مستقبل عالم العمل ومهام النقابات العماليه


جهاد عقل
2019 / 4 / 28 - 10:05     

- فقدان الأمن التشغيلي

تواجه النقابات العماليه العديد من المهام والقضايا المُتَعَلّقه بالمتغيرات اليوميه التي تحدث في عالم العمل ، والتي تؤثر سلباً على حاضر ومستقبل العُمّال في مختلف المهن .
من أبرز هذه المشاكل فُقدان الأَمن التَشغيلي أو الوظيفي ، هذا إضافةً الى المُتَغيّرات المتواصله في نوعيات المهن التشغيليه المتوفره في سوق العمل المحلي والعالمي ، وبشكل خاص فيما يتعلق بالمهن المعروضه - إن وجدت - للشبان من الخريجين الأكاديميين بمختلف تخصصاتهم ، أو المهن للنساء ومختلف طالبي العمل في سن ما فوق الخمسين .

سبق وقامت منظمة العمل الدولية وفي شهر آب العام 2017 بتشكيل"اللجنة العالمية لمستقبل العمل" تشمل خبراء وممثلين عن الحكومات والنقابات وأصحاب العمل ، أن تكون مهمتها ب :" أن تتولى هذه اللجنة مهمة إجراء دراسة متعمقة لمستقبل العمل بحيث توفر قاعدة تحليلية لتحقيق العدالة الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين. وتركز اللجنة على العلاقة بين العمل والمجتمع، وعوائق خلق فرص عمل لائقة للجميع، وتنظيم العمل والإنتاج، والحوكمة في العمل." ومن المقرر أن تُقدم توصياتها – تقريرها في المؤتمر القادم للمنظمه في حزيران 2019 وهو مؤتمر الذكرى المئويه لتأسيس المنظمة.
- 59٪ من العاملين في العالم الأجر لا يكفي لسد تكاليف المعيشة.

من جهة ثانيه وضمن مؤتمره الرابع الذي عُقد مطلع الشهر الماضي ، أجرى الإتحاد الدولي للنقابات العماليه إستطلاع عمالي تناول قضايا الأجور والامن الوظيفي والثقه في السياسه والديمقراطيه ، شمل مشاركين من العاملين في14 دولة من مختلف القارات ومنها الولايات المتحده والمملكه المتحده والبرازيل والمغرب والهند وغيرها ،إتضح من هذا الإستطلاع أن عامل من كل أربعة عمال يعتقد أن عمله غير آمن ، أي أن 25٪ من العمال لا يشعرون بأمن تشغيلي ، لكن المُعطى الآخر كشف حقيقه مؤلمه وهي أنّ 59٪ من العاملين أكدوا أن أجرهم لا يكفي لتغطية متطلباتهم وحاجياتهم الأساسيه بسبب الغلاء وغالياً ما يضطرون للحصول على ديون لتغطية حاجياتهم .

أما بخصوص موضوع السياسه والديمقراطيه وتأثير مشاركتهم بالإنتخابات فقد أكد 37٪ منهم فقط بأنه يشعر بأهمية ممارسته الإنتخابات، أي أن 63٪ لا يعتقدون أن هناك أهميه أو تأثير لصوتهم في الموضوع الإنتخابي -السياسي، وهنا يتضح أن هناك مهمه للنقابات في تغيير هذا المزاج للتأثير على شكل السلطه وسياستها خاصة في القضية التي نحن بصددها ،الا وهي فرص العمل والسياسه الاقتصادية الإجتماعية والتشغيليه لصالح الطبقه العامله.

- مستقبل رمادي بحاجه لنهضه نضاليه

وفق الأكثريه من الدراسات المتعلقه في مجال سوق العمل العالمي ومستقبله تظهر نتائج ،أقل ما يُقال عنها بأنها تُثير القلق الشديد بل ورمادية المعنى إن لم تَكُن سوداويه. ويكفي أن نذكر هنا جزء من التوقعات لمنظمة العمل الدولية ، التي تتحدث اليوم أنّ عدد "الوافدين الجدد الى سوق العمل في إزدياد ... وحالياً يدخل ما يقارب الأربعين مليون شخص سوق العمل كل سنه ،وبحلول العام 2030 سيحتاج الإقتصاد العالمي الى ما يقارب 52 مليون وظيفه" ، لكن هذا الرقم يعتبر منقوصاً ، لأنه لا يعكس الإرتفاع المتوقع في مشاركة اليد العامله من النساء والعمال الأكبر سناً وتدفقات الهجره ، كما لا يأخذ بعين الإعتبار قضية بطالة الشباب في سوق العمل العالمي والتي تبلغ اليوم أكثر من 71 مليون شاب عاطل عن العمل ، مما يؤكد أن متطلبات سوق العمل لوظائف جديده هي أعلى بكثير من التوقعات الرسمية المذكوره في وثيقة منظمة العمل الدولية.

- تأثير الثورة الرقمية والعالم الإفتراضي

في ظل هيمنة ما يُسمى ب"الثورة الصناعية الرابعة" التي تعني تعاظم التطور التكنولوجي المعرفي والرقمي والعالم الإفتراضي ، وتطوير صناعة الروبوتات ودورها في الصناعة والخدمات ، وهنا يحاول البعض القول بأن هذه "الثورة" قد تؤدي لإيجاد فرص عمل جديده ، لكن الأكثرية من الباحثين تؤكد بأن الثورة الصناعية الرابعه:" قد تؤدي الى إنعدام مساواة أكبر ،خاصة مع قابليتها لإحداث خلل جسيم في سوق العمل ، فإستبدال التشغيل الآلي بالعمل في كل المناحي الإقتصادية تتسع بين العائد على رأس المال والعائد على العمل". ولا بد أن نذكر هنا ما توقعه د. إيان بيرسون المتخصص في موضوع التكنولوجيا بأن عدد الروبوتات يرتفع من 57 مليون اليوم الى 9,4 مليار روبوت خلال السنوات الثلاثين المقبله، والسؤال الذي يطرح نفسه ،يا ترى على حساب من سيكون ذلك ؟ أليس على حساب فرص العمل والمهن والوظائف التي يقوم بها عمال ؟.

- مهام نضاليه للحركة النقابية

على النقابات العمالية محلياً وعالمياً ، ألّا ننتظر نتائج وإستنتاجات "اللجان" فيكفي نتائج الإستطلاع الذي ذكرناه أعلاه ، ومختلف الدراسات الصادره بخصوص الأخطار الكامنه لكل ما يتعلق بمستقبل سوق العمل وتوقع فقدان فرص العمل ،أي فقدان الأمن التشغيلي ، والأجر اللائق والحقوق والضمان الإجتماعي ، هناك ضرورة مُلِحَه لوضع برنامج نضالي وحدوي للنقابات العمالية عالمياً ، من أجل مواجهة هذه المتغيرات الخطيرة ، مبني على إستراتيجية نقابية نضاليه - عمالية راسخة، الا وهي قلب المعادلة القائمة اليوم، وهي تشابك "السلطة والثروة" ،أي سيطرة قوى رأس المال على الحكومات من أجل تمرير سياساتها الإستغلالية وحصد الثروات والأرباح ، على حساب الأكثرية الساحقة من المواطنين وفي محورهم الطبقة العاملة.

هذا الحراك النضالي الوحدوي ، في حال تركيزه (وفق ما نشاهده في فرنسا اليوم ) وتجنيد مختلف الشرائح من المواطنين ، ورفع الوعي لدى جمهور العاملين بضرورة أخذ دورهم الواسع بالمشاركة في العملية السياسية ومنها الإنتخابات والإلتفاف حول قوى سياسية تطرح برامج مناهضه لما هو قائم اليوم ، تستطيع تغيير النمط السياسي -الاقتصادي المُسيطر اليوم ، الا وهو النمط النيوليبرالي الإستغلالي للطبقة العاملة وذلك حماية لحاضر ومستقبل العاملين في جميع أنحاء العالم.