قصقصة التغيير


المنصور جعفر
2019 / 2 / 28 - 05:18     

هذا مقال عن بعض موضوعات تأجج الحركة الجماهيرية في السودان، وبعض محاولات الإسلاميين/الكيزان لقصقصة أهدافها ووسائلها.


بعد بداية الطور الحاضر من الحركة الجماهيرية في ديسمبر 2018 ظهرت آراء رجعية إسلامية (وأخرى ليبرالية) الشكل تحاول قصقصة وتخفيض التغيير الجذري الذي تطالب به الحركة الجماهيرية الحاضرة في السودان.
تحاول هذه الآراء حصر التغيير في جزء من المجال السياسي وهو تغيير شكل رئاسة الدولة والحكومة مع إبقاء تحكم كبراء السوق القديم المتواصل في معيشة الناس مثلما هي الحالة منذ عام 1925 ان لم نقل منذ أكبر دخول للرأسمالية إلى السودان عام 1821.

تتحدث بعض هذه الآراء عن أن الأزمة الرئيسة هي "أزمة سياسية" طبيعتها أزمة أسلوب حكم بدأ بإنقلاب الكيزان الناعم عام 1977 أو الأخير عام 1989! بينما الواقع أن الأزمة تاريخية قديمة في شكل كتلة أو شبكة من الأزمات المتداخلة والمولدة أو المفاقمة لبعضها أكبرها الأزمات المعيشية والإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية، وهي أزمات عدداً وليست فقط مجرد أزمة في أسلوب إدارة الحكم والموارد لسبب واحد من "طريقة تمكين الكيزان"، لا، بل ان هذه الأزمات والتناقضات المرتبطة بها كانت ولم تزل نتيجة من "ديمقراطيات خديج مريضة تديرها أو تدير اقتصادات إستغلال وتهميش، أو كون أصول هذه الأزمات كانت نتيجة من "علمانية فاشلة" إضافة للأسباب الإجتماعية والثقافية لنظام التمييز الطبقي في تملك وتوزيع الموارد، فكل هذه الأزمات بقيت تلد وتفاقم بعضها وتسبب توالد الكيزان وجاءت بهم.

والناظر إلى تداخل الأزمات يعرف أن ليس بالإمكان علاج أزمة واجدة منها دون علاج الأزمات الأخرى التي شكلتها أو التي تغذيها: فأزمة مظالم إدارة الحكم لا يمكن حلها دون حل أزمة الدولة العميقة، وهذه لا يمكن حلها دون تغيير طبيعة أهداف وملكية أكبر المعاملات الإقتصادية في الدولة وطبيعة تنميتها أو إستهلاكها وطبيعة إدارة صرفها وتوزيع دخلها. وحتى هذا التغيير السياسي الإقتصادي ليس بالإمكان بدايته دون تغييرات ثورية حاسمة مصنوعة في مجال آليات التنظيم الإجتماعي وربطها بالثقافة الضرورة التنمية الإجتماعية السياسية وإزدهار كل حلقات الحياة العامة بقيم السلام والحرية والتعاون والعلم والتعليم والوعي.

هذا التنبيه يحاول تحفيز انتشار وتقدم وتعميق النشاط الثوري في كل المجالات ضداً لحالة التخفيض والقصقصة، فبدون تكامل التغييرات سيقتصر التغيير على رئاسة الشكل السياسي للحكم دون طبيعته المعيشية الإقتصادية والثقافية الإجتماعية المعززة لحالات الإنفراد والأنانية والإحتكار وما يلزمهم من إقصاء وتهميش.

ون إنتشار التغييرات والتكامل بينها ستلاقي هذه الحركة الجماهيرية الهادرة مصير "دولة الاستقلال 56"، ومصير "ثورة أكتوبر 64"، ومصير "انتفاضة مارس أبريل 85" أو تلقى مصيراً أسوأ من مصير تلك التأججات السياسية.

تحتم الضرورة الخروج من حالة القصقصة وتقديس الحد الأدنى، وذلك بإنتشار ودفع كل آليات الديموقراطية في كل مجال : المجال السياسي والمجال المعيشي والإقتصادي، والمجال الإجتماعي، والمجال الثقافي. فليس من المنطق ان تكون دولة ديموقراطية في بعض هيئات السياسة بينما تترك مجال المعيشة والاقتصاد لتحكمه ديكتاتورية السوق! أو أن تكون الدولة ديموقراطية في السياسة وفي الإقتصاد بينما هي ديكتاتورية إقصاء وتهميش في مجالات الثقافة والمجتمع!


بعض معالم التغيير الجذري:

1- برلمان تمثل فيه جميع فئات المجتمع ولا يقتصر على تمثيل الأحزاب، بل يضم مع فئة ممثلي الأحزاب، ممثلين لفئة الرعاة، ولفئة المزارعين، ولفئة العمال، ولفئة المهنيين، ولفئة الحرف اليدوية، وكذلك للمجتمع المدني، والمجتمع الأكاديمي، ولمجتمع النقابيين، ومجتمع البنوك، والمجتمع التجاري، ومجتمع الديبلوماسيين، والمجتمع العسكري، ولتنظيمات النساء ولتنظيمات الشباب .. إلخ. كذلك ضرورة انتخاب مجالس حكم شعبي للقرى والمدن والمديريات، ومجلس قومي لممثلي الأقاليم.
2- أن يكون التعيين في كل المناصب العُلى بالإنتخاب بداية من المدير ونهاية بقيام مدراء كل مجال بإنتخاب وزير مجالهم، وشبه ذلك في الهيئات والوزارات العسكرية.

3- أن يكون لكل إقليم ثلث العائد المالي من موارده المصدرة إلى خارج السودان.

4- ان تحول طبيعة ملكية وإدارة أكبر مشروعات الإقتصاد إلى تعاونيات وشراكات عامة ثلاثية بين "الدولة" و"زراع وعمال وإداريو هذه المشروعات" و"إقليم كل مشروع".

5- أن تكون الإدارة العُلى لمؤسسات التخطيط والإقتصاد والمالية والبنك المركزي إدارة مشتركة بين الخبراء الفنيين وممثلي الهيئات النقابية والمدنية والإقتصادية والتجارية المحركة لهذه النشاطات والمستفيدة منها.



مرة أخرى:
تطوير الإقتراحات يقوي الدفع الثوري أما قصر التغييرات المنشودة على تغيير محدود في شكل رئاسة الدولة من عسكري إلى مدني فيدفع بهذه الحركة الجماهيرية إلى مصير "ثورة أكتوبر 64" ومصير "انتفاضة مارس-أبريل 1985".


نقطتان:
1 - طلب الحد الأعلى (المستطاع) يزيد الهمة
2 - بدلاً لقصقصة التغيير، فإن إنتشار وتقدم الحركة الجماهيرية في كافة المجالات يزيل سلبياتها



إتجاه الكيزان لتجديد سيطرتهم على الباقي من السودان:

في فترة تأجج الحركة الجماهيرية الحاضرة (السودان نهايات فبراير 2019) ظهرت آراء ومبررات تعلن رغبة الكيزان في إبقاء نشاطهم السياسي! وهو أمر عجيب إذ لا يتخيل عاقل أن النازيون الألمان يطلبون في ما يعادل في السودان عام 1945 في ألمانيا مواصلة العمل السياسي بعد نهاية حكمهم! لكن نازيو السودان فاقوا أستاذتهم.

تبريرات الكيزان:
يرتبط جهد الكيزان لتحقيق هدف مشاركتهم كأفراد وجماعات في تنظيم النشاط السياسي بعد سقوط حكمهم، والهدف الأكبر الذي بعده، بتبرير وكلام عن أربعة أمور يزعمونها هي:

1- نسبية الأزمة والإختلاف السياسي: (أن ما يراه بعض الناس "أزمة" يراه آخرون "مشكلة" ! وما يراه بعض الناس "جريمة" ضد الحقوق والحريات يراه آخرون "ضرورة" لـ"حماية الدين"!) وعلى أي حال يتم تخديم "النسبية" للهجوم على مبدأ "المحاسبة" بإعتبار أنه "إقصاء" وتعدي على الحرية (حرية الكيزان) ومن ثم يصرف نظر الناس عنه.

2- المساواة بين كافة الجماعات (مساواة بين الضحية والجلاد)

3- تفريق المسؤولية بين فردية وسياسية، وكذلك بين رموز الحكم:
بشكل تملصي يحولون المسؤولية الفردية إلى سياسية، والمسؤولية السياسية إلى فردية، كذلك يفرقون مسؤوليتهم السياسية العامة على أشخاص وجماعات 1- البشير، الترابي، علي عثمان، علي الحاج، أبو الجاز، نافع، صابر، .. إلخ، 2- الجيش، 3- الأمن والمخابرات، 4- كبراء الوزارة والحكم، 5- الجبهة الإسلامية، 6- المؤتمر الشعبي، 7- المؤتمر الوطني، 8- الحركة الإسلامية، 9- الجنجويد، 10- الأمن الشعبي، 11- الحرامية، 12- كتائب الظل، أي بإخفاء الرابط القانوني ورابط التنظيم الإسلامي بين كل هؤلاء الأفراد وجماعاتهم كعناصر دولة ظالمة فيهم المحرض والمنظم والمنفذ والحارس والدعائي والمبرر والمدافع والجلاد، وكذلك يصرحون -في أقوال أخرى- بأنهم كـ"الجسد الواحد" !؟ خلاصة هذه النقطة أنهم بتضليل يرسخون هذا التقسيم في أذهان الناس، ومن ثم بصورة لا شعورية تحال بعض جرائمهم التي تمت ضد الشعب السوداني إلى فقط رمزين أو ثلاثة من هذه الرموز! أي بشكل تدريجي يتم إعفاء بقية الرموز الكيزانية من وزر الجرائم الكبرى أو بعضها.

4- كسر سيطرة "اليسار":
يعلن الكيزان ان هدفهم كسر سيطرة "اليسار "على حركة الجماهير المعارضة للحكم!؟ والواقع ان مفردة "اليسار" في تعريف الكيزان = 1-الشيوعيون، 2-البعثيون، 3- الناصريون، 4- الحركة الشعبية ، 5- حركات دارفور، 6- مؤتمر البجا، 7- حركة تحرير كوش، 8- الاتحادات شبه النقابية، 9- الاتحاد النسائي والتنظيمات النسوية، 10- منظمات المجتمع المدني، 11- جمعيات وروابط طلابية، 12- جمعيات تعاونية. وفي نفس الوقت يقول نفس الكيزان ان نفس هذا "اليسار" قليل العدد وضعيف التأثير !؟ ومع ذلك يزعمون أنه مسيطر ! وبالتالي فإن نشاط الكيزان لكسر هذه (السيطرة) المزعومة أو محاولة وقف تنوع أشكال المقاومة الشعبية يمثل فرضاً جديداً لديكتاتورية الكيزان المتنامية منذ 1977.



ضد الإقصاء الثوري المتوقع ضد كبراءهم وجماعاتهم قام بعض قادة الكيزان (قوش وعلي عثمان) بإشهار سلاح الإرهاب وأشهر بعض أخر من قاادة الكيزان حجج "النسبية"، "المساواة"، و"فردية المسؤولية"، و"الحرية"، وهو أمر غريب فالكيزان نفسهم من أكبر معارضي هذه الحجج التي يرفعونها، وذلك بحكم:

1- رفضهم المتنوع العنف بدعاوى "الوحدة الإسلامية" كل أشكال "النسبية" والتنوع في العملية الديموقراطية.

2- رفضهم صور "المساواة" والعدالة الاجتماعية في توزيع موارد المجتمع ومقاليده الكبرى بدعوى ((إعلاء كلمة الله)).

3- تلاعبهم بمبدأ المسؤولية السياسية عن الأفعال والإعتقادات الفردية، وبمبدأ المسؤولية الفردية عن الجرائم العامة، يتمسكون بها جهة خصومهم ويرفضونها جهة نفسهم. وهذا يعني أنهم جماعة مقدسة غير مسؤولة!

4- عداوتهم للحريات الحزبية والفردية والنقابية ولجملة الحقوق الإجتماعية والثقافية، والحق في التنمية، والحريات الأكاديمية، ورفضهم المتنوع الأشكال بإسم الله لكل مبادئي الديمقراطية وعداوتهم لإشتراك الناس إشتراكية علمية في تملك وسائل معيشتهم ورفضهم حرية معيشة غالبية المجتمع من سيطرة كبراء البنوك والسوق.


بشكل عام يجد الانسان ان آراء الكيزان وإصرارهم على رفض تغيير مقومات القهر والظلم في السياسة والمعيشة والثقافة والحياة الإجتماعية توكد فيهم الاستبداد وتخاصم بهذه العوائق الأربعة مطلب الشعب في الحرية.



نتيجة ما يرضاه الكيزان لنفسهم:

بإسم الله وإسم الإسلام يعادي الكيزان أربعة من مقومات التغيير الشامل ويقدمون نفسهم كـ:
1- رافضة للعقلانية النسبية،
2- اعداء للمساواة والسياسات الداعمة لها (الجمهورية والشيوعية والإشتراكية والليبرالية) إلخ ،
3- رافضون لتحمل المسؤولية كأفراد أو كجماعات،
4- أعداء أصوليون للحقوق والحريات الأكاديمية والنقابية والإعلامية والحزبية والنسائية ولمبادئي الديمقراطية والوحدة الشعبية والسيادة الوطنية.

إزاء هذا التعصب والغلو المربع فإن الأسلم للسودان والمنطقة عدم وقوف الكيزان أمام الحركة الجماهيرية، وأن من الضروة لتحقيق الحرية والسلام والعدالة في السودان ان تنتبه الحركة الجماهيرية في نضالها ضد الحركة الإسلامية إلى ثلاثة أمور هي:
1- ضرورة محاسبة كل كبراء وزعماء ورؤوساء الكيزان على كافة الجرائم المتهمين إما بالتسبب فيها أو بممارستها،
2- مقاسطة أوساطهم،
3- توجيه صغارهم.

إذآ رفض كبراء الكيزان هذه الأسس السلمية الثلاثة للتعامل معهم سيكونوا قد ضاعفوا ظلمهم وعدوانهم القديم ضد الشعب السوداني بظلم وعدوان جديد.