القراءة الحرفية للقرآن - 2


وليد مهدي
2019 / 1 / 15 - 11:37     

لعل سورة الصافات في القرآن هي اهم السور التي تكشف بجلاء ووضوح بأن الملائكة أسياد كونيين يعتبرون البشر عبيداً لهم ، والانبياء والمرسلين بوجه الخصوص هم اخلص العبيد لهؤلاء الاسياد :
وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)
الصافات.
لم يختلف المفسرون في تاريخ الاسلام كله على ان المتحدث في هذه الآيات هم الملائكة .. وهو اعتراف نادر بعائدية الضمير " نحن " في القرآن للملائكة ..
الإختلاف والارتباك والإلتفاف على حرفية النص يظهر لدى مفسري القرآن عند الوصول الى بقية تكملة هذه الآيات في نفس السورة :
وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)

واضح جدا ان ضمير المتكلم " نحن " الذي يعود للملائكة هو نفسه في عموم السورة ، بل في عموم القرآن ..!!
لا يمكن اعتبار هذه الآيات استثناء عن سور وآيات أخرى نحو :

إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ۖ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَىٰ وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) هُدًى وَ ذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55) سورة غافر

فالذي نزل بالقرآن وفق سياق الآيات هم الملائكة بأمر من الله ، وضميره منفصل عنهم ويشار اليه بانه " هو " – ربك ، كما في سورة الإنسان ايضاً :
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) سورة الإنسان
لعل ما ورد في سورة الحجر :
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10)
هو نفسه ما تفسره آيات من سورة الشعراء :
وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195)
أي التنزيل خاص برب العالمين لكن من قام بالعملية هو كبير الملائكة جبرائيل – الروح الامين ..
أي إن " نحن نزلنا الذكر " تعني منظومة إدارة شاملة يتماهى فيها المنزل مع الآمر بالتنزيل ما استوجب كثرة استخدام الضمير نحن في القرآن !!
ولو اكملنا سورة الشعراء سوف نجد :
وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)

يمكننا ان نلاحظ الاسترسال في استخدام " نحن " الخاصة بالنظام الملكوتي الشاملة ونفرقها عن الأمر الأخير بالتوكل على " العزيز الرحيم " بصفته المفردة المنفردة المفصولة عن " نحن " النظام الكوني الأعلى !!
ويمكن ايجاد مئات الامثلة في القرآن عن الذي ذكر اعلاه ، الذي لم يتطرق له المفسرون لأسباب تتعلق بجوهر العقيدة التوحيدية المحاربة للوثنية التي بنيت عليها الدعوة الاسلامية المحمدية قبل 1400 سنة والتي كانت ستدخل في حرج كبير آنذاك لو حاولت التفصيل في ضمائر المتحدث/ين في القرآن ، لذلك ، تمت التعمية على ضمير " نحن " في القرآن بمطابقته مع صيغة التعظيم التي كان يستخدمها الملوك في تلك العصور والتي تختلف عن القرآن بصورة كلية .
فالملوك لو ارادوا المخاطبة وفق الآيات :
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24)
لكتبوها بالطريقة الآتية :
إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا فاصبر لحكمنا ولا تطع منهم آثما أو كفورا ...!!!
ولعل بعض آيات من سورة الكهف توضح هذا التفصيل في الضمائر ( والقرآن يفسره القرآن ) :
"" أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82) ""
فاردتُ ان اعيبها – تعني بتصرف شخصي من " الخضر " حين ركب مع موسى في السفينة .
فأردنا أن يبدلهما ربهما – تعني بإرادة " نحن " التابعة للملائكة المفصولة بوضوح عن " ربهما "
فأراد ربك ان يبلغا اشدهما – وهذه تعني بإرادة الله بصورة مباشرة ومنفردة ...!!
هذا التفصيل في عائدية الضمائر الموجودة في سورة الكهف لا يدع مجالا للشك بان القرآن لم يكتب بطريقة الخطاب الملوكي السائدة في القرن السابع الميلادي ابداً ، بل كتب بطريقة خطاب " مؤسسة كونية " او منظومة كبرى تتحدث عن نفسها بالضمير " نحن " ، ولنعد الى سورة الصافات و لنتأملها مرة أخرى وفق التسلسل والتتابع في ظهور ضمير " نحن " فيها :
أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ۚ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160) فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163) وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)
من خلق الملائكة فهي هذه المنظومة " نحن " ، وهي تتحدث بان الله لم يكن له ولد ، وهو " سبحانه " عما يصفون ، ثم فجأة يسترسل هذا المتحدث بضمير نحن ليعرف عن نفسه :
أم خلقنا الملائكة اناثاً وهم شاهدون ؟
وما منا إلا له مقام معلوم ..!!
إنا لنحن الصافون ونحن المسبحون !!

هذه المؤسسة تكشف صورة عن التدرج والتوزيع الواقع في خريطتها التكوينية والمظهر العام لنشاطها الكوني ، مقامات معلومة ، أي محددة ، وهم عبارة عن ملائكة مرتبة بصفوف وتسبح لله وبنفس الوقت هي قامت بخلق ملائكة آخرين !!
وبما ان القرآن لم يكشف ماهية هذه المنظومة بوضوح ، سوف نلجأ الى اسطورة الخليقة السومرية ، الحينوماعيليش ، التي تروى كسيرة ذاتية تشبه الانجيل والتوراة لتاريخ العالم انطلاقا من الطوفان العظيم والملك " نوح – اتونابشتم " وهو نفسه نوح في الكتب السماوية اللاحقة .

الحينوماعيليش – والمنظومة الكونية

نورد بعضا مما كتبه خزعل الماجدي عن ترجمة هذه النصوص في كتابه إنجيل سومر :
"الآلهة تعبون.. ولا جدوى من جهدهم، لقد تحوَّل الآلهة فجأة إلى عبيد الأرض التي صنعوها وصار الحمل ثقيلًا لا يُطاق، حتى آتى يوم اجتمعوا فيه وقرَّروا أن يذهبوا إلى "إنكى " فيشتكون له من هذا العناء، ورأوا أن يخلق لهم الإله "إنكى " خدمًا يقومون مكانهم في حرث وسقى الأرض وفي رعى الماشية وفي كل الأعمال.. لقد تعب الأرباب وأصبح الوجود عبئًا. لا بُد من خلق من ينوب عنهم ليقوم بدوره " انتهى
هذا النص لا يبدو مخالفاً لما ورد في القرآن عن رغبة الله بأن يجعل في الارض خليفة ، ففي حين ان موضوع جعل " آدم " خليفة يبدو غير منطقياً لكونه خليفة على ارض خالية إلا من الحيوانات ، يصبح الامر منطقياً اكثر اذا اضيفت هذه الفقرة من الحينوماعيليش ( اسطورة الخلق السومرية ) ليكون آدم الخليفة المستخلف على " الخدم " الذين آراد الآلهة من إنكي ان يخلقها لهم !!
أي إن آدم القرآني يصبح حلقة مفقودة من سلسلة الخلق السومري ، تكتمل قصة الخليقة السومرية بظهور آدم كخليفة مستخلف من قبل إله الانوناكي الأعظم على بقية البشر العبيد – الخدم حسب النص السومري اعلاه الذي نكمله :
" فذهبوا إلى (نمو) سيدة المياه الأولى وربة عماد الكون.. المحيط الباذخ اللامتناهي من المياه واشتكوا لها، فوضعت على راحة يدها دموع الآلهة وذهبت إلى إنكي وقالت له:
- انهض يا بني من فراشك، واصنع كل ما هو حكيم، هذه هي دموع أبنائك وأخوتك من الآلهة فأخلق لهم خدمًا، يحملون عنهم عناء التعب "
هكذا يكون لغز استخلاف آدم قد حل ، فهو خليفة الله ، لكنه خليفة على من ؟؟
هو الخليفة على هؤلاء العبيد الذين خلقوا من قبل الانوناكي حسب بقية النص :
" دعا إنكى إلى حفل كبير حضره كل الآلهة والإلهة ننماخ وربات الولادة الثمانية والصنَّاع الإلهيون المهرة وحشد من الآلهة الصغار، وكان الحفل من أجل صُنع الإنسان الذي سيحمل العناء عن الآلهة وسيقوم بخدمتهم، فهمَّ الجميع إلى هذا الحفل وترقبوا ما سيصنع (إنكى) مدبر المصائر، دارت الخمرة في الحفل وشرب إنكى خمرته المقدَّسة وكذلك ننماخ، وعمَّ الحفل سكر لذيذ، انتشت له مكامن الآلهة وجوارحهم، وهتف الآلهة باسم (إنكى) الذي فكر في خلق الإنسان ودعاهم إلى حفلة خلقة فاغتاظت ننماخ لأنها الموكَّلة بتكوين الكائنات وهي تعمل على ولادتهم ولها من ربات الولادة ثمانية يعملن معها، اغتاظت ننماخ وقالت للآلهة:
- أنا التي سأحكم جسد الإنسان وروحه وأنا أُقدّر فيه الخير والشر، ما بلغ طيب جسد الإنسان وما بلغ سوئه.. إن قلبي ليوعز إلىَّ بأنني أستطيع أن أجعل الطيب من نصيبه أو السوء.
قال إنكى مخاطبًا ننماخ:
- حسنًا ننماخ إبدأى أنتِ.
"... فقامت ننماخ وأخذت حفنة من الصلصال؟؟ الذي فوق (الأبسو) وصنعت ستة أشخاص الأول غريب الشكل، والثاني فيه عاهة، والثالث لا يستطيع إيقاف بوله، والرابع امرأة مشوَّهة، والخامس امرأة عاقر، والسادس الرجل الخصى، فأراد إنكى أن يختبر ما صنعته ننماخ، فقدم له الطعام ..""
هكذا ، صنعت ننماخ نسخاً اولية مجربة من العبيد ( تقريباً روبوتات حية ) لكنها حملت بعض العيوب التقانية !!
إنكى يخلق الإنسان :
""""ورأى إنكى أن دوره قد جاء ليصنع الإنسان، فصنع (إنسانًا) يائسًا، ثم صنع شخصًا آخر أطلق عليه اسم (أومول) وهو الشيخ الطاعن في السن والذي عيناه ذابلتان وحياته فانية.. وكبده وقلبه ويداه ترتجفان، وقدم إنكى مخلوقاته هذه إلى ننماخ قائلًا:
لقد عينتِ مصيرًا للبشر الذين خلقتهم يجدون به أمرًا للبقاء فعيّني الآن مصيرًا لهذين؟؟ المخلوقين اللذين خلقتهما.
فدنت ننماخ من إنسان إنكى وسألته، لكنه لا يقوى على أن يجيب، وقدمت له كسرة خبز أكلت هي منها، لكنه لا يقوى على أن يمد يده ولا يقوى على الجلوس ولا على الوقوف ولا على الانحناء على ركبتيه، فصرخت ننماخ بإنكى:
- إن مخلوقكَ هذا ليس فيه حياة.
- فهل كانت مخلوقاتك يا ننماخ كاملة؟ """
وهكذا فأن ما صنعه كل من إنكي و ننماخ تميز بعيوب تقانية ما اضطر جميع " الآنوناكي " إلى جمع الجهود وتعديل النماذج في خلقٍ جديد :

(( فقال الآلهة: دع هذا الأمر لنا يا إنكى ولنعمل جميعًا على خلق الإنسان الصحيح لنعمل على خلق عبدِ كامل يستطيع أن يحمل عنا قساوة العمل ويخدم بكل ما يملك الآلهة..))

هكذا ، اشترك جميع الآلهة ( الانوناكي ) في خلق الانسان على شكلهم :
""" ومن الصلصال.. من طين المياه العميقة خُلِق الإنسان الصحيح على صورة الآلهة، وثبَّت الآلهة فيه الروح، ومن أجل أن يتكاثر الإنسان وحتى لا تتعب الآلهة كل وقت في صنعه، خلقت الآلهة ذكرًا وأنثى وأعطتهما سبل الحياة وأسكنتهما أرض سومر فولدا أبناء كثيرين بنين وبنات، وتزوج البنون والبنات وتكاثر البشر على الأرض وكانوا يقومون بخدمة الآلهة، وحمل البشر النير وقاموا بجميع الأعمال، ومرت سنون طويلة لم يصلح فيها الإنسان لأمرٍ لتعبه من العمل ليل نهار من أجل الآلهة، وزاد الثقل على الإنسان في حين كان الآلهة يرتعون في معابدهم لاهين فرحين وكان الإنسان يعبد الآلهة ولا يذكرهم بسوء، وكان الإنسان الضعيف يخدم الآلهة ويخدم الأقوياء من البشر، فزادت الشرور في الأرض وكثر الظلم وأحس عقلاء البشر وأكثرهم نصيبًا من البصيرة والحكمة والحلم بأن عليهم أن يشكوا أمرهم للرب إلههم إلى (آن) """
وهكذا ، يتضح من هذه النصوص إن نماذج بشرية كثيرة سادت على الارض قبل ان يظهر الانسان الحديث متوجاً بالحضارة في سومر ...!!
الانثروبولوجيا الحديثة تتفق مع هذا التصور الى حد بعيد ، وعلم الاحافير والتاريخ يؤكد بان الحضارة البشرية الحديثة المثالية فعلا بدأت في سومر :
""خلقت الآلهة ذكرًا وأنثى وأعطتهما سبل الحياة وأسكنتهما أرض سومر فولدا أبناء كثيرين بنين وبنات ""
وفي أسطورة سومرية أخرى عن خلق الإنسان و تقوم الآلهة بإخراج دم الإله "وى " وتقوم الإلهة "نينتو " بمزجه مع الصلصال لكيما يكون للإنسان روح، وأخت "نينتو " أربعة عشر قطعة من الصلصال الممتزج بدم الإله "وى " وصنعت منها سبعة رجال وسبع نساء .
" الأنوناكى " منظموا الأقدار.. ومن أجل عملية التطهير حضَّر "إيا " حمَّامًا.. وأثناء اجتماعهم ذبح الآلهة إلهًا.. إنه "وى - الإله" (We - Dieu) الذي يمتلك الذكاء.. وبجسده ودمه.. جبلت "نينتو " الصلصال.. وهكذا بعد أن عجنت "نينتو " هذا الصلصال هتفت بالآلهة الكبار "الأنوناكى ".. أما الآلهة الكبار (أيضًا) "الأيجيجى ".. فقد بصقوا على الطين.. """
وهو وصف قد يقارب الاستنساخ والتعديل الجيني المرموز في المزج مع " دم الآلهة " و " خلق الإنسان على صورة الآلهة " ..
وبالعودة إلى المقاربة بين الحينوماعيليش والقرآن :
(( من طين المياه العميقة خُلِق الإنسان الصحيح على صورة الآلهة، وثبَّت الآلهة فيه الروح وتكاثر البشر على الأرض وكانوا يقومون بخدمة الآلهة، وحمل البشر النير وقاموا بجميع الأعمال))
(( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ))
وبالرغم من اتهام زكريا سيشن بعدم علمية وموثوقية المصادر والترجمات التي استند اليها في تفسير ظهور الحضارة السومرية ، لكننا هنا نجد ، بأن القراءة الحرفية للنصوص الدينية خصوصا السومرية والعربية ( القرآن ) يعيدنا الى نفس الفكرة :

الحضارة البشرية على الارض وإن نشأت طبيعياً من تطور الكائنات الدقيقة ومن ثم الحيوانات الكبيرة ، فإن احتمال تدخل حضارة كونية ما لحرق مراحل التطور وايجاد نوع جديد من البشر يتم استخلافهم على سكان الكوكب الاصليين امر وارد ..ولا يجب استبعاده ..
وسيناريو هذا الاستخلاف تم بلغة العصر الحديث كالآتي :
وجود اجناس استرالوبيسكوس و الهومواريكتوس وتفرعاتها التي كانت اقل تطورا بكثير من جنسنا الحالي الهوموسابينز يوافق ما ذهبت اليه الحينوماعيليش بخلق إنكي و ننماخ نماذج بشرية ذات عيوب تقانية ، قبل ان يجتمع الانوناكي على قرار جمع الجهود بتصنيع نموذج مثالي متطور من البشر يكون قائدا لكل الاجناس الاخرى عبر خلط جينات ارضية من الاجناس السابقة مع جينات كونية تعود للآنوناكي ومن ثم كان فجر البزوغ التاريخي الحقيقي لهذا النموذج في حضارة سومر بين النهرين .. لكي يؤسس حضارة بشرية متطورة نامية بسرعة فوق هذا الكوكب .. الذي هو بالنسبة للآنوناكي اشبه " بمحمية " طبيعية تتم مراقبتها ودراستها عن بعد ، و تأثرت الديانات البشرية بهذه المتابعة وهذه المراقبة الكونية لتصور الثواب والعقاب والقوى الكونية الخارقة التي تسيطر على الكون من وراء ستار ..

هذه القوى الكونية عرفت في سومر بانهم " الآلهة الآنوناكي "

و في التوراة والانجيل باسم الملائكة ومنظومتها و الحضارة التي تديرها باسم " الملكوت "

والذي ربما يكون القرآن اوضح جانباً مهما من هذا النظام وهذه الحضارة بالضمير " نحن " الذي يشير الى تطور تلك الحضارة الى كيان كلاني مندمج تذوب فيه الفردانية بصورة نهائية الى الحد الذي يكون فيه الملكوت كله بمثابة إله عظيم جبار !!