نظرة على حديث: -النّساء ناقصات عقل ودين-


مالك بارودي
2019 / 3 / 8 - 21:03     

نظرة على حديث: "النّساء ناقصات عقل ودين"
.
النّساء في نظر محمّد بن آمنة "ناقصات عقل ودين". ونقرأ في "صحيح مسلم":
"حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر المصري أخبرنا الليث عن ابن الهاد عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يا معشر النّساء تصدّقن وأكثرن الاستغفار فإنّي رأيتكنّ أكثر أهل النّار فقالت امرأة منهنّ جزلة وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النّار قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لبّ منكن قالت يا رسول الله وما نقصان العقل والدّين قال أمّا نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين وحدثنيه أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب عن بكر بن مضر عن ابن الهاد بهذا الإسناد مثله وحدثني الحسن بن علي الحلواني وأبو بكر بن إسحق قالا حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر قال أخبرني زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ح وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر قالوا حدثنا إسمعيل وهو ابن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل معنى حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم." ("صحيح مسلم"، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات وبيان إطلاق الكفر على كفر النعمة والحقوق)
بعيدا عن هلوسات وحماقات الشّيوخ في تفسير هذا القول المنسوب لرسول البدو والصّعاليك وعن تناطحهم بين من صحّحه ومن ضعّفه ومن ضربه على قفاه ومن وضعه في مقدّمة أولويّاته، في إنفصام تام عن عصرنا وعن قِيَمه التي لا مجال لمقارنتها بقيم القرن السّابع في جزيرة العرب، وبعيدًا عن نظريّة "الغدّة" الخرافيّة التي تحدّث عنها الدّجّال "محمّد العريفي" ذات يوم وزعم أنّه نسي إسمها، لي بعض الملاحظات أسُوقها كما يلي.
أوّلًا، ما المقياس الذي يمكن أن نقيس به نقص عقل المرأة أو رجاحة عقل الرّجل؟ هل المقياس هو النّسيان؟ أليس النّسيان شيئا طبيعيّا في الإنسان بصفة عامّة؟ ألا ينسى الرّجل؟ بطبيعة الحال، كلّ الرّجال في كلّ العصور ينسون، ومن لديه دليل على وجود إنسان واحد بإستطاعته تخزين كلّ ما يمرّ أمامه بكلّ التّفاصيل فليأت به. ثم، ألم يكن محمّد بن آمنة نفسه ينسى؟ ألم ترد عشرات الأحاديث في ذكر نسيانه للكثير من آيات القرآن؟
وبعيدًا عن ذلك كلّه، أليست الحجّة الواردة في الحديث سخيفة؟ أليس محمّد بن آمنة وإلهه الوهمي هما اللذان حدّدا شرط قبول الشّهادة وحدّدا شهادة المرأة على أنّها تعادل نصف شهادة الرّجل؟ فكيف يضعُ هو هذا المقياس ثمّ يستدلّ به على صحّة قوله بأنّ المرأة ناقصة عقل؟ هل مسألة أنّ شهادة المرأة نصف شهادة الرّجل مسألة طبيعيّة أو بديهيّة حتّى تتّخذها كمسلّمة وتبني عليها إستدلالك الفاسد؟ ثمّ أنّ النّقصان يتطلّب الزّيادة لبلوغ الكمال... وكما أنّ شهادة إمرأة واحدة لا تكفي وكانت هذه حجّتك على أنّها ناقصة عقل، فشهادة رجل واحد هي أيضا غير كافية وبالتّالي فبنفس المنطق الأعوج يصبح الرّجل هو أيضًا ناقص عقل.
أم أنّ المقياس في هذا الأمر هو غلبة العاطفة على العقل مثلا، كما يقول بعض المبرّرين؟ أليس هناك رجالٌ تغلب عاطفتهم على عقولهم؟ بالطّبع هناك نسبة كبيرة من هذا النّوع، رغم أنّه لا يمكن الحُكم على التّصرفات بصفة قطعية بأنّها نابعة من العاطفة أو من العقل، ورغم أنّ صراع العاطفة والعقل أمر طبيعي في الإنسان وليس عيبًا البتّة... ثمّ، أليس هناك رجال تغلب غريزتهم على عقولهم؟ ألم يكن محمّد بن آمنة نفسه من أولئك الذين غلبت غريزتهم على عقولهم؟ ألم يكن شهوانيّا إلى حدّ الهوس والجنون، راكضا بين نسائه ينكحهُن "في الليلة الواحدة بغسل واحد"، كما تقول كتب الحديث؟ ألم يكن لا تمرّ به أنثى إلا وإشتهاها وأراد "ركوبها"؟ هنا، نحن لا نتحدّث عن العواطف، بل عن الغريزة المنفلتة في أوج حيوانيتّها. فكيف نلتفت لحديث صادرٍ عن شخصٍ منفلت الغرائز لا يفكّر إلّا في الجنس ونتّخذ منه حُكمًا لإثبات أنّ "المرأة ناقصة عقل"؟ ألم يكن أولى بصاحب المقولة أن يحاول أن يكون متّزنًا في حياته وألّا يترك الحبل على غارب الشّهوة؟
ثانيا، لنأخذ العقل في جانبه العقلاني والمعرفي كطريقة للتّفكير وتحليل الأمور والمقارنة وحلّ الإشكاليّات. لو إفترضنا أنّ نقص العقل أمرٌ طبيعي في المرأة في زمن محمّد بن آمنة، وفي تلك البيئة الصحراويّة القاحلة التي لم يكن أهلها يعرفون ولو ذرّة ممّا توصّل إليه العقل في بلدان أخرى كبلاد الإغريق والرّومان والمصريّين القدماء، هل يصمُد محمّد في أيّة مقارنة عقليّة ومعرفيّة بينهُ وبين نساءٍ عِشْنَ في ذلك الزّمن أو قبله، مثل الفيلسوفة "هيباتيا السّكندريّة" التي سبقت قدوم الوباء الإسلامي بأربعة قرون؟ هل يمكن مقارنة هيباتيا العالمة بشخص بدوي يفتخر أتباعُه إلى اليوم بأنّه كان أمّيًّا لا يقرأُ ولا يكتب؟ هل يصمُد محمّد في مقارنة مع "أسبازيا" الأثينيّة أو "صافُو" الشاعرة الإغريقيّة التي عاشت خمسة قرون قبل الميلاد؟ هذا في زمنه هو وفي القرون السّابقة لإدّعائه النّبوّة، فما بالك إذا نحنُ وضعنا رسول بلاد الرّمال في مقارنة مع نساء اليوم؟ ألا يصبحُ الأمر غاية في التّفاهة والسّخرية؟ تصوّروا محمّد بن آمنة في مواجهة عالمة الفيزياء والكيمياء "ماري كُوري" على سبيل المثال، وهي الحاصلة على جائزة نوبل مرّتين، الأولى سنة 1903 في الفيزياء والثّانية سنة 1911 في الكيمياء... أو تصوّروا أحد "علماء المزابل" الذين تعجّ بهم بلاد العرب والإسلام كـ "محمّد حسّان" أو "يوسف القرضاوي" أو "علي منصور الكيالي" أو "زغلول النّجّار" أو "نبيل العوضي" أو "محمّد الطّاهر بن عاشور" أو "محمد متولّي الشّعراوي" أو "عبد الحميد كشك" أو "محمّد الغزالي" أو "محمّد العريفي"، إلى آخر قائمة هؤلاء السّفهاء، في مواجهة "ماري كوري" أو عالمة الكيمياء الحيويّة "جرتي تيريزا كوري" أو عالمة الرّياضيّات "إيمي نويثر"... إنّها مهزلة، فعلًا!
ثالثًا، بالنّسبة لمسألة "نقص الدّين"، أنا شخصيًّا لا أعتبره عيبًا، ذلك أنّ الدّين لا ينفع بشيء ولا يؤدّي إلّا للخراب الفكري والأخلاقي والعنف والإرهاب. هو "علمٌ" لا ينفعُ والجهل به هو الحلُّ الأفضلُ والأمثلُ لكي يحافظ الإنسان على إنسانيّته وعلى وقته أيضًا.
.
-----------------------------
الهوامش:
- حديث " وما رأيت من ناقصات عقل ودين " في "صحيح مسلم":
http://sluppend.com/5uTp
- "محمّد العريفي" ونظريّة الغدّة الوهميّة في تفسير حديث "المرأة ناقصة عقل ودين":
http://sluppend.com/5tXy
- صفحة "هيباتيا السكندرية" على ويكيبيديا:
http://sluppend.com/5sCu
- صفحة "أسبازيا" على ويكيبيديا:
http://sluppend.com/5s9L
- صفحة "صافو" على ويكيبيديا:
http://sluppend.com/5sAu
- صفحة "ماري كوري" على ويكيبيديا:
http://sluppend.com/5s5F
- صفحة "جرتي تيريزا كوري" على ويكيبيديا:
http://sluppend.com/5sjB
- صفحة "إيمي نويثر" على ويكيبيديا:
http://sluppend.com/5t8V
---------------------------------
1.. مدوّنات الكاتب مالك بارودي:
http://sapolatsu.com/2VLK
http://sapolatsu.com/2VOC
http://sapolatsu.com/2VPK
http://sapolatsu.com/2VQS
2.. لتحميل نسخة من كتاب مالك بارودي "خرافات إسلامية":
http://sapolatsu.com/2VRv
http://sapolatsu.com/2VT7
3.. صفحة "مالك بارودي" على الفيسبوك:
http://sapolatsu.com/2VUR