تونس : رغم إنتفاضتها الشعبيّة ، لماذا لم يتغيّر في الأساس وضع الجماهير بل إزداد سوء ؟ _( + ) لنكن واقعيين : الدول العربيّة رجعية متحالفة مع الإمبريالية تسحق الجماهير الشعبيّة لذا وجبت الإطاحة بها و تشييد دول جديدة يكون هدفها الأسمى الشيوعية و تحرير الإنسانيّة على النطاق العالمي


ناظم الماوي
2019 / 1 / 12 - 22:15     

تونس : رغم إنتفاضتها الشعبيّة ، لماذا لم يتغيّر في الأساس وضع الجماهير بل إزداد سوء ؟ _( + )
لنكن واقعيين : الدول العربيّة رجعية متحالفة مع الإمبريالية تسحق الجماهير الشعبيّة لذا وجبت الإطاحة بها و تشييد دول جديدة يكون هدفها الأسمى الشيوعية و تحرير الإنسانيّة على النطاق العالمي


تونس : رغم إنتفاضتها الشعبيّة ، لماذا لم يتغيّر في الأساس وضع الجماهير بل إزداد سوء ؟

"... أعلنت أن المحاولة التالية للثورة الفرنسية يجب أن تكون لا نقل الآلة البيروقراطية العسكرية من يد إلى أخرى كما كان يحدث حتى الآن ، بل تحطيمها . و هذا الشرط الأوّلي لكلّ ثورة شعبية حقّا فى القارة ."
(ماركس إلى كوغلمان أيام كمونة باريس ، أفريل سنة 1871 )
-------------------------------------------------------

" هذه الإشتراكية إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتورية الطبقية للبروليتاريا كنقطة ضرورية للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقية ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه ".

( كارل ماركس : " صراع الطبقات فى فرنسا من 1848 إلى 1850" ، ذكر فى الأعمال المختارة لماركس و إنجلز ، المجلّد 2 ، الصفحة 282 ).

====================================

" قد كان الناس و سيظلّون أبدا ، فى حقل السياسة ، أناسا سذجا يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم، ما لم يتعلّموا إستشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الأخلاقية و الدينية و السياسية و الإجتماعية . فإنّ أنصار الإصلاحات و التحسينات سيكونون أبدا عرضة لخداع المدافعين عن الأوضاع القديمة طالما لم يدركوا أن قوى هذه الطبقات السائدة أو تلك تدعم كلّ مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و إهتراء . "
( لينين – مصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة )
------------------------------------------
" إنّ هذا النسيان للإعتبارات الكبرى ، الجذرية حرصا على مصالح اليوم العرضية ، و هذا الركض وراء النجاحات العرضية ، و هذا النضال من أجلها دونما حساب للعواقب ، و هذه التضحية بمستقبل الحركة فى سبيل الحاضر ، إنّ كلّ ذلك قد تكون له دوافع " نزيهة" أيضا . و لكن هذا هو الإنتهازية ، وهو يبقي الإنتهازية ، و لعلّ الإنتهازية " النزيهة " هي أخطر الإنتهازيات ..."

( لينين ،" الدولة و الثورة " ، الصفحة 74)

--------------------------------------------------------------------------------------------------------------
" من المهمّ أوّلا أن نبيّن بالمعنى الأساسي ما نعينيه حين نقول إنّ الهدف هو الثورة ، و بوجه خاص الثورة الشيوعية . الثورة ليست نوعا من التغيير فى الأسلوب و لا هي تغيير فى منحى التفكير و لا هي مجرّد تغيير فى بعض العلاقات صلب المجتمع الذى يبقى جوهريّا هو نفسه . الثورة تعنى لا أقلّ من إلحاق الهزيمة بالدولة الإضطهادية القائمة و الخادمة للنظام الرأسمالي – الإمبريالية و تفكيكها – و خاصّة مؤسساتها للعنف و القمع المنظّمين ، و منها القوات المسلّحة و الشرطة و المحاكم و السجون و السلط البيروقراطية و الإدارية – و تعويض هذه المؤسسات الرجعية التى تركّز القهر و العنف الرجعيين ، بأجهزة سلطة سياسية ثوريّة و مؤسسات و هياكل حكم ثوريّة يرسى أساسها من خلال سيرورة كاملة من بناء الحركة من أجل الثورة ، ثمّ إنجاز إفتكاك السلطة عندما تنضج الظروف..."
( بوب أفاكيان ، " العصافير ليس بوسعها أن تلد تماسيحا ، لكن بوسع الإنسانية أن تتجاوز الأفق ، الجزء الثاني "
" بناء الحركة من أجل الثورة " ، " الثورة " 2011 ؛ الفصل الثالث من كتاب " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان
و كتاباته " ترجمة و تقديم شادي الشماوي )
--------------------------------------------------------------------------
كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية .
( " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره " ، فصل من كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " ، 2005).

مقدّمة :

و قد مرّت سنوات سبع كاملة على الإنتفاضة الشعبيّة في تونس ، من اليسير ملاحظة أنّ وضع جماهير الشعب لم يتغيّر في الأساس بل إزداد سوءا . و هذه حقيقة تلقى تقريبا الإجماع ، يمينا و يسارا و وسطا . و على الرغم من الكلام الكثير المتناثر هنا و هناك ، في المقاهى و الشوارع و المنتديات و اللقاءات الحواريّة التلفزيّة و الإذاعيّة و على شبكات التواصل الاجتماعي ، و الذى قد يلتقط هذا الجزء أو ذاك ( أو لا يلتقط شيئا هاما ويغالط تماما و مباشرة المستمعين أو المشاهدين أو الحاضرين ) من الحقيقة ، يظلّ سؤال لماذا لم يتغيّر في الأساس الوضع المادي البائس لجماهير شعبنا بل ساء و يسوء بإستمرار ، قائما كالجبال الرواسى وجاثما على صدور الكثيرين يقطع أنفاس آمالهم المتبخّرة . و من ثمّة يظلّ لدى معظم جماهير شعبنا و مناضليه و مناضلاته لغزا يحتاج حلاّ .

و لهذا شعرنا بالحاجة إلى السعي جاهدين إلى تقديم عناصر إجابة ، نقاط ضوء يجب أن يسلّط على هذه المسألة الجوهريّة راهنا ، على أنّنا لا نفعل سوى تقديم ومضات يترتّب التعاطى معها بمزيد النقاش و التحليل و النقد و التجاوز إن لزم ذلك، و هذا طبعا من منطلق تعرية أوجه من المنطق الداخلي الذى يحكم النظام السائد و سير تشكيلته الاقتصادية الإجتماعيّة و كشف الحقيقة و المساهمة في إنارة سبيل النظريّة و الممارسة الشيوعيتين الثوريّتين و الهدف الأسمى هو تغيير العالم تغييرا شيوعيّا ثوريّا بإتّجاه لا أقلّ من عالم شيوعي لتحرير الإنسانيّة من كافة ألوان الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي .
و قبل كلّ شيء ، نسرع إلى توضيح إستخدامنا ل " فى الأساس " في عنوان مقالنا هذا . كي لا نكون من المثاليين ، نقرّ بحقيقة تغيّر نسبيّ عرفته بعض الفئات أو عدد من الأشخاص من بعض الفئات حيث إشتغل قلّة بعد بطالة طويلة أو صار تجّار صغار تجّارا كبارا أثروا مستغلّين فرصا ما و ما إلى ذلك . لكن الجماهير الشعبيّة بشكل عام ، لم تعرف تحسّنا ملحوظا في وضعها المادي البائس و أحيانا إزداد و يزداد وضعها سوء بدرجات متفاوتة بالنسبة للفئات و الطبقات المختلفة المكوّنة للجماهير الشعبيّة .
و سنفصّل القول نسبيّا في موضوع الحال وفق النقاط الخمس التالية التي سنتناولها تباعا :
-1- المغالطات و المغالطات الذاتيّة مقابل إعلاء راية الحقيقة :
-2- لم تكن ثورة بل إنتفاضة شعبيّة :
-3- عن نمط الإنتاج و ضرورة تغييره :
-4- البديل الشيوعي الثوري الحقيقي : الثورة الديمقراطيّة الجديدة / الوطنيّة الديمقراطية كجزء من الثورة البرويتاريّة العالميّة :
-5- الحاجة الماسة إلى التسلّح بالشيوعيّة الجديدة ، الخلاصة الجديدة للشيوعيّة :
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------

-1- المغالطات و المغالطات الذاتيّة مقابل إعلاء راية الحقيقة :

بات من المعترف به حتّى في تقريبا جميع الأوساط الشعبيّة و غير الشعبيّة و يكان يحصل إجماع لا جدال حوله أنّ الوضع في تونس على شتّى الأصعدة يشهد أزمة حادة و عميقة متصاعدة ما إنفكّت الطبقات الحاكمة تستفيد منها و تسعى طاقتها لمعالجتها كالعادة على حساب الفئات و الطبقات الشعبيّة فيما تضرّرت و تتضرّر منها عامة الجماهير العريضة . فحسب ما صدر و يصدر عن مؤسّسات كالبنك المركزي و ما يروج منذ سنوات في الإعلام المرئي والسمعي و المقروء، إزداد الأغنياء غنى و إزداد الفقراء فقرا . لقد رفعت الجماهير المنتفضة أواخر 2010 و بدايات 2011 و بعد ذلك أيضا شعارا مركزيّا هو " شغل ، حرّية ، كرامة وطنيّة " و مرّت السنوات و لم يتحقّق تقريبا شيء من ذلك فلا نسب البطالة و لا نسب الفقر و التهميش تراجعت و بالعكس ما تراجع هو الخدمات الصحّية و التربويّة و السكنيّة ، في الوقت الذى إستشرت فيه أمراض إجتماعيّة كالإجرام و الإنتحار . و ظلّت الكرامة الوطنيّة ممرّغة في الوحل و إرتفعت نسبة الديون الخارجيّة كمؤشّر من مؤشّرات بيع البلاد والعباد لتفوق الستّين بالمائة إلخ .
و كثيرة و متنوّعة هي الإجابات المباشرة و غير المباشرة على سؤال لماذا لم يتغيّر في الأساس وضع الجماهير الكادحة نتيجة الإنتفاضات الشعبيّة و تواصل الإحتجاجات بأشكال و وتائر مختلفة ؛ و كثيرة و متنوّعة هي أيضا المغالطات و المغالطات الذاتيّة المتّصلة بهذه الإجابات . و تتراوح هذه المغالطات بين إرجاع الأمر إلى أشخاص معيّنين أو إلى قدرة هذا الحزب أو ذلك أو هذا التحالف أو ذاك على تكريس برامجه بحكم تكلسّ الجهاز الإداري البيروقراطي و تصلّب شرايينه ، و مؤامرات بقايا النظام السابق و لوم الجماهير على تحرّكاتها النضاليّة المطلبيّة و إعتبارها معرقلا للإقتصاد و معكّرا للمناخ الاجتماعي و الاستقرار الذى دونه لا يمكن أن يزدهر الإستثمار الداخلي و الخارجي إلخ ؛ وصولا إلى الفساد و كأنّ الفساد ليس من طبيعة دولة الإستعمار الجديد و الطبقات الحاكمة المتحالفة مع الإمبريالية العالمية و الفارضين لنظام رأسمالي إمبريالي عالمي لصوصي أصلا .
و نظرا لكون المغالطات الأولى تراجعت أو إفتضح أمرها ، نخصّ بالكلام هنا المغالطة الأخيرة فالفساد بشتّى أشكاله و ألوانه ينخر من رأسها إلى أخمس أصابعها المجتمعات القائمة على الملكيّة الخاصة و في عصرنا هذا ، ينخر حتّى البلدان الرأسماليّة – الإمبرياليّة و الفضائح التي تفوح و تطفح إلى السطح من حين إلى آخر من الأدلّة على ذلك كما ينخر على نطاق واسع و مفضوح أكثر المستعمرات و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات . و في القطر ، ليس من العسير ملاحظة أنّ الفساد " يعمّ البلاد " ( و إعتبار الإتحاد الأوروبي أنّ تونس جنّة للتهرّب من الضرائب يعكس إلى حدّ جدّي الواقع ) ، من أبسط المعاملات إلى الصفقات الكبرى و في كافة المجالات و الحقول تقريبا لأنّ ذهنيّة " أنا أوّلا " و السعي الحثيث و بلا هوادة نحو مراكمة الأرباح و الثروات من أهمّ أسس هذا المجتمع و غيره من المجتمعات الطبقيّة اللصوصيّة أصلا – الرأسماليّة كعبوديّة مأجورة أو بقايا ما قبل الرأسماليّة – لعصرنا هذا ، عصر الإمبرياليّة و الثورة الإشتراكيّة . و بسيادة و هيمنة الإمبرياليّة و عملائها على العالم ، تسود تلك الذهنيّة و تترجم إلى ممارسات يوميّة يغدو فيها حتّى الإتّجار بالبشر بطرق متعدّدة أمرا عاديّا كما هو الحال عبر العالم اليوم ، سواء بالأطفال أو النساء و أعضاء البشر و حتّى في شكل عبودي مفضوح كما هو الحال في ليبيا هذه الأيّام .
قد تتّسع أو تتقلّص نسب أو رقعة تأثير الفساد إلاّ أنّه أساس من أسس المجتمعات المعاصرة ، الرأسماليّة – الإمبرياليّة و تلك التابعة للإمبرياليّة . و من منظور شيوعي ثوري ، مكافحة الفساد واجبة مثلما هي واجبة مكافحة التشكيلة الإقتصاديّة – الإجتماعيّة و النظام السياسي الذين ولّدوه ، بيد أنّه من الوهم بثّ تضليل أو إعتقاد أنّ بمكافحة الفساد بالأشكال المتاحة و على أيّة مستويات كانت ستعالج قضايا الإستغلال و الإضطهاد معالجة تصبّ في خدمة الطبقات الشعبيّة فالنظام أصلا نظام لصوصي شأنه في ذلك شأن الأنظمة السائدة الآن عبر العالم قاطبة و الحلّ ليس سوى القضاء عليها بواسطة الثورة الشيوعية ، أي الثورة البروليتاريّة العالمية بتيّاريها الثورة الديمقراطيّة الجديدة في المستعمرات و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات و الثورة الإشتراكيّة في البلدان الرأسماليّة – الإمبريالية و ذلك بقيادة البروليتاريا و حزبها الشيوعي الثوري و الهدف الأسمى الشيوعية على الصعيد العالمي . العصر هو عصر الإمبرياليّة و نقيضها هو الثورة الإشتراكية و غايتها الأسمى مجتمع شيوعي عالمي . أمّا بقيّة الحلول فلا تعدو أن تكون إصلاحيّة أي مسكّنات لا غير ، لن تعالج المرض من جذوره .
و غالبا ، مثلما هو الحال في تونس في المدّة الأخيرة ، تستغلّ حملات حكوميّة ضد الفساد لأغراض متنوّعة منها خلق تعاطف شعبي مع الحكومة و تخدير الجماهير بوعود كاذبة لتمرير المشاريع اللاشعبيّة لاحقا و لمغالطة الرأي العام و حصر المشكل في حفنة من الناس قد تتقلّص إلى أشخاص يعدّون على أصبع اليد الواحدة كي تخفى الشجرة الغابة أي النظام اللصوصي و الفاسد أصلا ؛ و منها تصفية حسابات صلب الطبقات و الفئات الحاكمة ، لا أكثر و لا أقلّ ؛ و هذا لا يستبعد طبعا إمكانيّة التضحية ببعض الأشخاص الذين حرقت أوراق إعتمادهم لتبييض وجه الحكومة و النظام عموما ، دون إستبعاد أيضا إمكانيّة عقد صفقات سرّية مكرّسة للفساد هي ذاتها لإصباغ صفة النظافة حتّى على الذين يعلم فسادهم أو للعفو عليهم إن أدينوا فعليّا بشكل من الأشكال ؛ في الوقت الذى تتمّ فيه تبرئة الفاسدين علنا و سرّا و حتّى إصدار قوانين تحميهم كقوانين " المصالحة الوطنيّة " و تمرير قوانين أخرى عبر الجهاز التشريعي تحمى نشاطات الفاسدين الذين يسّميهم البعض حتّى في وسائل الإعلام المرئيّة و المسموعة بالمافيا التي تملك ذراعا في الجهاز التشريعي و الجهاز التنفيذي و تصبغها بصبغة شرعيّة علما و أنّ الاقتصاد حسب الأخصّائيين الذين ما إنفكّوا يظهرون على شاشات التلفزة ، الاقتصاد التونسي قائم على أكثر من خمسين بالمائة من الاقتصاد الموازي و فيه ما فيه من الفساد وهو يولّد قدرا هائلا من الفساد إلى جانب نظام إقتصادي قانوني لصوصي أصلا !
هذا من جهة الماسكين بزمام السلطة أساسا ، أمّا من جهة من يعدّون أنفسهم معارضة و نخصّ منهم بالذكر هنا من يهمّوننا أكثر من غيرهم في مشروعنا الراهن ، المتمركسون ، فإنّهم أحيانا يتذيّلون للسياسات و التعليلات السائدة للطبقات السائدة بشأن لماذا لم يتغيّر في الأساس وضع الجماهير الكادحة و أحيانا يتّهمون الحزب أو الأحزاب الحاكمة و إختياراتها و لكن في الغالب الأعمّ لا يمضون إلى النهاية المنطقيّة و الموضوعيّة ألا وهي أنّ فى عصر الإمبرياليّة و الثورة الإشتراكيّة ، من غير الممكن أن تخدم أنماط الإنتاج المهيمنة الجماهير الشعبيّة ما لم تكن نمط إنتاج بديل حقّا أي نمط إنتاج إشتراكي ياتى نتيجة الثورة البروليتاريّة العالميّة كنقيض للإمبرياليّة ، الثورة البروليتاريّة العالميّة بتيّاريها الذى مرّ بنا ذكرهما . و في الغالب الأعمّ أيضا ما يتقدّم به المتمركسون من مقترحات و برامج لا تعدو أن تكون إصلاحات لا غير لنظام إصلاحه و ترميمه لن يخدم مصالح الطبقات الشعبيّة بل يعزّز " السلم الاجتماعي " كما ورد على لسان عمّار عمروسيّة ، قيادي في حزب العمّال التونسي وفى الجبهة الشعبيّة ، في حوار تلفزي على قناة تلفزيّة تونسيّة في الأيّام الأولى من سنة 2018 و هيمنة الطبقات الحاكمة و حلفائها الإمبرياليين و سيطرتها و يؤبّد حكمها . دول الإستعمار الجديد و الدول الإمبرياليّة كأجهزة قمع طبقي لا تخدم غير الطبقات السائدة و إن رمت ببعض الفتات لفئات معيّنة فلشراء الذمم و إستعمالها لمغالطة أوسع الجماهير و تأبيد سلطتها .
و لعلّ نظرة بسيطة على ما آلت إليه أوضاع حتّى البلدان التي شهدت إصلاحات من نوع تلك المقترحة من قبل المتمركسين عبر العالم قاطبة و خاصة بأمريكا اللاتينيّة و أفريقيا و آسيا ، تفيدنا بأنّ أوسع الجماهير الشعبيّة لا تزال تعانى الأمرّين من الإستغلال و الإضطهاد و إن تحسّنت ظروف أشخاص أو فئات قليلة . و التغيير الجذريّ يقتضى إنشاء دول هدفها الأسمى الشيوعيّة على النطاق العالمي ، على أنقاض الدول الإمبريالية و دول الإستعمار الجديد . و مهما أدخلت من إصلاحات على دول الإستعمار الجديد ، ستظلّ دول إستعمار جديد بمنطقها الداخلي و منطق سيرها الذى سيواصل طحن المستغَلّين و المضطهَدين حتّى و إن كان ذلك بوتائر و أنساق متباينة لكن في الجوهر متشابهة .
و للأسف تردّد أوساط شعبيّة ما ينشره أنصار نظام بن علي و الذين إستفادوا منه من حنين للماضي و ما يفرزه تفاقم التفقير و التجويع و التهميش ، من تمنّى عودة بن علي فتغمض أنظارها عن واقع و حقيقة أنّ الحكومات المتتالية بعد فرار بن علي لم تفعل سوى المضيّ في إنجاز الخيارات التي رسمها و الإمبرياليّة أو أملتها عليه الإمبرياليّة إملاء . قد يوجد إختلاف إلاّ أنّه قد يكون في الدرجة و ليس أبدا في نوع الخيارات الاقتصادية والسياسيّة و الإجتماعيّة و الثقافيّة الجوهريّة. جميعهم أشخاص و أحزاب في خدمة ذات الدولة ، لا غير .
و نذكّر من لديه أدنى شكّ في ذلك على أن لا يكون من الذين يسلكون سياسة النعامة و يدفنون رؤوسهم في الرمال حتّى لا يشاهدوا الخطر الداهم ، ببعض المعطيات المعروفة عموما لدى القاصي و الدانى و نسوقها في شكل أسئلة :
- ألم تشرف القوى الإمبرياليّة العالميّة ومنها الفرنسيّة و الأمريكيّة بالتعاون مع القوى الرجعيّة المحلّية على خطوات إعادة ترميم الدولة بعد سقوط رأسها بن علي ؟
- من قدّم القروض و الإعانات للدولة و حكوماتها المتتالية إن لم تكن القوى الإمبرياليّة و أيضا الرجعيّة العربيّة ؟
- من إستفاد من هذه القروض ؟
- من موّل الأحزاب الرجعيّة الأصوليّة و غير الأصوليّة التي صعدت إلى السلطة ؟
- من خدمت هذه الأحزاب الرجعيّة ؟ ألم تخدم مصالح الإمبرياليّة العالميّة و الرجعيّة العربيّة ؟ ألم تفوّت في عديد الشركات و المؤسّسات لفائدة الإمبرياليين و الرجعيين الأتراك و القطريين و السعوديين إلخ ؟
- من نسّق بين القوى الأحزاب الرجعيّة لتتحالف من أجل مواصلة تكريس خيارات دولة الإستعمار الجديد ؟
- من إزداد غنى و من إزداد فقرا ، حتّى حسب تقارير البنك المركزي ؟
- أين ذهبت الأموال المرصودة لمشاريع في الجهات ( القصرين و سيدى بوزيد مثلا ) لم تعرف النور أو شُرع فيها و لم تكتمل ؟
- من نال تعويضات عن تراجع السياحة و من نال الطرد التعسّفي ؟
- من تثقل كاهله ميزانيّات الدولة و ضرائبها و من يتهرّب من الضرائب لعقود و تغضّ الحكومة النظر عنه ؟
- هل تؤمنون حقّا بأنّ دولة الإستعمار الجديد ستكفّ عن خدمة المصالح الإمبرياليّة و الرجعيّة و تخدم أهمّ مصالح أوسع الجماهير الشعبيّة ؟
- متى خدمت دولة الإستعمار هذه أهمّ مصالح الفئات و الطبقات الشعبيّة ؟
و هكذا و هكذا ...

دولة الإستعمار الجديد ، دولة الطبقات الرجعيّة المحلّية المتحالفة مع الإمبريالية العالمية لا تزال كما هي ، لا تزال جهاز قمع يخدم هذه الرجعيّة و هذه الإمبرياليّة و في المقابل لا تزال الفئات و الطبقات الشعبيّة مستهدفة و تعانى الأمرّين و ما تحقّق من مكاسب و إصلاحات طفيفة و قليلة كتنازلات مؤقّتة تحت ضغط الغضب الشعبي و الإنتفاضة الشعبيّة ، في الواقع ، إستعادته و تستعيده الطبقات الرجعيّة شيئا فشيئا و يشهد على ذلك حتّى ما يجرى من تضييق على الإعلام و على الفايسبوك و الحرّيات الفرديّة و العامة و إهانات للنساء إلخ . و في الوقت الذى ما فتأت الحكومات الرجعيّة تعتدى على قوت الكادحين و حقوقهم إستعدّت غداة الإنتفاضة الشعبيّة منذ سنوات إلى المواجهات المستقبليّة بتعزيز جهاز القمع الطبقي ، الدولة ؛ فتوطيدا للولاء لهذه الدولة ، رفعت أوّل ما رفعت من أجور الشرطة و قادة الجيش ثمّ من أجور القضاة لمرّتين الآن (بوسعكم مقارة مقاديرها المرتفعة بالأجر الأدنى و بمدخول ما يناهز 150 ألف أسرة التي تعيش على 150 دينار في الشهر الواحد و بوضع الأسر الفقيرة و المعدمة و المعطّلين عن العمل و حتّى بقيّة العمّال الأجراء و قدر كبير من الموظّفين ؛ و بعدئذ إستخلاص الدرس ) و طبعا ضاعفت ما يتقاضاه النواب في مجلس نواب الشعب و خصّت الرئيس و أسرته بإمتيازات ماديّة هائلة تمتدّ على ما بعد فترة الرئاسة .
و هكذا ، هذا يغالط الغير و ذاك يغالط نفسه عن وعي أو عن جهل بأوهام " الإنتقال الديمقراطي " و تواصل " المسار الثوري " و ما شابه و تستمرّ فصول مسرحيّة شغلها الشاغل حجب ضرورة الإطاحة بالدولة القائمة عبر ثورة حقيقيّة تنشأ دولة جديدة هدفها الأسمى الشيوعيّة على النطاق العالمي و تحرير الإنسانيّة من كافة أشكال و ألوان الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي ، و حجب ما يستدعيه ذلك من مهام شيوعيّة ثوريّة .
و في مقابل ذلك على الشيوعيين و الشيوعيّات البحث عن الحقيقة الماديّة الموضوعيّة و كشفها و نشرها و الإنطلاق منها في تفسير العالم من أجل تغييره .
و قد أصاب بوب افاكيان مهندس الشيوعية الجديدة ، الخلاصة الجديدة للشيوعيّة كبد الحقيقة حينما أكّد التالى :
" كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية ."
( " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره " ، فصل من كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " ، 2005)

-2- لم تكن ثورة بل إنتفاضة شعبيّة :

في تصدير هذا المقال وضعنا تعريفا للثورة بقلم بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة و مهندس الخلاصة الجديدة للشيوعية أو الشيوعية الجديدة . وهو تعريف علمي صاغه إنطلاقا من التراث الشيوعي و ما ألّفه معلّمو البروليتاريا العالميّة و بناءا على تطوّر علم الشيوعيّة و تجارب البروليتاريا العالميّة و عصرنا ، عصر الإمبرياليّة و الثورة الإشتراكية . و هذا لعمرى تعريف في منتهى الأهمّية لا سيما اليوم و قد إختلط الحابل بالنابل و راح المتمركسون ، فضلا عن إيديولوجيّو الطبقات المستغِلّة الرجعيّة ، يروّجون لمفاهيم للثورة غالطة تماما و قد توسم بالبائسة أيضا و ذلك منهم طبعا قصد تضليل المناضلين و المناضلات و الجماهير الشعبيّة العريضة خدمة للرجعيّة و تأبيدا للوضع السائد أو قصد تحقيق أهداف براغماتيّة لا صلة لها بالمبادئ الشيوعيّة .
و قد صغنا بهذا المضمار عدّة جدالات ضد المتمركسين في القطر في كتاباتنا السابقة و منذ بدايات 2011 و حتّى ضد سلامة كيلة في كتابنا " نقد ماركسيّة سلامة كيلة إنطلاقا من شيوعيّة اليوم ، الخلاصة الجديدة للشوعيّة ". و ممّا جاء في كتابنا إيّاه بهذا الصدد و على وجه الضبط في الفصل الرابع ( وهو ينسحب على جميع المتمركسين تقريبا ) :
" فى المعنى المشوّه للثورة و تبعاته :
من فاتحة المقالات التى نشرنا على الأنترنت بموقع الحوار المتمدّن بإمضاء ناظم الماوي فى 2011 بخصوص ما حدث فى تونس بين ديسمبر 2010 و 14 جانفي 2011 ، مقالنا " أنبذوا الأوهام البرجوازية الصغيرة حول الإنتفاضة الشعبية فى تونس " بتاريخ 24 جانفي 2011 و فيه تناولنا بالنقد إنحرافا أخذ يستشرى كالنار فى الهشيم و يعمّ بسرعة مجموعات و منظّمات و أحزاب متمركسة فى تونس و هذا الإنحراف يخصّ مثلا إنجراف ناطقين بإسم حزبين صارا من قيادات الجبهة الشعبيّة إلى تبنّى مصطلح ثورة و إستخدامه لنعت ما حدث فى تونس عوض إنتفاضة تماشيا منهما مع ما كانت تروّج له وسائل الإعلام الرسميّة ، أي وسائل إعلام الدولة و الطبقات الحاكمة التى إنجرفوا وراءها فى طريق تضليل الجماهير و مغالطتها .
و تصرّم الزمن و مرّت الأشهر و طفقت الغالبيّة الغالبة من المناضلات و المناضلين و الكثير من الجماهير يكتشفون حقيقة الأمر و ينحون نحو إستخدام إنتفاضة و أحيانا إنتفاضة و ثورة معا و بلغ الأمر بالجماهير و بمثقّفين و فنّانين أن إستهزؤوا بوصف التغيير الشكلي لا غير بأنّه ثورة .
وقد بيّنت لنا كتابات سلامة كيلة التى تغطّى سنوات 2011 – 2015 على موقع الحوار المتمدّن و موقعه الشخصي على الأنترنت لجوء هذا الكاتب إلى مصطلح الإنتفاضة فى الغالب الأعمّ سنة 2011 مع إستخدام للمصطلحين أحيانا . إلاّ أنّه بعد ذلك و خاصة منذ 2013 أخذ يدافع بإستماتة عن نعت ما جدّ فى تونس و مصر ... بالثورة على الرغم من أنّ الواقع قد زاد من إجلاء أنّ الأمر لا يعدو كونه إنتفاضة شعبيّة لم تهزّ أركان كافة النظام القائم و لم تسقطه بل أطاحت بأحد رموزه فحسب و لم تغيّر شيئا من موقع الطبقات وطبيعة التشكيلة الإقتصادية – الإجتماعية و نمط الإنتاج و طبيعة الدولة.
و سعى مفكّرنا إلى التنظير للمسألة لا سيما فى مقالات " الثورة فى الماركسية " و " عن الثورة والثورة المضادة " و " صدام اللغة والأيديولوجيا في معنى الثورة " ما يقتضى منّا الوقوف عند هذا التنظير لنسوق بصدد هذه المسألة هي التي تستأهل النقاش جملة من الملاحظات التى نسعى جاهدين لأن تكون من العمق بحيث تجلى المسألة الإجلاء اللازم .
أوّلا ، يقدّم لنا مفكّرنا مفهوما للثورة و لا يقدّم لنا فيما يتميّز عن مفهوم الإنتفاضة و التمرّد و العصيان إلخ . إنّه يركّز بنظرة إحاديّة الجانب على مصطلح و يعرّفه جزئيّا فى حين يتطلّب المنهج المادي الجدلي تطبيق قانون التناقض و تعريف الشيء بما هو و بما ليس هو أي تعريفه إيجابا و سلبا . و هنا نلفى السيّد كيلة يكرّس المنطق الصوري الذى لا ينفكّ يهاجمه .
ثانيا ، يستدعى الحديث عن الثورة الحديث عن نقيضها أي الثورة المضادة غير أنّ السيّد كيلة يستميت فى مقال " عن الثورة والثورة المضادة " فى محاولة دحض الوجود الواقعي للثورة المضادة و يكتفى بوصفه ب " فعل "طبيعي" من قبل الطبقة المسيطرة للحفاظ على سلطتها " ما ينمّ مرّة أخرى عن فهم و تطبيق مشوّهين لقانون التناقض . فإذا كانت الثورة فى آخر المطاف ، فى مقال كيلة ذاك ، تعنى " التمرد الشعبي على السلطة المستبدة " ، لماذا لا يعنى نقيضها أي تحرّكات الطبقات الحاكمة ضدّ التمرّد الشعبي ثورة مضادة ؟
ثالثا ، فى مقال " الثورة فى الماركسية " ( ملاحظات حول منظور لينين عن الثورة ) ، يعرض علينا كاتبنا موقفين للينين هما :
1- " و بالفعل ، ما هي الثورة من وجهة النظر الماركسية ؟ إنها هدم بالعنف لبناء فوقي سياسي قديم ولى عهده ، وأدى تناقضه مع علاقات الإنتاج الجديدة، في لحظة معينة، إلى إفلاسه ." ( " خطتا الاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية " ، ص206 ).
2- " تتحقق الثورات في لحظات تفجر جميع الطاقات البشرية وتوترها لدرجة كبيرة، وهي تتحقق بوعي وإرادة وعواطف وتخيلات عشرات الملايين المدفوعة بأحدّ نضال بين الطبقات " ( " مرض "اليسارية " الطفولي في الشيوعية " ، طبعة دار التقدم ، ص107).
و بإبتهاج و تهليل تخاله يقفز من ثنايا الفقرات ، يعلٌق السيد كيلة " هو هنا يتحدث عن الانفجار العفوي تماماً، ومن قبل الملايين بالضبط . هذه هي الثورة " و بعد أسطر يستنتج : " إذن، لينين يسمي كل تمرّد عفوي شعبي ضد النظام ثورة " و ربما إنتبهتم معنا إلى أنّ السيّد كيلة يركّز على " العفوي " و " عفوي " بينما لم يذكر ذلك لينين أصلا بل إنصبّ حديثه عن العكس تماما ، " عن وعي ...الملايين " فى إنسجام معلوم مع مقولته الشهيرة فى " ما العمل ؟ " : " لا حركة ثورية دون نظريّة ثوريّة " !!! و بعد هذا التلاعب بفحوى كلام لينين ، يبذل مفكرّنا كيلة قصارى جهده ليقنع القرّاء بتبنّى تـأويله هو المغرض للموقف الثاني للينين عوض الأوّل !!!
و حتّى فى حال أنّ لينين نطق بموقفين مختلفين ( و ليس الحال كذلك هنا فهما متكاملين تماما لينينيّا ) ، من واجب الباحث عن الحقيقة أن يشبع الموضوع بحثا فيتفحّص مدى صحّة و دقّة الموقفين و أيّهما أقرب إلى الحقيقة و يعكس هذه الحقيقة المادية الموضوعيّة على أفضل وجه و هل يتكامل الموقفان أم يتنافيان و الظروف التى صدر فيهما الموقفين . و هذا أبعد ما يكون عن ما فعله سلامة كيلة فهو كما رأينا يؤوّل كلام لينين كما يحلو له ليوظّفه للدعوة إلى التذيّل إلى العفويّة و تقديسها ، العفويّة التى نقدها لينين مطوّلا نقداعلميّا دقيقا و مبدئيّا فى " ما العمل ؟ ". و لن نكون ضد اللينينيّة إن نقدنا مواقفا غير صائبة للينين أو أخطاء ثانويّة لديه ( و إن كانت جدّية ننقدها أيضا كما نقد الماويّون أخطاءا جدّية لدى ستالين منذ عقود الآن وظلّوا يرفعون خلاصة أنّ ستالين ماركسي عظيم قام بأخطاء أحيانا جدّية ). و لن تكون المرّة الأولى لنا كأنصار للخلاصة الجديدة للشيوعية أن ننقد تنظيرات لينين و ممارساته و نقدُنا فى كتاب" آجيث نموذج الدغمائي المناهض لتطوير علم الشيوعية " لنزعة قوميّة برزت فى مقال لينين" العزّة القوميّة للروس " لا ينقص شيئا من عظمة لينين و تبنّينا للينينيّة كمرحلة ثانية فى تطوّر علم الشيوعية .
و أكيد أنّ السيّد كيلة و أمثاله لم يفقهوا شيئا من فحوى ما قاله لينين عن الشرط الأوّلى لكلّ ثورة شعبيّة حقّا فى الصفحة 41 من " الدولة والثورة " ( دار التقدّم ، موسكو ) :
" تستحقّ إنتباها خاصا ملاحظة ماركس العميقة منتهى العمق القائلة إنّ تحطيم آلة الدولة البيروقراطية العسكريّة هو " الشرط الأولي لكلّ ثورة شعبيّة حقّا ." "
أضف إلى هذه الملاحظات التى تؤهّلنا إلى إستخلاص أنّ كاتبنا إنحدر إلى المثاليّة و غرق فى لجّاتها أنّ الإنجرار إلى مربّع وصف ما جدّ فى تونس و مصر ... بالثورة ليس خاطئا و حسب بل ضار للغاية أيضا و فى مقالنا " أنبذوا الأوهام البرجوازية الصغيرة حول الإنتفاضة الشعبية فى تونس " فى 24 جانفي سنة 2011 علّقنا على المسألة فقلنا :
" إنّ رموز بعض التيارات أو الأحزاب اليسارية الذين طلعوا علينا فى التلفزة يوم 22 جانفي منطلقين فى حديثهم من إعتبار ما حصل إنتفاضة ليختموه بأنّها ثورة – حمّه الهمّامي الناطق بإسم حزب العمّال الشيوعي التونسي- أو الذين يصيحون بأنّها ثورة و يا لها من ثورة متميّزة – شكرى بلعيد الناطق بإسم حركة الوطنيين الديمقراطيين- أو الوطنيين الديمقراطيين الوطد الذين كتبوا فى بيان يوم 14 أنّها إنتفاضة شعبية ليتحدّثوا فى نداء يوم 16 عن ثورة عارمة و مضمون وطني و شعبي و ديمقراطي و أهداف داعية للحرية و العدالة الإجتماعية من وجهة نظر العمال و الكادحين، إنّ هؤلاء جميعا من جهة ينشرون الأوهام حول الإنتفاضة و دولة الإستعمار الجديد عوض نشر الحقيقية التي هي وحدها الثورية كما قال لينين و من جهة ثانية يقدّمون خدمة من حيث يعلمون أو لا يعلمون لأعداء الشعب حيث هؤلاء الأخيرين نفسهم يستعملون كلمة الثورة لمغالطة الجماهير و دعوتها بعد القيام بها إلى الركون و السكون و الكفّ عن خوض النضالات و توسيعها و عدم المسّ من مختلف أجهزة بيروقراطية الدولة و الجيش و العودة إلى الحياة العادية مكتفين بما حصل من تغيير على أنّه ثورة ناجزة.
و فضلا عن هذا الخلط النظري و الضرر السياسي و العملي الذى يلحقه بالصراع الطبقي إستعمال مفاهيم مضلّلة ،ثمّة خطر إعتبار الثورة تمّت و إيهام الجماهير بأنّه لا رجعة عن المكاسب المحقّقة فى حين أنّ واحد من أهمّ دروس الصراع الطبقي فى العالم التي إستخلصتها البروليتاريا العالمية هي أنّ مثل هذه المكاسب أو الإصلاحات قابلة للذوبان و التآكل و الإلتفاف عليها لاحقا حتى و إن سجّلت فى الدستور و فى قوانين و عليه لا بدّ من إبقاء الجماهير متيقّضة و رفع وعيها لتحافظ عليها و توظّفها لمزيد رفع الوعي و التقدّم بالنضال نحو الثورة الوطنية الديمقراطية / الديمقراطية الجديدة بقيادة البروليتاريا و حزبها الماركسي- اللينيني- الماوي و الكفيلة بحلّ التناقضات الأساسية الوطنية و الديمقراطية و تمهيد الطريق للثورة الإشتراكية كجزء من الثورة البروليتارية العالمية."
( إنتهى المقتطف )
هذا و قد إعترف السيّد كيلة بأنّ ما أطلق عليه ثورات قد تمّ الإلتفاف عليه و لم يرتق إلى إحداث تغييرات نوعيّة و جوهريّة فى البنية الفوقيّة و البنية التحتيّة للمجتمع :
- " يبدو أن الثورة تتعثر، ويجري الالتفاف عليها، حيث لا يشعر الشعب بأن شيئاً قد تغيّر، وأن دم الشهداء قد أحدث ما يوازيه من تغيير يحقق مطالب الطبقات الشعبية.
وإذا كانت الطبقة المسيطرة تعمل على إعادة بناء سلطتها بعد أن اهتزت تحت وقع ضربات الشعب، ولازال رجالاتها ممسكون بمفاصل السلطة، ويعملون على امتصاص الانفجار الشعبي من خلال تحقيق تغييرات شكلية تطال البنية السياسية للسلطة ولا تلمس النمط الاقتصادي أو العلاقات الخارجية، خصوصاً الارتباط بالإمبريالية الأميركية" .( " الثورة التونسية ما هو التكتيك الضروري الآن؟ " )
- " كانت نتيجة الانتفاضات التي حدثت هي الفشل،أو حدوث أشكال من التغيير في بعض الحالات، هذا التغيير الذي خدم شرائح من البورجوازية على حساب أخرى، ولم يؤد في كل الأحوال إلى تحقيق التغيير الجذري، الذي يعني انتصار القوى المعبِّرة عن مطامح الطبقات الشعبية صانعة الانتفاضات." ( " سمات النشاط الجماهيري ووضع الحركة الماركسية* " )
- " لكن النتائج التي حصلت لم تحقق حتى هذا الحلم الشبابي. فقد أفضت عفويتها إلى إسراع الطبقة المسيطرة إلى محاولة امتصاص الأزمة من خلال "إسقاط الرئيس" وتحقيق انفراج ديمقراطي يسهم في إدماج فئات من الرأسمالية التي جرى استبعادها بفعل الطابع الاحتكاري لنشاط الرأسمالية المافياوية الحاكمة، كما يسهم في توسيع القاعدة السياسية لسلطتها، عبر إشراك الإخوان المسلمين في سلطة "ديمقراطية منتخبة ". وبالتالي إعادة بناء السلطة في شكل جديد دون المساس بالنمط الاقتصادي الذي أسسته." ( " الماركسية وطريق انتصار الانتفاضات في البلدان العربية ")
لكنّه ظلّ يعمد إلى إستخدام " ثورة " مبرّرا ذلك بأنّ عدم النظر إلى المسألة على ذلك النحو يجرّ إلى الإستقالة و ترك الجماهير وحدها دون مشاركة " الماركسيين " للتأثير فى مجريات النضالات . و هنا نلفى سلامة كيلة يمارس مجدّدا البراغماتيّة و " الحقيقة السياسيّة " حيث يطوّع الواقع و يشوّهه لخدمة أغراض سياسيّة ، لا يبحث عن الحقيقة كإنعكاس لواقع مادي موضوعي بل ينتج قراءة للواقع ما هي بالحقيقيّة ( حتّى لا نقول شيئا آخر ) و الغاية هي توظيفها و إستخدامها أداة لدعم الإنتفاضات . ومجدّدا تسقط ورقة التوت عن براغماتيّة مناضهة لنظرية المعرفة الماركسية و لما أكّده لينين و ماو تسى تونغ و بعدهما بوب أفاكيان عن أهمّية الحقيقة و ثوريّتها .
هذا من ناحية و من ناحية ثانية ، يكذّب الواقع ذاته رؤية سلامة كيلة هذه إذ ساهم و أحيانا مساهمة هامة " الماركسيّون " فى هذه الإنتفاضات و فى بعض المناطق أو الجهات قادوها لكن المشكل الجوهري هو أنّهم كانوا يسلكون سياسات إصلاحيّة بالأساس و يرفعون شعارات إصلاحيّة لا غير و لم يرفعوا الوعي الشيوعي للجماهير بل نزلوا هم إلى مستوى وعيها العفوي و المطلبي الأدنى و قبعوا هناك غالبا ( و إن أضاف البعض مطالبا سياسيّة إصلاحيّة أيضا ).
و حتّى " إسقاط النظام " الذى ظهر فى آخر أيّام الإنتفاضة الشعبيّة فى تونس مثلا و على نطاق معيّن ، لم يقصد به الإطاحة بدولة الإستعمار الجديد و الطبقات الحاكمة و تغيير نمط الإنتاج و التركيبة الإقتصادية الإجتماعية إلخ إنّما قصد به الإطاحة برأس الدولة و تبديله فحسب . وهو ما تحقّق فى تونس و مصر على سبيل المثال دون تحقّق تغيير جوهري فى جهاز الدولة و النظام الإقتصادي – الإجتماعي ببنيته التحتيّة و البنية الفوقيّة المناسبة له .
فهم كيلة و محاججته المتحرّكان داخل بنيته الفكرية " للماركسية المناضلة " لا يصمدان أمام الوقائع العنيدة و الحقيقة التى هي وحدها الثوريّة كما عبّر ذات مرّة لينين . و زد إلى ذلك ، و يا للمفارقة ، أنّ سلامة كيلة فى " طريق الإنتفاضة " يصرخ عاليا بأنّ طريق التغيير هو طريق الإنتفاضة و ليس طريق الثورة ! و ليفهم من يستطيع الفهم !
ونخطو خطوة أخرى فنستحضر ماو تسى تونغ الذى يذكره مفكّرنا أحيانا بخير فى ما يتعلّق بالجدليّة ( مع أنّ مفكّرنا لم يستوعب عمق معالجته للتناقض فى " فى التناقض " و فى غيره من الأعمال ولم يقدر على تطبيق الفهم الماوي العميق على الواقع كما رأينا و يشوّه ماو و الماويّة فى أكثر من مناسبة ) و ينساه تمام النسيان فى ما عدا ذلك رغم أنّ لديه تعريف شهير صائب للثورة و جميل فى صياغته هو :
" ليست الثورة مأدبة و لا كتابة مقال و لا رسم صورة و لا تطريز ثوب ، فلا يمكن أن تكون بمثل تلك اللباقة و الوداعة و الرقّة ، أو ذلك الهدوء و اللطف و الأدب و التسامح و ضبط النفس . إنّ الثورة إنتفاضة و عمل عنف تلجأ إليه إحدى الطبقات للإطاحة بطبقة أخرى".
( ماو تسى تونغ ، " تقرير عن تحقيقات فى حركة الفلاحين فى خونان" – مارس : آذار 1927، المؤلفات المختارة ، المجلّد الأوّل و أيضا ب" مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، صفحة 12- 13) .
فتعريف ماو إذن يفرّق بين الإنتفاضة و الثورة و يميّز الثورة بالعنف الثوري لأنّ الإنتفاضات قد تكون سلميّة إلى حدود ، و بالإطاحة بالطبقات الحاكمة و إحلال طبقات أخرى محلّها . و بناء على هذا التعريف العلمي الدقيق و إنطلاقا من الواقع المعيش و ما أفرزه عربيّا و بإعتراف من كيلة ذاته ، ليس بوسعنا نعت ما أطلق عليه البعض للتضليل " الربيع العربي " ب " الثورة " .
و ننظرإلى المسألة من زاوية أخرى فنؤكّد أنّ مفهوم الثورة شأنه شأن مفهوم الإشتراكيّة و غيرهما من المفاهيم الماركسية مفاهيم متطوّرة و ليست جامدة و علم الشيوعيّة ككلّ علم يضع موضع السؤال مفاهيمه و يصحّحها جزئيّا إن لزم الأمر أو يضيف تدقيقات يفرضها الواقع أو كشفت عنها النقاب الممارسة العملية و التنظير الثوريين و قد يستبعد أيضا مفاهيما يراها أضحت لا تعكس الواقع و الحقيقة كما يجب مثلما رأينا بخصوص نفي النفي و جوهريّة قانون التناقض لدى لينين و ماو تسى تونغ . و هنا نلاحظ تطوّر مفهوم الثورة و نردفه بالتذكير بتطوّر مفهوم الإشتراكيّة ليمسي الأمر أيسر على الفهم ، حيث وجدت عدّة إشتراكيّات عرضها " بيان الحزب الشيوعي " و إشتراكية خياليّة و أوجد ماركس و إنجلز إشتراكية علمية ثم صارت الإشتراكية ، ماركسيّا ،الطور الأدنى من الشيوعية ( أنظروا " الدولة و الثورة " للينين ) و كان يُعتقد أنّها ستكون فترة قصيرة الإمتداد زمنيّا و دلّلت التجارب على عكس ذلك و لم يكن الحزب الشيوعي السوفياتي و على رأسه ستالين منذ أواسط ثلاثينات القرن الماضي يقرّ بالصراع الطبقي فى الإتحاد السوفياتي و تواصله و بوجود الطبقة البرجوازية القديمة و الجديدة التى تنشأ جرّاء تناقضات المجتمع الإشتراكي ذاته و بفضل الدراسة و التحليل و التلخيص للواقع و خوض غمار صراعات الخطّين صلب الحركة الشيوعية العالمية و صلب الحزب الشيوعي الصيني ، توصّل ماو تسى تونغ إلى صياغة نظريّة مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا و قد شرحنا بعجالة فحواها كما شرحنا مفهوم الإشتراكية فى ما مضى من فقرات كتابنا هذا .
و فى أتون الصراع الطبقي عالميّا و فى الولايات المتحدة الأمريكيّة ، وبفضل جهود نظريّة طوال ما يناهز الأربعين سنة، أعاد بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري و صاحب الخلاصة الجديدة للشيوعية صياغة مفهوم الثورة شيوعيّا و جدلية الهدم و البناء ( طبعا دون التغاضي عن الفرق بين طريق الثورة فى البلدان الرأسمالية - الإمبريالية و البلدان المستعمرة و أشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة ) و بُعدها العالمي و مفهوم الوضع الثوري ليكون أوضح و أرسخ علميّا فكتب :
- " من المهمّ أوّلا أن نبيّن بالمعنى الأساسي ما نعينيه حين نقول إنّ الهدف هو الثورة ، و بوجه خاص الثورة الشيوعية . الثورة ليست نوعا من التغيير فى الأسلوب و لا هي تغيير فى منحى التفكير و لا هي مجرّد تغيير فى بعض العلاقات صلب المجتمع الذى يبقى جوهريّا هو نفسه . الثورة تعنى لا أقلّ من إلحاق الهزيمة بالدولة الإضطهادية القائمة و الخادمة للنظام الرأسمالي – الإمبريالية و تفكيكها –و خاصّة مؤسساتها للعنف و القمع المنظّمين ، و منها القوات المسلّحة و الشرطة و المحاكم و السجون و السلط البيروقراطية و الإدارية – و تعويض هذه المؤسسات الرجعية التى تركّز القهر و العنف الرجعيين ، بأجهزة سلطة سياسية ثوريّة و مؤسسات و هياكل حكم ثوريّة يرسى أساسها من خلال سيرورة كاملة من بناء الحركة من أجل الثورة ، ثمّ إنجاز إفتكاك السلطة عندما تنضج الظروف – و فى بلد مثل الولايات المتحدة سيتطلّب ذلك تغييرا نوعيّا فى الوضع الموضوعي منتجا أزمة عميقة فى المجتمع و ظهور شعب ثوريّ يعدّ بالملايين و الملايين تكون لديه قيادة شيوعية ثورية طليعية و هو واعي بالحاجة إلى التغيير الثوري و مصمّم على القتال من أجله .
و مثلما شدّدت على ذلك قبلا فى هذا الخطاب ، فإنّ إفتكاك السلطة و التغيير الراديكالي فى المؤسسات المهيمنة فى المجتمع ، حين تنضج الظروف ، يجعل من الممكن المزيد من التغيير الراديكالي عبر المجتمع – فى الإقتصاد و فى العلاقات الإقتصادية و العلاقات الإجتماعية و السياسية و الإيديولوجية و الثقافة السائدين فى المجتمع . و الهدف النهائي لهذه الثورة هو الشيوعية ما يعنى و يتطلّب إلغاء كلّ علاقات الإستغلال و الإضطهاد و كلّ النزاعات العدائية المدمّرة فى صفوف البشر ، عبر العالم . و على ضوء هذا الفهم ، إفتكاك السلطة فى بلد معيّن أمر حاسم و حيوي ويفتح الباب لمزيد من التغييرات الراديكالية و إلى تعزيز النضال الثوري عبر العالم و مزيد التقدّم به ؛ لكن فى نفس الوقت ، رغم أنّ هذا حاسم وحيوي ، فإنّه ليس سوى الخطوة الأولى – أو القفزة الكبرى الأولى – فى النضال الشامل الذى ينبغى أن يستمرّ بإتجاه الهدف النهائي لهذه الثورة : عالم شيوعي جديد راديكاليّا . "
( " العصافير ليس بوسعها أن تلد تماسيحا ، لكن بوسع الإنسانية أن تتجاوز الأفق " ، الجزء الثاني - " بناء الحركة من أجل الثورة " ، الثورة 2011 ؛ و أيضا الفصل الثالث من " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " ، ترجمة شادي الشماوي – مكتبة الحوار المتمدّن )
- " ما هو الوضع الثوري ؟ أزمة عميقة و نزاعات محتدّة فى المجتمع و فى أوساط الحكومة و الأوساط الحاكمة ، حيث لا تستطيع إيجاد طريقة لمعالجة هذه النزاعات - فى المجتمع و فى صفوفها ذاتها - ما يجعل الأمور أسوأ بالنسبة لها و يستدعى المزيد من المقاومة و تزيد من تقويض إعتقاد الناس فى " حقّها فى الحكم " و فى " شرعيّة " إستخدامها للعنف للحفاظ على حكمها ؛ تكشّف أنّ برامج " إصلاح " النظام أفلست وهي كلّيا غير قادرة على معالجة ما يقرّ به متزايد من الناس على أنّه فساد وظيفي عميق و ظلم لا يطاق للوضع بأكمله ؛ و يوجد الذين فى المجتمع مثلما فى صفوف الطبقة العاملة ، يسعون إلى فرض النظام القائم فى وضع دفاعي حتّى و إن كانوا يبذلون قصارى الجهد ؛ بحث الملايين بنشاط عن التغيير الجذري وهو مصمّمون على القتال من أجله و ينوون المجازفة بكلّ شيء لكسبه ؛ لبّ صلب من الآلاف متّحد حول قيادة قوّة طليعيّة منظّمة لها رؤية و منهج و إستراتيجيا و خطّة – و هي تعمّق صلاتها بصفوف الجماهير الشعبيّة – لتقود عمليّا القتال لإلحاق الهزيمة و تفكيك القوّة القمعيّة العنيفة للنظام القائم و هيكلة سلطته و لإنشاء نظام ثوري جديد يمكن أن يوفّر للشعب وسائل تغيير المجتمع تغييرا جذريّا بإتّجاه هدف إلغاء الإضطهاد والإستغلال . "
(What Is a Revolutionary Situation? by Bob Avakian | February 9, 2015 | Revolution Newspaper | revcom.us )
وهكذا مفهوم سلامة كيلة للثورة مفهوم صوري و إحادي الجانب و مثالي ناجم عن نزعة براغماتية و لا ينتج إلاّ الإضطراب فى الرؤية و عليه كي لا نسير إلى الضعف و الهزال النظريين و العمليين و نبيت فى مهبّ الريح وجب تجاوزه و معانقة المفهوم المادي الجدلي و العلمي للثورة من منظور علم الشيوعية فى أرقى تطوّراته اليوم ، الخلاصة الجديدة للشيوعية . "
( إنتهى المقتطف من كتابنا " نقد ماركسية سلامة كيلة إنطلاقا من شيوعيّة اليوم ، الخلاصة الجديدة للشيوعيّة " )

و من هنا و بالعودة إلى واقع يومنا هذا و بمناسبة مرور سبع سنوات على الإنتفاضة الشعبيّة في تونس ، نثير جملة من الأسئلة المحرجة و الحارقة التي تترقّب إجابات واضحة و جليّة من المتمركسين :
-1- هل غيّرت ثورتكم المزعومة طبيعة المجتمع و طبيعة الدولة و طبيعة الثورة الضروريّة ؟
-2- إن كانت ثورة كما تقولون و تكرّرون القول ( على غرار ما نقرأ على غلاف كتاب الجيلاني الهمامي وهو الناطق الرسميّ باسم حزب العمّال التونسي و نائب عن الجبهة الشعبيّة في مجلس نواب الشعب، " " ثورة 14 جانفي 2011 " )، فلماذا لم يتغيّر موقع الطبقات – لم تقع الإطاحة بالبرجوازيّة الكمبرادوريّة و حلفائها و إن وقعت في غفلة منّا و كنّا في سبات عميق ولم نلاحظها ، من هي الطبقة أو الطبقات الحاكمة الجديدة ؟ ( و فضلا عن هذا نرجو شرح أوّلا ، لماذا عاد عدد كبير من الكوادر السياسيّة لبن علي إلى مواقع الحكم و حتّى إلى صفوف الحكومات المتشكّلة ؟ و ثانيا ، لماذا جرت " المصالحة الوطنيّة " ؟ )
-3- إذا كانت ثورة كما تزعمون زورا و بهتانا ، فلماذا ظلّت ذات دولة الإستعمار الجديد قائمة بعامودها الفقري الجيش ، و بشرطتها و محاكمها و سجونها و دواوينها... ( و صرتم تمدحون وطنيّتها ! ) ؟ أين " الشرط الأوّلي لكلّ ثورة شعبية حقّا " – تحطيم الآلة البيروقراطيّة العسكريّة ، على حدّ قول ماركس فى كلامه الذى وضعناه فى تصدير هذا المقال ؟ و نرجو أن لا تجيبوننا بأنّ ماركس كان يتحدّث عن " القارة " الأوروبيّة فحسب ، فكلامه يصحّ على جميع الثورات وفى كلّ القارات ؛ و قد شرحه و عمّقه لينين فى " الدولة و الثورة " و طوّره ماو تسى تونغ فى صيغته الشهيرة :
" إنّ الإستيلاء على السلطة بواسطة القوة المسلّحة ، و حسم الأمر عن طريق الحرب ، هو المهمّة المركزية للثورة و شكلها الأسمى. و هذا المبدأ الماركسي-اللينيني المتعلّق بالثورة صالح بصورة مطلقة ، للصين و لغيرها من الأقطار على حدّ السواء ". ( ماو تسى تونغ " قضايا الحرب و الإستراتيجية " نوفمبر- تشرين الثاني 1938؛ المؤلفات المختارة ، المجلّد الثاني)
-4- و إذا كانت " ثورة كرامة " كما تدّعون ، فأين كرامة الجماهير الشعبيّة التي تداس يوميّا بالتفقير و التهميش و البطالة و القمع المتصاعد الذى بلغ حدّ القتل في مراكز الشرطة ؟ و أين كرامة المقتولين في البحر و المجوّعين و المقموعين في البرّ ؟
-5- إذا تحقّقت ثورة على حدّ قولكم المجافى للحقيقة ، أين هي التغيّرات النوعيّة إجتماعيّا و إقتصاديّا و ثقافيّا و حتّى سياسيّا ( عدا بعض الحرّيات السياسيّة التي راحت تتبخّر شيئا فشيئا ) ؟
سياسيّا ، ظلّت الطبقات السائدة في السلطة ماسكة بزمام الحكم و إن شرّكت فئات جديدة في تسيير دواليب الدولة منها جماعة حركة النهضة و ظلّت البلاد تسير على السكّة التي سطّرتها لها الطبقات الرجعيّة المحلّية و حليفتها الإمبرياليّة العالميّة منذ عقود و ما كرّسته الأحزاب و تحالفات الأحزاب التي حكمت و تحكم إلى يوم الناس هذا من برامج وسياسات لا تخرج عن ما يخدم الطبقات السائدة الرجعيّة و الإمبرياليّة العالميّة .
و مثلما أنف لنا أن قلنا في مقالنا " الإنتخابات و أوهام الديمقراطية البرجوازية : تصوّروا فوز الجبهة الشعبية فى الإنتخابات التشريعية و الرئاسية لسنة 2014 " بالعدد 22 / ديسمبر 2014 من نشريّة " لا حركة شيوعية ثوريّة دون ماويّة ! " ، وجود شخص ما و لو كان من أبناء و بنات الشعب على رأس هيئة أو مؤسّسة من هيئات أو مؤسّسات الدولة القائمة لا يغيّر من طبيعة الدولة ذاتها في شيء و قد توجّهنا بالكلام الآتى ذكر جزء منه إلى قادة الجبهة الشعبيّة وأنصارها حينها :
" - رئيس دولة الإستعمار الجديد !
لنفترض جدلا نجاح الجبهة الشعبيّة فى الإنتخابات الرئاسية نجاحا ساحقا – وهو أمر يدخل ضمن الخيال العلمي فى الأوضاع العالمية و المحليّة الراهنة – فما الذى سيحدث ؟ بمعنى هل ستحقّق هذه الجبهة " الإستقلال " الوطني و تعالج المشاكل الجوهريّة التى تعاني منها الطبقات الشعبية ، مثلا ؟
فى الأساس و قبل الإنتخابات و قبل الحصول على تأشيرة أي حزب من الأحزاب للعمل القانوني ، يتم الإمضاء على إحترام مؤسسات دولة الإستعمار الجديد و إلتزاماتها فى علاقاتها الخارجيّة و إتفاقيّاتها الدوليّة إلخ و فى توجّهاتها الإقتصادية المركزية ... وبالتالى ، قبل أن يبلغ ممثّل الجبهة الشعبيّة سدّة الرئاسة ، يكون قد إلتزم بحدود معيّنة أو لنقلها بكلمات أخرى بخطوط حمراء تجعله تحت طائلة القانون الجاري به العمل و رجل دولة ، رجل دولة الإستعمار الجديد يتحرّك ضمن المجال المتاح له دون أن يخرج عن نطاق دولة الإستعمار الجديد . و فى حال إنتخابه رئيسا للدولة يكون رئيس دولة الإستعمار الجديد لا أكثر و لا أقلّ مهما إختلف نوعيّا أو كمّيا عن سابقيه فى الخطاب والبرنامج و التاريخ و هكذا .
و لسائل أن يسأل ماذا لو تنكّر ممثّل الجبهة الفائز فى الإنتخابات الرئاسيّة لتعهّداته و حاول شقّ عصا الطاعة والقفز فى الهواء قفزة بهلوانية ليهدّد بقرارات أو برامج أو سياسات المصالح الجوهريّة لدولة الإستعمار الجديد و الطبقات الرجعية و الإمبريالية العالمية التى تمثّل هذه الدولة مصالحها و تخدمها ؟
للجواب شقّان . أوّلا ، يعدّ هكذا إنقلاب أضغاث أحلام لا غير . و من له أدنى المعطيات عن مواقف الجبهة الشعبية و سياساتها فى السنوات الأخيرة و هو ملمّ بالجوهر الإصلاحي لحزب العمّال التونسي منذ تأسيسه يدرك جيّدا مدى صحّة ما نذهب إليه . فعلى سبيل المثال ، هل شقّت هذه الجبهة الإصلاحيّة عصا الطاعة عند إغتيال قادتها فى مناسبة أولى و ثانية ؟ لا . و الأدهى أنّها تورّطت فى سلسلة تنازلات لا تحصى حفاظا على " الوحدة الوطنية " و" إنقاذا للبلاد " ( إقرأ ، إنقاذ دولة الإستعمار الجديد ) عبر " الحوار الوطني " ؛ و التحالف مع قوى رجعيّتها معلومة و هلمجرّا .
و فى البداية ، فى خطابها التحريضي الشفوي ( إجتماع قصر المؤتمرات بالعاصمة مثلا ) كانت ترفع شعار " إسقاط النظام " و تتاجر به و عمليّا و شيئا فشيئا لم تفعل سوى المساهمة فى صيانة النظام القائم و قدّمت له التنازلات وراء التنازلات . فلا شكّ إذن فى أن يكون الإنقلاب على إلتزامات رجال دولة الإستعمار الجديد من أضغاث الأحلام .
و الشقّ الثاني من الجواب يكمن فى عمليّة بسيطة – فى الأوضاع العالمية و المحلّية الراهنة - تجريها الطبقات الرجعية المتحالفة مع الإمبريالية العالمية لإزاحة هذا الرئيس المتنطّع( إن إنقلب على إلتزاماته ) بالطرق التآمريّة المعهودة و المبتكرة جميعها ، الأمنيّة منها و العسكرية و ما جدّ فى مصر خير دليل على ذلك .
و مجمل القول أنّه فى أفضل الحالات ، حالة فوز ممثّل الجبهة الشعبيّة فى الإنتخابات الرئاسيّة سيتحوّل من رجل دولة الإستعمار الجديد إلى رئيس دولة الإستعمار الجديد فيخدم رئيسيّا أراد ذلك أو ابى مصالح الرجعيّة و الإمبريالية و يساهم أكثر فى تشويه صورة الماركسية لدى الجماهير التى ستشاهد و تلمس عن كثب أنّ مثل هذه الوجوه " اليساريّة " تسلك ذات السياسات الجوهرية الرجعية الإضطهادية و الإستغلالية لدولة الإستعمار الجديد .
- مجلس / برلمان صوريّ لإصباغ الشرعيّة على السياسات الرجعية :
لنفترض جدلا هنا أيضا نجاح الجبهة الشعبيّة فى كسب غالبيّة المقاعد فى الإنتخابات التشريعيّة لسنة 2014 – وهو أمر غير وارد واقعيّا فى الوقت الراهن لأسباب شرحنا أهمّها أعلاه .
لدى المثقّفين المتابعين للشأن السياسي معرفة جيّدة و أحيانا دقيقة بكيفيّة سير البرلمانات . ففى تونس ، على سبيل المثال ، من المعلوم كيف أنّه منذ عهد الحبيب بورقيبة إلى عهد زين العابدين بن علي ، كانت القرارات المصيريّة و الحاسمة تتّخذ خارج قبّة هذه المؤسسة و ما على هذه الأخيرة إلاّ تزكيتها ( و التاريخ يزخر بالأمثلة المسجلة لذلك ) . و الشيء نفسه إنطبق على المجلس التأسيسي الذى كانت تتحكّم فيه الترويكا بقيادة حزب النهضة / النكبة الإسلامي الفاشيّ فكانت القرارات و السياسات الأهمّ تتخذ فى إجتماعات مغلقة لقيادة هذه الترويكا بالتنسيق مع السفارات الأمريكية و الفرنسية أو فى إطار " حوار وطني " تفرض عليه الترويكا شروطها وترعاه الإمبريالية العالمية .
و قد إضطرّت إضطرارا هذه القوى المتحكّمة فى المجلس الـتأسيسي فى عدّة مناسبات إلى التراجع عن قرارات و سياسات معيّنة تحت ضغط الشارع و نضالات الجماهير عبر البلاد قاطبة أحيانا . و قد سجّلت الجماهير الشعبيّة مدى السخافات التى كانت تميّز سير هذا المجلس و مدى " ديمقراطيّته " و فساده و خدمته للرجعيّة و إستهانته بمعاناة الجماهير و تطلّعاتها .
و من الأكيد أنّ حصول الجبهة الشعبيّة على غالبيّة المقاعد فى الإنتخابات التشريعيّة سيخلق وضعا مختلفا شكليّا إلاّ أنّه لن يكون مختلفا نوعيّا جوهريّا فى ما يتّصل بأمّهات قرارات دولة الإستعمار الجديد و سياساتها و توجّهاتها . ( و لن نتطرّق هنا لإمكانية الصراعات فى صفوف الجبهة و تصدّعات محتملة و إنقلاب عدد صغير أو كبير من ممثّليها على برنامجها الإصلاحي أصلا ).
الإلتزامات القانونيّة لأحزاب الجبهة الشعبيّة و برامجها الإصلاحيّة أصلا لن تسمحا لها بتجاوز الخطوط الحمراء لتسلك نهجا يخدم مصالح الجماهير الشعبيّة و يضرّ بالمصالح الأساسيّة للطبقات الحاكمة و الإمبريالية العالمية . و إن تجرّأ حتى جزء من ممثّلى هذه الجبهة على ذلك و كان بمقدوره تكوين أغلبية و الإنقلاب على التعهّدات و لو جزئيّا ) سيتعرّض قبل كلّ شيء إلى ردود فعل قويّة من داخل الجبهة ذاتها ، ردود فعل قد تصل حدّ تجميد عضويّة هؤلاء أو طردهم من صفوفها ، و ستتعرّض الجبهة إن لم تقم باللازم إلى شيء من الضغوطات المحلّية و العالميّة ووسائل شراء الذمم و التهديد و الوعيد و المؤامرات السياسية و إن لم يفلح ذلك فى تركيعها و إرجاعها إلى جادة الصواب يتمّ اللجوء إلى العصا الغليظة أو إلى العصا و الجزرة معا أو المراوحة بينهما .
جهاز من أجهزة دولة الإستعمار الجديد ليس بوسعه إلاّ خدمة مصالح الطبقات الرجعيّة و الإمبريالية الواقفة وراء هذه الدولة و فى حال خروجه عن السيطرة يتقدّم العامود الفقري للدولة أي الجيش ليعيد الأمور إلى نصابها بأن يلغي هذه المؤسسة مؤقّتا أو يعيد تشكيلها وفق معايير جديدة إلخ . و لنا فى ما حدث فى مصر دليل على ذلك ( مع عدم التغافل عن الفرق بين الفاشيين الإسلاميين و اليسار الإصلاحي و إن كان كلاهما يقدّمان أجلّ الخدمات لدولة الإستعمار الجديد ).
- ماذا أثبتت تجارب السنوات الأخيرة ، عربيّا ؟
ننطلق من تونس أين أثبتت التجربة منذ الإنتخابات الرئاسيّة الأخيرة أن الرئيس المنتخب كان محدود الصلوحيّات عن وعي و دراية منه جراء تحالفه مع النهضة / النكبة الإسلامية الفاشيّة و كان يخضع بلا شكّ لإملاءات الترويكا التى يقودها الإسلاميّون الفاشيّون و التى تتتحرّك تبعا لإلتزاماتها تجاه الإمبريالية العالمية . و عن حق أطلق عليه عموم الشعب " الطرطور " الذى كان هو و الترويكا فى خدمة دولة الإستعمار الجديد حتى حين كانت تعتدى صراحة و بوقاحة على " حقوق الإنسان " التى كان ينادى سابقا الرئيس " الطرطور " و يعدّ نفسه فارسا من فرسانها . فنستخلص مرّة أخرى أنّ حتى الذين كانوا لا يكفّون ليل نهار عن التبجّح بالدفاع عن " حقوق الإنسان " يصمتون صمت القبور لمّا تساد أمامهم و يتعلّق الأمر بتطبيقهم لإلتزامات تحالفات سياسية رجعية .
و الجبهة الشعبيّة وهي خارج الحكم رأيناها تقدّم التنازلات تلو التنازلات للرجعية – و حزب العمّال التونسي مضى أشواطا كبيرة فى ذلك إيديولوجيّا و سياسيّا و قد خضنا فى هذا فى مقالات سابقة –و تعقد تحالفات رجعيّة ولا يتوقعنّ أحد يعتبر نفسه واقعيّا أن بلوغ رئاسة دولة الإستعمار الجديد لن يفرض مزيد التنازلات التى تطلبها الدوائر الرجعيّة و الإمبريالية ضمانا لمصالحها الأساسية .
و أثبت الواقع المعيش أنّ المجلس التأسيسي كان لعبة بين أيدى تحالف يقوده الإسلاميّون الفاشيّون الذين حاولوا من خلاله تمرير أقصى ما يمكن تمريره من مفاهيمهم و رؤاهم و برامجهم ليصبغوا دولة الإستعمار الجديد بلونهم و يعدّوا العدّة لدفعها نحو إتّخاذ شكل فاشي تيوقراطي كما سعى إلى ذلك الإخوان المجرمون الإسلاميّون الفاشيّون فى مصر . و كانت المصالح الشعبيّة الأساسيّة آخر شغل من مشاغل غالبيّة أعضاء ذلك المجلس و كيف لا تكون و هم ملتزمون بالبرنامج الإقتصادي و الإجتماعي الذى أملته الإمبريالية العالمية و نال موافقة الطبقات الرجعية الحاكمة زمن بن علي و طوّره السبسي و نقلته عنه النهضة / النكبة الإسلامية الفاشية نقلا تقريبا حرفيّا .
لقد كان هذا المجلس أيضا وسيلة مزيد تفقير الجماهير و إثراء الإنتهازيين و الرجعيين .
و لا نخال الجبهة الشعبيّة قادرة على أو تتجرّأ على ( وهي لا تنوى ذلك حسب برامجها ) كسر طوق النظام الإقتصادي و الإجتماعي السائد و مواجهة الطبقات الرجعيّة و الإمبريالية و الإنقلاب على إلتزاماتها تجاه دولة الإستعمار الجديد .
و فى مصر ، سمحت الإمبريالية و الطبقات الرجعية و جيشها للإخوان الإسلاميين الفاشيين بالمشاركة فى السلطة بشروط حدّدها بكلّ وضوح الجيش ، العامود الفقري لدولة الإستعمار الجديد و ترك لهم مجال الإلتفاف على النضالات الشعبيّة . و لمّأ سعى الرئيس المنتخب إلى إصباغ الدولة شيئا فشيئا بصبغة دينيّة تيوقراطية صر يحة موسّعا من سلطاته إلخ تململ جزء من الشعب و إستغلّ الجيش الوضع لينظّم إنقلابا بموجبه عاد إلى دفّة الحكم و أجرى إنتخابات جديدة على مقاسه و بمعاييره ليجعل حكمه شرعيّا .
و السلطة التشريعيّة الإخوانية الإسلاميّة الفاشيّة التى وقفت وراء الرئيس المنتخب و الذى وقعت إزاحته لم تخدم مصالح الجماهير الشعبيّة بل واصلت خدمة الطبقات الرجعيّة عموما و فئات منها القريبة منها خاصة و ما إنفكّت تخدم عمليّا ، على عكس ما تتشدّق به ، مصالح الإمبريالية العالمية و الصهيونية بشكل سافر فضحته شعبيّا المواقف و القرارات المتّصلة بالكيان الصهيوني .
و فى ليبيا و العراق لا الرؤساء و لا المجالس التشريعيّة ( مهما إختلفت أسماؤها و تنوّعت ) خدمت مصالح الجماهير الكادحة بل ظلّت فى خدمة طبقات رجعيّة – أو فئات رجعيّة دون أخرى – متحالفة مع الإمبريالية العالمية ... و بات جليّا فى ليبيا و العراق درس أنّ السلطة تنبع من فوّهة البندقيّة و من يملك جيشا يحكم فى المناطق التى تقع تحت سيطرة جيشه و لو أنّ الجيوش المتنازعة هناك جميعها جيوش رجعية .
- و ماذا أثبتت التجارب العالمية ؟
بهذا المضمار نودّ أن نقتطف فقرات من النقطة الرابعة بالفصل الخامس من كتابنا " حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحدّ حزب ماركسي مزيّف " نعتقد أنّها تفى بالغرض و ننصح الباحثين عن الحقيقة دراسة الكتاب مليّا :
" إلى أين تفضى الأوهام الديمقراطية البرجوازية ؟ : دروس من التجارب العالمية :
... لقد سبق لدولة الإستعمار الجديد فى تونس أن وظّفت الأوهام الديمقراطية البرجوازية فى فترة مزالي و فى السنوات الأولى من حكم بن علي وهي اليوم وعلى نطاق أوسع توظّف ذات الأوهام الديمقراطية البرجوازية لتضليل الشعب و مغالطته. فى الماضي ، لم تحرّر هذه الأوهام الشعب و لن تحرّره لا حاضرا و لا مستقبلا بل بالعكس ساهمت فى تأبيد الدولة الراعية لهذه الأوهام . و الشيء نفسه حصل و يحصل فى أكثر من بلد عربي ، مغربا و مشرقا.
و نظرا لكوننا شيوعيين ماويين نسلّط شيئا من الضوء بداية على تجربة ماوية حديثة جدّا إغتالتها أوهام الديمقراطية البرجوازية و نقصد التجربة النيبالية. فقد قاد الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية و حرب الشعب هناك وفق المبادئ الماوية و حقّق إنتصارات عظيمة بالغا بعد سنوات عشر ( 1996-2005) من التضحيات الجسام و المعارك الشرسة على جميع الأصعدة تحرير ما يناهز الثمانين بالمائة من البلاد و بناء سلطة جديدة و جيش شعبي قويّ و تحطيم جزء هام من الدولة القديمة ، دولة الإقطاع و الكمبرادور المتحالفين مع الإمبريالية. غير أنّه لصعوبة الواقع الموضوعي و تعقّده و لقصور فى الرؤية المادية الجدلية و لقراءة خاطئة للتجارب الإشتراكية السابقة و الدروس التى ينبغى إستخلاصها منها ، طفقت قيادة الحزب تنزلق فى الإنحرافات الخطيرة و تبتعد عن المنهج القويم و السليم للثورة و سقطت فى 2006 فى مستنقع الديمقراطية البرجوازية فتحالفت مع أحزاب برجوازية صغيرة و أخرى برجوازية كمبرادورية لتشارك فى النهاية فى لعبة الإنتخابات و إيقاف حرب الشعب و التعهّد بحلّ جيش التحرير الشعبي و أجهزة السلطة و الدولة الجديدة . و توصّل الحزب النيبالي إلى الفوز فى الإنتخابات و تشكيل حكومة مع حلفاء لكن فى نفس الوقت جرى تفكيك السلطة الجديدة ، الدولة الجديدة و وقعت خيانة الثورة. و النتيجة اليوم بعد عدّة سنوات ، تحوّل هذا الحزب الذى بات تحريفيّا برجوازيّا منذ ندوته المنعرج سنة 2005 إلى أداة فى خدمة دولة الإستعمار الجديد التى لم يحطّمها فحطّمته و جعلته يعمل على إصلاحها و وترميمها تحسينها لا غير.
و أدّت الأوهام البرجوازية و التحريفية فى بلد آخر ، أندونيسيا فى أواخر ستينات القرن العشرين إلى سلوك الحزب الشيوعي هناك طريق البرلمانية بدعوى تدعيم الشقّ الوطني فى السلطة و إنتهت العملية بمأساة و يالها من مأساة : إغتيال و قتل عشرات الآلاف من الشيوعيين و الشيوعيات و غيرهم على أيدى جيش دولة الإستعمار الجديد.
و إلى الشيلي زمن آلاندي أين إتبع الماركسيون المزيفون الطريق السلمي لتداول السلطة و توصّل التحالف بين هؤلاء و الإشتراكيين إلى الإنتصار فى الإنتخابات وحاول الرئيس المنتخب الجديد الإقدام على إصلاحات ، و نعيدها إصلاحات، مثل تأميم مؤسسات مسّت إلى درجة معيّنة المصالح الجوهرية لدولة الإستعمار الجديد و الطبقات الواقفة وراءها فأسرعت الرجعية و الإمبريالية إلى إستخدام أهمّ جهاز من أجهزة الدولة و عمادها الجيش لتنظّم إنقلابا قاده بينوشي وتسبّب فى سفك دم الآلاف و تشريد مئات الآلاف و إغراق البلاد فى جوّ من الإرهاب الفاشستي دام عقودا . و لمّا شاخ بينوشي و إهترأت سلطته عالجت الرجعية و الإمبريالية الأمر بمرحلة إنتقال ديمقراطي برجوازي لم يغيّر من جوهر النظام الإقتصادي - الإجتماعي شيئا و ظلّ الإضطهاد و الإستغلال الخبز اليومي للبروليتاريا و الكادحين فى الشيلي.
بهذا القدر من الأمثلة نكتفى لنستنتج أنّ فى المستعمرات و أشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة ، لا تجارب " الإنفتاح" و لا " الإنفتاح الديمقراطي" و لا تجارب " الإنتخابات الحرّة و النزيهة " أنجبت "ديمقراطية " أو " ثورة ديمقراطية " أو " ثورة ديمقراطية إجتماعية " بمعنى الديمقراطية البرجوازية من النمط المشاهد فى البلدان الرأسمالية الإمبريالية ، كلّ ما فعلته هو مغالطة البروليتاريا و الجماهير الكادحة و تأبيد إضطهادها و إستغلالها ، علما و أنّ الديمقراطية البرجوازية القديمة عُدّت منذ عقود غير ممكنة التحقيق فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية مثلما بيّن ذلك ماو و شرحنا فى مقالنا " الديمقراطية القديمة و الديمقراطية الجديدة " المثبت كملحق لهذا العمل.
و حقّا لا مناص من إعلاء حقيقة لخّصها ماو تسى تونغ فى جملة :
" بدون جيش شعبي ، لن يكون هناك شيء للشعب ."( " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ"، الصفحة 105) .
و هكذا ، الجبهة الشعبيّة بأحزابها و منظّماتها المكوّنة لها ، يلعبون بالنار التى قد تحرقهم – و قد حرقت بعدُ بعض القيادات - و ينشرون الأوهام بصدد طبيعة الدولة و الديمقراطية / الدكتاتورية البرجوازية ليقنعوا المناضلين و المناضلات و الجماهير الواسعة بما لا يتناسب والواقع ، بأوهام ديمقراطية برجوازية تحجب لبّ حقيقة الديمقراطية / الدكتاتوريّة البرجوازية و حقيقة الدولة الطبقيّة فيتوهّم المناضلون و المناضلات أنّهم يحاربون الرجعيّة و الإمبريالية و هم فى الواقع يخدمونهما و تتوهّم الجماهير أنّ هذا الحزب الإصلاحي أو ذاك و هذه الجبهة الإصلاحيّة أو تلك ستعالج المشاكل الأساسية للإضطهاد و الإستغلال فى المجتمع لكنّها ستصاب مرارا و تكرارا بالإحباط – إن لم تتفطّن لمسرحية الإنتخابات و تسلك طريقا شيوعيّا ثوريّا بمقدوره أن يؤدّي فعلا إلى تلبية حاجيات الجماهير الشعبيّة و تحقيق طموحاتها. "
( إنتهى المقتطف من مقال " الإنتخابات و أوهام الديمقراطية البرجوازية : تصوّروا فوز الجبهة الشعبية فى الإنتخابات التشريعية و الرئاسية لسنة 2014 " )
- 3 - عن نمط الإنتاج و ضرورة تغييره :

كتب ماركس في مقدّمة نقد الاقتصاد السياسي تلخيصا للنتائج العامة لدراسته للإقتصاد السياسي و التي ستغدو من أهمّ مميّزات المنهج المادي التاريخي و بمثابة الخيط الهادى في أبحاثه التالية :
" إنّ الناس ، أثناء الإنتاج الاجتماعي لحياتهم ، يقيمون فيما بينهم علاقات معيّنة ضروريّة ، مستقلّة عن إرادتهم و تطابق علاقات الإنتاج هذه درجة معيّنة من تطوّر قواهم المنتجة الماديّة و مجموع علاقات الإنتاج هذه يؤلّف البناء الاقتصادي للمجتمع أي الأساس الواقعي الذى يقوم عليه بناء فوقيّ حقوقي و سياسي و تطابقه أشكال معيّنة من الوعي الاجتماعي . إنّ أسلوب إنتاج الحياة الماديّة يشترط تفاعل الحياة الاجتماعي و السياسي و الفكري ، بصورة عامة . فليس إدراك الناس هو الذى يعيّن معيشتهم ، بل على العكس من ذلك ، معيشتهم الإجتماعيّة هي التي تعيّن إدراكهم . و عندما تبلغ قوى المجتمع المنتجة الماديّة درجة معيّنة من تطوّرها ، تدخل في تناقض مع علاقات الإنتاج الموجودة أو مع علاقات الملكيّة – و ليست هذه سوى التعبير الحقوقي لتلك – التي كانت غلأى ذلك الحين تتطوّر ضمنها . فبعدما كانت هذه العلاقات أشكالا لتطوّر القوى المنتجة ، تصبح قيودا لهذه القوى . و عندئذ ينفتح عهد الثورة الإجتماعيّة . و مع تغيّر الأساس الاقتصادي يحدث إنقلاب في كلّ البناء الفوقي الهائل ، بهذا الحدّ أو ذاك من السرعة . و عند دراسة هذه الإنقلابات ، ينبغي دائما التمييز بين الإنقلاب المادي لشروط الإنتاج الإقتصاديّة – هذا الإنقلاب الذى يُحدّد بدقّة العلوم الطبيعيّة – و بين الأشكال الحقوقيّة و السياسيّة و الدينيّة و الفنّية و الفلسفيّة ، أو بكلمة مختصرة ، الأشكال الفكريّة التي يدرك فيها الناس هذا النزاع و يكافحون من أجل حلّه . فكما أنّه لا يمكن الحكم على فرد وفقا للفكرة التي لديه عن نفسه ، كذلك لا يمكن الحكم على عهد إنقلاب كهذا ، وفقا لوعيه . بل بالعكس ينبغي تفسير هذا الوعي بتناقضات الحياة الماديّة ، و النزاع القائم بين قوى المجتمع المنتجة و علاقات الإنتاج . إنّ أي تشكيلة إجتماعيّة لا تموت قبل أن تتطوّر جميع القوى المنتجة التي تفسح لها ما يكفى من المجال ؛ و لا تظهر أبدا علاقات إنتاج جديدة أرقى قبل أن تنضج شروط وجودها الماديّة في قلب المجتمع القديم بالذات. و لهذا لا تضع الإنسانيّة أبدا أمامها إلاّ المسائل التي تستطيع حلّها إذ أنذه يتّضح دائما ، عند البحث عن كثب ، أنّ المسألة نفسها لا تبرز إلاّ عندما تكون الشروط الماديّة لحلّها موجودة ، أو ، على ألقلّ ، آخذة في التكوّن . "
( الصفحات 7-8-9 من الطبعة العربيّة من الجزء الثاني ل " مختارات ماركس و إنجلز في أربعة أجزاء " ، دار التقدّم ، موسكو ).
و أكّد إنجلز في رسالة له إلى يوسف بلوخ :
" وفقا للمفهوم المادي عن التاريخ ، يشكل إنتاج و تجديد إنتاج الحياة الفعليّة العنصر الحاسم ، في آخر المطاف ، في العمليّة التاريخيّة . و أكثر من هذا لم نؤكّد في يوم من الأياّم ، لا ماركس و لا أنا . أمّا إذا شوّه أحدهم هذه الموضوعة بمعنى أنّ العنصر الاقتصادي هو ، على حدّ زعمه العنصر الحاسم الوحيد، فإنّه يحوّل هذا التأكيد إلى جملة مجرّدة ، لا معنى لها ، و لا تدلّ على شيء . إنّ الوضع افقتصادي إنّما هو الأساس ، و لكن مختلف عناصر البناء الفوقي تؤثّر هي أيضا في مجرى النضال التاريخي ، و تحدّد على الأغلب شكله في الكثير من الأحيان ؛ و نقصد بهذه العناصر أشكال النضال الطبقي السياسيّة و نتائجه- النظام السياسي الذى تقيمه الطبقة الظافرة بعد كسب المعركة ، و ما إلى ذلك – و الأشكال الحقوقيّة و حتّى إنعكاس جميع هذه المعارك الفعليّة في عقول المشتركين فيها ، و النظريّات السياسيّة و الحقوقيّة و الفلسفيّة ، و الآراء الدينيّة و تطوّرها اللاحق و صيرورتها نهجا من العقائد. و جميع هذه العناصر تتفاعل ، و في هذا التفاعل تشقّ الحركة افقتصادية لنفسها في آخر المطاف ، بوصفها حركة ضروريّة ، طريقا عبر كثرة لا عدّ لها من الصدف ( أي من الأشياء و الأحداث التي صلتها الداخليّة بعيدة أو عسيرة البرهان إلى حدّ انّه يمكننا إهمالها و إعتبارها غير موجودة ). و إلاّ كان تطبيق النظريّة على أي من المراحل التاريخيّة أسهل من حلّ معادلة بسيطة من المرتبة الأولى .
نحن نصنع تاريخينا بأنفسنا ، و لكنّنا ، أوّلا ، نصنعه في ظلّ مقدّمات و ظروف محدّدة جدّا ، الإقتصاديّة منها هي الحاسمة فىو لكن الظروف السياسيّة و غيرها ، و حتّى التقاليد التي تعششّ في رؤوس الناس ، تلعب هي أيضا دورا معيّنا ، و إن لم يكن الدور الحاسم . "
( الصفحات 171 و 172 من الطبعة العربيّة من الجزء الثاني ل " مختارات ماركس و إنجلز في أربعة أجزاء " ، دار التقدّم ، موسكو ).
هذا هو الأساس المادي الموضوعي لقيام المجتمعات و تطورها و علاقة البنية التحتيّة بالبنية الفوقيّة كما تعلّمنا إيّاه الماديّة التاريخيّة ( و قد طوّر ماو تسى تونغ لاحقا في خضمّ بناء الإشتراكية في الصين الماوية و خوض الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى هذا الجانب من الماركسيّة و قد أبرز بوب أفاكيان " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " في تطوير علم الشيوعية – كتاب بوب أفاكيان ترجم فصولا منه شادي الشماوي تجدونها بمكتبة الحوار المتمدّن ) و ينسحب هذا الإكتشاف الماركسي العظيم على كافة المجتمعات الإنسانيّة .
ونمط الإنتاج في المستعمرات و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات نمط إنتاج مشوّه بفعل العلاقات الإمبرياليّة و النظام الإمبريالي العالمي و بقايا أنماط ما قبل الرأسماليّة المتداخلة . و يعنى نمط الإنتاج أو أسلوب الإنتاج و قد كثر هذه الأيّام تداول منوال التنمية و حتّى منوال الإنتاج و لكن ماركسيّا الشائع و الأصحّ هو نمط / أسلوب الإنتاج الذى يعنى مكوّنات ثلاث هي أساسا نمط ملكيّة وسائل الإنتاج ( الأرض و المصانع و الآلات...) و علاقات الإنتاج بين البشر و الطبقات الإجتماعيّة في عمليّة الإنتاج و علاقات توزيع الإنتاج و موقع الطبقات منها . و حينما تبلغ قوى الإنتاج ( أدوات الإنتاج و البشر) تطوّرا معيّنا تظهر حاجة إلى الثورة أي إلى التغيير و قد قال ماو تسى تونغ ملخّصا ذلك بأسلوبه الخاص :
" تمثّل قوى الإنتاج العامل الأكثر ثوريّة ، و يؤدّى تطوّرها بالضرورة إلى الثورة . وتتكوّن قوى الإنتاج من عنصرين هما: الإنسان و أدوات العمل . لكن أدوات العمل هذه من صنع الإنسان . و عندما تطالب أدوات الإنتاج بالثورة ، يكون الناطق بإسمها الإنسان " .
( 11- ماو تسى تونغ ، " خطاب أمام الاجتماع العام الثاني للجنة المركزيّة الثامنة للحزب الشيوعي الصيني " ، مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد الخامس ، ص 366 ، الطبعة الفرنسيّة )
و حالئذ ، مستفيدين ممّا يعلّمنا إيّاه ماركس و إنجلز و ماو تسى تونغ ، نثير سؤالا مفصليّا نودّ لو يجيب عنه المتمركسون دون لفّ و دوران و هم يزعمون تبنّى الماركسيّة : اليوم ، في العالم بأكمله وفى البلدان العربيّة ، هل بلغ تطوّر قوى الإنتاج حدّا صار معه يطالب بالثورة الشيوعيّة بتيّاريها أم لا ؟
و لئن كانت الإجابة بنعم ، فما الذى تنتظرونه للتخلّى عن الإصلاحيّة و الإلتحاق بصفوف الداعين للثورة ( و نحن على يقين أنّ قادتكم ، على الأقلّ ، جلّهم إن لم يكن كلّهم ، على وعي تام بالقطيعة التي لهم مع علم الشيوعية و النظرة البروليتاريّة للعالم و أنّهم يستخدمون الماركسيّة ستارا يتستّرون به و قناعا لمغالطة النزهاء و النزيهات من المناضلين و المناضلات المتطلّعين لتحرير الإنسانيّة ) ؛ ولئن كانت الإجابة بلا ، فإنّكم تتعمّدون مجانبة الحقائق الدامغة على كوكب الأرض ، من أقصاه إلى أقصاه ، إنّكم تنكرون إنفتاح " عهد الثورة " الإجتماعيّة على حدّ كلمات ماركس في عصر حسب التحديد اللينيني الذى لا يزال صالحا و صحيحا هو عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ، الإمبرياليّة كمظهر رئيسي سائد فى التناقض الذى توجد فيه راهنا و ربّما لفترة طويلة حتّى بعد إفتكاك السلطة في عدّة بلدان ، في موقع ثانوي أي كطرف غير سائد ، طرف مهيمن عليه من طرفي التناقض . و على سبيل المثال لا الحصر ، ألا تلاحظون تطوّر قوى الإنتاج في الأقطار العربيّة إلى حدّ يخوّل تخطّى نمط الإنتاج السائد و إرساء نمط إنتاج أرقى ؟ ألا تلاحظون كيف تهدر قوى الإنتاج و منها البشر و مؤهّلاته و قدراته و لا أدلّ على ذلك من تهميش الملايين و إستفحال سحق المعطّلين عن العمل و منهم ذوى الكفاءات العليا كخرّيجي الجامعات و هكذا ؟
و لعلّ من القرّاء من أثار بدوره سؤال : من هي " الطبقة الظافرة بعد كسب المعركة " ( كلمات إنجلز ) في ما زعمتم أنّه " ثورة " وهي ليست أكثر من إنتفاضة شعبيّة كما شرحنا فى ما مرّ بنا ؟ و الأسئلة المشابهة أو القريبة من هذه كثيرة و كثيرة جدّا لكن نكتفى بهذا القدر الآن و نسترسل في الخوض في لبّ النقطة موضوع النقاش هنا .
و في البلدان الرأسماليّة – الإمبرياليّة نمط/ أسلوب الإنتاج السائد هو الرأسماليّة أمّا بقيّة العالم فالسائد فيه هو الرأسماليّة البيروقراطيّة / الكمبرادوريّة و شبه الإقطاعيّة عامة إن لم تكن ما قبل راسماليّة من صنف الإقطاعية أو العبوديّة باشكال متباينة في أماكن معيّنة . ومن أهمّ ما يميّز المجتمعات المستعمرة و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات أنّ إقتصادها مشوّه و غير متكامل و غير مندمج و موجّه لتلبية حاجيات السوق الإمبرياليّة العالمية ، لا حاجيات الشعب ؛ أنّ البلد واقع تحت الهيمنة الإمبرياليّة و خاضع إلى إملاءات أجهزة النظام الإمبريالي العالمي الماليّة منها و التجاريّة و إلى هيكلة و إعادة هيكلة المؤسسات و القطاعات حسب ما يفيد المهيمنين على ذلك النظام و عملائهم ؛ أنّ الرأسماليّة التي تتطوّر هناك هي رأسماليّة بيروقراطيّة / كمبرادوريّة و ليست وطنيّة و الصناعات الثقيلة و صناعة وسائل الإنتاج إمّا ضامرة أو تقريبا منعدمة ؛ أنّ الفلاحة تعانى من تخلّف كبير و هي موجّهة إلى السوق الإمبرياليّة العالميّة و ليس إلى تلبية حاجيات الشعب و الإكتفاء الذاتي الغذائي ؛ و أنّ التفاوت بين الجهات تفاوت صارخ ...
و في تقديرنا و تقدير الشيوعيين الحقيقيين عبر العالم أنّ النظام الرأسمالي – الإمبريالي العالمي برمّته قد فات أوانه و في عصر الإمبرياليّة و الثورة الإشتراكيّة ، حان الوقت لتجاوزه بواسطة الثورة البروليتاريّة العالميّة بإتّجاه بناء عالم آخر ، عالم شيوعي ضروري و ممكن و مرغوب فيه . و نتوجّه مباشرة للمتمركسين راغبين منهم الإجابة دون لفّ و دوران مرّة أخرى ، على سؤال يحمل شقّين ، هل تقرّون بالحقيقة الموضوعيّة بأنّه ينبغي النضال من أجل تخطّى النظام الرأسمالي- الإمبرياليّ العالمي بدوله الإمبرياليّة و مستعمراته و مستعمراته الجديدة و أشباه مستعمراته و أنماط الإنتاج السائدة فيه إذ فات أوانهم ، أم لا ؟ و هل تعترفون بحقيقة موضوعيّة أخرى هي أنّ العالم يصرخ من أجل الثورة الشيوعيّة لتخطّى عصر الإمبرياليّة و بكلّ تبعات ذلك ، أم لا ؟ و نحن على يقين من أنّ محرّفي الماركسيّة سيلفّون و يدورون لتجنّب الجواب الصريح ذلك أنّ الإصلاحيين ينكرون جوهريّا هذه الحقائق ومن الفنون التي يتقنونها فنّ الخداع والمخاتلة.
و من وجهة النظر الماركسيّة ، ما لم تنتقل ملكيّة وسائل الإنتاج من طبقة إلى أخرى و ما لم تتغيّر مواقع الطبقات في الإنتاج و توزيع الإنتاج و ما لم تقع الإطاحة بالدولة القديمة و إقامة دولة جديدة تخدم مصالح الطبقات السائدة الجديدة ، ليس بوسعنا الحديث عن ثورة بمعنى التغيير الجذري في التشكيلة الإقتصاديّة الاجتماعية و في الطبقة او الطبقات السائدة التي تضع الدولة الجديدة كجهاز قمع طبقي في خدمتها مقابل إضطهادها لأعدائها الطبقيين .
و عندما رصدنا تغييب المتمركسين لهذه الأسس الماديّة التاريخيّة بما هي تطبيق للماديّة الجدليّة على المجتمع و التاريخ ، تولّينا لفت النظر إلى المسألة و شدّدنا حتّى أكثر على إيلائها الأهمّية اللازمة في مقالنا " لنكن واقعيّين : الدول العربيّة رجعيّة متحالفة مع الإمبرياليّة تسحق الجماهير الشعبيّة لذا وجبت الإطاحة بها و تشييد دول جديدة يكون هدفها الأسمى الشيوعيّة و تحرير الإنسانيّة على النطاق العالمي " ( العدد 32 من " لا حركة شيوعيّة ثوريّة دون ماويّة ! " ) فكتبنا ، بعد شرح لاواقعيّة إصلاح دول الإستعمار الجديد :
" تغيير نمط الإنتاج واجب !
فى مقال " الإنتخابات و أوهام الديمقراطية البرجوازية : تصوّروا فوز الجبهة الشعبية فى الإنتخابات التشريعية و الرئاسية لسنة 2014 " ( العدد 22 من " لا حركة شيوعية ثورية دون ماويّة ! "- مكتبة الحوار المتمدّن و الموقع الفرعي لناظم الماوي هناك ) تحديدا نقطة " التحريفية و الإصلاحية و علاقة البنية التحتية بالبنية الفوقيّة " ، كتبنا :
" معلوم ماركسيّا و ماديّا جدليّا أن واقع الناس هو الذى يحدّد أفكارهم و أنّ البنية التحتيّة تحدّد البنية الفوقيّة ومن الإضافات الخالدة لماو تسى تونغ هو تشديده على مدى العلاقة الجدلية للبنيتين و تأثير البنية الفوقية فى البنية التحتيّة لا سيما فى المجتمع الإشتراكي لعوامل ليس هنا مجال تفصيلها . و قد رصدنا فى دراستنا للتحريفية و الإصلاحية و الخطوط الإيديولوجية و السياسية للمتمركسين تشويههم الفظّ للعلاقة الصحيحة بين البنية التحتيّة والبنية الفوقيّة حيث يفصلون بينهما و كأنّ – كما رأينا – الدولة والديمقراطية و القوانين و ما إلى ذلك من البنية الفوقيّة لدولة الإستعمار الجديد لا تعكس و لا تخدم القاعدة الإقتصادية الإجتماعية للمجتمع من علاقات الإنتاج و علاقات التوزيع و الملكية .
يتخيّل الإصلاحيّون أنّهم عند بلوغهم المشاركة فى أجهزة دولة الإستعمار الجديد سيكون بوسعهم تحقيق برامجهم إن مسّت من المصالح الأساسية للطبقات الحاكمة المتحالفة مع الإمبريالية العالمية دون معارضة شديدة من الطبقات الرجعيّة و الإمبريالية العالمية و بقيّة أجهزة الدولة و على رأسها الجيش . يتخيّلون ذلك و يوهمون الجماهير الشعبيّة و المناضلات و المناضلين بإمكانيّة إنجاز المهام الوطنيّة و الديمقراطية للثورة الوطنية الديمقراطية فى إطار دولة الإستعمار الجديد و علاقات الإنتاج و التوزيع و الملكية القائمة .
ليس المسك بالسلطة السياسيّة أو بجزء منها وحده هو الذى يخوّل تثوير مجتمع و بنيته التحتيّة والفوقيّة ، بل هناك حاجة أكيدة إلى إمتلاك دولة و عاموها الفقري جيش ثوري من طراز جديد يفرضات فرضا على الطبقات الرجعية و بالقوّة أحيانا التغيير الثوري المرجوّ فى البنيتين . تستطيع أن تكون ماسكا بسلطة الحكومة أو السلطة التشريعية ( مثلما حصل فى أندونيسيا فى أواسط الستينات ، مع الحزب الشيوعي هناك ) لكنّك لا تمسك بسلطة الدولة برمّتها فالسلطة السياسية تنبع من فوّهة البندقيّة و إن كان غيرك يمسك بالبندقية و أنت لا تملك بندقية – جيشا – فعليك السلام الذى ترجم تاريخيّا فى أندونيسيا بمجازر لمئات الآلاف من الشيوعيين و غيرهم الثوريين على أيدى سوهرتو والجيش الذى قاد الإنقلاب .
الإصلاحات و البرامج الإصلاحيّة و القوى الإصلاحية لا تعالج المشكل المتمثّل على وجه الضبط فى دولة الإستعمار الجديد و البنية التحتية و الفوقية للمجتمع الذى يحتاج ثورة لا إصلاحات ، ولا تنشأ دولة جديدة ثوريّة تقودها الطبقات الثوريّة و على رأسها البروليتاريا و هدفها الأسمى الشيوعية على النطاق العالمي ؛ أقصى ما تفعله هو إدخال تغييرات بسيطة فى هذا المجال أو ذاك أمّا البنية التحتيّة الإقتصادية الإجتماعية الأساسية التى تعيد إنتاج المجتمع بالإستعانة بالدولة و بقيّة البنية الفوقيّة فلن تشهد تغييرا راديكاليّا بل ستظلّ هي هي .
و ما الذى يحصل عندما يسعى الإصلاحيّون إلى التدخّل فى جوهر علاقات الإنتاج و التوزيع و الملكيّة ؟ تاريخيّا حصل أمران إثنان : أولهما تراجع الإصلاحيين عن مشاريعهم " الطموحة أكثر من اللازم " تحت الضغط المحلّي و الدولي و تأقلمهم مع المصالح الأساسيةّ لدولة الإستعمار الجديد فيظلّون فى الحكم لفترة تطول أو تقصر حسب الظروف فى خدمة الطبقات الرجعيّة و الإمبريالية العالمية ( أفريقيا الجنوبيّة بعد الأبرتايد ) و ثانيهما ، يستبعدون من الحكم بمؤامرات متنوّعة ( نيكارغوا و ما جدّ قبل سنوات عديدة من إستبعاد الجبهة الساندينية من الحكم قبل أن تعود إليه مؤخّرا بعد الكثير و الكثير من التنازلات على الكثير و الكثير من المستويات) أو يسحقون بالقوّة سحقا ( الشيلي و تجربة آلندى والحزبين الإشتراكي و الشيوعي هناك فى سبعينات القرن العشرين ) ...
إنّ من لم يدرك عمق الحقيقة التالية التى لخّصها ماو تسى تونغ و ينطلق منها فى نضاله ، لن يكون ثوريّا حقّا :
" إنّ الإستيلاء على السلطة بواسطة القوة المسلّحة و حسم الأمر عن طريق الحرب ، هو المهمة المركزية للثورة و شكلها الأسمى . و هذا المبدأ الماركسي اللينيني المتعلّق بالثورة صالح بصورة مطلقة ، للصين و لغيرها من الأٌقطار على حدّ سواء ."
( " قضايا الحرب و الإستراتيجيا " ( 6 نوفمبر - تشرين الثاني - 1938) ، المؤلفات المختارة ، المجلّد الثاني)
و نضيف إلى ذلك أنّ تغيير نمط الإنتاج واجب لأجل التمكنّ من خدمة مصالح أوسع الجماهير الشعبيّة و التقدّم نحو تحرير الإنسانيّة من كافة ألوان الإضطهاد و الإستغلال الجندري و الطبقي والقومي . يجب تغيير ملكيّة وسائل الإنتاج وموقع الطبقات فى الإنتاج و فى توزيع الإنتاج ، آخذين بعين النظر الظروف الملموسة و الوضع المباشر لكلّ بلد تحصل فيه الثورة الحقيقيّة . يجب إنشاء إقتصاد مندمج مخطّط يقطع مع الإمبريالية و يلبّى حاجيات الشعب و التقدّم بالثورة البروليتارية العالمية و تتحكّم فيه الطبقات الشعبيّة و فى مقدّمتها البروليتاريا و حزبها الشيوعي . و يكون هذا طبعا عقب - أو فى خضمّ سيرورة حرب الشعب الطويلة الأمد - الإطاحة بالدول القديمة و إنشاء دول جديدة ( و لا يتعلّق الأمر هنا بتجاهل التطلّعات القوميّة لدولة موحدّة وإنّما هنا يجرى الحديث عن دول قديمة و دول جديدة ) هدفها الأسمى تحقيق الشيوعية على النطاق العالمي.
و إن لم يقع تغيير نمط الإنتاج و العلاقات الإجتماعية و مجمل البنية التحتيّة ، ستقع إعادة إنتاج القاعدة الإقتصادية و العلاقات الإجتماعية و البنية الفوقيّة و منها الدول الرجعيّة المدعومة إمبرياليّا و بالتالى تستمرّ عذابات الجماهير الشعبية و إستغلالها و إضطهادها مهما كانت مساحيق الإصلاح الموضوعة على وجه دول الإستعمار الجديد .
يعتقد الإصلاحيّون ( المتمركسون منهم و غيرهم ) أنّه يمكن إنجاز المعجزات دون المساس بالبنية التحتيّة الإقتصادية و الإجتماعية و نمط الإنتاج . و لا يفـتأ الواقع يسفّه أضغاث أحلامهم . كم حكومة و كم تيّارا شارك فى حكم دولة الإستعمار الجديد بالمغرب و لم يلمسوا الخيارات الجوهرية للقاعدة الإقتصادية و نمط الإنتاج أصلا و لم يتوصّلوا لطبيعتهم و إتفاقهم على عدم النيل من نمط الإنتاج إلاّ إلى النجاح فى خدمة الطبقات الحاكمة الرجعيّة المحلّية المتحالفة مع الإمبريالية و طعن الشعب فى الظهر .
و الشيء نفسه يمكن أن يقال عن ما جرى فى تونس تحت حكم بن علي كخليفة لبورقيبة و بعده تحت حكم حزب النهضة على رأس الترويكا أو حكم حزب نداء تونس بتحالف مع حزب النهضة . و كذلك هو الأمر فى مصر ، بعد السادات ، زمن مبارك أو إثره مع حكم الإخوان أو تاليا حكم السيسي ...
لقد ساهمت قوى " يسارية " و " يمينية " ، " إشتراكية " و "ديمقراطية " و " ليبراليّة " و" إخوانية " ... فى تلميع صورة دول الإستعمار الجديد و تبييض وجهها و إعادة هيكلتها و إنقاذها من أزماتها و لم تغيّر التشكيلة الإقتصادية – الإجتماعية تغييرا جوهريّا . قدّمت هذه القوى هذه الفئة أو تلك من الطبقات الحاكمة ، إلى سدّة الحكم أو ضاعفت إمتيازاتها أو قلّصت منها أو شرّطتها فى تسيير شؤون الدولة . و كان مآل جماهير الطبقات الشعبيّة تقريبا ذاته فموقعها لم يتبدّل فى علاقة بملكيّة وسائل الإنتاج و بموقعها فى الإنتاج و موقعها فى توزيع الإنتاج و فى علاقة بإبعادها عن تسيير الدولة التى هي دولة أعدائها و التحكّم فى مسار المجتمع الذى تتمتّع به الطبقات الحاكمة المتحالفة مع الإمبريالية العالمية لا تهمّ فى ذلك الخلفيّة الإجتماعية لمنفّذى سياسات الدولة المعادية لمصالح الشعب .
و يقينا أن عفويّة الجماهير ، فى غياب الدعاية و التحريض و التنظيم الشيوعيين و نشر الوعي الشيوعي ، تؤدّى الكرّة تلو الكرّة إلى السقوط تحت جناح الطبقات الحاكمة ؛ وأنّ المطلبيّة الإصلاحيّة تسمح للطبقات الحاكمة بالتآمر و الإستمرار فى الحكم و لنمط الإنتاج بإعادة إنتاج نفسه و بإعادة إنتاج البنية الفوقيّة المناسبة له . سيقتضى كسر الدائرة الجهنّمية بالنسبة للجماهير و التى تدرّ الثروات على الطبقات الحاكمة و حلفائها لا الإصلاحيّة بل الشيوعية الماويّة الثوريّة كيما تنجز حقّا ثورة حقيقيّة تنشأ دولا جديدة هدفها الأسمى الشيوعية على الصعيد العالمي و تغيّر نمط الإنتاج بمكوّناته تلبية لمصالح الجماهير الشعبيّة و التقدّم على الطريق المؤدّية إلى تلك الغاية الأسمى ، فى إرتباط جدلي بين الثورة فى جزء ما من العالم والثورة البروليتارية العالمية و كجزء لا يتجزّأ منها ."
( إنتهى المقتطف من مقال " لنكن واقعيّين : الدول العربيّة رجعيّة متحالفة مع الإمبرياليّة تسحق الجماهير الشعبيّة لذا وجبت الإطاحة بها و تشييد دول جديدة يكون هدفها الأسمى الشيوعيّة و تحرير الإنسانيّة على النطاق العالمي ." )

-4- البديل الشيوعي الثوري الحقيقي : الثورة الديمقراطيّة الجديدة / الوطنيّة الديمقراطية كجزء من الثورة البرويتاريّة العالميّة :

المشكل كما تطرّقنا له يكمن في كون النظام الإمبريالي العالمي بكلّ مكوّناته قد فات أوانه و إن ظلّ سائدا ، لن يفرز سوى الفساد و الخراب للإنسانيّة قاطبة و لكوكب الأرض و الحقيقة الماديّة الموضوعيّة هي أنّه آن أوان تجاوزه و تخطّيه . هذا هو المشكل من وجهة نظر شيوعية ثوريّة أمّا الإصلاحيين فيرون أنّ المشكل يكمن في " الإنتقال الديمقراطي " أو الفساد الإداري و المالي و السياسي إلخ أي في جوانب من الحياة السياسيّة أو الإقتصادية يمكن تعديلها لتحسين سير النظام القائم و هم لا يضعون موضع السؤال الدولة برمّتها و نمط الإنتاج برمّته .
و بالنسبة للمستعمرات و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات ، المشكل موضوعيّا و حقيقة هو دولة الإستعمار الجديد برمّتها و نمط الإنتاج برمّته كجزء من النظام الرأسمالي – الإمبريالي العالمي الذى تخدمه هذه الدول مثلما تخدمه الدول الرأسمالية – الإمبريالية . و الحلّ المرتأى شيوعيّا ثوريّا قطريّا و عربيّا ( دون الإستهانة بالإختلافات من قطر إلى آخر ) هو الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنيّة الديمقراطيّة بقيادة الطبقة العاملة و حزبها الشيوعي الثوري و الإيديولوجيا الشيوعيّة كجزء من الثورة البروليتارية العالميّة ( و ليس كما شوّهها الوطنيّون الديمقراطيّون بشتّى أصنافهم و تشكيلاتهم و أفرغوها من مضمونها الثوري و صيّروها قوميّة أو ديمقراطيّة برجوازيّة كما شرحنا ذلك في مناسبات سابقة كثيرة ).
و منذ العدد الأوّل من نشريتنا " لا حركة شيوعيّة ثوريّة دون ماويّة ! " في مارس 2011 ، قدّمنا في خطوطه العريضة هذا البديل كما إرتآه و كرّسه ماو تسى تونغ و آخرون من بعده ، في تعارض صارخ مع دعاة " الديمقراطيّة الخالصة " ، الديمقراطية البرجوازيّة الشكلانيّة أو الديمقراطية القديمة و بعد شرحنا في النقطة الأولى من المقال الحامل لعنوان " الديمقراطية القديمة البرجوازية أم الديمقراطية الجديدة الماويّة ؟ " للفرق بين الديمقراطيّات المتعدّدة ( ديمقراطيّة أم ديمقراطيّات ؟ ) و قبل التطرّق للعلاقة بين الثورة الديمقراطية الجديدة و الثورة الوطنيّة الديمقراطيّة ( الثورة الديمقراطية الجديدة / الثورة الوطنيّة الديمقراطيّة ) و لطريق الثورة ( طريق الثورة الديمقراطيّة الجديدة : حرب الشعب أم الإنتفاضة المسلّحة ؟ ) صغنا النقطتين الثانية و الثالثة على النحو التالى :
" الديمقراطية القديمة أم الديمقراطية الجديدة ؟
" إنّ التناقضات المختلفة من حيث طبيعتها لا يمكن أن تحلّ إلاّ بطرق مختلفة طبيعيّا "(ماو تسى تونغ، " فى التناقض" )
كانت الثورات الديمقراطية القديمة ضد الإقطاع، قبل القرن العشرين، ثورات برجوازية تفرز دولا رأسمالية برجوازية.أمّا الثورات الديمقراطية الجديدة فتتعارض تمام التعارض مع الديمقراطية القديمة أي مع الديمقراطية البرجوازية الراسمالية-الإمبريالية بمعنى أنّ نتيجة الثورة الديمقراطية الجديدة الحقّة لن تكون دولة ديمقراطية قديمة برجوازية و مجتمع رأسمالي تسوده البرجوازية و إنّما دولة ديمقراطية جديدة ، دولة ديمقراطية شعبية لطبقات ثورية مناهضة للإمبريالية و البرجوازية الكمبرادورية / البيروقراطية و الإقطاع تقودها البروليتاريا و تمهّد الطريق للثورة الإشتراكية كجزء من الثورة البروليتارية العالمية .
بهذا المعنى الديمقراطية الجديدة مرحلة إنتقالية من مجتمع المستعمرات الجديدة أو أشباه المستعمرات إلى مجتمع مستقلّ ديمقراطي بقيادة بروليتارية و بتحالف وثيق مع الفلاحين الفقراء كخطوة اولى تليها خطوة ثانية لبناء مجتمع إشتراكي و هذا تيّار من تياّري الثورة البروليتارية العالمية و تياّرها الثاني هو الثورات الإشتراكية فى البلدان الرأسمالية الإمبريالية. و لشرح الديمقراطية الجديدة كتب ماو عام 1940كتيّبا لم يكن فى منتهى الأهمّية لإنتصار الثورة فى الصين فحسب بل بات ذا مغزى عالمي و أحد أهمّ مساهمات ماو تسى تونغ فى تطوير علم الثورة البروليتارية العالمية ، و منه نقتطف لكم الفقرات التالية الطويلة نسبيّا للضرورات التي ألمحنا إليها فى المقدّمة :
--- " فى هذا العصر إذا نشبت فى أي بلد مستعمر أو شبه مستعمر ثورة موجهة ضد الإمبريالية ، أي ضد البرجوازية العالمية و الرأسمالية العالمية، فهي لا تنتسب إلى الثورة الديمقراطية البرجوازية العالمية بمفهومها القديم ،بل تنتسب إلى مفهوم جديد، و لا تعدّ جزءا من الثورة العالمية القديمة البرجوازية و الرأسمالية ، بل تعدّ جزءا من الثورة العالمية الجديدة، أي جزءا من الثورة العالمية الإشتراكية البروليتارية. و إنّ مثل هذه المستعمرات و شبه المستعمرات الثورية لم تعد تعتبر فى عداد حليفات الجبهة الرأسمالية العالمية المضادة للثورة ، بل أصبحت حليفات للجبهة الإشتراكية العالمية الثورية." ( من فقرة " الثورة الصينية جزء من الثورة العالمية " ).
--- " إن الجمهورية الديمقراطية الجديدة تختلف عن الجمهورية الرأسمالية من النمط الأوربي الأمريكي القديم والخاضعة لديكتاتورية البرجوازية ، إذ أن هذه الأخيرة هي جمهورية الديمقراطية القديمة التي قد فات أوانها ، و من جهة أخرى فإنها تختلف أيضا عن الجمهورية الإشتراكية من النمط السوفياتي والخاضعة لديكتاتورية البروليتاريا ،فإن مثل هذه الجمهورية الاشتراكية تزدهر في ارض الاتحاد السوفياتي وسوف تعمم في جميع البلدان الراسمالية ، وأكيد أنها ستصبح الشكل السائد لتركيب الدولة والسلطة السياسية في جميع البلدان المتقدمة صناعيا . ولكن مثل هذه الجمهورية ، خلال فترة تاريخية معينة لا تصلح للثورات في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة ، ولذا فلا بد أن يتبنى خلال تلك الفترة التاريخية المعينة شكل ثالث للدولة في ثورات جميع البلدان المستعمرة والشبه المستعمرة . ألا و هو جمهورية الديمقراطية الجديدة . وبما أن هذا الشكل مناسب خلال فترة تاريخية معينة ، فهو شكل انتقالي ، ولكنه ضروري لا بديل له."( من فقرة " سياسة الديمقراطية الجديدة " ).
--- " ان الجمهورية التي يجب إقامتها ...لا بد أن تكون جمهورية للديمقراطية الجديدة سياسيا واقتصاديا على حد سواء . ستكون المصاريف الكبرى والمشاريع الصناعية والكبرى ملكا للجمهورية " إن كافة المشاريع أكانت صينية أم أجنبية والتي تحمل طابعا احتكاريا أو هي أكبر من أن يديرها الأفراد، مثل المصارف والسكك الحديدية والخطوط الجوية يجب ان تشرف عليها الدولة وتديرها ، حتى لا يستطيع الرأسمال الخاص أن يسيطر على وسائل معيشة الشعب ، هذا هو المبدأ الرئيسي لتحديد الرأسمال " ...ففي الجمهورية الديمقراطية الجديدة الخاضعة لقيادة البروليتاريا سيكون القطاع العام ذا طبيعة اشتراكية ، وهو يشكل القوة القائدة في مجموع الاقتصاد القومي بيد ان هذه الجمهورية لا تصادر الأملاك الرأسمالية الخاصة الأخرى ، ولا تحظر تطور الإنتاج الرأسمالي الذي " لا يسطر على وسائل معيشة الشعب " وذلك لأن اقتصاد الصين لا يبرح متخلفا جدا .
وستتخذ هذه الجمهورية بعض التدابير اللازمة من أجل مصادرة أراضي ملاك الأراضي وتوزيعها على الفلاحين الذين لا يملكون أرضا أو يملكون قطعا صغيرة ، تطبق بذلك شعار ... القائل " الأرض لمن يفلحها " وتلغى العلاقات الإقطاعية في المناطق الريفية ، وتحيل ملكية الأرض إلى الفلاحين . أما اقتصاد الفلاحين الأغنياء في المناطق الريفية فوجوده مسموح به . تلك هي سياسة تحقيق المساواة في ملكية الأرض و شعار " الأرض لمن يفلحها " هو الشعار الصحيح الذي يترجم تلك السياسة. وفي هذه المرحلة لن نسعى على العموم الى إقامة الزراعة الاشتراكية . بيد ان أنوعا مختلفة من الاقتصاديات التعاونية التي تكون قد تطورت على أساس " الأرض لمن يفلحها " سوف تحتوي على عناصر اشتراكية " ( من فقرة " إقتصاد الديمقراطية الجديدة " ).
---" أمّا الثقافة الجديدة فهي إنعكاس إيديولوجي للسياسة الجديدة و الإقتصاد الجديد وهي كذلك فى خدمتها." ( من فقرة : ثقافة الديمقراطية الجديدة.) " إنّ ثقافة الديمقراطية الجديدة هذه ثقافة وطنية تعارض الإضطهاد الإمبريالي و تنادي بالمحافظة على كرامة الأمة ... و إستقلالها. هذه الثقافة تخصّ أمتنا ، و تحمل خصائصها الوطنية. و يجب عليها أن ترتبط بالثقافة الإشتراكية و ثقافة الديمقراطية الجديدة لسائر الأمم ، بحيث تتشرّب من بعضها البعض و تتبادل المساعدة لتتطوّر سويّا فى سبيل تشكيل ثقافة جديدة للعالم ...إنّ ثقافة الديمقراطية الجديدة هذه ثقافة علمية تعارض سائر الأفكار الإقطاعية و الخرافية و تنادي بالبحث عن الحقيقة من الوقائع، و بالإلتزام بالحقيقة الموضوعية ، كما تنادى بالوحدة بين النظرية و الممارسة العملية... إنّ ثقافة الديمقراطية الجديدة هذه هي ثقافة جماهيرية وهي بالتالى ديمقراطية . و ينبغى لها أن تخدم الجماهير الكادحة من العمّال و الفلاحين الذين يشكّلون أكثر من 90% من سكّان بلادنا ، و أن تصبح بصورة تدريجية ثقافتهم الخاصّة." ( من فقرة " ثقافة وطنية علمية جماهيرية " ).
و عليه ، واهمون هم أولئك الذين يتصوّرون إمكانية وجود مجتمع رأسمالي ديمقراطي برجوازي على غرار ما يوجد فى أوروبا ، فى المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات فى حين أنّ هذه الإمكانية منعدمة تاريخيا وواقعيّا.و القوى القومية و "اليسارية" المرتكبة لإنحراف قومجي ،الداعية للتحرّر الوطني رئيسيا و المتناسية للطابع الديمقراطي أو المقلّصة من أهمّيته مشدّدة على مواجهة العدوّ الإمبريالي غاضة الطرف عن البرجوازية الكمبرادورية/البيروقراطية ( و متحالفين معها أحيانا) و الإقطاع على خطإ واضح و جلي ؛ و القوى "اليسارية" التي تشدّد التشديد كلّه على الطابع الديمقراطي بمعنى الحرّيات السياسية حصريا تقريبا مخطئة هي الأخرى لتقليصها لمضمون الثورة التي تتطلبها المرحلة فى المستعمرات الجديدة وأشباه المستعمرات و طبيعتها و إستهتارها بالجبال الرواسي الثلاثة ألا وهي الإمبريالية و البرجوازية الكمبرادورية و الإقطاع.
الديمقراطية الجديدة تطوير لعلم الثورة البروليتارية العالمية أم تحريف له ؟
رغم محاولات الحركة الشيوعية العالمية و الأممية الشيوعية بقيادة البلاشفة الذين كانوا على رأس جماهير الشعب فى إنجاز ثورة أكتوبر المجيدة ،أن تطوّر خطّا متكاملا للثورة فى المستعمرات و أشباه المستعمرات ،فإنّ لينين أقرّ بمحدودية تلك الجهود و بالحاجة الأكيدة لتطوير طرق جديدة و عدم إتباع طريق أكتوبر.و قد صرّح فى تقرير فى المؤتمر الثاني لعامة روسيا للمنظمات الشيوعية لشعوب الشرق فى 22 نوفمبر 1919 ، بالآتى :
" أنتم تمثلون منظمات شيوعية و أحزابا شيوعية تنتسب لمختلف شعوب الشرق . و ينبغى لى أن أقول إنه إذا كان قد تيسر للبلاشفة الروس إحداث صدع فى الإمبريالية القديمة ، إذا كان قد تيسر لهم القيام بمهمة فى منتهى العسر وإن تكن فى منتهى النبل هي مهمة إحداث طرق جديدة للثورة ، ففى إنتظاركم أنتم ممثلى جماهير الكادحين فى الشرق مهمة أعظم و أكثر جدة ...
و فى هذا الحقل تواجهكم مهمة لم تواجه الشيوعيين فى العالم كله من قبل : ينبغى لكم أن تستندوا فى الميدانين النظري و العملي إلى التعاليم الشيوعية العامة و أن تأخذوا بعين الإعتبار الظروف الخاصة غير الموجودة فى البلدان الأوروبية كي يصبح بإمكانكم تطبيق هذه التعاليم فى الميدانين النظري و العملي فى ظروف يؤلف فيها الفلاحون الجمهور الرئيسي و تطرح فيها مهمة النضال لا ضد رأس المال ، بل ضد بقايا القرون الوسطى . وهذه مهمة عسيرة ذات طابع خاص ، غير أنها مهمة تعطى أطيب الثمرات ، إذ تجذب إلى النضال تلك الجماهير التى لم يسبق لها أن إشتركت فى النضال ، و تتيح لكم من الجهة الأخرى الإرتباط أوثق إرتباط بالأممية الثالثة بفضل تنظيم الخلايا الشيوعية فى الشرق ... هذه هي القضايا التى لا تجدون حلولا لها فى أي كتاب من كتب الشيوعية ، و لكنكم تجدون حلولها فى النضال العام الذى بدأته روسيا . لا بد لكم من وضع هذه القضية و من حلها بخبرتكم الخاصة ..."
و بفضل التجارب العملية و النظرية، السلبية منها و الإيجابية، المراكمة وإستجابة لمتطلبات واقع المستعمرات الجديدة و اشباه المستعمرات ، طوّر ماوتسى تونغ ضمن مساهماته العديدة فى تطوير علم الثورة البروليتارية العالمية و الماركسية فى مكوناتها الثلاثة ، طرقا جديدة للثورة بداية مع ثورة الديمقراطية الجديدة ثم الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى لمواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا.
و إثر وفاة القائد البروليتاري الصيني العظيم و إنقلاب التحريفيين فى الصين معيدين تركيز الرأسمالية هناك ، نظّم هجوم سافر على ماو تسى تونغ و مساهماته التى أثبت التاريخ صحّتها ، من طرف الإمبريالية العالمية و الرجعية و التحريفيين الصينيين و كذلك الخوجيين عبر العالم .و إنبري الشيوعيون الثوريون الماويون حقّا للدفاع عن إرث ماو تسى تونغ الذى هو إرث البروليتاريا الثورية العالمية و خاضوا جملة من الصراعات على شتى الأصعدة أدّت ضمن ما أدّت إليه إلى تشكيل الحركة الأممية الثورية سنة 1984 من عدّة أحزاب و منظمات من جميع قارات الكوكب أصدرت بيانا عالميا فى تلك السنة منه نقتطف لكم بضعة فقرات متصلة بالموضوع الذى نحن بصدده وبدروس متعلّقة بهذا النوع من الثورات :

" و لا تزال النظرية التى بلورها ماو تسى تونغ خلال السنوات الطويلة للحرب الثورية فى الصين تمثل المرجع الأساسي لصياغة الإستراتيجيا و التكتيك الثوريين فى البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة أو المستعمرات الجديدة . فى هذه البلدان تمثل الإمبريالية الأجنبية و كذلك البرجوازية البيروقراطية "والكمبرادورية " و الإقطاعيون- بإعتبار الطبقتين الأخيرتين طبقات تابعة و مرتبطة بقوة بالإمبريالية- مرمى الثورة (هدفها ). و تعبر الثورة فى هذه البلدان مرحلتين : ثورة أولى هي الثورة الديمقراطية الجديدة التى تؤدي مباشرة فيما بعد إلى ثورة ثانية هي الثورة الإشتراكية . و طبيعة و هدف و مهام المرحلة الأولى من الثورة تخوّل للبروليتاريا وتقتضى منها إقامة جبهة واسعة متحدة تجمع كل الطبقات و الشرائح الإجتماعية التي يمكن كسبها لمساندة برنامج الديمقراطية الجديدة .و مع ذلك ، فإن البروليتاريا تسعى إلى بناء هذه الجبهة المتحدة بما يتفق مع مبدأ تطوير و دعم قواها الذاتية المستقلة وهو ما يستتبع مثلا أنه على البروليتاريا أن تكون لها قواتها المسلحة الخاصة متى حتمت الظروف ذلك و أنه عليها أن تفرض دورها القيادي تجاه قطاعات الجماهير الثورية خاصة تجاه الفلاحين الفقراء. و يتخذ هذا التحالف كمحور أساسي له تحالف العمال مع الفلاحين كما يجب أن تحتل الثورة الزراعية ( أي النضال ضد الإستغلال شبه الإقطاعي فى الريف و / أو شعار " الأرض لمن يفلحها " ) مكانة مركزية فى برنامج الديمقراطية الجديدة ...
و من أجل تتويج ثورة الديمقراطية الجديدة، يترتب على البروليتاريا أن تحافظ على دورها المستقل و أن تكون قادرة على فرض دورها القائد فى النضال الثوري وهو ما تقوم به عن طريق حزبها الماركسي - اللينيني- الماوي . و قد بينت التجربة التاريخية مرارا و تكرارا أنه حتى إذا ما إشتركت فئة من البرجوازية الوطنية فى الحركة الثورية فإنها لا تريد (ولا تستطيع ) قيادة ثورة الديمقراطية الجديدة و من البداهة إذا ألآ توصلها إلى نهايتها. كما بينت التجربة التاريخية أن "جبهة معادية للإمبريالية " ( أو " جبهة ثورية " أخرى من هذا القبيل ) لا يقودها حزب ماركسي- لينيني- ماوي لا تؤدى إلى نتيجة حتى إذا ما كانت هذه الجبهة ( أو بعض القوى المكوّنة لها ) تتبنى خطا " ماركسيا " معينا أو بالأحرى ماركسيا كاذبا . و بالرغم من أن هذه التشكيلات الثورية قد قادت أحيانا معاركا بطولية بل و سدّدت ضربات قوية للإمبريالية ، فإنها أظهرت أنها عاجزة على المستوى الإيديولوجي و التنظيمي ،عن الصمود أمام التأثيرات الإمبريالية و البرجوازية. و حتى فى الأماكن التى تمكّنت فيها هذه العناصر من إفتكاك السلطة ، فإنها بقيت عاجزة عن تحقيق تغيير ثوري كامل للمجتمع فإنتهت جميعا ،إن عاجلا أم آجلا ، بأن قلبتها الإمبريالية أو أن تحولت هي نفسها إلى نظام رجعي جديد يعمل اليد فى اليد مع الإمبرياليين .
و يمكن للحزب الشيوعي فى الوضعيات التى تمارس فيها الطبقات المسيطرة ديكتاتورية عنيفة أو فاشية أن يستغل التناقضات التى يخلقها هذا الوضع بما يدعم الثورة الديمقراطية الجديدة و أن يعقد إتفاقات أو تحالفات مؤقتة مع عناصر من طبقات أخرى . و لكن هذه المبادرات لا يمكن لها أن تنجح إلا إذا واصل الحزب المحافظة على دوره القيادي و إستعمل هذه التحالفات فى النطاق المحدّد بمهمته الشاملة و الرئيسية و المتمثلة فى إنجاح الثورة ، دون أن يحوّل النضال ضد الديكتاتورية إلى مرحلة إستراتيجية للثورة بما أن محتوى النضال المعادي للفاشية ليس إلا محتوى الثورة الديمقراطية الجديدة .
ويتعين على الحزب الماركسي - اللينيني- الماوي لا فقط أن يسلّح البروليتاريا و الجماهير الثورية بوسائل فهم طبيعة المهمّة الموكولة للإنجاز مباشرة ( إنجاح الثورة الديمقراطية الجديدة ) و الدور و المصالح المتناقضة لممثلى مختلف الطبقات (الصديقة أو العدوّة ) و لكن أيضا أن يفهمهم ضرورة تحضير الإنتقال إلى الثورة الإشتراكية وواقع أن الهدف النهائي يجب أن يكون الوصول إلى الشيوعية على مستوى العالم .
ينطلق الماركسيون - اللينينيون- الماويون من مبدإ أن على الحزب أن يقود الحرب الثورية بما يجعلها حرب جماهير حقيقية . و يجب عليهم حتى خلال الظروف العسيرة التى تفرضها الحرب أن يعملوا على تربية واسعة للجماهير و مساعدتها على بلوغ مستوى أرقى نظريا و إيديولوجيا و من أجل ذلك يتوجب تأمين نشر و تطوير صحافة شيوعية منتظمة الصدور و العمل على أن تدخل الثورة الميادين الثقافية .
فى البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة ( أو المستعمرات الجديدة )، تمثّل الإنحراف الرئيسي فى الفترة الأخيرة ( و لا تزال) فى الميل إلى عدم الإعتراف أو إنكار هذا التوجه الأساسي للحركة الثورية فى مثل هذه البلدان : الميل إلى إنكار الدور القيادي للبروليتاريا و للحزب الماركسي -اللينيني- الماوي و إلى رفض أو تشويش إنتهازي لنظرية حرب الشعب و إلى التخلى عن بناء جبهة متحدة على أساس تحالف العمال و الفلاحين تقودها البروليتاريا .
و قد تجلى هذا الإنحراف التحريفي فى الماضي فى شكل "يساري " أو فى شكل يميني مفضوح . و لطالما نادى التحريفيون الجدد ب " الإنتقال السلمي للإشتراكية " (و خصوصا إلى حدود الماضى القريب ) و سعوا إلى دعم القيادة البرجوازية فى نضالات التحرر الوطني و لكن هذه التحريفية اليمينية التى لا تخفى سياستها الإستسلامية ، كانت دائما ما تجد صداها فى شكل آخر للتحريفية تتقاطع معها اليوم أكثر فأكثر : نوع من التحريفية المسلحة " اليسارية " تدعو لها فيمن يدعو لها ، من حين لآخر القيادة الكوبية و تؤدى إلى سحب الجماهير بعيدا عن النضال المسلح و التى تدافع عن فكرة دمج كل مراحل الثورة و عدم القيام إلا بثورة واحدة، ثورة إشتراكية مزعومة. و تؤدى هذه السياسة عمليا إلى محاولة دفع البروليتاريا إلى أفق محدود جدا و إلى إنكار واقع أن على الطبقة العاملة أن تقود الفلاحين و قوى أخرى وأن تسعى بذلك إلى تصفية كاملة للإمبريالية و للعلاقات الإقتصادية و الإجتماعية المتخلفة و المشوّهة التى يتمّعش منها رأس المال الأجنبي و التى يجتهد فى تدعيمها . و يمثل هذا الشكل من التحريفية اليوم واحدة من الوسائل الرئيسية التى يستعملها الإمبرياليون الإشتراكيون للإندساس فى نضالات التحرر الوطني و مراقبتها .
ويجب على الماركسيين- اللينينيين - الماويين ، حتى يمكّنوا تطور الحركة الثورية فى المستعمرات و أشباه المستعمرات ( أو المستعمرات الجديدة ) من إتخاذ توجه صحيح ، أن يواصلوا تكثيف النضال ضد كلّ أشكال التحريفية و الدفاع عن مساهمات ماو بإعتبارها أساسا نظريا ضروريا من أجل تحليل عميق للظروف الملموسة و بلورة خط سياسي مناسب فى مختلف البلدان من هذا النوع . ( من فقرة " المهام فى المستعمرات و أشباه المستعمرات ( أو المستعمرات الجديدة ) ")
و عقب أقلّ من عقد من النضال النظري و العملي و تطوير منظّمات و أحزاب و حرب الشعب فى عدّة بلدان لا سيما فى البيرو فى ثمانينات القرن العشرين ، خطت الحركة الأممية الثورية خطوة نوعية أخرى بتبنّيها للماركسية-اللينينية-الماوية و إعتبارها الماوية مرحلة ثالثة جديدة و أرقى فى علم الثورة البروليتارية العالمية .وهي تفسّر مساهمات ماو تسى تونغ فى " لتحي الماركسية – اللينينية - الماوية " سنة 1993خطّت الأسطر التالية بشأن الثورة الديمقراطية الجديدة :
" و تمكّن ماوتسي تونغ من حلّ مسألة كيفية إنجاز الثورة في بلد تهيمن عليه الإمبريالية . فالطريق الأساسي الذي رسمه للثـورة الصينيــــــة يمثــــل مساهمة لا تقدر بثمن فى نظرية وممارسة الثورة وهي مرشد لتحرير الشعوب التى تضطهدها الإمبريالية. و هذا الطريق يعنى حرب الشعب و محاصرة الأرياف للمدن ويقوم على الكفــــــاح المسلح كشكل أساسي للنضــال وعلى الجيش الذى يقوده الحزب كشكل أساسي لتنظيم الجماهير وإستنهاض الفلاحين وخاصة الفقراء منهم و على الإصلاح الزراعي و بناء جبهة موحدة بقيادة الحزب الشيوعي وذلك قصد القيــام بثـورة الديمقراطية الجديدة ضد الامبريالية والإقطاع والبرجوازية البيروقراطيــــــة و تركيز ديكتاتورية الطبقات الثورية تحت قيادة البروليتاريا كتمهيـــد ضروري للثورة الإشتراكية التي يجب أن تتلو مباشرة إنتصار المرحلة الاولى من الثـورة . وقدم ماو الأطروحة المتمثلة في " الأسلحة السحرية الثلاثة " : الحزب والجيش والجبهة المتحدة " كأدوات لا بد منها لإنجاز الثــــورة فى كل بلـــــد طبقا للظروف و طريق الثورة الخاصين . "
و بناء على ما تقدّم نستشفّ أنّ الديمقراطية الجديدة ليست تحريفا و تشويها لعلم الثورة البروليتارية العالمية و إنّما هي تطوير خلاّق قائم على دراسات وتجارب عملية فى الصين طوال عقود من الحرب الأهلية و على حقيقة أثبت تاريخ الصراع الطبقي فى الصين و غيرها من البلدان صحّها و انّ مدعي إتباع طريق أكتوبر – الإنتفاضة المسلحة المتبوعة بحرب أهلية و ليس حرب الشعب و محاصرة الريف للمدن- يطرحون طريقا خاطئا لن يقدر الشعب إذا ما إنتهجه أن يحقّق التحرّر الديمقراطي الجديد و التمهيد للثورة الإشتراكية كجزء من الثورة البروليتارية العالمية و فى تحالف مع التيار الآخر للثورات البروليتارية ، تيار الثورات الإشتراكية فى البلدان الرأسمالية –الإمبريالية. و كلّ القوى الشرعوية و الإصلاحية " الديمقراطية " من الطراز القديم التي تسعى إلى العمل فى إطار دولة الإستعمار الجديد لن تستطيع أبدا ان تنجز الثورة الديمقراطية الجديدة التي تستدعى القضاء على هذه الدولة لبناء دولة الديمقراطية الجديدة عوضا عنها و على أنقاضها."
( إنتهى المقتطف من مقال " الديمقراطية القديمة البرجوازية أم الديمقراطية الجديدة الماويّة ؟ " )
و قد درس الرفاق و الرفيقات في إيران الوضع العالمي و إستخدموا المقولات المطوّرة من قبل ماو تسى تونغ بشأن الثورة الديمقراطية الجديدة و طبّقوها على الواقع الملموس و صاغوا برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي- اللينيني – الماوي ) الذى ترجمه شادي الشماوي وهو متوفّر بالعربيّة بمكتبة الحوار المتمدّن على الأنترنت . و من المهمّ للغاية دراسة ذلك البرنامج و إمعان النظر فيه لأنّه برنامج شيوعي ثوري مفصّل نسبيّا و فائدته عظيمة في تجاوز المقولات العامة و ممّا جاء فيه بخصوص التغييرات الثوريّة الضروريّة في الاقتصاد ( إلى جانب التغييرات الثورية في الحقول الأخرى ) كيما يغدو إقتصادا في خدمة الجماهير الشعبيّة و الثورة البروليتاريّة العالميّة :
" فى المجال الإقتصادي :
مع إنتصار الثورة الديمقراطية الجديدة ، ستقع مصادرة كل الرساميل الكبرى الخاصة و رساميل الدولة الإحتكارية و الرساميل الإمبريالية و كلّ البنوك و المؤسسات الصناعية و التجارية الكبرى و تصبح ملكا للدولة الثورية . و جميع الإتفاقيات الإضطهادية التى عقدت مع الإمبرياليين و المؤسسات المالية العالمية و كافة ديون البلاد إلى الإمبرياليين سيجرى إلغاؤها ؛ و نظام الملكية شبه الإقطاعي سيلغي بواسطة توزيع الأرض على الفلاحين الذين لا يملكون أرضا و على الفلاحين الفقراء .
و إثر مصادرة الدولة للرساميل الإحتكارية الكبرى ، سيكون الجزء الأساسي من الإقتصاد الرأسمالي الإيراني قد تمّ التخلّص منه ما سيضمن تحكّم البروليتاريا فى شرايين الإقتصاد الوطني . و سيخلق تركيز وسائل إنتاج هائلة وإستراتيجية بيد الدولة و الدور القيادي للدولة فى مجمل إقتصاد البلاد الأسس الإقتصادية و الأرضية المناسبة لتقدّم الثورة الإشتراكية و البناء الإشتراكي . و لا يعنى وضع حدّ للهيمنة الإمبريالية و تحطيم الرأسمالية البيروقراطية أنّ الرأسمال يغيّر مالكيه من دولة رجعية إلى دولة ثوريّة . المهمّة الأساسية هي تحطيم علاقات الإنتاج الرجعية و التثوير الصريح لهذه العلاقات و للهيكلة الإقتصادية للبلاد .
و الهدف المباشر لإقتصاد الديمقراطية الجديدة هو خدمة إستقلال البلاد عن الرأسمال و الأسواق الإمبريالية . ففى الصناعة الوحيدة الإنتاج و الإقتصاد التابع فى إيران ، تلعب الصناعة النفطية دورا حيويّا . و بالتالي للسياسة التى تتوخّاها الدولة فى علاقة بالنفط و العلاقات النفطية مع العالم الإمبريالي ، دور حيوي فى تركيز توجّه المجتمع و فى مصيره . فى الصناعة النفطية ، كلّ شيء ، من قروض رأس المال إلى التطوّر التقني ،و من تدريب التقنيين إلى تجديد الآلات ، و من إقتسام السوق إلى تسعير المنتوجات ، يقع تحت سيطرة و نفوذ الدول الإمبريالية الإحتكارية العالمية . و كلّ دولة تحاول أن تقبض على " الكنز المسموم " و تجتهد فى سبيل" إقتسامه بعدل" أو تطالب بأسعار أعلى فى التبادل فى السوق العالمي ستضع نفسها فى الواقع تحت قبضة الإحتكار و السيطرة الإمبرياليين . إنّ قطع العلاقة النفطية مع السوق العالمي خطوة جوهرية ستتخذ مباشرة إثر إنتصار الثورة من أجل القطع مع علاقات الهيمنة الإمبريالية . و سيقضى هذا على إرتباط الحاجيات الأساسية للشعب بتوريد الرأسمال الأجنبي و بتموّجات أسعار النفط فى السوق العالمية . و رغم أنّه سيكون من الضروري الحفاظ على بعض المبادلات مع الخارج ، تكفّ العلاقات مع الإقتصاد العالمي عن أن تكون هي القوّة المحرّكة لإقتصاد البلاد .
و سيعنى جعل الإقتصاد مستقلاّ عن الإقتصاد الإمبريالي أنّ الصناعات المرتبطة بالخارج لن تستمرّ ، و الغذاء لن يورّد و زراعة منتوجات غير أساسية و كمالية و توسّع الصناعات الريفية ( مثل حياكة الزرابي ) المعدّة للتصدير إلى الأسواق العالمية سيوضع لها حدّ ؛ وعامة سيتمّ التخلّص من الإستراتيجيا الكمبرادورية ل " الإنتاج القائم على الإمتياز النسبي " و " الموجّه للتصدير " .
مهمّة صعبة ومعقّدة هي مهمّة تغيير مجتمع مندمج فى الإنتاج الإمبريالي و فى شبكة توزيعه و مرتبط بالمصادر الأجنبية و السوق العالمية و الحُقن الإمبريالية . إلغاء الدخل النفطي و التصدّى للضغوط الإقتصادية و السياسية ( و حتى العسكرية ) من قبل الإمبرياليين سيزيد الصعوبات تعقيدا . لكن إلغاء الدخل النفطي ، إلى جانب إجراءات ثورية أخرى ، فى حدّ ذاته ، سيوجد فرصا حقيقية لإعادة بناء إقتصاد البلاد . و سيمنع إعادة إحياء الفلاحة ، عبر الثورة الزراعية ، الإنهيار الإقتصادي للبلاد و سيسفر بسرعة عن إزدهار قوى الإنتاج ، موجدا دعما هاما لتطوير الصناعة . و التأكيد على سياسة عدم التعويل على الدخل النفطي و الإستثمارات الأجنبية و معالجة المشاكل الإقتصادية سيرتهن برسم مخطّط صحيح و بالتعبئة الإيديولوجية و السياسية للجماهير . دون التعويل على الجماهير، لا يمكن تنظيم القطيعة مع الإمبريالية.
و ستطبّق السياسات الإقتصادية بأسلوب ديمقراطي و ليس بيروقراطي لإستنهاض الجماهير و بتكريس القيادة المركزية و الإدارة اللامركزية و تنظيم قوّة عمل هائلة من الناس فى مجموعات تعاون متبادل . و نتيجة ذلك سيُطلق العنان لمبادرة الجماهير و حماسها .
و ستستدعى عدم إمكانية الحصول على التقنية الأجنبية العالية فى البداية ، وجوب إستعمال وسائل تقنية دنيا و متوسّطة لدفع الإنتاج ، و تدريجيّا ستعدّ الأرضية لتشكيل قاعدة صناعية للتعويل على الذات . فى بعض فروع الصناعة سيتمّ إتّخاذ خطوات تراجع . خطّ الإنتاج و كذلك نوع المنتوج و حجم إنتاج بعض المصانع يجب تغييرها . و يمكن أن تقسّم بعض المزارع الكبرى . و تلك القطاعات التى تتطلّب نشاطاتها مواصلة و تعزيز التعويل على العالم الإمبريالي سيجرى غلقها . و ستجرى عملية إعادة تنظيم المصانع على نحو يجعلها تعمل دون إرتباط بالأجنبي و تنتج لأجل حاجيات الإنتاج و الإستهلاك الداخليين للبلاد. و سيتمّ التشديد أساسا على زراعة منتوجات توفّر قاعدة الغذاء و الحاجيات الأساسية للشعب أو المواد الأولية الضرورية للصناعة .
و ستقضى مصادرة جميع الأراضي التابعة للملاكين العقاريين ( الدولة و الخواص و المؤسسات الدينية الإقطاعية ) و توزيعها على الفلاحين الفقراء و الذين لا يملكون أرضا ، على العلاقات شبه الإقطاعية . و ستطبّق الدولة شعار " الأرض لمن يفلحها " و ستحوّل الأرض إلى ملكية خاصة للفلاحين . و فى نفس الوقت ستشجّع تشكيل تعاونيات إنتاج : توزيع و أشكال جماعية لإمتلاك الأرض قى الريف و تدفع نحوها و تنهض بها . و هكذا ستُعزّز العناصر الإشتراكية وتوسّع فى الإقتصاد الفلاحي .
و لن تصادر الدولة الرساميل الصغري و المتوسّطة لأنّه لفترة زمنية ستمكّن من النهوض بدور إيجابي فى إيجاد مواطن شغل و تشجيع الإنتاج الضروري لإقتصاد البلاد و لمعاش الشعب و لتوسيع التبادل بين المدن و الريف . لكن هذه الرساميل تلعب كذلك دورا سلبيّا فى كلّ من الإقتصاد ومعاش الناس لأنّه ، مثل أي رأسمال ، يبحث عن الربح . و جزء من ثمار شغل العمّال يذهب إلى جيب الرأسماليين كربح و يصبح هذا دافعا لدى الرأسماليين لتوسيع رأسمالهم و الإنخراط فى المزيد من الإستغلال . و من هنا ، تحدّد الدولة مدى نشاط هذه الرساميل و تعدّل آفاقها داخل إطار المخطّط الإقتصادي العام للبلاد ، دافعة إيّاها نحو بعض القطاعات غير الإستراتيجية حيث ليست قادرة على التحكّم فى وسائل عيش الشعب و الخدمات الأساسية فى البلاد . وفى الوقت نفسه، بإمتصاصها التدريجي لهذه القطاعات إلى إقتصاد الدولة، ستحوّلها الدولة بطرق مختلفة و تجعلها مؤسسات تابعة للملكية الإشتراكية للدولة .
و التواجد الواسع النطاق لوحدات الإنتاج الصغيرة و الفردية فى شتى قطاعات إقتصاد البلاد ، لا سيما فى الفلاحة ، مشكل يواجه البروليتاريا إثر إفتكاكها للسلطة . و الإنتاج الفلاحي الصغير متناقض مع نظام الملكية العامة الإشتراكي و البنية الفوقية لدكتاتورية البروليتاريا ، و لا يمكن السماح له بالمواصلة طويلا . و الإنتاج الريفي و أيضا المديني على قاعدة الملكية الخاصّة أرض خصبة للتطوّر الرأسمالي . سرعان ما ستفرز ملكية الأرض الفردية للفلاحين سيرورة إستقطاب فى صفوف الفلاحين و ستمهّد الأرضية للفقراء ليصبحوا أشدّ فقرا و للأغنياء ليصبحوا أشدّ غنى.
فى سبيل الحيلولة دون بلوغ هذا الوضع ، الحلّ الوحيد هو تشجيع الملكية الإشتراكية . يجب تدريجيّا تحويل الملكية الفردية للفلاحين و إنتاجهم إلى ملكية جماعية إشتراكية ، دون إستعمال أية قوّة لإفتكاك الملكية سواء الصغيرة أم الكبيرة ، من الأسفل إلى الأغلى و من الملكية الجماعية للدولة إلى ملكية الدولة ، إستنادا إلى التطوّر التدريجي لقوى الإنتاج و الوعي الإشتراكي للناس . و تعبّر هذه السيرورة عن التناقض بين علاقات الإنتاج و قوى الإنتاج فى ظروف جديدة . و مردّ انّ الأمر كذلك هو أنّ علاقات الإنتاج الجديدة ستسفر عن تغييرات جبارة و ستحرّر أهمّ مكوّن من مكوّنات قوى الإنتاج ، الناس . و حلّ هذا التناقض و تطوّره المستقبلي ممكن بصفة أساسية بواسطة الصراع الطبقي .
و سيتّخذ الصراع الطبقي بين البروليتاريا و البرجوازية ( بما فى ذلك الصراع بين الفلاحين الفقراء و الأغنياء ) من خلال كامل هذه السيرورة شكل تقليص و مناهضة التقليص ( لتحديد الرأسمالية أم لا ) و التغيير و مناهضة التغيير ( لتغيير الملكية الخاصة إلى ملكية جماعية أم لا ) وهو الشكل المحوري للنضال فى ظلّ الديمقراطية الجديدة . و الإنتصار فى هذا الصراع هو شرط الإنتقال إلى الإشتراكية .
نموذج التطوّر الإقتصادي للدولة الجديدة مغاير نوعيّا لنموذج التطوّر الذى يفرضه الإمبرياليون على الإقتصاد الإيراني . الإقتصاد الجديد إقتصاد مخطّط ، معوّل على ذاته ، مكتف ذاتيّا و يتطوّر بصفة متوازنة و هدفه توفير الحاجيات الأساسية للجماهير و يثمر تحسّنا مطّردا فى حياتها . فى هذا الإقتصاد لا يحتلّ الربح موقع الصدارة . و التطوّر اقتصادي مرتبط تماما بإلغاء العلاقات الطبقية و الإجتماعية الإستغلالية و الإضطهادية .
و على عكس نموذج التطوّر الإمبريالي ، لن تمتصّ الصناعة لبّ الإنتاج الفلاحي ، و لن تنهب المناطق الوسطى و المدينية و الريف و المناطق النائية . ستصبح الفلاحة قاعدة الإقتصاد و الصناعة عامل قائد ، و ستتوسّع و تتطوّر خدمة للفلاحة . و سيكون للفلاحة دور جوهريّ فى التطوّر الإقتصادي للبلاد بما هي موفّرة لوسائل العيش و المواد الأولية الصناعية للصناعات الخفيفة ، و سوق للإنتاج الصناعي ، مصدر جوهري لقوّة العمل فى القطاعات الأخرى من إقتصاد البلاد و مصدر لدخل المجتمع بأسره . و فى نفس الوقت ، سيوفّر تطوّر الصناعة الأدوات المتقدّمة لمختلف قطاعات الإقتصاد ، رافعا من إنتاجية العمل و الإنتاج الإجتماعي . و على هذا الأساس ، سيرسم مخطّط للإقتصاد الوطني معطيا الأولوية للفلاحة و الصناعة الخفيفة ثم الصناعة الثقيلة . و ستستعمل أشكال من الصناعة و التقنية التى يمكنها توظيف قدرات المناطق الريفية إلى أقصى حدّ و تقليص الإختلافات بين المدن والأرياف. و لا يستبعد هذا النموذج تطوّر الصناعة و التمدين بيد أنّه سيمنع مركزة الصناعة حول المدن الكبرى و سيحدّد توسيع المدن و سيمنح مزيدا من التسهيلات للمدن الصغرى و المتوسّطة . و فى التخطيط ، ستعطى الأولوية للتطوّر المكتفي ذاتيّا نسبيّا لمختلف الجهات بمعنى تطوير صناعة و فلاحة مترابطين ؛ و سيمنع تخصيص جهات معيّنة فى إنتاج بالذات .
سيُرسم هذا النموذج من التطوّر الإقتصادي الجديد و يكرّس على ضوء صيانة البيئة . و سيأخذ بعين النظر موقع الصناعات ونوع الموارد والتقنيات المستعملة ، و صحّة الجماهير و صيانة البيئة . و سيُمنع تحطيم الموارد الطبيعية و تبذيرها مثل الغابات و الأنهار . و ستبذل جهود لإعادة إصلاح تلك التى قد دُمّرت .
فقط بإتباع هذا النموذج من التطوّر الإقتصادي يمكن تغيير الشكل القديم من التطوّر الإقتصادي لأجل التخلّص من التشويه و العلاقات المفكّكة و اللامتساوية بين الصناعة و الفلاحة ، و المدينة و الريف ، و مختلف مناطق البلاد و المجالات الإقتصادية المتخلّفة و المتقدّمة ، لتجاوز الدمار الناجم عن الحرب الأهلية وتنظيم قطيعة عميقة و شاملة مع الإقتصاد الإمبريالي العالمي و التبعيّة للإمبريالية . و التعويل على الذات و سيخوّل حتى التطوّر اللامركزي للدولة الثورية أن تقاوم الضغوط الإمبريالية و أن تواجه بأفضل صورة ممكنة الغزو و الإحتلال الإمبرياليين و أن تخدم على أفضل الثورة العالمية . "
( " طبيعة الثورة و آفاقها " ، " برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي 2000 " ، تعريب شادي الشماوي ، مكتبة الحوار المتمدّن )

-5- الحاجة الماسة إلى التسلّح بالشيوعيّة الجديدة ، الخلاصة الجديدة للشيوعيّة :
و من الأكيد و المعلوم عامة أنّ تاريخ و واقع الصراع الطبقي في عصر الإمبرياليّة و الثورة الإشتراكية قد أثبت المرّة تلو المرّة صحّة مقولة لينين الشهيرة الملخّصة لحقيقة عميقة العمق كلّه ألا وهي أنّه لا حركة ثوريّة دون نظريّة ثوريّة أي أنّه من غير الممكن أن توجد حركة ثوريّة تعمل على إنجاز تغيير ثوريّ للمجتمع دون أن تملك نظريّة ثوريّة تقودها في نضالها الثوري . و من نافل القول لدى متبنّى علم الشيوعيّة و مطبّقيه أنّ النظريّات الإصلاحيّة من كافة المشارب الفكريّة و حتّى منها تلك المتجلبة بجلباب ماركسي ، الماركسيّة المزيّفة ، ليس بوسعها أن ترشد النضال الثوري و كلّ ما يمكنها إرشاده هو النضال الإصلاحي الذى لا يحدث تغييرا جذريّا بل تغييرات طفيفة لا تحوّل تحويلا ثوريّا جوهر التشكيلة الإقتصاديّة – الإجتماعيّة بجميع أوجهها . و النظريّة الثوريّة في عصرنا هذا ليست سوى الماركسيّة أو الشيوعيّة .
واليوم عقب ما يناهز المائة و ستّون سنة من صدور " بيان الحزب الشيوعي " عن مؤسّسي علم الشيوعيّة ماركس و إنجلز ، و عقب تجارب البروليتاريا العالميّة مذّاك و راهنا ، لا سيما تجارب الحركة الشيوعيّة العالمية في القرن العشرين ، و تحت نار الهجوم الإمبريالي الرجعي العالمي على الشيوعية و هزيمة الموجة الأولى للثورات البروليتارية بعد خسارة الإتحاد السوفياتي أواسط خمسينات القرن العشرين إثر وفاة ستالين و الإنقلاب التحريفي و إعادة تركيز الرأسماليّة هناك و حصول شيء مشابه في الصين إثر وفاة ماو تسى تونغ ؛ لا مناص من طرح سؤال محوري هو : أية شيوعيّة هي الشيوعية الثوريّة اليوم و الحال أنّ الحركة الشيوعية العالميّة تنطوى على عشرات التيّارات المختلفة و المتضاربة و المتحاربة ؟
إزاء تراث البروليتاريا العالميّة ، لا بدّ من تطبيق المنهج المادي الجدلي فلا نكون من العدميين أو من المادحين لكلّ شيء. دون العودة إلى الصراعات التاريخيّة في صفوف الحركة الشيوعية العالمية التي شهدها القرن العشرين ، نلخّص أنّه مع هزيمة البروليتاريا في الإتحاد السوفياتي و تاليا في الصين و إعادة تركيز الرأسماليّة هناك ، عرفت و لا تزال حركتنا أزمة لم تتمكّن إلى الآن من تخطّيها على أفضل وجه فبعد خسارة الصين الماويّة ، بدلا من رفع راية الماركسية- اللينينيّة و تطويرات ماو تسى تونغ لها ، إنبرى أنور خوجا و أتباعه ليهاجموا أرقى ما بلغه تطوّر علم الشيوعيّة و لينسفوه نسفا من الأساس فتصدّت لهم القوى الماويّة الحقيقيّة عالميّا و فضحت التحريفيّة الدغمائيّة الخوجيّة و تقدّمت في بناء الحركة الأممية الثوريّة كنواة تنظيم للأحزاب و المنظّمات الماويّة أي الماركسيّة – اللينينيّة – الماويّة نشطت موحّدة و قدّمت الدعم لحرب الشعب في البيرو و تاليا في النيبال و لعدّة أحزاب و منظّمات عبر العالم بيد أنّ الإنحراف اليميني الديمقراطي البرجوازي للحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) الذى خرّب الحزب الشيوعي و حرب الشعب هناك جعل الحركة تنقسم إلى إثنين ( أنظروا بهذا الصدد كتاب شادي الشماوي بمكتبة الحوار المتمدّن ، " الماويّة تنقسم إلى إثنين " ، و بصدد الردّ على الخوجيّة ، أنظروا كتاب شادي الشماوي ، بمكتبة الحوار المتمدّن أيضا ، " الماويّة تدحض الخوجيّة و منذ 1979 " ) و لم يهدأ صراع الخطّين صلب الماويّة منذ أكثر من عقد الآن و قد أثمر إنتاجات فكريّة تستحقّ الدراسة المتمعّنة و الجدّية لإدراك فحوى الشيوعية الثوريّة اليوم .
و بصورة عامة ، في حين أدار البعض صلب الحركة الشيوعية العالميّة ظهره لتراث البروليتاريا العالميّة و مضى خلفا نحو الديمقراطية البرجوازية جاعلا إيّاها شيوعية القرن الواحد و العشرين ، إصطفى البعض الآخر نهجا دغمائيّا مدافعين عن عمى عن كامل التجربة التاريخيّة و بالأخص السوفياتيّة دون تحليلها تحليلا نقديّا من منطلق شيوعي ثوري و الفرز بين الصائب و الخاطئ . و يمكن أن نصف هذين التيّارين بوجهي العملة الواحدة هي الإنحراف اليميني و الإنحراف اليساري و قد شاهدنا و نشاهد تحوّل هذا الإنحراف إلى ذاك ، و من ذلك تحوّل الإنحراف اليساري الدغمائي إلى الإنحراف اليميني التحريفي و الأمثلة على ذلك كثيرة حولنا و عبر العالم قاطبة لذا لا حاجة هنا للتبسّط في المسألة .
و على النقيض من هؤلاء و أولئك المحرّفين و المشوّهين لعلم الشيوعيّة ، تصدّى الشيوعيون الثوريّون الحقيقيّون و على رأسهم بوب أفاكيان للقيام بواجب تلخيص التجربة و تطبيق علم الشيوعية تطبيقا عمليّا على الواقع الملموس بشّتى جوانبه و تطويره مدافعين عن المكاسب التاريخيّة و ما تبيّنت صحّته ، وهو المظهر الرئيسي ، دفاعا مستميتا و ناقدين و متجاوزين الأخطاء كمظهر ثانوي و معيدين صياغة الشيوعية على أسس علميّة أرسخ بما يوفّر إطارا نظريّا جديدا للموجة الجديدة من الثورة البروليتاريّة العالمية و لإنجاز ما هو أفضل في المستقبل . و ثمرة هذه العقود من النضال النظري و البحث و التنقيب العلميين النقديين هو شيوعيّة اليوم ، هو الشيوعية الجديدة ، هو الخلاصة الجديدة للشيوعيّة . و هذه هي الشيوعية الثوريّة التي تحتاجها كلّ حركة ثوريّة غايتها الأسمى المجتمع الشيوعي العالمي و تحرير الإنسانيّة .

و" تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ، بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية ، لأجل التوصّل إلى توجه و منهج و مقاربة علميين متجذّرين بصورة أعمق و أصلب فى علاقة ليس فقط بالقيام بالثورة و إفتكاك السلطة لكن ثمّ ، نعم ، تلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، بطريقة متزايدة الإتساع ، فى المجتمع الإشتراكي – متجاوزة ندب الماضى ومواصلة بعمق التغيير الثوري للمجتمع ، بينما فى نفس الوقت ندعم بنشاط النضال الثوري عبر العالم و نعمل على أساس الإقرار بأن المجال العالمي و النضال العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ، بالمعنى العام – معا مع فتح نوعي لمزيد المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ، مفهوما بصورة واسعة ، و مخوّلين سيرورة أكثر تنوّعا و غنى للإكتشاف و التجريب فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية بصفة عامة ، مع مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و حماية الحقوق الفردية، بما فى ذلك مجال للأفراد ليتفاعلوا فى " مجتمع مدني " مستقلّ عن الدولة – كلّ هذا ضمن إطار شامل من التعاون و الجماعية و فى نفس الوقت الذى تكون فيه سلطة الدولة ممسوكة و متطوّرة أكثر كسلطة دولة ثورية تخدم مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن وعالميا و الدولة عنصر محوري ، فى الإقتصاد و فى التوجّه العام للمجتمع ، بينما الدولة ذاتها يتمّ بإستمرار تغييرها إلى شيئ مغاير راديكاليا عن الدول السابقة ، كجزء حيوي من التقدّم نحو القضاء النهائي على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي . "
( " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ، الجزء الأوّل ، جريدة " الثورة " عدد 112 ، 16 ديسمبر 2007 )

" تمثّل الخلاصة الجديدة للشيوعية التى تقدّم بها بوب أفاكيان ، على أساس 40 سنة من العمل الثوري ، تقدّما نوعيّا فى المقاربة العلميّة للقيام بالثورة و تحرير الإنسانيّة . وهي توفّر قاعدة و نقطة إنطلاق مرحلة جديدة من الثورة الشيوعية التى يحتاج إليها العالم حاجة ملحّة ...
و اليوم ، الإقرار بهذا هو خطّ التمايز الأساسي بين الشيوعيين الثوريّين الحقيقيّين و الذين يمكن أن يزعموا أنّهم أنصار الشيوعية و الثورة لكنّهم فى الواقع ليسوا كذلك ...
ينبغى على كلّ الذين يناضلون بكلّ ما أوتوا من جهد من أجل عالم خالى من العبوديّة مهما كان شكلها ، أن يصبحوا من أنصار بوب أفاكيان و أن يتبنّوا الخلاصة الجديدة للشيوعية ، و على ذلك الأساس يصبحوا هم أنفسهم قادة للنضال الثوري فى سبيل تحرير الإنسانيّة ." (ستّة قرارات صادرة عن اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة " - 1 جانفي 2016 ، نشرت فى جريدة " الثورة " عدد 423 ، 25 جانفي 2016 ).

بإختصار شديد ، هذه هي الخلاصة الجديدة للشيوعيّة ، الشيوعيّة الجديدة و هذه هي سلاحنا الشيوعي في كفاحنا الشيوعي. إنّها الإطار النظري الجديد الذى نحتاجه المرحلة الجديدة من الثورة البروليتارية العالميّة وهي الكفيلة بأن تجعل من مستوعبيها و مطبّقيها و مطوّريها يستمرّون على المبادئ الصحيحة و العلميّة و ينجزون القطيعة الضروريّة مع الأخطاء مهما كان مصدرها .
و ينهض سؤال بحجم الجبال أمام كلّ شيوعي و شيوعيّة و كلّ من يرنو إلى تحرير الإنسانيّة قاطبة من كافة أشكال الإضطهاد و الإستغلال الجندري و الطبقي و القومي و يعدّ مسألة حيويّة و حاسمة فى مفترق الطرق الذى تواجهه الحركة الشيوعية العالميّة اليوم : أترغبون في أن ترفعوا راية الشيوعية الجديدة – عقب دراستها و إستيعابها إستيعابا علميّا عميقا – و في أن تطبّقوها و تطوّروها فتكونوا طليعة للمستقبل أم ترغبون في التمسّك بصنف من أصناف من الشيوعيّة الزائفة المناهضة في جوهرها للشيوعيّة الثوريّة فتكونوا من بقايا الماضى ؟
و سعيا منّا إلى مساعدة الباحثين و الباحثات عن الحقيقة من منابعها ، لا من مشوّهيها و مزوّريها ، في دراسة الخلاصة الجديدة للشيوعيّة ، الشيوعيّة الجديدة ، نقترح تناول المراجع التالية بالبحث و التنقيب و النقد و النقاش :
1- خطابات و كتابات بوب أفاكيان و الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة على الرابط التالى على الأنترنت : http://www.revcom.us ( لمن يتقن الأنجليزيّة ) .
2- كتب شادي الشماوي بمكتبة الحوار المتمدّن و بموقعه الفرعي على صفحات الموقع عينه :
-" المعرفة الأساسيّة لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية "
-" الماويّة تنقسم إلى إثنين "
-" مقال " ضد الأفاكيانية و الردود عليه "
- " من ردود أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية على مقال " ضد الأفاكيانية " لآجيث "
- عن بوب أفاكيان و أهمّية الخلاصة الجديدة للشيوعية
تحدّث قادة من الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية
3- كتب و مقالات ناظم الماوي بمكتبة الحوار المتمدّن و بموقعه الفرعي على صفحات الموقع عينه :
- صراع خطّين عالمي حول الخلاصة الجديدة للشيوعية : هجوم محمّد علي الماوي اللامبدئي و ردود ناظم الماوي نموذجا عربيّا
- آجيث نموذج الدغمائي المناهض لتطوير علم الشيوعية
- نقد ماركسيّة سلامة كيلة إنطلاقا من شيوعيّة اليوم ، الخلاصة الجديدة للشيوعيّة
- الشيوعية الجديدة : العلم و الإستراتيجيا و القيادة من أجل ثورة فعليّة ، على طريق التحرير الحقيقي ( إطلالة على كتاب بوب أفاكيان الأخير )
- على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة و الدراسة و التطبيق و التطوير : الخلاصة الجديدة للشيوعية ، الشيوعيّة الجديدة
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++



خاتمة :

و في ختام هذا المقال ، نتوجّه بالدعوة إلى المعنيين بمستقبل الإنسانيّة و الذين يتوقون إلى مستقبل مغاير راديكاليّا ، و المتطلّعين إلى تغيير العالم برمّته تغييرا شيوعيّا ثوريّا و المناضلين و المناضلات في سبيل تحرير الإنسانيّة من كافة ألوان الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي ، إلى المساهمة في خوض النضال الإيدولوجيّ الضروريّ، خوض المعارك ضد التحريفيّة و الدغمائيّة و الإصلاحيّة و بالتالى تعميق و إثراء ( و طبعا نقد ) ما صغناه كعناصر إجابة على أحد أهمّ الأسئلة المحوريّة المتصّلة بما آل إليه وضع الجماهير عقب إنتفاضتها الشعبيّة و المخرج الحقيقي من ذلك ، و من منطلق ماركسي و علمي ، شيوعي ثوري إنجاز الدراسات و البحوث الدقيقة و العميقة مثلا لما يجرى في قطاع الفلاحة بفروعها و الصناعة بفروعها و التجارة بفروعها و الثقافة بفروعها و الصراعات الإيديولوجية و السياسيّة إلخ في تطوّرها إلى يومنا هذا و كيف أنّ الإصلاحات لن تعالج معالجة جذريّة المشكل و ربط كلّ ذلك بالعصر و متطلّبات تجاوز النظام الإمبريالي العالمي و بناء عالم آخر ضروري و ممكن و مرغوب فيه ، عالم شيوعي ، و مهام الشيوعيين الثوريين و نشر ذلك في صفوف الفئات و الطبقات الشعبيّة ، فضلا عن المناضلات و المناضلين . يجب أن يدرك المناضلون و المناضلات و أن تدرك أوسع جماهير شعبيّة ممكنة المشكل الحقيقي و الحلّ الشيوعي الثوري الحقيقي و مستلزماته في عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكيّة ليمضوا على الطريق الشيوعي الثوري و يلقوا بالإصلاحيّة جانبا .
في سياق حديثه عن " الماركسية و الإصلاحيّة " ، أكّد لينين أنّ " ... الإصلاحية إنّما هي خداع برجوازي للعمّال الذين يبقون دائما عبيدا مأجورين ، رغم مختلف التحسينات ، ما دامت سيادة الرأسمال قائمة.

إنّ البرجوازية الليبرالية تمنح الإصلاحات بيد و تسترجعها بيد أخرى، و تقضى عليها كلّيا ، و تستغلها لأجل إستعباد العمال ، لأجل تقسيمهم إلى فرق مختلفة ، لأجل تخليد عبودية الكادحين المأجورة. و لهذا تتحوّل الإصلاحية بالفعل ، حتى عندما تكون مخلصة كليا ، إلى أداة لإضعاف العمّال و لنشر الفساد البرجوازي فى صفوفهم . و تبيّن خبرة جميع البلدان أنّ العمّال كانوا ينخدعون كلما وثقوا بالإصلاحيين.

أمّا إذا إستوعب العمال مذهب ماركس ، أي إّذا أدركوا حتمية العبودية المأجورة ما دامت سيادة الرأسمال قائمة ، فإنهم على العكس ، لن يدعوا الإصلاحات البرجوازية ، أيّا كانت ، تخدعهم. إنّ العمال يناضلون من اجل التحسينات مدركين أنّ الإصلاحات لا يمكن ان تكون لا ثابتة و لا جدّية ما دامت الرأسمالية قائمة ، و يستغلّون التحسينات لأجل مواصلة النضال بمزيد من العناد ضد العبودية المأجورة.إنّ الإصلاحيين يحاولون أن يقسموا العمّال الذين يدركون كذب الإصلاحية ، فإنهم يستغلون الإصلاحات لأجل تطوير و توسيع نضالهم الطبقي " .
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
لنكن واقعيين : الدول العربيّة رجعية متحالفة مع الإمبريالية تسحق الجماهير الشعبيّة لذا وجبت الإطاحة بها و تشييد دول جديدة يكون هدفها الأسمى الشيوعية و تحرير الإنسانيّة على النطاق العالمي

"... أعلنت أن المحاولة التالية للثورة الفرنسية يجب أن تكون لا نقل الآلة البيروقراطية العسكرية من يد إلى أخرى كما كان يحدث حتى الآن ، بل تحطيمها . و هذا الشرط الأوّلي لكلّ ثورة شعبية حقّا فى القارة ."
(ماركس إلى كوغلمان أيام كمونة باريس ، أفريل سنة 1871 )
---------------------------
" من المهمّ أوّلا أن نبيّن بالمعنى الأساسي ما نعينيه حين نقول إنّ الهدف هو الثورة ، و بوجه خاص الثورة الشيوعية . الثورة ليست نوعا من التغيير فى الأسلوب و لا هي تغيير فى منحى التفكير و لا هي مجرّد تغيير فى بعض العلاقات صلب المجتمع الذى يبقى جوهريّا هو نفسه . الثورة تعنى لا أقلّ من إلحاق الهزيمة بالدولة الإضطهادية القائمة و الخادمة للنظام الرأسمالي – الإمبريالية و تفكيكها – و خاصّة مؤسساتها للعنف و القمع المنظّمين ، و منها القوات المسلّحة و الشرطة و المحاكم و السجون و السلط البيروقراطية و الإدارية – و تعويض هذه المؤسسات الرجعية التى تركّز القهر و العنف الرجعيين ، بأجهزة سلطة سياسية ثوريّة و مؤسسات و هياكل حكم ثوريّة يرسى أساسها من خلال سيرورة كاملة من بناء الحركة من أجل الثورة ، ثمّ إنجاز إفتكاك السلطة عندما تنضج الظروف..."
( بوب أفاكيان ؛ " العصافير ليس بوسعها أن تلد تماسيحا ، لكن بوسع الإنسانية أن تتجاوز الأفق ، الجزء الثاني "
" بناء الحركة من أجل الثورة " ، " الثورة " 2011 ؛ الفصل الثالث من كتاب " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان
و كتاباته " ترجمة و تقديم شادي الشماوي )
-------------------------------------------

عادت فى المدّة الأخيرة ، فى عدّة بلدان عربيّة ، موجات الإحتجاج الشعبيّة لا سيما من قبل المعطّلين عن العمل و الفئات الشعبيّة الأكثر تهميشا و إستغلالا و إضطهادا . و عادت معظم هذه الإحتجاجات لترفع تقريبا ذات المطالب التى رفعت منذ سنوات ما يثير مجدّدا سؤال هل يمكن لدول الإستعمار الجديد أن تخدم مصالح أوسع الجماهير الشعبية و تحقّق مطالبها ؟ و هذا السؤال الكبير يستحق إجابة عميقة و شاملة تجدونها فى مجمل كتاباتنا لكنّنا فى هذا المقال لا ندّعى تقديم الإجابة الضافية و الشافية و إنّما نركّز على المساهمة بعجالة فى تسليط الضوء على عناصر إجابة يمكن إستغلالها فى الدعاية الشيوعية الثوريّة .
1- مصدر إستغلال و إضطهاد الجماهير الشعبيّة هو دول الإستعمار الجديد :
إنّ دول الإستعمار الجديد الممثّلة للطبقات الرجعيّة المحلّية المتحالفة مع القوى الإمبريالية العالمية هي التى إتّبعت سياسات إقتصادية و إجتماعيّة ... أفضت إلى تفقير و مزيد تفقير و إستغلال و إضطهاد و ايضا تهميش معظم فئات الطبقات الشعبيّة و لكن فى نفس الوقت يجب التأكيد على أنّ ذات السياسات اللاشعبيّة و اللاوطنية و اللاديمقراطية قد زادت الأثرياء ثراءا و زادت مراكمة الثورة بين أيدى الطبقات الرجعيّة و أسيادها الإمبرياليين . و لا داعى لأن نستغرب من ذلك فدول الإستعمار الجديد كأجهزة قمع طبقيّة تمثّل الرجعية و الإمبريالية و تخدم مصالحها بالطبع على حساب الجماهير الشعبيّة . و من يتصوّر أنّ الدولة جهاز محايد طبقيّا يحلّق فى عالم الخيال و ندعوه للنظر إلى الواقع ليلاحظ مدى بلاهة مثل تلك الخيالات . و المتمركسون الإصلاحيّون الذين يروّجون لمثل تلك البلاهات يحرّفون الماركسية و يقدّمون أجلّ الخدمات لأعداء الشعب الذين لا يتردّدون حين يرون ذلك ضروريّا فى إستخدام آلة الدولة بجيشها و شرطتها و بيروقراطيّتها و سجونها و محاكمها إلخ لقمع الجماهير كما أثبتت و تثبت للمرّة الألف مجريات الأحداث سواء فى المغرب الأقصى أو تونس أو العراق أو سوريا أو سواها من البلدان العربية و عبر العالم قاطبة . و ليكفّ المتمركسون و دعاة الطبقات الرجعيّة الآخرون الذين لا يخجلون من التضليل المستمرّ للطبقات الشعبيّة ، عن الحديث عن أوهام " الجيش الوطني " و " الأمن الجمهوري " و ما شابه من معزوفات إسطوانتهم الإصلاحيّة المشروخة . ( و للمزيد حول هذا أنظروا العدد 22 من " لا حركة شيوعية ثوريّة دون ماويّة ! " - الإنتخابات التشريعية و الرئاسية فى تونس و أوهام الديمقراطية البرجوازية – بمكتبة الحوار المتمدّن و بالموقع الفرعي لناظم الماوي على صفحات أنترنت الحوار المتمدّن).
2- لاواقعيّة إصلاح دول الإستعمار الجديد :
عادة ما يصمّ المتمركسون آذاننا بالعمل على إصلاح دول الإستعمار الجديد من داخلها أو بالضغط عليها و كأنّهم يعيشون فى عالم ليس يمتّ بصلة لعالمنا الواقعي .
لنا ولكم ولهم تاريخ عقود الآن محلّيا و عربيّا و عالميّا من الصراع الطبقي فى ظلّ دول الإستعمار الجديد و دروسه التى لا تحصى و لا تعدّ و منها حقيقة أنّ هذه الدول غير قابلة للإصلاح كي تخدم مصالح الجماهير الشعبيّة ذلك أنّها دول أعداء هذه الجماهير و ليس بوسعها إلاّ أن تخدم مصالح أعداء هذه الجماهير من الطبقات الرجعيّة المحلّية و الإمبريالية العالمية .
و غالبا ما تلجأ هذه الدول إلى المناورة و التسويف تجاه مطالب الجماهير الشعبيّة و إحتجاجاتها و تمرّداتها و إنتفاضاتها ، و تستخدم طرقا شتّى منها شراء الذمم و تغيير الوجوه و إطلاق الوعود الخادعة إلخ من جهة و القمع الخبيث الجزئي أو الكلّي ، المباشر و غير المباشر ، السرّي و العلني المفضوح ، من الجهة الأخرى . و تضطرّ الطبقات الرجعيّة المتحالفة مع الإمبرياليّة أحيانا إلى التراجع التكتيكي و تقدّم بعض التنازلات الإقتصادية أساسا و السياسية إن لزم الأمر مستبعدة و مضحّية حتّى ببعض ممثّليها الذين حرقت أوراقهم إلاّ أنّها لا تتخلّى عن دولتها و تستمرّ فى أهمّ سياساتها فتسترجع باليد اليمنى ما قدّمته من تنازلات باليد اليسرى . و من يتصوّر حصول مثل هذا التخلّى نتيجة إنتخابات أو ما شابه واهم يسبح فى خيالات عالم موازي بعيدا عن واقع الصراع الطبقي على الكرة الأرضيّة .
ولنلقى نظرة بسيطة على نتائج إحتجاجات و تمرّدات و إنتفاضات سبعينات القرن الماضي و ثمانيناته وصولا إلى يومنا هذا فى المغرب و تونس و مصر على سبيل المثال . هل تغيّرت طبيعة الدول الطبقيّة رغم عديد الإصلاحات المعلنة و المطبّقة بين الحين و الحين ؟ هل صارت دولة الإستعمار الجديد بالمغرب الأقصى دولة الطبقات الشعبيّة هناك بالرغم من تتالى الحكومات ذات المشارب الفكريّة المختلفة لكن الملتفّة حول خدمة تلك الدولة و الطبقات الرجعيّة و الإمبريالية المتحالفة معها ؟ و الجواب بديهي . و الشيء نفسه بالنسبة إلى تونس و مصر حتّى بعد الإنتفاضات الشعبيّة التى شهدتها منذ خمس سنوات الآن و تنحّى بن علي و مبارك و ما تلى ذلك من تقلّبات .
من لم يتعلّم بعدُ أنّ هذه الدول ليست قابلة للإصلاح كي تخدم الجماهير الشعبيّة أعمى بعيون رجعيّة أو إمبريالية . و الإصلاحيّون ، من المتمركسين و غيرهم ، و من لفّ لفّهم يجدون أنفسهم فى خدمة دول الإستعمار الجديد ، مشاركين فى إضطهاد و إستغلال الجماهير الشعبيّة أرادوا ذلك أم أبوا .
مَن اللاواقعي حسب ما يدلّل عليه التحليل الملموس للصراع الطبقي الملموس ، الإصلاحيّون بجميع أرهاطهم أم الثوريّون الداعون إلى القيام بالثورة البروليتاريّة العالميّة بتيّاريها ( الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية فى أشباه المستعمرات و المستعمرات والمستعمرات الجديدة و الثورة الإشتراكية فى البلدان الرأسمالية – الإمبريالية ) ؟
مجدّدا الإصلاحيّون هم اللاواقعيّون !
3- تغيير نمط الإنتاج واجب !
فى مقال " الإنتخابات و أوهام الديمقراطية البرجوازية : تصوّروا فوز الجبهة الشعبية فى الإنتخابات التشريعية و الرئاسية لسنة 2014 " ( العدد 22 من " لا حركة شيوعية ثورية دون ماويّة ! "- مكتبة الحوار المتمدّن و الموقع الفرعي لناظم الماوي هناك ) تحديدا نقطة " التحريفية و الإصلاحية و علاقة البنية التحتية بالبنية الفوقيّة " ، كتبنا :
" معلوم ماركسيّا و ماديّا جدليّا أن واقع الناس هو الذى يحدّد أفكارهم و أنّ البنية التحتيّة تحدّد البنية الفوقيّة ومن الإضافات الخالدة لماو تسى تونغ هو تشديده على مدى العلاقة الجدلية للبنيتين و تأثير البنية الفوقية فى البنية التحتيّة لا سيما فى المجتمع الإشتراكي لعوامل ليس هنا مجال تفصيلها . و قد رصدنا فى دراستنا للتحريفية و الإصلاحية و الخطوط الإيديولوجية و السياسية للمتمركسين تشويههم الفظّ للعلاقة الصحيحة بين البنية التحتيّة والبنية الفوقيّة حيث يفصلون بينهما و كأنّ – كما رأينا – الدولة والديمقراطية و القوانين و ما إلى ذلك من البنية الفوقيّة لدولة الإستعمار الجديد لا تعكس و لا تخدم القاعدة الإقتصادية الإجتماعية للمجتمع من علاقات الإنتاج و علاقات التوزيع و الملكية .
يتخيّل الإصلاحيّون أنّهم عند بلوغهم المشاركة فى أجهزة دولة الإستعمار الجديد سيكون بوسعهم تحقيق برامجهم إن مسّت من المصالح الأساسية للطبقات الحاكمة المتحالفة مع الإمبريالية العالمية دون معارضة شديدة من الطبقات الرجعيّة و الإمبريالية العالمية و بقيّة أجهزة الدولة و على رأسها الجيش . يتخيّلون ذلك و يوهمون الجماهير الشعبيّة و المناضلات و المناضلين بإمكانيّة إنجاز المهام الوطنيّة و الديمقراطية للثورة الوطنية الديمقراطية فى إطار دولة الإستعمار الجديد و علاقات الإنتاج و التوزيع و الملكية القائمة .
ليس المسك بالسلطة السياسيّة أو بجزء منها وحده هو الذى يخوّل تثوير مجتمع و بنيته التحتيّة والفوقيّة ، بل هناك حاجة أكيدة إلى إمتلاك دولة و عاموها الفقري جيش ثوري من طراز جديد يفرضات فرضا على الطبقات الرجعية و بالقوّة أحيانا التغيير الثوري المرجوّ فى البنيتين . تستطيع أن تكون ماسكا بسلطة الحكومة أو السلطة التشريعية ( مثلما حصل فى أندونيسيا فى أواسط الستينات ، مع الحزب الشيوعي هناك ) لكنّك لا تمسك بسلطة الدولة برمّتها فالسلطة السياسية تنبع من فوّهة البندقيّة و إن كان غيرك يمسك بالبندقية و أنت لا تملك بندقية – جيشا – فعليك السلام الذى ترجم تاريخيّا فى أندونيسيا بمجازر لمئات الآلاف من الشيوعيين و غيرهم الثوريين على أيدى سوهرتو والجيش الذى قاد الإنقلاب .
الإصلاحات و البرامج الإصلاحيّة و القوى الإصلاحية لا تعالج المشكل المتمثّل على وجه الضبط فى دولة الإستعمار الجديد و البنية التحتية و الفوقية للمجتمع الذى يحتاج ثورة لا إصلاحات ، ولا تنشأ دولة جديدة ثوريّة تقودها الطبقات الثوريّة و على رأسها البروليتاريا و هدفها الأسمى الشيوعية على النطاق العالمي ؛ أقصى ما تفعله هو إدخال تغييرات بسيطة فى هذا المجال أو ذاك أمّا البنية التحتيّة الإقتصادية الإجتماعية الأساسية التى تعيد إنتاج المجتمع بالإستعانة بالدولة و بقيّة البنية الفوقيّة فلن تشهد تغييرا راديكاليّا بل ستظلّ هي هي .
و ما الذى يحصل عندما يسعى الإصلاحيّون إلى التدخّل فى جوهر علاقات الإنتاج و التوزيع و الملكيّة ؟ تاريخيّا حصل أمران إثنان : أولهما تراجع الإصلاحيين عن مشاريعهم " الطموحة أكثر من اللازم " تحت الضغط المحلّي و الدولي و تأقلمهم مع المصالح الأساسيةّ لدولة الإستعمار الجديد فيظلّون فى الحكم لفترة تطول أو تقصر حسب الظروف فى خدمة الطبقات الرجعيّة و الإمبريالية العالمية ( أفريقيا الجنوبيّة بعد الأبرتايد ) و ثانيهما ، يستبعدون من الحكم بمؤامرات متنوّعة ( نيكارغوا و ما جدّ قبل سنوات عديدة من إستبعاد الجبهة الساندينية من الحكم قبل أن تعود إليه مؤخّرا بعد الكثير و الكثير من التنازلات على الكثير و الكثير من المستويات) أو يسحقون بالقوّة سحقا ( الشيلي و تجربة آلندى والحزبين الإشتراكي و الشيوعي هناك فى سبعينات القرن العشرين ) ...
إنّ من لم يدرك عمق الحقيقة التالية التى لخّصها ماو تسى تونغ و ينطلق منها فى نضاله ، لن يكون ثوريّا حقّا :
" إنّ الإستيلاء على السلطة بواسطة القوة المسلّحة و حسم الأمر عن طريق الحرب ، هو المهمة المركزية للثورة و شكلها الأسمى . و هذا المبدأ الماركسي اللينيني المتعلّق بالثورة صالح بصورة مطلقة ، للصين و لغيرها من الأٌقطار على حدّ سواء ."
( " قضايا الحرب و الإستراتيجيا " ( 6 نوفمبر - تشرين الثاني - 1938) ، المؤلفات المختارة ، المجلّد الثاني)
و نضيف إلى ذلك أنّ تغيير نمط الإنتاج واجب لأجل التمكنّ من خدمة مصالح أوسع الجماهير الشعبيّة و التقدّم نحو تحرير الإنسانيّة من كافة ألوان الإضطهاد و الإستغلال الجندري و الطبقي والقومي . يجب تغيير ملكيّة وسائل الإنتاج وموقع الطبقات فى الإنتاج و فى توزيع الإنتاج ، آخذين بعين النظر الظروف الملموسة و الوضع المباشر لكلّ بلد تحصل فيه الثورة الحقيقيّة . يجب إنشاء إقتصاد مندمج مخطّط يقطع مع الإمبريالية و يلبّى حاجيات الشعب و التقدّم بالثورة البروليتارية العالمية و تتحكّم فيه الطبقات الشعبيّة و فى مقدّمتها البروليتاريا و حزبها الشيوعي . و يكون هذا طبعا عقب - أو فى خضمّ سيرورة حرب الشعب الطويلة الأمد - الإطاحة بالدول القديمة و إنشاء دول جديدة ( و لا يتعلّق الأمر هنا بتجاهل التطلّعات القوميّة لدولة موحدّة وإنّما هنا يجرى الحديث عن دول قديمة و دول جديدة ) هدفها الأسمى تحقيق الشيوعية على النطاق العالمي.
و إن لم يقع تغيير نمط الإنتاج و العلاقات الإجتماعية و مجمل البنية التحتيّة ، ستقع إعادة إنتاج القاعدة الإقتصادية و العلاقات الإجتماعية و البنية الفوقيّة و منها الدول الرجعيّة المدعومة إمبرياليّا و بالتالى تستمرّ عذابات الجماهير الشعبية و إستغلالها و إضطهادها مهما كانت مساحيق الإصلاح الموضوعة على وجه دول الإستعمار الجديد .
يعتقد الإصلاحيّون ( المتمركسون منهم و غيرهم ) أنّه يمكن إنجاز المعجزات دون المساس بالبنية التحتيّة الإقتصادية و الإجتماعية و نمط الإنتاج . و لا يفـتأ الواقع يسفّه أضغاث أحلامهم . كم حكومة و كم تيّارا شارك فى حكم دولة الإستعمار الجديد بالمغرب و لم يلمسوا الخيارات الجوهرية للقاعدة الإقتصادية و نمط الإنتاج أصلا و لم يتوصّلوا لطبيعتهم و إتفاقهم على عدم النيل من نمط الإنتاج إلاّ إلى النجاح فى خدمة الطبقات الحاكمة الرجعيّة المحلّية المتحالفة مع الإمبريالية و طعن الشعب فى الظهر .
و الشيء نفسه يمكن أن يقال عن ما جرى فى تونس تحت حكم بن علي كخليفة لبورقيبة و بعده تحت حكم حزب النهضة على رأس الترويكا أو حكم حزب نداء تونس بتحالف مع حزب النهضة . و كذلك هو الأمر فى مصر ، بعد السادات ، زمن مبارك أو إثره مع حكم الإخوان أو تاليا حكم السيسي ...
لقد ساهمت قوى " يسارية " و " يمينية " ، " إشتراكية " و "ديمقراطية " و " ليبراليّة " و" إخوانية " ... فى تلميع صورة دول الإستعمار الجديد و تبييض وجهها و إعادة هيكلتها و إنقاذها من أزماتها و لم تغيّر التشكيلة الإقتصادية – الإجتماعية تغييرا جوهريّا . قدّمت هذه القوى هذه الفئة أو تلك من الطبقات الحاكمة ، إلى سدّة الحكم أو ضاعفت إمتيازاتها أو قلّصت منها أو شرّطتها فى تسيير شؤون الدولة . و كان مآل جماهير الطبقات الشعبيّة تقريبا ذاته فموقعها لم يتبدّل فى علاقة بملكيّة وسائل الإنتاج و بموقعها فى الإنتاج و موقعها فى توزيع الإنتاج و فى علاقة بإبعادها عن تسيير الدولة التى هي دولة أعدائها و التحكّم فى مسار المجتمع الذى تتمتّع به الطبقات الحاكمة المتحالفة مع الإمبريالية العالمية لا تهمّ فى ذلك الخلفيّة الإجتماعية لمنفّذى سياسات الدولة المعادية لمصالح الشعب .
و يقينا أن عفويّة الجماهير ، فى غياب الدعاية و التحريض و التنظيم الشيوعيين و نشر الوعي الشيوعي ، تؤدّى الكرّة تلو الكرّة إلى السقوط تحت جناح الطبقات الحاكمة ؛ وأنّ المطلبيّة الإصلاحيّة تسمح للطبقات الحاكمة بالتآمر و الإستمرار فى الحكم و لنمط الإنتاج بإعادة إنتاج نفسه و بإعادة إنتاج البنية الفوقيّة المناسبة له . سيقتضى كسر الدائرة الجهنّمية بالنسبة للجماهير و التى تدرّ الثروات على الطبقات الحاكمة و حلفائها لا الإصلاحيّة بل الشيوعية الماويّة الثوريّة كيما تنجز حقّا ثورة حقيقيّة تنشأ دولا جديدة هدفها الأسمى الشيوعية على الصعيد العالمي و تغيّر نمط الإنتاج بمكوّناته تلبية لمصالح الجماهير الشعبيّة و التقدّم على الطريق المؤدّية إلى تلك الغاية الأسمى ، فى إرتباط جدلي بين الثورة فى جزء ما من العالم والثورة البروليتارية العالمية و كجزء لا يتجزّأ منها .
4 - نناضل من أجل الإصلاحات لكن ضمن إستراتيجيا شيوعية ماوية ثوريّة :
وتفاديا لتعليقات نتوقّع صدورها عن الإصلاحيين ، نعرض عليكم موقفنا من هذا النوع من النضالات كما فسّرناه فى العدد الأوّل من " لا حركة شيوعية ثوريّة دون ماويّة !" ( و الروح الثوريّة للماويّة المتطوّلرة اليوم و الفهم الشيوعي الأكثر تقدّما و رسوخا علميّا هي الخلاصة الجديدة للشيوعية ) أي منذ 2011 و نرفقه بفقرتين لبوب أفاكيان فى ذات السياق :
" يعترف الماركسيون بالنضال من أجل الإصلاحات ، أي من اجل تحسينات فى أوضاع الكادحين تترك السلطة ، كما من قبل ، فى يد الطبقة السائدة . و لكن الماركسيين يخوضون فى الوقت نفسه نضالا فى منتهى الحزم ضد الإصلاحيين الذين يحدون ، بواسطة الإصلاحات ، مباشرة أو بصورة غير مباشرة ، من تطلعات الطبقة العاملة و نشاطها. فإنّ الإصلاحية إنّما هي خداع برجوازي للعمّال الذين يبقون دائما عبيدا مأجورين ، رغم مختلف التحسينات ، ما دامت سيادة الرأسمال قائمة.

إنّ البرجوازية الليبرالية تمنح الإصلاحات بيد و تسترجعها بيد أخرى، و تقضى عليها كلّيا ، و تستغلها لأجل إستعباد العمال ، لأجل تقسيمهم إلى فرق مختلفة ، لأجل تخليد عبودية الكادحين المأجورة. و لهذا تتحوّل الإصلاحية بالفعل ، حتى عندما تكون مخلصة كليا ، إلى أداة لإضعاف العمّال و لنشر الفساد البرجوازي فى صفوفهم . و تبيّن خبرة جميع البلدان أنّ العمّال كانوا ينخدعون كلما وثقوا بالإصلاحيين.

أمّا إذا إستوعب العمال مذهب ماركس ، أي إّذا أدركوا حتمية العبودية المأجورة ما دامت سيادة الرأسمال قائمة ، فإنهم على العكس ، لن يدعوا الإصلاحات البرجوازية ، أيّا كانت ، تخدعهم. إنّ العمال يناضلون من اجل التحسينات مدركين أنّ الإصلاحات لا يمكن ان تكون لا ثابتة و لا جدّية ما دامت الرأسمالية قائمة ، و يستغلّون التحسينات لأجل مواصلة النضال بمزيد من العناد ضد العبودية المأجورة.إنّ الإصلاحيين يحاولون أن يقسموا العمّال الذين يدركون كذب الإصلاحية ، فإنهم يستغلون الإصلاحات لأجل تطوير و توسيع نضالهم الطبقي " .

( لينين " الماركسية و الإصلاحية " )
" النقطة الأساسية التى شدّد عليها ماركس صحيحة بعمق : إن لم تقاتل الجماهير و تقاوم إضطهادها، حتى بأقلّ من الثورة ، ستسحق و تتقلّص إلى جماهير محطّمة و ستكون غير قادرة على النهوض من أجل أي شيء أرقى . لكن ، و كمسألة توجّه أساسي ، ينبغى أن نستوعب بصلابة حقيقة أنّه بالرغم من أفضل الجهود وأكثرها بطولة وتضحية بالذات، من غير الممكن ، فى إطار هذا النظام ، حتى أن نخفّف حقّا ، فما بالك بأن نلغي ، العذابات و أسباب عذابات الجماهير الشعبية ...
جوهريّا و إستراتيجيّا ، من الضروري إختيار أين سيوجّه ثقل جهدكم و أساسه : إلى قتال التأثيرات و المظاهر أم التوّجه رأسا إلى السبب و إجتثاثه و التخلّص منه ؟ و لهذا تصبحون ثوريين – عندما تدركون أنّه عليكم أن تبحثوا عن الحلّ الكامل لهذا ، و إلاّ فإنّ العذاب سيستمرّ ، و سيصبح أسوء . هذا أمر من الأمور الأساسيّة التى تدفع الناس نحو الثورة ، حتى قبل أن يفهموا علميّا كلّ تعقيد ما تعنيه الثورة و ما يتطلّبه ذلك . و مع تحوّلكم إلى شيوعيين و نظركم بصفة متصاعدة إلى العالم قاطبة ، و ليس فحسب إلى جزء من العالم الذى توجدون فيه مباشرة ، ترون أنّ العالم بأسره يحتاج إلى التغيير ، أن كلّ الإضطهاد و الإستغلال يجب أن يقع إجتثاثه فى كلّ مكان حتى يكفّ عن الوجود فى أي مكان . "
( بوب أفاكيان ، " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " ، نص " إصلاح أم ثورة : مسألة توجّه ، مسألة أخلاق " ، مكتبة الحوار المتمدّن ، ترجمة شادي الشماوي )
-------------------------
و بهذا نكون وضعنا أيدينا و إن بشكل موجز على المشكل و الحلّ ، على الداء و الدواء. إنّ تلبية حاجيات الجماهير الشعبيّة لن تتمّ بشكل أساسي أبدا فى ظلّ دول الإستعمار الجديد كما لن يتمّ التقدّم نحو تحرير الإنسانيّة من كافة أشكال الإضطهاد والإستغلال الجندري و الطبقي و القومي فى ظلّ هذه الدول الرجعيّة . يحتاج الأمر ثورة فى البنية الفوقيّة و فى البنية التحتيّة للمجتمع أيضا ؛ فى المجال السياسي و فى التشكيلة الإقتصادية - الإجتماعية و العلاقات الإجتماعية و الأفكار . يحتاج الأمر لا أدوية مسكّنة فيستمرّ المرض و يستفحل ، بل عمليّة جراحيّة تستـاصل الداء / الورم الذى ينخر حياة غالبيّة الإنسانيّة لمصلحة قّلة قليلة . و من ثمّة ، على الذين يتطلّعون إلى المساهمة فى القيام بالثورة الحقيقية و تحرير الإنسانيّة أن يساهموا على جميع الأصعدة فى قيادة و توفير مستلزمات قيادة الشعب لصنع التاريخ و للقيام بهذه العمليّة القيصريّة التى تصرخ البيئة و يصرخ العالم من أجل إنجازها و فى أقرب وقت ممكن .
=========================================================