تونس معارك الفَوْق السياسية لقوى الانتقال الديمقراطي والآفاق الممكنة بالنظر لمصلحة الأغلبية


بشير الحامدي
2019 / 1 / 17 - 19:55     

تونس ـ معارك الفَوْق السياسية لقوى الانتقال الديمقراطي والآفاق الممكنة بالنظر لمصلحة الأغلبية
بخطاب اليوم في اضراب الوظيفة العمومية تكون المركزية النقابية قد أعلنت وبكل وضوح أنها ستسمر في التصعيد لإسقاط حكومة الشاهد وهوما يعني قطعها نهائيا مع دور الشريك هذا الدور الذي سقط بسقوط ما سمي بوفاق حزب النهضة وحزب نداء تونس.
التصعيد الذي يتحدث عنه خطاب اليوم يلتقي من حيث نتائجه السياسية مع استراتيجيات نداء تونس الذي عجز بالوسائل الدستورية عن إزاحة الشاهد والاستمرار في شراكة الحكم مع حزب النهضة الموقع الذي يساعده على الترتيب لاستحقاقات 2019 الانتخابية من موقع مريح.
المشهد في مجمله لا يختلف كثيرا عن مشهد 2013 وتحديدا الأشهر الأخيرة من حكومة علي العريض فقط وقتها كان الظرف يتطلب تعبئة بمثل ما كان عليه اعتصام باردو أما اليوم فإن الظرف يتيح شكلا آخر وديناميكية أخرى وليس أفضل لذلك من استثمار قوة الاتحاد العام التونسي للشغل التعبوية والإضرابية لمواجهة استراتيجية الاستمرار والاستقرار التي سوق لها راشد الغنوشي ورددها مرارا لتفتيت نداء تونس وللبدء في نسج خيوط تحالف جديد مع يوسف الشاهد وبعض القوى القزمية الأخرى اليمنية اللبرالية الباحثة عن موقع في الحكم ولو مع الشيطان.
بيروقراطية الاتحاد العام التونسي تدرك ذلك جيدا وخيرت هذا التمشي الذي بدا لها أسلم من أي تمش مستقل قد يجلب لها متاعب متعلقة بمواصلة هيمنتها على المنظمة وعلى قرارات قطاعاتها وتوجهاتها وقد يفتح الأبواب واسعة لتجذر نقابي لا تقدر على السيطرة عليه أو لجمه عندما يكون ذلك ضروريا من وجهة نظرها.
البيروقراطية النقابية اليوم اختارت معركتها وموقعها وهو أن تكون في صف الباجي وهي بذلك تعلن أنها وفية لتاريخها سواء قبل17 ديسمبر أو بعده.
بعد 17 ديسمبر كانت البيروقراطية شريكة في حكومتي محمد الغنوشي في البداية ثم ساندت حكومة الباجي التي أعدت لانتخابات 2011 وبفوز حزب حركة النهضة بانتخابات المجلس التأسيسي كانت معارضتها لحكومة الترويكا محتشمة وقد اقتصر دورها تقريبا على محاولات إيجاد تفاهمات ولم تتجاوز في سياساتها ومواقفها إطار التفاهمات والوفاق وتنازلت عن كثير من المطالب الحيوية للشغيلة و ألغت عديد الإضرابات وكلنا يذكر إلغاءها لإضراب 13 ديسمبر 2012 واتفاقها مع حكومة علي العريض بعد أحداث الرش في سليانة والذي قاد مفاوضاته و أمضاه نورد الدين الطبوبي نفسه لتتحول فيما بعد إلى راعية للحوار وتعلن معارضتها الشديدة للاحتجاجات والاعتصامات وتلعب دور رجل المطافئ لصالح السلطة في كل المواجهات الاجتماعية التي خيضت سواء في الكامور وفي سيدي بوزيد وفي قرقنة وفي منطقة المناجم وفي أماكن عديدة أخرى.
التصعيد الذي تتحدث عنه البيروقراطية النقابية اليوم كخطوة موالية لاضراب الوظيفة العمومية الذي نفذ اليوم ولئن كان يفهم على أنه تصعيد لأجل تحسين القدرة الشرائية للشغيلة وهو أمر إيجابي من وجهة مشروعية مطالب الشغيلة وحقهم في تحسين أجورهم إلا أن له رهانات سياسية لا يمكن للشغيلة أن تغنم منها شيئا لأنها في الأخير رهانات لن يستفيد منها غير شق الباجي قايد السبسي والذي لا تختلف ارتباطاته وسياساته عن سياسات النهضة في ما يخص الملف الاجتماعي الاقتصادي الموظف اليوم توظيفا كبيرا لتعبئة شغيلة الوظيفة العمومية ولبقاء البيروقراطية النقابية طرفا في المشهد السياسي العام.
هنا بالتحديد يبرز دور البيروقراطية النقابية المظلل للشغيلة وزيف شعاراتها المتعلقة ب"السيادة" وبـ"الوطنية" وبـ"العدالة الاجتماعية" ووو وتناقضاتها ومزاعمها حول الكرامة والحرية التي تريد تحقيقها بتبنيها استراتيجيات شق الباجي قايد السبسي وبإسقاط جكومة يوسف الشاهد. وهنا أيضا يبرز جليا وهن الحركة النقابية وعجزها عن تمييز الأبيض عن الأسود في المشهد بمجمله وانجرارها وراء الشعارات والمشهدية دون أي قدرة لا على فرض رؤية مقاومة للعمل النقابي تخلق من هذه التعبئة وفي هذا الطور الذي بلغت فيه الأزمة أعلى مستوياتها مسارا يؤسس لقطب ثالث ـ نقابي اجتماعي جذري ـ يقطع مع الارتهان لشق من شقي الاستقطاب الثنائي ـ النهضة ـ نداء تونس. ويوسع المعركة أكثر ما يمكن لتشمل كل الكتلة الطبقية من بطالة وخدامة وشباب تلمذي وطلابي التي تفرض عليها مصالحها اليوم التوحد من أجل إسقاط سياسات الانتقال الديمقراطي وقواه الطبقية.
مسألة القطب الثالث المكون من قطاع عريض من منتسبي الاتحاد العام التونسي الرافضين لهيمنة وسياسات المركز البيروقراطي ومن البطالة والشبيبة المستقلة ومن كل الكتلة الطبقية المتعارضة مصالحها مع مصالح مافيات الانقلاب وبيروقراطياته الحزبية والمتمسكين بمسار الانتقال الديمقراطي قد تؤسس لإمكانية حقيقية لمشروع مقاومة يقطع مع الأشكال و الأساليب النضالية التي ظلت تكرر نفسها دون أفق طيلة ثماني سنوات من الانقلاب على 17 ديسمبر ويمكن أن يجسم الاستقلالية التنظيمية والسياسية للكتلة الجماهيرية المعنية بالتغيير الاجتماعي عن النظام وأجهزته التي وقفت اليوم على قصور شعارات الشغل استحقاق يا عصابة السراق والدولة المدنية ودولة الحريات والنضال المحكوم بدستور الانقلاب إلى أفق أوسع ومهام جذرية يمكن اختزالها في مهمة فرض السيادة على القرار والسيادة على الموارد والثروات ووسائل الإنتاج ومهمة المحاسبة.
في الحقيقة ليس هناك من أفق آخر اليوم للوضع القائم بالنظر لمصلحة الأغلبية ولكن الأزمة وتعفن الوضع بالصورة التي هو عليها لن يكونا كافيين وحدهما لتحقيق هذا المشروع الذي لا نراه مجرد مشروع نظري أو مجرد حلم لأنه وبكل بساطة مستمر ولكن بشكل عفوي ومتقطع طيلة سنوات الانقلاب مستمر في تلك الاعتصامات والاحتجاجات والمقاومات المستقلة وفي تلك المعارك المجزأة التي خيضت في (جمنة وفي الكامور وفي قرقنة وفي تالة وفي فرنانة وفي الدهماني وفي الشعال وفي المناجم وفي بوزيد ووو) وحوصرت وتراجعت. إن نواته الأولى مازالت حية ولكنها تتخبط في كل مرة وتعجز عن الاستمرار والانتشار والتحول إلى حركة طبقية وجها لوجه مع السيستام والمطلوب فقط إحياؤها و الاستمرار فيها وتحويلها إلى مسار لا يمكن تفتيته أو توظيفه.
ـــــــــ
بشير الحامدي
17 جانفي 2019