وقائع بلا ضفاف: رؤية لبعض أحداث ثورة أكتوبر الاشتراكية (الجزء الثالث)


جودت شاكر محمود
2019 / 1 / 25 - 19:13     

في البدء، لنقف أمام ما يقوله الرئيس روزفلت: " في جميع الأوقات، والآن أكثر من أي وقت مضى، العالم يحكمه في المقام الأول الجمعيات السرية". "في السياسة، لا يحدث شيء عن طريق الصدفة. إذا حدث شيء ما، فقد تم تصميمه". هذا ما يقوله رئيس الدولة التي تقف وراء معظم الأحداث العالمية.
ولكن، بالعودة إلى ما جرى من أحداث في روسيا في أوائل القرن العشرين يشير الباحثون اليوم إلى أن هناك ثلاث روايات رئيسية: (1) المؤامرة العالمية التي تقوم بها أيدي الماسونية الروسية. (2) مؤامرة الجنرالات، ليست موجهة ضد الاستبداد، ولكن ضد نيكولاس الثاني شخصيا. (3) مؤامرة رأس المال الأجنبي على أمل انهيار روسيا والوصول إلى أعماقها.
أذن ما الذي حدث بالفعل؟ وما مدى قوة تأثير الأفكار الماسونية على إيديولوجية الدولة الاشتراكية الأولى في العالم؟
لو عدنا بالتاريخ إلى (14) ديسمبر عام 1825، تاريخ قيام ثورة في الإمبراطورية الروسية(ثورة الديسمبريين)التي كان أغلب أعضاءها من الماسونين. مما يوضح الدور الذي كانت تقوم به تلك المنظمة في الأحداث القائمة في روسيا القيصرية. مما أضطر الدولة على أثرها حظر أنشطة الماسونية. علما بأن هناك محاولات أخرى من أباطرة روس بحظر أنشطة الماسونية.
هناك العديد من النظريات التي نشرتها الصحف حول دور يزعم لعبته الماسونية في الثورة الفرنسية عام(1799-1789)، وكذلك مع انتشار الإيديولوجية الشيوعية والثورة الروسية في عام1917. وبما أن السرية هي واحدة من الخصائص التي تغلف تلك الأحداث، فإنه من الصعب تأكيد هذا الأمر أو نفيه. على أية حال، فإن بعض رواد الثورة السوفيتية كانوا أعضاء في واحد أو أكثر من المحافل الماسونية، أو كانوا على صلة وثيقة بهم. من بين هؤلاء كان(Lev Bronstein) أو (Leon Trotsky).
• فهل كان (Trotsky) ماسونيا؟
تبدأ الرواية من يناير1881، حينما ألقت الشرطة الملكية القبض على أعضاء منظمة "نقابة عمال روسيا الجنوبية" السرية. وكان من بينهم الشاب الثوري ليف بروبنشتاين(Lev Bronstein)، الذي سيعترف به العالم بعد ذلك على أنه (Trotsky).
في سجن أوديسا، قضى (Bronstein) عامين كاملين. وفي السجن أصبح مهتما بالماسونية، وقراءة المؤلفات الخاصة التي تم تسليمها له من قبل أقاربه وأصدقائه. ونتيجة لذلك، توصل(Trotsky) إلى استنتاج مفاده أن البنائين هم رواد جميع الثورات. وإنهم، هم الذين أنشأوا منظمات صغيرة لكنها فعالة للغاية، وبفضل تمرسهم بأساليب المؤامرة، لم يكن بإمكان البنائين أن يكونوا متاحين للنظام القائم منذ فترة طويلة. في الأعمال المكرسة عن الماسونية، يقال إن قادة هذه المنظمات الغامضة، والذين يطلق عليهم بالأسياد، حوّلوا أتباعهم إلى دمى.
يكتب(Trotsky) في مذكراته داخل سجن (أوديسا): "في هذه الفترة بالذات، كنت مهتما بمسألة الماسونية. قرأت لعدة أشهر كتبا عن تاريخ الماسونية، تم تسليمها لي من قبل أقارب وأصدقاء من المدينة".
لطالما كان زعيم الثورة البلشفية، (تروتسكي)، مفتونا بدراسة الجمعيات الماسونية. لقد كتب ملاحظات ضخمة للغاية حول تاريخ هذا الاتجاه السياسي، والذي، للأسف، لم يتم الحفاظ عليه. على هذا الأساس، يتحدث بعض العلماء في الوقت الحالي عن عضوية تروتسكي في الماسونية، على الرغم من عدم وجود أدلة موثقة تدلل على ذلك. ومع ذلك، فإن اهتمام الزعيم الشيوعي بالتصوف(الباطنية) الماسوني يدل على ذلك.
يعتقد الكثير من الناس اليوم أن (Trotsky) لم يقتصر على دراسة الماسونية، لكنه، انضم لاحقا إلى أحد فروعها. تتيح الدراسات حول الوثائق التاريخية القول بأن (Trotsky) هو الذي أصبح بونابرت الأحمر الغامض.
من المعروف عنL. D. Bronstein) ) أو (Trotsky) أنه خلال فترة هجرته إلى أوروبا، زار لمدة ستة أشهر المحفل "Mizraim-Memphis" والمحفل "Art and Labor ". وفي يناير1917، وانضم(Trotsky)، في نيويورك، إلى المنظمة الصهيونية-الماسونية، (B nai-Brit)، وهذا هو السبب في أنه سرعان ما تلقى الأموال من(Jacob Schiff)(9) والبنك الاحتياطي الفيدرالي من أجل الثورة.
في عام (1916)، تم انتخاب (Jacob Schiff)، رئيس بنك (Khun Loeb & Co. Bank)، رئيسا للحركة الصهيونية الثورية في روسيا في اجتماع B NEU BRIT" في نيويورك. في13 يناير(1917)، وصل اليهودي(Leon Trotsky) (Bronstein سابقا) إلى الولايات المتحدة وحصل على جواز سفر أمريكي. وقد شوهد بالصدفة عندما دخل قصر(Jacob Schiff).
كان عداء(Schiff) لروسيا بسبب معاداتها للسامية. كذلك لم يبد (Schiff) أي تعاطف مع الاشتراكية، فعندما استولى البلاشفة على السلطة لأنفسهم في أكتوبر(1917)، عارضها (Schiff) فورا، وقطع القروض عنها، وبدأ بتمويل الجماعات المناهضة للبلاشفة، بل وطالب بأن يقوم البلاشفة بتسديد بعض المال التي أقرضها لكيرينسكي. أنضم (Schiff) أيضا إلى الجهود المدعومة من بريطانيا لمناشدة اليهود في روسيا لمواصلة القتال ضد ألمانيا. وهذا يتعارض مع كل ما قيل عن علاقة (تروتسكي) بالماسونية أو بالتمويل اليهودي الأمريكي.
في 27 مارس 1917، غادر (Trotsky) أمريكا، التي أقام فيها خلال هجرته، على متن سفينة نرويجية متجهة إلى روسيا الثورية. كان (Trotsky)على متن السفينة وهو يحمل جواز السفر الأمريكي. ركب السفينة في وقت واحد مع المليونير (تشارلز كرين) (Charles Crane). ومن المعروف على وجه اليقين أن قطب المالي، وهو داعم ورئيس سابق للجنة المالية للحزب الديمقراطي، ونائب رئيس شركة كرين، الذي كان له تأثير على الرئيس (Thomas Woodrow Wilson) والعديد من أعضاء مجلس الشيوخ كان يسمى الكاردينال الأمريكي الرمادي، كان قائد أحد أكثر المحافل الماسونية تأثيرا في العالم. ووفقاً للسفير السابق إلى ألمانيا (William Dodd)، فإن (Crane) "فعل الكثير من أجل التحضير لثورة (Kerensky) التي أفسحت الطريق أمام الشيوعية".
وإذا كان السبب وراء توجيه (Trotsky) برجله نحو روسيا يمكن فهمه، لكن ذهابه في هذه السفرة مع(كرين) شيء ليس مفهوم. ومع ذلك، إذا اتبعنا مسار هذه السفينة البخارية النرويجية إلى ميناء(Halifax)، فسيصبح كل شيء واضحا. ففي الطريق يتم اعتقال(Trotsky) على الباخرة التي استأجرها(Jacob Schiff) في(3) ابريل عام(1917) من قبل الخدمات الحكومية الكندية في(Halifax, Nova Scotia)(10). ولكن سرعان ما جاء إليه (Reilly) في السجن وهو ملازم في(MI6) ووكيل المخابرات الأجنبية البريطانية، وسرعان ما أخرج المهاجر الروسي من السجن، ولديه أيضا مبلغ ضخم، في جيبه، يقدر هذا المبلغ بعشرة آلاف دولار. لأن المدعو (Jacob Schiff) بذل كل جهوده واستخدم كل نفوذ أصدقائه المستنيرين في حكومات الولايات المتحدة وإنجلترا حتى تستمر هذه الرحلة دون تأخير.
وبالتالي، يمكن أن نشير إلى التسلسل التالي للأحداث: فقد سافر(Trotsky) من نيويورك إلى (Petrograd) على جواز سفر قدم له بناءً على تدخل(Woodrow Wilson)، مع نية معلنة "للمضي قدما" في الثورة. كانت الحكومة البريطانية المصدر المباشر لإطلاق(Trotsky) من الحجز الكندي في أبريل عام 1917، ولكن ربما كانت هناك "ضغوط". كذلك فأن (Lincoln Stevens)، وهو شيوعي أمريكي، عمل كحلقة وصل بين (Woodrow Wilson) و(Charles R. Crane) وبين(Crane) و(Trotsky).
عند إطلاق سراح (Trotsky)، سأل المصرفي الأمريكي (Reilly) بأنه بحاجة إلى إرسال (Lev Davidovich) أي(Trotsky) إلى روسيا دون أي مشاكل.
واليوم، لا يعرف سوى عدد قليل من الناس أن الثورة لم تكن في الواقع من صنع لينين وحده، بل كان معه(Trotsky)، الذي كان، بصفته رئيس سوفيت (Petrograd)، يقود الناس والحرس الأحمر في شوارع (Petrograd). وهنا لابد من القول إنه بحلول ذلك الوقت كان (Leon Trotsky) مستعدا بشكل جيد لتنفيذ مهمته. كما بدا تأثيره في حشد الآلاف من الناس وبلا حدود. كان الناس متحمسين لطاقته الخطابية، وكانوا مستعدين للذهاب معه حتى الموت.
كان (Lev Davidovich) خطيبا جيدا، ولكن وفقا لرفاقه، بأنه، وبعد عودته من الولايات المتحدة، وصلت قدرته في التأثير على الآخرين إلى ارتفاع غير مسبوق. فهل من الممكن أن يكون المعلمون في الخارج قد علموه وبشكل خاص شيئا فعالا. على سبيل المثال، في سلوك (Trotsky)، وبطريقة غريبة، بدأت تظهر العديد من السمات المتأصلة في طقوس الكهنة من مصر القديمة. فقد فعل كل شيء بالطريقة التي صورت بها في اللوحات الجدارية في الحضارة المصرية: على سبيل المثال، يلوح بيديه وهي مفتوحة. حيث كان يعتقد كهنة بلد الأهرامات أن هذه الإيماءات تساعد المتكلم على الشحن بالطاقة عن طريق السماء للسيطرة على الناس.
وحينما كان(Lev Davidovich) في أمريكا فقد نمت له لحية على شكل مخروطي الشكل. مثيرة للاهتمام، فقد كانوا المصريين القدماء يعتقدون أن لحية صغيرة قد وهبت فرعون قوة سحرية. في السابع عشر من تشرين الأول (أكتوبر)، كانت السلطة المؤقتة بين أيدي البلاشفة. كان وقت الحكام الجدد قصيرا، الوضع غير مستقر. ثم بدأ الأسوأ: وهو النضال من أجل ملايين العقول.
بعد دراسة شاملة للأعمال الماسونية، عرف(Trotsky) أن السلطة الحقيقية ليست في أيدي السياسيين والجيش. إنها بين أيدي الكهنة، حكام الأفكار، أسياد الدين الجديد. ولكي يؤمن الناس بذلك، كان من الضروري إنهاء النظام القديم. كما أنه كان ماهرا في الألعاب المزدوجة.
كان (Trotsky)، على الأرجح، الشخصية الأكثر غموضا في الثورات الروسية. فلم يقف عند الاتهام بالماسونية، وإنما، فقد اتهم بالعمالة لبعض الدول، ومن أطراف عدة. على الرغم من أنه ليس هناك أدلة موضوعية موثقة تدل على هذا الشيء. في المرة الأولى، اتهمت دائرة مكافحة التجسس البريطانية (Trotsky) بالتجسس لصالح الألمان. وكانت هذه ذريعة رسمية لاعتقاله في ميناء(Halifax) الكندي، عندما كان (Lev Davidovich) عائدا إلى روسيا من الولايات المتحدة بعد ثورة فبراير. البريطانيون، حقيقة، خافوا من النشاط السياسي لـ(Trotsky)، الذي يهدف إلى إنهاء الحرب وإبرام سلام منفصل مع ألمانيا.
تم التقاط هذا الاتهام بسهولة في روسيا. مع بداية الحرب في الإمبراطورية، أخذ التجسس مقياس لهستيريا جماعية. الاشتباه بأي شخص وبكل شيء. ومنشأ ذلك دوائر مكافحة التجسس، والتي تشكلت من ضباط الدرك الذين تم حشدهم للخدمة العسكرية.
هؤلاء الضباط طوال حياتهم شاركوا في التحقيقات السياسية، ولم يعرفوا كيفية اصطياد الجواسيس. لكنهم لا يريدون الذهاب إلى خنادق الموت في جبهات الحرب. لذلك ، خلقوا المظهر العاصف لنشاطهم. وبعد ثورة شباط/ فبراير، عندما بدأت الأحزاب السياسية صراعا على السلطة، أصبح الاتهام بالتجسس للخصوم أمرا شائعا.
أيضا، أحد أسباب ظهور الأساطير حول تجسس البلاشفة بشكل عام و(Trotsky) بشكل خاص لصالح الألمان هو دعوتهم لإبرام سلام منفصل مع ألمانيا. ولكن، أولا، احتياج البلاشفة للعالم ليس أقل من الألمان. وثانيا، لم يكن اقتراح سلام منفصل بعيدا عن تفكيرهم.
في أول الأمر، قدم (Alexander Ivanovich Guchkov)، وزير الجيش والبحرية في الحكومة المؤقتة الأولى اقتراحا للمفاوضات مع الألمان. لكن(Trotsky) كان معارضا للسلام في (Brest-Litovsk)، الذي أصبح فيما بعد سبب استقالته من منصب مفوض الشعب للشؤون الخارجية.
كما تجدر الإشارة إلى أنه في عام1922، وفي مؤتمر الكومنترن عارض(Trotsky) الماسونية، بحجة أنها تصرف العمال عن الصراع الطبقي. وبذلك اعتبر الماسونية ظاهرة سلبية، ضارة بالنضال الطبقي.
كذلك فأن إن الاتهام بالتجسس لصالح فرنسا أو المملكة المتحدة يبدو سخيفا تماما. حيث تم طرد(Lev Davidovich) من فرنسا للدعاية المناهضة للحرب، وحاولت السلطات البريطانية سجنه. ورواية التجسس لصالح الولايات المتحدة تبدو مثيرة للغاية. لأن الولايات المتحدة في عام 1917 ببساطة لم يكن لديها استخباراتها الخاصة.
أما الدعاوى قيام (Trotsky) بالتخطيط للتمرد بهدف الاستيلاء على السلطة. فأن(Trotsky) لم يكن بحاجة إلى تمرد. بعد ثورة أكتوبر، عرض(لينين) عليه رئاسة مجلس مفوضي الشعب. وقد رفض(Lev Davidovich). وذلك لطبيعته المتغطرسة التي تتطلب العمل. فقد كان يحب دائما التعامل مع المهام الصعبة. في الواقع، فقد تم تنظيم الثورة وتنفيذها بشكل حصري من قبل (Trotsky). ثم تولى تنظيم الجيش الأحمر. كما كان يعمل في مجال المخابرات الأجنبية.
في عام(1923)، عرض(لينين) مرة أخرى على (Trotsky) الترشح لمنصب رئاسة البلاد. ورفض (Trotsky) مرة أخرى. حتى بعد وفاة لينين، كان بإمكان (Trotsky) اعتقال وإسقاط المجموعة الستالينية. التي لم تكن تتمتع بشعبية أو نفوذ. على العكس، كان(Trotsky) يتمتع بالسلطة في البلاد وفي الحزب. لكن، من المرجح أن رواية "مؤامرة تروتسكي" تمت صياغتها من قبل(ستالين) لتكون ذريعة للقمع السياسي.
أما حين نتكلم عن التروتسكية. في الواقع، لم يكن هناك أي "تروتسكية" "Trotskyism" كحركة سياسية على الإطلاق. ويشير بعض الباحثين إلى كونها أسطورة، فلم يكن لـ(Lev Davidovich) برنامجه الأصلي، ولا فصيله السياسي. وعبارة "التروتسكية" في أوقات مختلفة تعني ضمنيا "قناعات" معينة.
وعند العودة لهذا المصطلح، فأن أول مرة، استخدم مصطلح "التروتسكية" من قبل زعيم حزب (cadets)، (Pavel Nikolayevich Milyukov)، في مقالة استعراضية مكرسة للثورة الروسية عام 1905. في ذلك الوقت كانت هناك مناقشات ساخنة بين (لينين) و(Trotsky). اعتقد (لينين) أن الثورة الاشتراكية ممكنة فقط في دولة رأسمالية متطورة. في حين أشار (Trotsky) إلى أنه في روسيا الزراعية لا توجد طبقة عاملة ولا برجوازية بالقدر الكافي لبناء الرأسمالية المتقدمة. وهكذا يجب أن تحدث الثورة الاشتراكية في روسيا الفلاحية الملكية، متخطية مرحلة الثورة البرجوازية.
ولكن أظهر الزمن، كلاهما قد أخطأ، وفي الوقت نفسه كلاهما كانا على حق. رغم ذلك، حدثت الثورة البرجوازية في روسيا. لكنها لم يكن لها تأثير كبير على تطور الطبقة العاملة. لكن التروتسكية ظلت نظرية جميلة.
في وقت لاحق استخدم هذا المصطلح من قبل الستالينيين كأداة في الصراع من أجل السلطة. ومن خلال جهودهم، تحولت عبارة "التروتسكية" إلى اتهام عالمي للخصوم السياسيين.
في خارج روسيا، يطلق "التروتسكيون" على أنفسهم أتباع الأممية الرابعة، التي نظمها تروتسكي في عام (1938) في باريس. وأن وجهات نظرهم السياسية تعني الماركسية "الصرفة". والتي على النقيض من تفسير ماركس من قبل(ستالين) و(ماو تسي تونغ).
وعلى الرغم من كل ذلك لا توجد أدلة موثقة على عضوية (Trotsky) في الماسونية، أو بأنه كان جاسوسا لأي طرف كان، ولم يفكر بالتمرد والتآمر على الثورة البلشفية.
ويذكر البروفيسور(Nikolai Pervushin) أنه حتى الخمسينات من القرن الماضي، رفض المهاجرون الماسونيون نشر قائمة بأسماء الماسونيين، "بما أن أعضاء هذه المجموعة ظلوا في الاتحاد السوفييتي، وعلى وجه الخصوص، في أعلى دوائر الحزب (!) ، فأنهم ليس لديهم الحق في تعريض حياتهم للخطر". فقد اتضح أن البنائين الذين بقوا في الاتحاد السوفييتي أخفوا بعناية ماضيهم ولم يحكموا البلاد، ولذا لن يكون هناك "كشف" أجنبي لهم. ولكن بعد تدمير (ستالين) لـ "الحرس اللينيني" القديم، كانت فرص بقاء ماسوني واحد على الأقل على قادة الحزب قد تقلصت إلى الصفر.
ومن بين قادة البلاشفة، وكذلك بين قادة المناشفة، كان هناك العديد من الماسونيين. ومن أبرزهم (Alexander Parvus)أحد المشاركين في ثورة 1905، وهو عالم منظر للثورة الدائمة، وهو أمين خزانة لينين، حصل من خلاله البلاشفة على أموال من هيئة الأركان العامة الألمانية، وهو عامل ألماني قديم.
كما أشار سكرتير المجلس الأعلى الماسوني الروسي منذ عام 1916(Alexander Halpern) أن الكاتب البروليتاري (Maxim Gorky) كثيراً ما زار اجتماعات الماسونية. كما ورد في كتاب(Nina Berberova)، الناس والمحفل، بأن (Gorky) كان قريباً من الماسونيون من خلال زوجته الماسونية وابنه بالتبني.
بعد ثورة أكتوبر، نقل "الإخوان" الروسيون أعمالهم في الخارج، في المقام الأول إلى فرنسا، حيث لم تتوقف أنشطتهم حتى قبل يوم واحد من أوائل التسعينيات من القرن الماضي. ولكن، بعد بداية البيريسترويكا، بدأت الماسونية في التحدث بلغة جديدة. وحصل ذلك على وجه الخصوص في عهد رئيس لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية (M. Gorbachev). من عام 1917 إلى عام 1991، تم حظر الماسونية في روسيا. ولكن، مع ظهور أول نزل (النجم الشمالي)، في 28 أبريل 1991، بدأت الإحياء الرسمي للماسونية في روسيا الحديثة.
ففي فبراير(1988)، ظهرت أول أخبار منشورة في المجلة الألمانية " "Mer Licht (المزيد من الضوء) حول انتماء (M. Gorbachev) إلى الماسونية. كما يتم نشر معلومات مماثلة في صحيفة نيويورك(4كانون الأول / ديسمبر،1989)، وهناك صور فوتوغرافية للرئيس الأمريكي بوش وجورباتشوف يرسمون بأيديهم علامات ماسونية نمطية. ومع ذلك، فإن أقرب دليل على عضوية جورباتشوف في الماسونية هو اتصالاته الوثيقة مع الممثلين الرئيسيين لحكومة العالم الماسونية وعضويته في أحد الهياكل الرئيسية في المنطقة، وهي اللجنة الثلاثية. وكان الوسيط بين غورباتشوف واللجنة الثلاثية رجل أعمال مالي معروف، وهو الماسوني ووكيل المخابرات الإسرائيلية الموساد(J. Soros)(11)، الذي شكل في عام(1987) ما يسمى بمؤسسة (سوروس- الاتحاد السوفياتي)، والتي من خلالها نمت المبادرة الثقافية السوفييتية الأمريكية في وقت لاحق، وهو شخصية معادية لروسيا. معتبرا بأنها أكبر خطر على العالم بأسره. بعد البيريسترويكا مباشرة يعلن البنّائون الروس عن أنفسهم. ويقترح بعض المؤرخين أن الاتحاد السوفييتي انهار بمساعدة هذا المجتمع السري.
وفي عام(1989)، وفي مجلة Znamya (No.6)، يدعو(G. Soros) صراحة إلى قتال ضد الحركة الوطنية الروسية، حيث يرى فيها خطر كبير على العالم بأسره.
كذلك في عام(1991) منح (Yeltsin) لقب فارس في منظمة فرسان الهيكل. وفي أغسطس(1992)، وقع(Yeltsin) المرسوم رقم(827) بشأن استعادة العلاقات الرسمية مع منظمة فرسان الهيكل. وقد ظلت محتويات هذا المرسوم لبعض الوقت في سرية تامة. وأُمرت وزارة الخارجية الروسية بتوقيع بروتوكول بشأن استعادة العلاقات الرسمية بين الاتحاد الروسي ومنظمة فرسان الهيكل (مالطة).
وبالنتيجة هذا الدور الخبيث التي مارسته الماسونية في العمل على إسقاط النظام الاشتراكي لهو الدليل الأكبر على براءة تلك الثورة وقادتها من الشائعات التي روجت ولا تزال تروج على ماسونية الثورة البلشفية.
أما على كون (لينين) عميلا للألمان. فكما هو معروف، تمت دراسة مسألة علاقات (لينين) مع هيئة الأركان العامة الألمانية وتلقي الأموال منه من قبل البلاشفة بالتفصيل ثلاث مرات. لأول مرة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى من قبل الألمان أنفسهم. المرة الثانية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، من قبل الأمريكيين، الذين سقطت في أيديهم معظم المحفوظات الألمانية. والمرة الثالثة من قبل(Aleksandr Solzhenitsyn)(12)، وقد أعطت جميع الدراسات الثلاث نتيجة سلبية: رفض البلاشفة المساعدة المالية المقدمة من الألمان من خلال( Parvus).
كذلك، ومباشرة بعد الثورة، تزدهر الماسونية في روسيا. لكن سرعان ما صادق لينين شخصيا على حظر عمل هذا المجتمع السري. وبعد ذلك قام (ستالين) بتطهير الدولة من الأشخاص المرتبطين بالماسونيين، لأنهم في هذه الحالة كانوا يعتبرون وكلاء للنفوذ الأجنبي. حيث تبدأ عمليات القبض على البنائين. لم يبقى من البلاشفة القدماء سوى(Grigory Petrovsky)، لكنه يعفى من جميع المناصب. حتى (Anastasia Tsvetaeva)، أخت الشاعرة (Marina Tsvetaeva)، تشمل بهذه القضية. حيث تقضي(10) سنوات محتجزة في المعسكرات. ولكن لم يتم التطرق إلى (Maxim Gorky)، الذي كان يعيش في إيطاليا في ذلك الوقت، ولا إلى اتصالاته مع الماسونيين.
كما أن جميع المؤيدين لفكرة أن الثورة قد أنجزت بأموال ألمانية وبريطانية، يجب أن يجدوا الإجابة على سؤال، هل حصل كلا الدولتين على الفوائد المطلوبة؟ ولأي غرض شاركت الدولتين في التدخل ضد روسيا السوفيتية إذا كان البلاشفة عملائهم؟ وأي نوع هم هؤلاء العملاء الذين يقذفون القيمين على معارضتهم ثم يحاربونهم من أجل الحياة والموت؟
ولكن هناك البعض يشير إلى أن العديد من الرموز في الدولة السوفيتية لها دلالات ماسونية أو أن الماسونية تستخدمها، على سبيل المثال: النجم الخماسي للكرملين، اللون الأحمر للعلم وربطة الرواد(الطلائع)، المطرقة والمنجل على شعار الدولة، وغيرها. كما يقارن بعض العلماء بين البلاشفة والماسونيين، مشيرين إلى أن الرموز السوفييتية مرتبطة ارتباطا مباشرا بالمجتمع السري.
هل الماسونية في بلد السوفييت حقيقة أم خيال؟ وما علاقة الماسونية بالرموز والشعارات التي استخدمت زمن السلطة السوفيتية؟
هل الرمز السوفياتي للنجمة الخماسية، قد استعاره البلاشفة من الماسونية؟
(يتبع)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(9) Jacob Henry Schiffمصرفي ورجل أعمال أمريكي ألماني، ولد في فرانكفورت، ألمانيا، وهاجر إلى الولايات المتحدة بعد الحرب الأهلية الأمريكية. كان زعيم يهودي. كان أسلافه قد تقاسموا منزلا مع روتشيلد الأسطوري، في الحي اليهودي في فرانكفورت. أفعاله، أكثر من أي شخص آخر، غيرت مسار التاريخ الأمريكي بشكل جذري. قام شخصياً بتمويل وبيع السندات الحرب اليابانية خلال الحرب الروسية اليابانية. كره روسيا المسيحية بشغف. وعمل دون توقف لإسقاط سلالة رومانوف.
(10) Halifax مدينة وميناء كندي، وهو مرفأ طبيعي كبير على ساحل المحيط الأطلسي في مقاطعة (Nova Scotia).
(11) George Soros ولد في الثاني من شهر آب أغسطس عام 1930 ،وهو هنغاري المولد أمريكي الجنسية ،رجل أعمال ومستثمر ومهتم بالعمل الخيري. عرف بدعمه للسياسات الليبرالية وبدوره الفعال في مرحلة التحول من الشيوعية إلى النظام الرأس مالي في المجر (1984-1989). كان له دور في الثورات الملونة، فقد دعم جورج سوروس هذه الحركات وغيرها من الحركات في العالم من خلال الصندوق الوطني للديمقراطية، ومؤسسة المجتمع المفتوح (OSF، سابقا معهد المجتمع المفتوح، OSI) ودار الحرية، لتدريب الناشطين في جميع أنحاء العالم للإطاحة بالحكومات المعارضة مصالح الولايات المتحدة.
(Aleksandr Solzhenitsyn(12 أديب ومعارض روسي ولد عام (1918)، توفي في عام(2008). كان قد طرد من الاتحاد السوفيتي سنة(1974) وعاد إلى روسيا سنة(1994). منح جائزة نوبل في الأدب سنة(1970).