من أجل جبهة واسعة للتخلص من المخزن والنيولبرالية


عبد الله الحريف
2019 / 1 / 29 - 01:07     



لا تنمية اجتماعية ولا ديمقراطية حقيقيتين بدون تحرر وطني من هيمنة الامبريالية الغربية ومؤسساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية ومن الكتلة الطبقية السائدة المكونة من ملاكي الأراضي الكبار والبرجوازية الوكيلة للشركات المتعددة الاستيطان والنظام المخزني الساهر على مصالح الامبريالية والكتلة الطبقية السائدة. واهم من يظن أن الامبريالية الغربية، خاصة في ظل تعمق أزمتها البنيوية، حليفة لنضال الشعوب من أجل الديمقراطية. فحتى في دول المركز الرأسمالي التي تتغنى بكونها ديمقراطيات عريقة، نشهد صعود اليمين المتطرف، بل الفاشية، الذي ليس سوى الوجه الآخر للديمقراطية البرجوازية، دكتاتورية الشركات المتعددة الاستيطان. . والتاريخ الأسود للامبريالية الغربية في المستعمرات ودعمها أبشع الدكتاتوريات التي غالبا ما لعبت دورا كبيرا في إنشائها واضح في هذا المجال. أسطع مثال على ذلك النظام السعودي القروسطي. كما أن نهبها الجشع لدول العالم الثالث واستغلالها المكثف لعماله وعاملاته يبينان “التنمية الاجتماعية” التي تطبقها الامبريالية في هذه الدول.
إن التحرر الوطني يتطلب تجميع كل الطبقات التي في مصلحتها إقامة ديمقراطية وتنمية اجتماعية حقيقيتين وهي الطبقة العاملة وعموم الكادحين، في المدن والبوادي، وأغلبية الطبقات الوسطى، وذلك في إطار ما يسميه النهج الديمقراطي جبهة الطبقات الشعبية. وإذا كانت الطبقات الوسطى تتوفر على ممثليها السياسيين، فإن الطبقة العاملة وعموم الكادحين لا يتوفرون على الحزب الذي يمثل مصالحهم. ويعمل النهج الديمقراطي على بناء هذا الحزب.
إن مآل ثورات الربيع العربي تؤكد هذا الطرح. ففي الدول التي استطاعت الإطاحة برموز النظام القائم، مكن غياب جبهة الطبقات الشعبية وحزب الطبقة العاملة وكافة الكادحين الامبريالية الغربية وعملائها المحليين من إجهاض الثورة، على الأقل، مؤقتا.
إن بناء جبهة الطبقات الشعبية سيتم خلال سيرورة طويلة نسبيا وكتتويج للنضال المشترك لمختلف الطبقات الشعبية ولبناء جبهات تكتيكية تستهدف عزل والتخلص من العدو الأكثر شراسة، في كل مرحلة، والذي يشكل العرقلة الأساسية نحو تقدم، ولو نسبي، في بناء الديمقراطية والإجابة، على الأقل، على المطالب الملحة والحيوية للشعب المغربي. يعتبر النهج الديمقراطي أن هذا العدو هو المخزن، وخاصة نواته الصلبة المافيا المخزنية(1).
إن الجبهة التكتيكية المنشودة هي الجبهة التي تضم كل المتضررين من المخزن، أيا كانت مواقعهم الطبقية ومرجعياتهم الفكرية.
إن كل الطبقات والفئات والشرائح الشعبية المتضررة من سياسات النظام الاجتماعية والاقتصادية تخوض النضال من أجل مطالبها، الاقتصادية والاجتماعية في الغالب. إن هذا النضال هو، في مجمله، نضال ضد انعكاسات السياسات النيولبرالية المطبقة.
ويأتي تنامي الحراك الاجتماعي كاستمرار لحركة 20 فبراير معبرا على الاستعدادات النضالية الهائلة للشعب المغربي وعن تطور هام لوعيه بأصدقائه وأعدائه وبأهمية التنظيم والوحدة. لكن بسبب السمعة السيئة لجل الأحزاب والنقابات والجمعيات والنظرة السلبية الشائعة وسط الشعب والعديد من المناضلين(ات) للسياسة، هناك نفور من العمل السياسي، فأحرى الحزبي. كما أن ذلك نابع من الاعتقاد بأنه، بقدر ما تبتعد هذه الحركات عن طرح المطالب السياسية، بقدر ما ستستطيع تحقيق ملفها المطلبي ذي الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحقوقي. إن من السديد أن تنطلق الحراكات الحالية من المشاكل الملموسة للجماهير وأن تسعى إلى انتزاع ما يمكن انتزاعه لأن ذلك سيقوي ثقة الجماهير في قدرتها على تحقيق بعض المكاسب ويحمسها للاستمرار في النضال. لكن يجب الوعي أن هامش النظام لتلبية المطالب الاجتماعية، بالخصوص، ضيق جدا نظرا لطبيعته الطبقية وللأزمة العميقة للرأسمالية التبعية في بلادنا. لذلك، سيصطدم نضال الشعب المغربي بعجز الدولة على تلبية هذه المطالب الاجتماعية ومناوراتها لإجهاض النضالات وصولا إلى قمعها. هكذا ستكتشف الجماهير، من خلال تجربتها النضالية الملموسة، أن تحقيق مطالبها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحقوقية العادلة والمشروعة يتطلب تغييرا سياسيا وان نضالها من أجل مطالب اجتماعية، بعضها خاص بهذه المنطقة أو تلك، هو نضال موحد في العمق لأنه يواجه نفس العدو وسياساته النيولبرالية.
إن القوى الديمقراطية والحية تتحمل مسئولية تاريخية في إيجاد تمفصل سديد بينها وبين الحراك الاجتماعي. هذا التمفصل هو الذي سيعطي العمق الجماهيري للجبهة الواسعة من أجل التخلص من المخزن.
وقد يتم ذلك من خلال بناء أوسع جبهة من أجل التخلص من المخزن والسياسات النيولبرالية.
مما يستوجب بلورة برنامج يحدد، على المستوى السياسي، المهام الضرورية للتخلص من المخزن والبديل الديمقراطي، وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي، المهام الضرورية للتخلص من السياسات النيولبرالية وتلبية المطالب المستعجلة والحيوية للشعب المغربي. الشيء الذي يتطلب من للقوى الحية:
°تنظيم نقاش عمومي جدي تشارك فيه كل القوى المناهضة للمخزن وللسياسات النيولبرالية ويهدف إلى بلورة البرنامج المشار إليه أعلاه.
°وضع التناقضات الثانوية جانبا والتشبع بالروح الوحدوية ونبد الإقصاء والاشتراطات في النضال المشترك.
°التركيز على النضال الوحدوي والانخراط في كل حراك اجتماعي أو غيره وإسناده بكل الوسائل الممكنة.
°دعم صمود معتقلي النضالات الشعبية وعائلاتهم والنضال من أجل إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين وكل المعتقلين السياسيين والنقابيين.
°الصراع ضد نزعة نبذ التنظيمات السياسية والنقابية والجمعوية المناضلة وضد اعتبار انخراط القوى الحية في الحركات الشعبية محاولة للركوب عليها وضد اليسراوية( طرح الشعارات والأهداف الثورية دون تحديد كيفية تحقيقها في الواقع الملموس: الإستراتيجية الثورية والتكتيكات والتحالفات) واليمينية( القبول بالوضع القائم أو الترويج لإمكانية إصلاحه من خلال العمل في مؤسساته التمثيلية) والفوضوية والنزعات الهوياتية الانعزالية المتطرفة.
°تفادي السقوط في النزعة الأبوية والأستاذية التي تؤدي إلى انتشار الإتكالية والإنتظارية والسلبية وسط الجماهير وبروز وتفشي الزعامية وسط طلائعها.
°ولأن هذه الحركات مدرسة تتعلم فيها الجماهير أخد مصيرها بيدها وقيادة معاركها، يجب تجنب النيابة عنها أو تعويضها في النضال.
°كما يجب التصدي لمفهوم الاستقلالية المطلقة للحركات الشعبية الذي يسعى عمدا إلى حجب واقع هذه التنظيمات المخترقة بالصراع بين توجهات تعبر عن مصالح طبقية مختلفة بل متناقضة في العديد من الأحيان. فالاستقلالية تهم المجال الخاص لكل حركة الذي يجب احترامه. أما التوجه السائد في هذا التنظيم الذاتي أو ذاك، فإنه ميدان ورهان للصراع.
°ويجب أيضا تلافي السقوط في نظرة تقديسية لهذه الحركات: فهي، لكونها تعيش في مجتمع تسود فيه الأفكار والممارسات المتخلفة، قد تعيد إنتاج هذه الأفكار والممارسات داخلها( الانتهازية، الوصولية، الزعامية، الإتكالية، الإنابة، الانتظارية، الأوهام…). فالصراع إذن لا يقتصر على القوى التي تريد الفعل فيها من الخارج، بل أيضا ضد الانحرافات الداخلية التي تتهددها.
°السعي إلى أن تتوفر هذه الحركات على مطالب واضحة وخطط دقيقة لتحقيقها وأن تأخذ بعين الاعتبار ميزان القوة الحاصل عندما تخوض معركة ما وأن تحسب احتمالات النجاح والفشل. وأن تتوفر على تصور للمستقبل سواء في حالة الفشل، وما هو المعمول حينها لتنظيم التراجع وتقليل الخسائر استعدادا لجولة قادمة، أو في حالة النجاح، كيف البناء على النتائج للانتقال إلى مرحلة أعلى من المطالب والنضال.
°الاستفادة من تجارب الشعوب، وخاصة في أمريكا اللاتينية، في مجال العلاقة بين الحركات الاجتماعية والشعبية والقوى السياسية.

(1)المخزن نظام يرتكز إلى الحكم الفردي المطلق ويرفض أية تعددية سياسية حقيقية لأنه لا يقبل بتواجد أية مشاريع سياسية خارج مشاريعه، نظام يشجع الانتهازية يعتمد على إفساد النخب واستقطابها لإدماجها في نظامه الإداري والسياسي، ويعتبر أية معارضة حقيقية مثارا للفتنة ويوظف الإدارة للقهر والتركيع، ويستخدم الأعيان لبسط سيطرته ونفوذه و لمواجهة خصومه وأعداءه السياسيين، نظام يؤثث المشهد السياسي بلعبة سياسية يتحكم فيها، نظام لديمقراطية الواجهة وديمقراطية الأسياد، نظام أغلق الحقل السياسي، نظام يهين كرامة الإنسان ويلغي حريته.
أما نواته الصلبة المافيا المخزنية- والتي تتشكل من كبار المسئولين الأمنيين والعسكريين والقضائيين والإداريين والسياسيين والدينيين ورجال الأعمال وكبار مقاولي “المجتمع المدني” الرسمي وبعض كبار المسئولين النقابيين وغيرهم…- ممن لهم نفوذ وسلطة، فتتحكم في جزء هام من الاقتصاد الوطني بواسطة مختلف أنواع الرشوة والاختلاس والريع والاحتكار والممارسات ذات الطابع المافيوي.