كلمة حول الضجيج الاخير ب-اخراج المحتل-!


فارس محمود
2019 / 2 / 3 - 23:15     

يتعالى الضجيج اليوم حول "وجوب اخراج المحتل"، "انهاء الاحتلال"، "انهاء المساس بالارض العراقية"، "اخلاء امريكا لقواتها من العراق"، "سيادة العراق المقدسة"، "العرض والارض"، وتجمع التواقيع والامضاءات مسعى محموم داخل مجلس النواب الطفيلي من اجل "طرد قوات الاحتلال الامريكي"، ويرافق كل ذلك تحركات سياسية واسعة لقوى سياسية مليشياتية وطائفية معروفة ومحددة الهوية والاهداف، وحملات دعائية واعلامية وسياسية تصم الاذان لقوى كثيرة تتباكى على "تدنيس الحقوق العراقية". ومن المؤكد ان يكون يوم مثل هذا هو "يوم المليشيات"، اذ ان ايام قرع طبول الحروب واراقة الدماء هو عيد "تجار الحروب"، اذ تسابق قادتها ومسؤوليها المخضبة اياديهم بدماء الابرياء والتحررين من العراقيين قبل "الامريكان"، واخرهم الروائي علاء المشذوب، بالتهديد والوعيد واطلاق الصيحات "العنترية" المعروفين بها.
لقد انطلقت شرارة هذا الضجيج والحملة او تحت مبرر وحجة زيارة الرئيس الامريكي للقوات الامريكية في العراق عشية اعياد الميلاد وراس السنة دون "علم" او "اذن" من مايسمى بـ"الحكومة العراقية"! او التحركات العسكرية الامريكية في بعض المدن والمناطق وزيارة ضباط شارع المتنبي المكتظ وغيرها.
لقد وقف دعاة الحرية والمساواة في العراق والعالم ضد امريكا واحتلالها للعراق. وقفوا ضد حرب الخليج الاولى، الحصار الغاشم، وضد الحرب الخليج الثانية، وقلنا ان حرب امريكا على العراق واحتلاله، سيجلبان مصائب لايمكن عدها وحسبانها. وقد اكدنا بعدها على ان المسؤول الاول عن الوضعية الكارثية التي سيمر بها المجتمع، ومر، من حروب راح ضحيتها الملايين، من اعمال القتل الطائفية والقتل على الهوية، من انفلات امني واجتماعي، من انهيار المجتمع وبناه الاقتصادية والاجتماعية، من دمار روحي ومعنوي، من انفلات اشد الاحاسيس الرجعية القومية والدينية والطائفية والعشائرية، من معاداة المراة وتردي مكانتها، من فساد ونهب لثروات المجتمع، من استئساد المليشيات، من جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات الاقليمية والعالمية، من حرمان وجوع وفقر وبطالة و... عشرات المصائب الاخرى... هي امريكا وحربها واحتلالها. وقلنا ان "العراق الجديد" هو كذبة، وان "اعادة مصير قيادة المجتمع بيد ابنائه" هو كذبة وكذبة وقحة، وان المجتمع "سينعم بالحرية والرفاه" هو اكبر واحط كذبة. فيما كان يتسابق "دعاة طرد امريكا" اليوم ومن اتوا يلهثون وراء دباباتها وبخيرات مؤتمر لندن للمعارضة البرجوازية العراقية على الصاق التهم تلو التهم بنا: "بعثيين"!، "جماعة صدام"!، "يمولهم صدام"! والخ من اتهامات سمجة ومنحطة وعديمة القيمة!
وقفوا مع حرب واحتلال امريكا وطبلوا وهللوا لهما من اجل مصالحهم، من اجل ان ياتوا للسلطة والحكم وينعموا بثروات المجتمع حتى ان "كلفهم ذلك" ان يستحموا يوميا بدماء الاف من الابرياء! وها هم اليوم يتعالى صراخهم بـ"طرد القوات الامريكية" من اجل مصالحهم الضيقة كذلك. وان مصلحة الجماهير، عشرات الملايين الناشدة للحرية والرفاه والمساواة والامان بكافة اشكاله، الناشدة للعيش في عالم قرن (21) هي من داسوا عليها في كلا الحالتين. انهم يكذبون دوما، ببساطة لان لا "مقدسات" لهم سوى مصالحهم المقيتة!
ان الصراخ والضجيج المتعالي اليوم لايمت بصلة بمصلحة الاغلبية الساحقة للمجتمع. انه ذا ربط بولي نعمتهم، نظام الجمهورية الاسلامية في ايران. انه حملة دفاعية عن ولي النعمة هذا بوجه خصمه، حكومة ترامب الموغلة باليمينية، التي بدا عملها في البيت الابيض اولا بالغاء الاتفاق النووي مع ايران، وتصعيد الهجمة بوجهها. انه ليس ضجيجاً بوجوب ان لايتحول المجتمع المنكوب بالف مصيبة ومصيبة الى ساحة للصراع المتعاظم بين القوى العالمية والاقليمية، بل انه ضجيج تحويل العراق الى ملحق لطرف في هذا الصراع. انه ضجيج الالتحاق بمعسكر، بولي نعمة. والا ان كانوا صادقين في "عدم تدنيس ارض العراق"، عليهم ان يتحدثوا بفم مليان "لا لايران في العراق"، "لا لامريكا في العراق"، لا للسعودية، لا لتركيا ولا لاي احد! ان من يتحدث بصورة احادية الجانب، لديه مصلحة مع الجانب الاخر. ان تهدد وترعد وتزبد بوجه امريكا وتتغافل عن الطرف الاخر، يعني سواء شئت ام ابيت انك تخندقت في طرف ضد ظرف، انك غدوت طرف في الصراع بين هذه القوى العالمية والاقليمية، طرف في صراع المحاور. وان اطراف هذه المحاور هي ليست باقل اجرام تجاه "ابناءها"!
ان الاصطفاف في احد جبهتي الصراع هو اعلان اشتراك في هذه الحرب، حرب هذه القوى من اجل مصالح برجوازية بلدانها، صراع من اجل التنافس والهيمنة واعادة تقسيم الثروات والهيمنة على العالم. ان البرجوازية الايرانية التوسعية تتعقب مصالحها من هذه الحروب في المنطقة، وهذا ما تقوم به امريكا، والسعودية وقطر، وتركيا و ...الخ كذلك. كلهم على استعداد لجعل عشرات الملايين من المجتمعات في المنطقة ذخيرة ووقود حربهم الرجعية. ان الضجيج الراهن هو ضجيج الالتحاق بهذه الاصطفافات وهذه الحروب.
ان ثمة كذبة هنا يسعون لان تنطلي على عمال وكادحي ومحرومي العراق هو ان الامر متعلق بـ"العراق" و"ارض العراق" و"عرض العراق" و"احترام العراق"! هذا الاحترام الذي تراه الملايين على شكل الف اذلال واذلال يومي، من القتل، من مصادرة الحريات والحقوق، من الجوع والفقر المدقع، من خلو الجيب من اجرة حافلة!
ان ماتنشده جماهير العراق، واحد مطاليبها الرئيسية لاسترداد الامان، هو خروج مجمل القوات الاجنبية من العراق، وانهاء مجمل اشكال التدخل العالمي والاقليمي في العراق، وتفكيك وحل وسحب اسلحة جميع المليشيات واشاعة الحريات السياسية وحق النشاط السياسي لجميع الافراد والجماعات...