حول رحيل الرفيق جلال محمد


عادل احمد
2019 / 1 / 13 - 22:08     

رحل عنا الرفيق والقائد والمربي الاشتراكي في العراق الرفيق جبار مصطفى (جلال محمد). لو لم يكن موجودون رفاق امثال جلال محمد في العراق، لما وصلت الحركة الشيوعية المعاصرة في العراق وكوردستان كما هي الان. ان جبار مصطفى كرس شبابه وعمره لأكثر من خمسة عقود من اجل عالم افضل، عالم الحرية والمساواة وتربية عدة اجيال بفكر وعقائد الاشتراكية والشيوعية العمالية. تستحق الوقوف والتمعن كثيرا جميع اعماله وكتاباته ونضاله الدؤوب والمستمر من اجل الحركة الاشتراكية. تحدث رفاق دربه ورفاقه القدماء كثيرا عن تاريخ نضاله واصراره على مواصلة موكبه نحو بناء عالم خالي من الاستغلال والظلم وخالي من نظام العمل الماجور والعبودية الرأسمالية، وانا اضيف عليه تجربتي الشخصية مع هذه الشخصية الفذة والقائد والمربي الاشتراكي. ان الرفيق جلال محمد كان ثوريا للغاية وعندما تطرح فكرة او اقتراح ما كانت ثوريته تنطلق بين الجمل الاخرى وكانت دائما بالضد من الفكرة الانهزامية، وان الثورية وعامل التقدم الثوري هي كانت خلاصة افكاره وعندما نتحدث عن هذا الجانب نحن لا نبالغ بحقه وانما كان الرفيق حقا تجسيدا للثورية والتقدم.
تعرفت على الرفيق جلال محمد في ابريل من عام 1991 في مدينة مريوان الايرانية، وكان في مأمورية لتجميع قوى الحركة المجالسية في كوردستان والتي تلاشت بعد هجوم النظام البعثي على جميع المدن والمحافظات بالطريقة الوحشية وتمكنه من السيطرة عليها. طلب الرفيق جلال اجتماعا عاجلا وانا كنت مع الرفيق جمال ايوب وحيدر هيدايت (وللأسف رحل عنا بحادث السيارة) وكانت الجلسة في بيت الرفاق امل عثمان وفؤاد وكان هناك رفاق اخرون لا اتذكر اسماؤهم. وعندها تحدث عن مستقبل الحركة وكيفية تجميع قواها، تحدث الرفيق بكل الروح الثورية بان فعاليات المجالس يجب ان تدوم ويجب ان نرجع الى مدننا ومحافظاتنا بروح ثورية وان نستمر بالعمل الثوري، وتحدث كيف يجب ان يكون الخطوة الاولى ان نجتمع في المركزين وهما المركز في حلبجة ومركز اخر في بنجوين ومن ثم الاقرار بالذهاب الى مدننا وان نستمر بالنضال وان نستمر في بناء المجالس.. ان طرحه كان ثوريا وكان ملهما لتجميع قوانا كان هو يمتلك خبرة وكان يربط الاواصر السريعة بين الرفاق في المجالس والحركة الشيوعية. وادى عمله هذا الى رجوع الرفاق الى المحافظات وخاصة اربيل والسليمانية وحقا هذا العمل قد ادى الى حدوث ما يسمى بالانتفاضة الثانية التي اخرجت النظام البعثي في كوردستان على الرغم من مساندة الجبهة الكوردستانية لحكومة البعث والتي كانت في حالة مفاوضات معه. والتقينا مرة اخرى في اجتماع اتحاد نضال الشيوعية العمالية ومن ثم استمرت اللقاءات حتى بعد تأسيس الحزب وكنا نعمل سويا في هيئة الوسط والجنوب للحزب الشيوعي العمالي العراقي والتي كان هو لفترة مسؤولا عنها. كل اللقاءات والجلسات كانت مفعمة بالروح الثورية وكانت هناك دائما طروحاته الثورية وكانت رفاقية الى درجة عالية يسودها التسامح كثيرا وكان اكثر اهتماما بالرفاق.
ان اهتمام الرفيق جلال محمد بترجمة الكتب والمقالات الشيوعية العمالية الى اللغة العربية حتى يتسنى الشيوعيين المتحدثين بالعربية ان يعرفوا الى افكار الشيوعية العمالية.. اتذكر عندما قال لي احد رفاق الشيوعية في الناصرية بعد قراءته لكتاب "الديمقراطية بين الادعاءات والوقائع" لمنصور حكمت والتي ترجمتها الرفيق جلال محمد الى العربية، بأنه هزت رأسه عندما قرأه وكان اخذ النسخة بحماسة الى جنوب العراق ووزعها وتمت مناقشتها. وكذلك كتاباته الاخرى عن تاريخ نضال الطبقة العاملة العراقية ومقالاته في الجرائد الحزبية كانت كنز لا يقدر بثمن. ان تاريخ خمسة عقود للرفيق جلال محمد حقا كان تاريخ النضال الشيوعي المستمر والذي لم يتوقف عنها وكانت اخر فعالياته نشر الافكار الشيوعية والاشتراكية على مواقع التواصل الاجتماعي قبل اثني عشر يوما قبل رحيله ولكن المرض استنزف كل طاقاته ورحل عنا في 31 من كانون الاول.
ان الحركة الشيوعية المعاصرة، الشيوعية العمالية فقدت احد ابرز وجوهها وفقدت ابرز مربيها وقادتها وترك فراغا كبيرا. ونحن جيل من الشيوعيين تربينا وترعرعنا على يد الرفاق امثال جلال محمد واستطعنا الوقوف صامدين بوجه الرأسمالية والظلم الطبقي واستطعنا ان نتعرف على بوصلتنا الطبقية بواسطة الكوادر القيادية من امثال الرفيق جلال محمد، ونحن مدينين لأعماله وتربيته النضالية وروحه الثورية. ونحن فخورون ايضا اننا كنا بجوار الرفيق وكنا من اصدقائه ورفاق دربه وشركاء في تحزبه ورؤيته النضالية. وان اسمه وتاريخه ونضاله سيبقى حيا في وجدان النضال الطبقي للطبقة العاملة، والتي ساهم بدوره كثيرا في توعيتها والف كتابا ومقالات قيمة في هذا المجال وان مقابلاته الاعلامية في الجرائد والتليفزيونات تثبت صحة ما نقوله. عظمة هذا الرفيق على الرغم من بساطته وتواضعه كان يهتم برفاقه الشيوعيين بكل الاخلاص كما يهتم بعائلته وبناته.
لقد كان للرفيق جلال محمد تضحيات لا تقاس كرس حياته كلها من اجل الحركة الشيوعية والعمالية.. ان الوفاء المستحق للرفيق جلال محمد هي الاستمرار في نفس الطريق التي سلكها وهو النضال الطبقي لبناء عالم خالي من الاضطهاد والظلم، سيبقى اسمه خالدا الى الابد.