من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........


كريم الزكي
2019 / 1 / 13 - 22:19     

من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
تنظيمات الحزب تعمل بدون قيادة بعد انقلاب 8 شباط الأسود 1963. وحققت نجاحات أذهلت العدو , متحالفة مع ذاتها وطليعتها العمالية وكادحي الريف ومنتسبي القوات المسلحة من الجنود وضباط الصف .
على الرغم من الضربات المتلاحقة التي لحقت ( بالحزب الشيوعي) بعد انقلابي 8 شباط و18 تشرين الثاني 1963, ولكنه خرج الحزب الشيوعي منها بأكثر صلابة. الكوادر الوسطية للحزب استطاعت بهذه السرعة بناء التنظيم والطموح هو إسقاط الفاشية القومية المتمثلة بسلطة العسكر
وهل كانت القيادة تشاطر القاعدة في البناء ؟. (واقع الحال كانت القيادة خارج العراق)
التنظيمات الشيوعية الجديدة ظهرت بعد حركة حسن سريع في 3 تموز 1963 استمرت بالعمل بذلك الأسلوب القديم الذي أتصف بمنتهى السرية والأمان في حين كانت منظمات العمال أكثر انفتاحاً عن باقي التنظيمات المحلية والطلابية والنسائية ولم تكن هناك تنظيمات مختلطة نساء ورجال في خطوط التنظيم . كان العبء الثقيل بالفعاليات الجماهيرية يقع على تنظيمات العمال . وكونهم الأكثر عدداً وعنصر الشباب هو الغالب بينهم ( العمال) .
وتحت شعار تسقط حكومة الجوع .
نشطت تنظيمات الحزب وأخذت زمام المبادرة بالدفاع عن مصالح الجماهير الواسعة من كادحين وشغيلة اليد الفكر والطبقات الوسطى من المجتمع . الفعاليات الأكثر شيوعاً والتي كنا نقوم بها هي توزيع بيانات الحزب وتعليق اللافتات في المناطق الحساسة والتي تجلب انتباه الجماهير الغفيرة . مناطق عمالية وأسواق وشوارع رئيسية , وخاصة في بغداد , وفي مناطق الشركات الكبرى مثل الغزل والنسيج ومعامل الطابوق ومصانع التبغ , والمطابع والسكك الحديد في الشالجية . وحسب علمي لا يوجد مصنع في بغداد أذا لم يكن فيه شيوعيين ملتزمين إضافة الى أصدقاء الحزب . وتواصلت الحركة العمالية وبمساندة باقي تنظيمات الحزب بفعالياتها لتحقيق مطالب العمال وسائر الكادحين . ومنها الإضرابات الواسعة في الغزل والنسيج ومعامل الطابوق والسكائر والمعدات الكهربائية .. والفعاليات الأخرى مثل المظاهرة الكبيرة في شارع الرشيد التي نظمها الحزب الشيوعي تضامنا مع الشعب الفلسطيني واحتجاجا على نكسة حزيران 1967 .

أما القوات المسلحة( الجيش ) فكان التنظيم العسكري أهم أركان تنظيمات الحزب السرية من العسكريين الشيوعيين الجنود وضباط الصف , كان لهم الدور الفعال في أكثر التحركات التي زعزعت حكومة الأخوين عارف وأبرزها الوحدات العسكرية في حماية الإذاعة والمرسلات الإذاعية في ابو غريب (كنت على اطلاع من خلال رفاق الخط العسكري في ابو غريب ) (وبشكل خاص حركة عارف عبد الرزاق) ** حيث أنه (عارف عبد الرزاق *قومي ناصري*)لا يعلم أن كل جنود وضباط صف الوحدات العسكرية التي أراد تحريكها في انقلابه سنة 1966 في ابو غريب والإذاعة في الصالحية كانوا شيوعيين **. في حين لم تكن لدى قيادة الحزب أي خطة مدروسة لاستخدام التنظيم العسكري للقيام بأي انقلاب عسكري !! .والظروف كانت مساعدةً لأي تحرك عسكري , وخاصة تخبط السلطة والصراعات التي كانت تدور بين رجالاتها من العسكريين , ووجود تأييد وتعاطف واسع لدى الجماهير لتأييد الحزب الشيوعي في حالة القيام بأي تحرك عسكري لإسقاط السلطة ..
كنا نشجع ونحث الشيوعيين على كسب الجنود الى صفوف الحزب ,وفي تلك المرحلة كانت المنظمات تحث الشيوعي وأن من أسمى واجباته هو كسب عسكري الى صفوف الحزب , وخاصة بعد المرارة والخسارة الفادحة في ضياع وفشل انتفاضة معسكر الرشيد 3 تموز 1963 . (وهذه الدعوات لكسب العسكريين كانت بدوافع وقناعة راسخة لدينا في قواعد الحزب أنه لايمكن تغير الوضع السياسي بدون تحرك الجيش لصالح الجماهير وحسم الأمور بانقلاب عسكري) .. (( كما هي ردة فعل على انقلاب شباط الأسود))
كانوا الشيوعيين يؤمنون بشكل تام في عملهم الحزبي والجماهيري مدفوعين بالإخلاص والجرأة. (لم نفكر يوماً لا في المركز الحزبي أو القيادي الذي نحن فيه المهم هو الواجب الثوري وعسى أن نحقق ونكسب ما ضاع منا بعد انقلاب 8 شباط الفاشي 63) باندفاع ذاتي. ووفاءاً للرفاق الذين فقدناهم أثر هذا الانقلاب الدموي . ولا نعلم من هي قيادتنا ومن هم الأشخاص الذين يقودون الحزب !! ( وهذا يثبت أن قادة الحزب لم يكونوا معروفين وليس لديهم أي سند جماهيري أو تواجد فعلي بين الجماهير. أكثرية القادة مختصين ومتفرغين للعمل الحزبي السري وهذا الشئ جعلهم بعيدين عن الجماهير وحتى عن رفاقهم حتى مات الحس الثوري لديهم ) .
وبفضل تضحيات رفاق قيادة وكوادر سلام عادل واستشهادهم , سلمت الكثير من المنظمات الحزبية من الاعتقال أبان الهجمة الفاشية بعد الانقلاب الفاشي في 8 شباط .
اضافة الى هذا الألم الذي يعصر القلوب بفقدان رفاقنا الأبطال, كان الجرح العميق الذي تركه تعاون بعض خونة الشعب والوطن من الذين ارتموا بأحضان الفاشية وكشفوا البيوت الحزبية ومنظمات الحزب الرئيسية وخاصة تنظيم الجيش وبذلك ساهموا الى درجة تصوروا أن الحزب الشيوعي لم تقم له قائمة بعد ذلك .
كانت تدور نقاشات هنا وهناك عن هؤلاء الخونة ونحن نعرفهم وكذلك نعرف المئات من الرفاق الذين صانوا الأمانة الحزبية واستشهدوا , وغصت السجون بالآلاف وحكم على الكثير منهم بالإعدام والسجن المؤبد ولفترات طويلة (وكنت أحدهم سجين في سجن نقرة السلمان ومن ثم قصر النهاية ). ولم يستطيع العدو الفاشي ايقاف عمل الثوريين الشيوعيين . فواصلوا تقوية تنظيم الحزب بالعدد والنوعية الجيدة والمستعدة للتضحية . تسعة اشهر بقى الانقلابيين البعثيين في السلطة , وانهارت سلطتهم بفعل الغضب الجماهيري جراء الأساليب الفاشية والقمعية التي مارسوها بحق شعبنا وحزبنا الشيوعي.
أنقلاب 18 تشرين2 1963 بقيادة رئيس جمهورية البعث في 8 شباط عبد السلام عارف مستغلاً السخط الجماهيري على الحرس القومي البعثي.
بعد انقلاب 18 تشرين الثاني 1963 جاء دور شركاء البعث في عملية انقلابهم الأسود في 8 شباط من نفس العام قام بهذا الانقلاب شلة من الضباط القوميين الناصريين والبعثيين ومنهم أحمد حسن البكر , لم يتغير شيئاً في الوضع السياسي او الاجتماعي سوى تم نشر غسيل البعثيين والقوميين وأعمالهم الإجرامية فيما بينهم , نفسياً الشعب العراقي شعر بالارتياح بسبب الخلاص من عصابة البعث الفاشية .
في العام 1964 برز طاهر يحيى كأحد الشخصيات المهمة من مجموعة عبد السلام عارف . وخطى خطوة تأميم المصانع التابعة للبرجوازية الكبيرة وكذلك تأميم كل الكليات والمعاهد الأهلية , كخطوة سميت بالتحول الاشتراكي وهي بالحقيقة ليست لها سمة من سمات الاشتراكية وإنما كخطوة نحو رأسمالية الدولة , والطبقة العاملة لم تكسب أي مطلب من مطالبيها لا في تحسين ظروف العمل ولا زيادة الأجور ولا في ضمان حقوق العمال المهدورة , فقط الشئ الطفيف الذي حاولت حكومة طاهر يحيى أن تذر الرماد في العيون من خلال خطواتها الاشتراكية الوهمية والتي عززت سيطرة الدولة على قطاعات صناعية واسعة في البلد .
قيادة الحزب *الغائب في الملمات والحاضر في المصائب*(القديمة الجديدة) باركة خطوات التأميم , وحثت على السير باتجاه التعاون مع الحكومة القومية التي جاءت بعد 18 تشرين 2 1963 ودعت قيادة الحزب الى المشاركة في احتفالية أقامتها الحكومة وفيها الدعوة للوحدة بين العراق ومصر في ملعب الكشافة في بغداد والتوجيه الذي أمر كل قواعد الحزب في المشاركة واستقبال ممثل الجمهورية العربية المتحدة زكريا محي الدين(مصر) الذي جاء لمباركة حكومة عبد السلام عارف والعمل على الحاق و ضم العراق الى الجمهورية العربية المتحدة , وهذا كان حلم جمال عبد الناصر لا لكونه قومي وحدوي ويحب العروبة وإنما للسيطرة على نفط العراق وخيراته وهذا ما عبر عنه الشعب العراقي في حينه مستهزئاً بدعوات ناصر للوحدة الاندماجية الفورية . ( ناصر يقول البترول في جيب والبلح في جيب ) وهذه هي حقيقة الطغاة من الزعماء العرب من عبد ناصر وغيره .
ومباركة الحزب لخطوات الحكومة سنة 1964 سميت بخط آب التصفوي الذي رسمته قيادة الحزب وعملت على حل الحزب الشيوعي ودخول تنظيماته في الاتحاد الاشتراكي الناصري الذي شكله عبد السلام عارف على غرار الاتحاد الاشتراكي المصري الذي تم فيه حل تنظيمات الحزب الشيوعي المصري وباقي تنظيمات اليسار , أما المعترضين فكان مصيرهم السجون أو أحواض التيزاب والذي أصبحت المباحث المصرية أكثر براعة من الأس اس الهتلرية فيه وبعلم ومباركة ناصر.
وعلى أثر خطوات ناصر وعبد السلام عارف باتجاه التعاون وخدمة مصر فقط رمي في أحواض التيزاب خيرة المناضلين من مصر ولبنان وسوريا .
أما العراقيين فقد ضاقوا طعم التيزاب أيام الحرس القومي, بعد أن تعلم البعثيين فن رمي الأنسان في التيزاب ليذوب ويتلاشى من المباحث المصرية, وفي قصر النهاية بعد انقلاب 8 شباط 1963 والذي نجوا من التيزاب تم إرسالهم الى الموت من خلال أحكام الإعدام التي كانت تصدر من محاكم أمن الدولة العراقية ( محاكم عرفية عسكرية ) وهذه المحاكم لا تختلف عن المحاكم في العهد النازي الهتلري والفاشية الايطالية ..
لم يكن في وسعنا التصديق من أن كل إمكانيات الحزب الشيوعي التنظيمية في الجيش ووجود عدد كبير من القادة العسكريين الشيوعيين ومنهم جنرالات وضباط من كل صنوفه . لم يستطيع افشال الانقلابيين ودحرهم علماً ان القوة التي نفذت الانقلاب كانت ضعيفة, لو تم قياسها بالقوة المعنوية والعددية للشيوعيين . وثبت للتاريخ أن الحزب وقادته كانوا فوق ارضية رخوة وغير مستعدين للمفاجئات ولم تكن هناك خطة طوارئ خاصة بالحزب ورجال الحزب من العسكريين كان ولائهم لعبد الكريم قاسم أكثر من ولائهم لحزبهم الشيوعي .
والمفارقة أن المعومات عن انقلاب البعث كانت متداولة بين الناس وخاصة جماهير الحزب الشيوعيى وقبل وقوعه بأسابيع .
لا يمكن غفران ذلك لما حل بالشعب العراقي من مصير أسود مجهول . والذي غير كل مجرى التاريخ في العراق وسار به نحو الموت والدمار والانقلابات والحروب العبثية التي حصدت ارواح الملايين من الشباب العراقي .
بعد أن حلت المأساة بشعبنا وحزبنا وأمتلئ العراق بالمقابر الجماعية والسجون . لم نجد من يمد يده لإنقاذ البلد من كل هذه الأهوال , لا سياسة ولا نهج واضح ولا تحالفات صحيحة ولم يعرف الشيوعيين عدوهم من صديقهم . الذي اتضح لنا انه ليس هناك تضامن من الحزب نفسه تجاه رفاقه وجماهيره ولا هناك تضامن بمعنى الحرفي للكلمة كنا نسمع عن التضامن الأممي ولكن بدون نتيجة..
أما الرفاق السوفييت بالنسبة لهم من يشتري سلاحهم يعتبرونه رفيق واشتراكي, وتم وصف الدول الرجعية والفاشية كمصر وسوريا والعراق وليبيا والجزائر وغيرها في افريقياً وسموها بذات التوجه الاشتراكي , والسوفييت ليس لديهم مانع من وصف العربية السعودية بذات التوجه نحو الاشتراكية وهذا ما جري طرحه في المدرسة الحزبية في موسكو في سبعينيات القرن الماضي !!!..
في سنين حروب العرب مع اسرائيل كان السلاح السوفييتي بيد الحكام العرب . واللافت أن السوفييت كانوا مرتاحين لوجود الشيوعيين العرب في معتقلات هؤلاء الحكام الذين ينشدون زوراً شعارات الوحدة والاشتراكية وهم بكل قواهم مارسوا ابشع أنواع الطغيان والدكتاتورية الفاشية ولم يربطهم أي خيط نحو الوحدة العربية والاشتراكية .
في العراق آلاف المعتقلين الشيوعيين تحت ظلم وطغيان حكام بغداد القوميين ووزير الدفاع السوفييتي والرئيس بدغوريني في بغداد 1966-1967 . وهذه الزيارات لعرض السلاح وبيعه ومباركة لحكام بغداد في اعتقالهم وإعدامهم للشيوعيين العراقيين !!؟.
الشيوعيين السوفييت كان شاغلهم الأهم هو بيع السلاح و التثقيف بالخط اللآرأسمالي وهدفهم من ذلك طمس وتذويب النضال الطبقي ضد الطغاة . ( وحقيقة النهج اليميني التصفوي للشيوعيين السوفييت هو الضغط على الشيوعيين من أجل حل احزابهم والانخراط والذوبان مع القوى القومية الفاشية !!!!؟)
النهج السوفييتي عرف بالعمى الأيديولوجي وبرائحته النتنة وطوباويته وبعده عن الماركسية في تحليله الطبقي وموقفها من القوى القومية الفاشية.
السوفييت باعوا المبادئ لقاء شراء سلاحهم من قبل الحكام العرب الرجعيين والفاشيين . ولم يدم هذا العمى الفكري والنظري كثيراً لدى السوفييت, حيث ضيعوا الطريق وضيعونا معهم وذهبت مع الريح تضحيات عشرات الملايين من البشرية في العالم والاتحاد السوفييتي. ولا زالت الصراعات تدور بين الشيوعيين واليساريين من الذي يقـــف ضـــد مـــن . و نضالهم غير واضح المعالم ومن هو العدو.
وهذا ما جنيناه خلال تلك السنين ومازلنا, من مآسي وتحالفات لا طائل منها وفي الكثير من تلك التحالفات يكون مصير الشيوعيين الموت والمعتقلات والسجون .
(وهذا ليس اعتباطياً ولكنه فعل مدروس ومرسوم لنا نحن الشيوعيين لقد وضعونا لعبة تمرين تتقاذفها أذرع الرأسمالية حسب ما تشاء, كي يطول عمر الرأسمالية العالمية . وهل سيأتي زمن حفاري قبور الرأسمالية الذي ذكره الرفيق كارل ماركس هل سندفنهم وهم نجحوا في قبرنا قبل أن ندفنهم )
كريم الزكي
13 كانون الثاني 2019