ها قد انتصرت المرأة


مجيد البلوشي
2019 / 2 / 27 - 20:55     

كتبنا قبل حوالي تسع سنوات، وبالتحديد بتاريخ 26 من شهر مارس عام 2009 م، مقالاً بعنوان "المرأة وطغيان الذكورة" نفنّد فيه موقف القوى الإسلاموية السلبي من قانون الأحوال الشخصية هنا في مملكة البحرين الحبيبة، وهو الموقف الرافض لمثل هذا القانون خوفًا من أن تبنّيه سيؤدّي حتمًا إلى زعزعة الثوابت الدينية المتعلقة بالمرأة، وهي الثوابت التي ورثناها منذ مئات السنين، وهي التي تمسّ حقوق المرأة الاقتصادية والسياسية والأسرية، وذلك بالرغم من أنه كانت هناك آلاف النساء البحرينيات آنذاك وقد خرجنَ في مظاهرات في شوارع المنامة وهُنّ يطالبنَ بتبنّي قانون الأحوال الشخصية؛ ممّا يدل على مدى إزدياد وعي المرأة البحرينية وفهمها لأوضاعها الاجتماعية القاسية التي عانت منها كثيرًا طوال السنوات التي سبقت صدور القانون المذكور. ومع ذلك - ومن المؤسف جدًا - أن هذا القانون لمْ يتمّ تطبيقه حتى الآن، حسب علمنا. ليس ذلك فحسب بل تمّ تغييره، تنازلاً وإرضاءً للجهات الإسلاموية الرافضة له، كما تمّت تسميته بـ"قانون الأسرة" الذي صدر بعد ثمانية أعوامٍ، أي في عام 2017 م (ملحق الجريدة الرسمية رقم 3323 الصادر بتاريخ 20 يوليو 2017 م).

إلاّ أن الحياة لا تعرف الثبوت أو السكون، بل هي في حركة أزلية وأبدية دائمة لا نهاية لها إطلاقًا، وهي تتقدّم إلى الأمام نحو الأفضل والأطور والأحسن دومًا، وذلك بالرغم من تراجعها إلى الوراء في كثيرٍ من الأحيان بسبب العراقيل التي تواجهها باستمرار من قِبل القوى الرجعية والغيبيّة الغبيّة، وما أكثرها في عصرنا هذا الذي نعيش فيه، وهو عصر التكنولوجيا والإنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها. ولا ينبغي أن ننسى في هذا الصدد "الداعشيين" الإرهابيين المتغلغلين هنا وهناك في مجتمعنا البحريني، وقصة الأربعة ملايين دينار بحريني التي تبرّعت بها لهم إحدى الجمعيات الدينية المعروفة في مملكة البحرين، هي قصةٌ ما زالت عالقةً في أذهاننا. والغريب في الأمر أن بعضًا من أعضاء هذه الجمعية ما زالوا أعضاءً في المجلس التنفيذي (الشورى) والمجلس التشريعي (البرلمان) لمملكة البحرين التي تنادي بنبذ الإرهاب والإرهابيين.

وانطلاقّا من ذلك كُلّه، فإننا، نحن التقدّميين وأنصار المرأة، نرى بأن الوعي الاجتماعي للمرأة، والمرأة البحرينية بالذات، هو في إزدياد مستمر، فالكثيرات من النساء البحرينيات قد تبوّأنَ ومازلنَ يـتبّــوأّنَ مناصبَ اجتماعية وإدارية هامة وكبيرة، ومنهنّ، على سبيل المثال لا الحصر، صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المفدى رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، والدكتورة فاطمة بنت محمد البلوشي التي كانت وزيرة الشؤون الاجتماعية، والدكتورة نادية الحفاظ التي كانت وزيرة الصحة، والشيخة مي بنت محمد آل خليفة، رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار حاليًا، والاستاذة نجوى عبد اللطيف جناحي، مديرة المنظمات الأهلية بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية ... وهكذا. والحق أن وجود المجلس الأعلى للمرأة هو بذاته دليل ساطع على أهمية الدور الذي تلعبه المرأة البحرينية في قيادة المجتمع وتسييره.

أمّا ما جرى في الانتخابات الأخيرة من أُمورٍ إيجابية ومفرحةٍ من الناحية السياسية للتقدّميين وأنصار المرأة في مملكة البحرين فهو لمْ يكُن في الحسبان ألبتة. فها هي المرأة تقتحم ميدان السياسة وترشّح نفسها لدخول المجلس التشريعي للبلاد وتنتصر فيه بفوز ستّ نساء في الانتخابات النيابية، وفوز أربع نساء في الانتخابات البلدية، وذلك نتيجةً لحصولهنّ على 55,971 صوتًا، الأمر الذي يؤكّد ثقة الشعب البحريني في المرأة كشريك أساسي في إدارة البلاد، كما هي شريك أساسي في إدارة الأُسرة يَدًا بيَدٍ مع الرجل، بل ويُعتبر ما جرى في الانتخابات الأخيرة هو صفعة قويّة يتلقاها الإسلامويون الرجعيون أعداء المرأة اللدودون.

ليس ذلك فحسب، بل ها هي أختنا السيدة فوزية بنت عبد الله زينل ترشّح نفسها لرئاسة المجلس التشريعي، بكُل ثقةٍ وجُرأة، متحدّيةً بذلك جميع الإسلامويين الذين وقفوا ضدّها وحاولوا منعها بالتهديد والوعيد، بل لمْ يكُن من المستبعد اِغتيالها من قِبل هؤلاء الإسلامويين لو لمْ تكُن متحجّبةً (!)، ناهيكم عن المساومات والمفاوضات التي كانت تجرى معهم من وراء الكواليس!

نعَم، لقد انتصرت المرأة البحرينية في رئاسة المجلس التشريعي لمملكة البحرين، وذلك إنْ دلّ على شيءٍ فإنه يدلّ على وعي الشعب البحريني وثقته بدور المرأة الذي لا يقلّ عن دور الرجل في قيادة المجتمع إنْ لمْ نقُل يفوقه.

فمَرحى لكِ عزيزتنا فوزية بنت عبد الله زينل رئيسةً للمجلس التشريعي البحريني!
وعاشت المرأة البحرينية أمًّا وأختًا وزوجةً وقيادية ورئيسة!
وعاشت مملكة البحرين الديمقراطية الغالية!

28 ديسمبر 2018 م