- تَوافقٌ - أم تَسويفٌ


ييلماز جاويد
2019 / 3 / 3 - 10:15     

وصلتني عبر الإنترنيت صورة كاركاتيرية مع تعليق " لا تحزن أيها الأسد ، فهذا زمن أصحاب القرون ." ولم أعرف ما إذا كان الكاريكاتير يقصد بتعليقه " أصحاب القرون " باللهجة البغدادية أم لا .
ما علينا !
تم تكليف عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة من قبل برهم صالح " رئيس الجمهورية العراقية " في الثاني من شهر تشرين الأوّل من عام 2018 ، بإعتباره الشخصية المرشحة من قبل الكتلتين البرلمانيتين اللتين إذا جمعنا عدد أعضاء النواب المحسوبين عليهما سيكَوّن المجموع " الأغلبية النيابية " . وهنا تمّ تأشير أول مخالفة للنص الدستوري الذي يشترط أن تكون هناك كتلة واحدة هي الكبرى بين الكتل النيابية ، لا مجموع كتلتين .
قبِل الرجل بالمهمة ، واضعاً ورقة في جيبه ، سماها إستقالته ، يُقدّمها فيما إذا تدخّل " أحدٌ " في إختياره لوزرائه ، وقد إعتبرنا حركته الإستعراضية هذه ، حينها ، ذرّاً للرماد في العيون .
مرّت الثلاثون يوماً الدستورية ، ولم يتمكّن عبد المهدي من تقديم كابينة كاملة ، بل ناقصة بثمان وزارات ، وقُبلت حركته وأعتبرت إنجازاً خلال المدة الدستورية ، على أن يكمل وزارته المنقوصة في ما بعد . تتوالى الأيام ويقدّم عبد المهدي أسماءً لشغل مواقع وزارات أخرى قبل بعضهم ورُفض آخرون . كان بين المقبولين مًن أشيع إنتماؤه إلى الدواعش ، وبين المرفوضين مَن إدعى أن كانت وراء عدم حصوله على العدد الكافي من أصوات النواب مؤامرة سياسية لإستبعاده ، فلجأ إلى المحكمة الإتحادية طالباً إصدار قرارٍ ولائي لإعادة فرز أصوات النواب . وتمر الأيام وأربع وزارات ، لا زالت ، شاغرة ، إضطر عادل عبد المهدي إلى الإعتراف أن ليست في سعته ترشيح أحدٍ لهذه الوزارات بنفسه ، لأن الترشيح لهذه المناصب يعود ، حصراً ، للكتل السياسية ! فكان سؤالنا : إن لم تكن ، يا عبد المهدي ، حرّاً في ترشيح وزرائك ، فما السبب في إحتفاظك بالورقة التي أسميتها " الإستقالة " في جيبك حتى الآن ؟
كان حدثاً ، عجباً ، عند أبناء الشعب ، وعند الكثير من المراقبين و المحللين السياسيين ، عندما تساوقت إرادتا الكتلتين " الشيعيتين " المتناقضتين على ترشيح عادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة ، وتناولت كل كتلة الموضوع في وصف الرجل بما ليس فيه ، فقيل عنه أنه الرجل الوحيد القادر على حفظ التوازن السياسي ، وحل مشاكل العراق والحفاظ على وحدته .. إلخ من الأوصاف ، ولكننا أشرنا ، حينها ، إلى عكس ذلك بالقول " الدبّور لا يصنع عسلاً " فعادلُنا هذا ما زال " عبد المهدي " وكنيته " عادل زويّة " ، فهو تابع إلى قبلة ليست واقعة في كربلاء والنجف ، أو في الأرض العراقية ، من جهة ، ومن جهة أخرى ، وبالتأكيد هو حريص على أن يبقى ملف " الزوية " مركوناً على الرف إلى الأبد ، ولهذا كان الرجل كالراكب أرجوحة تدفعها من الخلف جهة ومن الأمام الجهة الأخرى .
خمسة شهور مضت على تكليف الرجل بتشكيل الوزارة ، ولحد اليوم ، لم تكتمل ، وليس في الأفق ما يشير إلى إمكان حصول " التوافق " على إكتمالها ، سيما بعد صدور قرار ولائي من المحكمة الإتحادية ، بالتوقف عن التصويت ، على أي مرشح لمنصب وزير الدفاع قبل البت في دعوى المرشح الذي " لم تحصل " الموافقة عليه في مجلس النوّاب .
تسويفٌ للوقت .. و" توافقٌ " .. ثم تسويفٌ .. كلّ ذلك لكسب الوقت .. بإنتظار أحداث قد تُشغل الحكومة والشعب عن مهامها الآنية ، مثلما حدث في العاشر من حزيران 2014 بدخول الدواعش وإحتلالهم أكثر من ثلث مساحة البلد ، فتكون ملفات البرنامج الحكومي ، وميزانية الدولة .. وبصورة خاصة مكافحة الفساد الذي قد يطال حيتاناً معينين ، ملفاتٍ من الدرجة الثانية وتوضع على الرف ، أو يتمكن أولئك الحيتان من إيجاد ملاجئ لهم في دول أخرى ، قد يكونون حاملين جنسيتها ، فيلجأون إليها خلاصاً من الحساب .
حقّ علينا أن نواسي بعضنا بالقول " لا تحزن أيها الأسد ، فهذا زمن أصحاب القرون " .