تصنيم الاله


مالوم ابو رغيف
2019 / 1 / 18 - 16:58     

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ
قرأن
الصنم، ليس من حيث المعنى اللغوي انما من حيث الدلالة هو تحويل العلاقة بين الانسان وبين الاله الغائب الى واقع محسوس وملموس، الى علاقة مادية بين العابد والمعبود، علاقة بينه وبين الفكرة المجردة التي لولا تجسيدها في علاقة صنمية لانتهت وزالت ولم يبق منها في ذاكرة الايمان سوى اطلالها.
لذلك لا يوجد دين دون اصنام، او بتعبير ادق دون دلاله حسية مجسدة في ملموس مادي تربط بين المؤمنين وبين الاله، حتى تلك الاديان الأكثر تجريدا، مثل الدين الوهابي الصحراوي، الذي في حمى تطرف منظريه أُعتبر القبور والاضرحة والصور والاشجار شركا وتدنيسا للاله، ملأ العقل الايماني الساذج بخليط من التصورات عن الاله، فنحت الوهابيون له اصناما ذهنية وجسموه في مخيلاتهم فاضفوا عليه جسدا وشكلا ولسانا ويدان وقدمان تتطابق مع ما وصلت اليه عقولهم من ادراك في مراحل تطورها.
الانسان يسبغ على الاله من رغباته الاعجازية واحلامه وصفاته التي لا تتعدى حدود قدرته على التخيل، وبما ان الاله فكرة غائبة، ارتباط ذهني غير مادي، لذلك يلجأ الانسان الى تجسيدها في صورة او تمثال او حجر او حيوان او في شجرة فيمنحهما التقديس، وفي حقيقة الامر ان العلاقة هي المقدسة وليس الشيء نفسه.
وما لا يريده ومالا يرغبه ولا يستسيغه وترفضه نفسه حسب اعتبارات المحيط وارتباطات البيئة يضفي عليه الدنس. لذلك كانت صورة الاله الذهنية واحد عند الجميع( صورة المقدس والمنزه والخالق القادر الجبار مانح الحياة ومنزل الموت)، بينما التدنيس متعدد ومختلف عليه طبقا لبيئة الانسان وطريقة حياته.
مهما اختلفت اسماء الالهة ، اكانت الله او الرب او يهوه لكن الفكرة هي نفسها والتصور هو نفسه ، تصور انساني لا يتعدى صفات الانسان ولا اخلاقه ولا تصوراته ولا عقابه ولا ثوابه، فالاله ليس الا نتاجا انسانيا وصورة البيئة التي يعيش ضمنها كما يعيش الجنين في رحم امه، تغذيه وتمنحه صفاتها وتربيه وفق معاييرها.

التجسيم لا يختلف عن التصنيم، فهو ايضا يخلق صورة ذهنية للاله، او انه مشروع لتمثال (او صنم) مكتمل في الخيال لكن النحات لم ينفذه في الواقع، هو صورة مشتقة من مواصفات شكل الانسان او الحيوان، اذ ان الخيال ليس الا اعادة تركيب الموجودات في الطبيعة او الكون بشكل اخر، واللغة المعبرة عن الافكار وعن هذا الخيال ليست الا منجز انساني مستنبطة من علاقة الانسان بطبيعته وبيئته وطبيعة عيشته.
لكن العلاقة الصنمية الاكثر وضوحا هي تلك التي تربط ما بين المؤمنين وما بين الحجر الاسود او الكعبة او بيت الله. فامنية الذهاب الى الحج، هي امنية غالبة ودافعة في قلوب كل المؤمنين المسلمين، ذلك انها تحيل العلاقة الافتراضية ما بين الانسان والاله الى علاقة صنمية محسوسة وملموسة ، تحيلها الى علاقة مباشرة مع الاله يحس المؤمن بآصرتها القوية عندما يطوف حول الحجر الاسود، حول الكعبة او عندما يجلس في في داخل بيت الله، ليحل ضيفا على الرحمن رغم ان كل شي من حوله ليس آلهي، ورغم ان الاسلام يقول ان الله نور السماوات والارض، ورغم ان المسلميين يؤمنون بان الاله في كل مكان.
لذلك يكون الاكثر حماسا في اداء طقوس الحج هو المسلم الذي بقى الاله عنده فراغ ذهني مشوش او صورة ذهنية لم تتجسد في علاقة مادية محسوسة مثل تلك التي يجسدها غيره في ضريح لولي او امام او شفيع او أي مقدس محسوس.
في بحثه عن تلك العلاقة المادية يحيل المؤمن المدن المدنسة الى مدن مقدسة، يحيلها الى صنم مقدس! فما هو المقدس في مكة، او المدينة؟
ان هذا الفراغ الموجود في ذهن الوهابي عن الاله وخوفه من تحويل العلاقة الذهنية الى نوع من الارتباط المادي بوسيط جعله يقدس المدن بتطرف ساذج.
ما هو المقدس في القرآن مثلا.! اليس هو مثل بقية الكتب ورق وحبر صنعهما الانسان وكتابة خطها الانسان.؟
لا شيء سوى انه يمثل علاقة ارتباط صنمية مع الاله.