اليسار بين الواقع وبين العالم الافتراضي


وليد يوسف عطو
2019 / 2 / 8 - 16:58     

اليسار بين الواقع وبين العالم الافتراضي

يتحدث الباحث في الانثروبولوجيا الدكتور فالح مهدي في كتابه الجديد (مقالة في السفالة :نقد الحاضر العراقي )- ط1 – 2019 – اصدار :دار سطور للنشر والتوزيع – بغداد – شارع المتنبي ,عن تاسيس العراق كدولة ملكية بعد انهيار الامبراطورية العثمانية وفترة العهد الملكي وماتلاه من انقلابات عسكرية.

يؤكد الدكتور فالح مهدي ان الملكية ممثلة بالملك فيصل الاول قدمت خدمات جليلة للعراق ووضعته على عتبة التاريخ الحديث والحداثة .

(الموت المبكر والغامض لفيصل الاول في عام 1933 ,وموت ابنه الشاب غازي في حادث بسيارته ,ادى ان ينتقل الحكم الى ولي العهد عبد الاله ونوري السعيد ).وكما يقول د .فالح مهدي فقد افاد نوري السعيد العراق كثيرا .

يدين نوري السعيد بسلطته الى المستعمر البريطاني ,انما هذا لم يمنعه من انجاز عدد كبير من المشاريع العمرانية , اضافة الى تطور الثقافة والعلوم .لقد تخرج في فترة العهدالملكي ابرز رموز العلم والثقافة والفكر والفنون ممن تخرجوا من ارقى الجامعات الامريكية والاوربية .عن هذه الحقبة يقول د . فالح مهدي :

( لم يعرف العراق مثيلا لهم منذ اكثر من الف عام ).اما بعدالحرب العالمية الثانية فقد شهدت فترة الخمسينات من القرن العشرين سياسات الحرب الباردة بين القطبين ,الاشتراكي والراسمالي ,وفي خضم هذا الصراع تم اجهاض تجربة العراق الملكية لانها وقعت في اوج اتون الحرب الباردة .

ان التجربة الملكية مع كل عيوبها قدمت الكثير للعراق بشخص نوري السعيد ,انما لم تتمكن من الصمود امام رياح الصراعات , فسقط النظام الملكي بتاريخ 14 تموز 1958

ان السياسة كما يقول فالح مهدي هي فن الحوار والمساومات .ان النهاية الدموية لرموز العهد الملكي وابادتهم والتمثيل بجثة الامير عبد الاله ونوري السعيد من قبل الغوغاء تثبت ان المجتمع العراقي لازال يعيش فكريا طور البداوة ,بينما خرج ملك مصر معززا مكرما بعد انقلاب 23 يوليو – تموز 1952 واطلقت له المدفعية احدى وعشرين اطلاقة لتوديعه, حيث غادر مصر على ظهر اليخت الملكي ( المحروسة ).

يصل الباحث فالح مهدي الى استنتاج صائب ومنطقي بقوله :
( في تقديري يمثل العصر الجمهوري (1958 – 2003)البداية الفعلية للدمار الذي شهده العراق ولا زالت اثاره فاعلة .ففي هذه المرحلة اشتعلت النيران وهبت العواصف وانطلقت البراكين التي لم يستطع كائنا من يكون من اخمادها ).

اطلق عبد السلام عارف على شيعة العراق , وهم اكثرية السكان لقب ( الرافضة ), كما لم يطلق سراح معظم السجناء الشيوعيين بخلاف من كان سنيا منهم .لقد ساهم عبد السلام عارف في تاجيج الصراعات السياسية والطائفية وفي تدمير العراق .

استنتاجات :

لاينتبه اليساريون في العراق الى ان العالم تغير كثيرا , بما فيه النظام الراسمالي ,وان مجتمعات اوربا تمثل الاغلبية فيها الطبقة الوسطى وليس الطبقة العاملة المنتجة والتي لاوجود لها في العراق .في زمن الثورة الرقمية والروبوت وتقنية النانو اصبح بمقدور الطبيب الجراح الذي يسكن في دولة معينة ان يقوم بالاشراف على اجراء عملية جراحية من دولة اخرى عن طريق المساعدين والروبوتات وشاشات الكومبيوتر والذي يستطيع اعطاء تقرير كامل عن حالة المريض الصحية .
ان شعوبنا تعيش في عالم الاوهام والاساطير والعقل الرغبوي الارادوي المتخيل .هكذا هم اليساريون يتحدثون عن مشاريع ارادوية افتراضية ولا يتحدثون عن الواقع .

يتم اليوم اعادة تدوير وانتاج التخلف بطرق مختلفة واستخدام القبيلة والعشيرة والاحزاب الايديولوجية لانتاج هذا التخلف واعادة الصراعات الدموية الى الواجهة .لقد حل الروبوت والكومبيوتر محل العامل في سوق العمل ,وتحول العامل الى البطالة والى فئة المهمشين لان عصر الثورة الرقمية الغى الكثير من الوظائف . لقد تم اليوم تحييد التكنولوجيا واصبح الحوار بين الانسان والموبايل اكثر حميمية من الحوار بين الانسان والطبيعة ,او بين الفرد وافراد عائلته .

لقد تسبب التطور التكنولوجي في افقار فئات واسعة من المجتمعات وتحويل العبودية القديمة الى انماط جديدة من العبودية انتقلت العبودية الى اجهزة الهواتف النقالة والحواسيب واعادة تصنيع انسان وهمي على شبكات التواصل الاجتماعي مشبع بالاحلام والاوهام , يصنع مايشاء في عالم افتراضي .

من هنا اصبح مصطلح يسار – يمين لامعنى له لان الحركات جميعها تحولت الى ادوات بيد اطراف دولية واقليمية ,بهدف اعادة انتاج الاقصاء والعنف بدعوى دكتاتورية البروليتارية او حاكمية الله على الارض وغيرها ..ومثلما تم استبدال الديمقراطيةالغربية بديمقراطبية الحزبين , كذلك تم استبدال دكتاتورية البروليتارية بمفهوم المحاصصة والديمقراطية القشرية .

وهكذا يكون للغوغاء في العراق دور في اعادة انتاج العنف والتخلف!