطارق حربي وكتابه انتفاضة اذار في محافظة ذي قار وعلاء بشير في كتابه كنت طبيبا لصدام وعادل رؤوف في كتابيه عراق بلا قيادة والعمل الاسلامي في العراق وصلاح جواد شبر في كتابه ثيولوجيا التشيع السياسي وحامد الزيادي في كتابه مابعد الاستعباد العراق 1968-2003 واحمد راسم النفيس في كتابه الشيعة في العراق وصلاح مهدي علي الفضلي في كتابه الدور الوطني للمرجعية الدينية في تاريخ العراق الحديث والمعاصر 1900 – 2002 وجويس ويلي في كتابه الحركة الاسلامية الشيعية في العراق (مترجم) وداي ياماو (ياباني) في كتابه تاريخ الاحزاب الاسلامية في العراق (مترجم) وسليم السامرائي في كتابه الطائفية في العراق الواقع والحل واسحق النقاش (امريكي) في كتابه شيعة العراق (مترجم) وعبد الهادي البابلي وكتابه حكايات من الانتفاضة الشعبانية في كربلاء) . علما ان اغلبية تلك المؤلفات انما هى دراسات باردة ومحايدة في تعاطيها عن الانتفاضة الشعبانية الشعبية , وتتميز بالسرد التاريخي لحقبة النظام البعثي الحاكم والدولة العراقية او الحركة الاسلامية , وليس فيها من جانب المديح والتبجيل الا النزر القليل .