أخطبوط الإرهاب والتصفيات


عديد نصار
2019 / 2 / 9 - 08:35     

تعقيبا على جريمة اغتيال الكاتب والروائي العراقي علاء المشذوب أمام منزله في كربلاء قبل بضعة أيام كتب الدكتور باسل صالح، دكتور محاضر في الجامعة اللبنانية، على صفحته في موقع فايس بوك قائلا:
"تلجأ المنظمات إلى العنف لحظة التأسيس لاثبات الوجود بقوة، وقبل النهاية اي لحظة الوهن والضعف لانها تحاول البقاء من خلال القوة.
لذلك، كانت نقطة بداية انتشار "الخمينية" من خلال تصفية القيادات اليسارية الراديكالية الشيعية بداية من ايران وصولا الى لبنان، فهل تعني عودة التصفيات الجسدية طريق الرجوع أي بداية نهايتها؟"
قد تتفق مع الدكتور باسل في بعض خلاصاته أو فيها جميعا أو قد تختلف معه، لكن الوقائع الدامغة تؤكد السلوك التصفوي الدائم الذي انتهجته ولا تزال وبدون انقطاع، أذرع الأخطبوط الإرهابي التابع للحرس الثوري الإيراني في كل مكان وصلت اليه أو تشكلت فيه، باعتباره استراتيجية عامة للسيطرة والاخضاع والتخلص من الخصوم الأقربين قبل الأبعدين والشيعة قبل سواهم. وهذا يؤكد على استنتاج في غاية الأهمية وهو أن نظام مافيا الملالي المسيطر في طهران، والذي هو العقل المنتج والمدبر المعتمد لتلك الاستراتيجية الدموية، يدرك تماما أين مقتله، وأين يمكن أن تنشأ القوة الأكثر قدرة على إسقاطه والتخلص منه. فلن تسقطه حروب الطوائف والمذاهب، ولا الحروب الخارجية، ولا حصار أمريكا ولا تهديدات اسرائيل، الجهة الوحيدة القادرة فعلا على اسقاطه هم من يدعي تمثيلهم والنطق باسمهم والدفاع عنهم وعن مصالحهم زورا وكذبا، هم اؤلئك الذين يستخدمهم جندا له، وقودا في حروبه على أهلهم وشعوبهم، تحت شعارات دينية زائفة.
هذا السلوك الدموي التصفوي بدأه نظام الملالي منذ أربعين عاما، اي في الوقت الذي بدأ انقلابه على ثورة الشعب الإيراني، فخاض حرب التصفيات بحق القواعد العمالية واليسارية واللبرالية للثورة، تصفيات طاولت عشرات الآلاف من الناشطين المدنيين العزل، الذين باشروا الثورة المدنية السلمية على الشاه المخلوع.
قد تتوافق هذه البدايات مع خلاصات الدكتور باسل صالح النظرية، وقد يؤكد على هذا التوافق ما جرى في جنوبي لبنان وصولا الى بيروت في مرحلة التأسيس لحزب الله الذي قادها الحرس الثوري بين أهالي الجنوب اللبناني وشيعته. في هذه المرحلة، اي ثمانينات القرن الماضي، شنت العصابات التابعة للحرس الثوري والتي أسست فيما بعد حزب الله اللبناني أوسع عملية تصفية لقادة المقاومة الوطنية وللشيوعيين واليساريين سياسيين ومفكرين من أبناء الجنوب. كانت، ربما، محاولة تطهير الأرض لتكون خالصة لحزب الله. من هنا جاء الصدام العسكري الدموي ايضا مع حركة أمل بزعامة نبيه بري في تلك الفترة. لكن دعم نظام حافظ الأسد لنبيه بري وميليشاه أنقذه من التصفية الكاملة، ثم جاء التعاون بين نظام الأسد وملالي طهران على خلفية العداء المشترك لنظام صدام حسين ليؤسس لتوازن قوى بين حزب الله الصاعد وبين حركة أمل على الساحتين الجنوبية والشيعية في لبنان.
أما آخر ضحايا تلك التصفيات المعروفين في لبنان فكان الناشط هاشم سلمان الذي قتل أمام السفارة الإيرانية أثناء نشاط احتجاجي ضد تدخل حزب الله العسكري في سوريا بناء على طلب النظام الإيراني. حيث لم يصل التحقيق في قضية اغتياله الى نتيجة رغم أن القاتل معروف من خلال شرائط صور كاميرات المراقبة المحيطة بالمكان.
وفي العراق، شنت العصابات التابعة لنظام الملالي بعد سقوط نظام صدام حسين وفي ظل الاحتلال الأمريكي حملة واسعة من التصفيات طاولت علماء ومفكرين وضباطا وعسكريين شاركوا في الحرب العراقية الإيرانية قبل ثلاثين عاما كان آخر من عرفنا عنهم اللواء سعد مجيد سبعاوي الذي اغتيل في منزله أمام أفراد عائلته في مدينة كركوك أواخر شهر يونيه الماضي، اي بعد انقضاء ثلاثين عاما على الحرب العراقية الإيرانية.
لا أعتقد أن سياسة تصفية معارضي نظام الملالي من العراقيين قد مرت بمرحلة هدوء، ولو أنها شهدت موجات صعود صارخة بين مرحلة وأخرى. خصوصا أن الشعب العراقي، في العمق يدرك خطورة التغلغل الإيراني تحت الشعارات والرايات الدينية، حيث كانت له، كلما استطاع التقاط أنفاسه وقفات صريحة ضد هذه التغلغل وفي مواجهة سيطرة المليشيات التابعة للحرس الثوري. ومن ابرز الوجوه التي طاولها الاغتيال سنة 2008 كان كامل الشياع، المستشار في وزارة الثقافة العراقية، والذي جاء تكرارا لعملية اغتيال الناقد والمفكر العراقي قاسم عبد الأمير عجام وكيل وزارة الثقافة العراقية وبنفس الأسلوب، حيث اعترضه مسلحون وهو في طريقه الى عمله. كان ذلك عام 2004. لقد اعتمدت الأذرع الأخطبوطية الإرهابية التابعة للحرس الثوري الإيراني في العراق أسلوب التصفية الجسدية بحق كل من يشهر سيف الكلمة في وجه الرجعية المتمثلة بنظام الملالي في طهران وتوابعه. وها هي طلقات الغدر الثلاثة عشرة تطاول الكاتب الروائي علاء المشذوب في كربلاء، بعد منشوره الذي تحدث فيه عن ثلاثة عشرة سنة أمضاها الخميني في العراق قبل أن يشن حربه عليه.
لقد أدرك العراقيون، وتحديدا في الجنوب، الآثار المدمرة للسيطرة الإيرانية عبر تلك المليشيات الطائفية على حياتهم وعلى أرزاقهم وعلى عراقهم. فكانت انتفاضة البصرة الأخيرة جزءا من حراكهم في مواجهة التدمير الممنهج لبلادهم ومقدراتها على يد عصابات الملالي وميليشياتهم الطائفية. وكان الرد الدموي من خلال موجة اغتيالات واسعة طاولت أعدادا من الناشطين الذين حركوا الشارع في محافظة البصرة، ومنهم الناشطة سعاد العلي.
خلاصة القول إن سياسة التصفيات الجسدية للكوادر والناشطين المعترضين على تمدد سيطرة نظام الولي الفقيه وأذرعه هي جزء من شخصية هذا النظام وصفة ملازمة له ولأدواته في المنطقة، وهي نهج متبع وثابت في سياسته التي يعتمدها لإخضاع الأوساط الاجتماعية التي يسيطر عليها والتي يخشى انفلاتها من سيطرته. وهنا قد نلتقي مع الدكتور باسل صالح في قوله المنوه به أعلاه.
من هنا، لا بد من التنبيه لمخاطر هذه السياسة في كل مكان تسرح فيه العصابات التابعة لقاسم سليماني من العراق الى اليمن الى لبنان وسوريا، وخصوصا المناطق التي أعيد إخضاعها في سوريا والتي باتت مسرحا لهذه العصابات. وننبه كل ناشط، ولو سابقا، أو معارض ولو سوّى وضعه مع النظام في سوريا، وكل من انحاز الى الثورة ولو أوقف كل نشاط له الآن، من خطورة هذه السياسات. فقد سبق أن قلنا إن ضباط الجيش العراقي السابق وطياريه الذين شاركوا في الحرب العراقية الإيرانية قبل أكثر من ثلاثين عاما لا يزالون عرضة للملاحقة والتصفيات رغم تقدمهم الكبير في السن.
وللناشطين العراقيين في البصرة وبغداد والناصرية والنجف وكربلاء وذي قار وديالى.. الذين نتمنى لهم السلامة، إن خطر التصفية يبقى قائما طالما وجدت عصابات قاسم سليماني في العراق. فليكن العمل كتوما والحذر دائما.