حول الانسحاب الامريكي في سوريا..!


عادل احمد
2018 / 12 / 24 - 07:39     

اعلنت امريكا انسحاب قواتها المسلحة من سوريا في التاسع عشر من ديسمبر واكد ذلك دونالد ترامب بنفسه بعد ذلك. وانتشر خبر الانسحاب مثل البرق في انحاء العالم وجاءت ردود فعل مختلفة ومتباينة ازاء هذا الموضوع. ردود فعل جميع المهتمين بالشؤون السورية والشرق الاوسط برمته من زوايا المصالح والمنافع السياسية المختلفة.
من واجب الطبقة العاملة في سوريا والمنطقة ان يكون لها وجه نظرها وردود فعلها ازاء هذا التغيير في السياسة البرجوازية العالمية في المنطقة. بالإمكانان تقسمردود الافعال السياسية الى ثلاث اتجاهات مختلفة للطبقة البرجوازية، اولها تخص السياسة الامريكية وتناقضاتها الداخلية داخل الهيئة الحاكمة والتي تقر في جميع حالاتها الفشل الذريع لسياسات امريكا في سورية والشرق الاوسط بعد ان دخلت بجيوشها واساطيلها وقواتها الجوية في اماكن عديدة بهدف الغطرسة والهيمنة السياسية والعسكرية على العالم. ان فشل امريكا في العراق وسورية وليبيا ومصر بفرض هيمنتها كانت نتيجتها عكسية على امريكا . فقدت امريكا هيمنتها وهيبتها نتيجة ملء الفراغ من قبل القوى المناوئة المحلية لأمريكا وخاصة ايران وتركيا وعالميا من قبل روسيا والصين. لم تكن اللعبة مثل لعبة الشطرنج منذ البداية كما خطط لها السياسيون الامريكيون بمساندة بريطانيا، وانما انقلبت اللعبة الى معركة سياسية في الميدان وتعبئة محلية اكثر مما هي معركة بالأسلحة التقليدية الصرفة. في العراق على الرغم من الاحتلال واسقاط النظام البعثي ولكن الساحة كانت مفتوحة ومهيأة لإيرانلكي تلعب بدورها واستطاعت ان تسيطر على المشهد العراقي وانهزامت امريكا. وفي الشؤون الليبية فقدت امريكا هيمنتها بالكامل بعد حضور قوات الجنرال حفتر الموالي لروسيا وقلب الموازين لصالح روسيا . وفي مصر ايضا رهان امريكا على الاخوان المسلمين ومن ثم ازاحتهم من السلطة اضعفت دور امريكا في مصر بعد ان ساندت روسيا النخبة في الجيش المصري سياسيا وعسكريا والتي ادت الى تقريب مصر اكثر الى روسيا والاعتماد عليها في مشكلاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية. وان دخول امريكا المباشرالى سوريا جاء بعد ان ادخلت روسيا بشكل رسمي جميع قواتها واساطيلها البحرية وقلبت جميع موازين القوى على الساحة السياسية لصالح روسيا والحكومة السورية. ان دخول امريكا لم يكن من اجل دحر داعش كما روجت لها وسائل الاعلام الغربية لان داعشاساسا خرجت من جعبة سياسات امريكا والغرب بوساطة تركية ولكن الخطر على داعش جاء بعد اعلان روسيا الحرب على داعشومثيلاتها من منظمات الارهابيين الاسلاميين من اجل الحفاظ على نظام بشارالاسد.
واليوم انتهى خطر داعش عسكريا ولم يبقلاميركاحجة حيث قامت الحكومة السورية بالسيطرة شبه الكاملة على اراضيها بوساطة الدعم الروسي، و استطاع الروس ميدانيا وسياسيا الاشراف على المصالحة السياسية وانهاء الوضع القائم بدون امريكا والغرب، والتي جعلت من وجود امريكا في سورية عديم الفائدة وبدون الحصول على اية امتيازات سياسية. وهذا اقرار بالفشل لعدم تمكن امريكا من تمرير مخططاتها بنجاح. وتركت دورها لروسيا ان تمارساللعبة السياسية الذكية خلافا لسياسة الغطرسةالامريكية. ان استقالة ماتيسوزير الدفاع الامريكي جاءت بعد اقرار الانسحاب الامريكي من سوريا بشكل مفاجيء على الرغم من وجود الخطة منذ فترة داخل الهيئة الحاكمة في امريكا. وان ردود فعل الدول الغربية ازاء هذا الانسحاب متباينة ولكنهاقلقة برحيل امريكا من المنطقة. لان سياسات الدول الغربية في الشرق الاوسط لاتزال تستمد وجودها ونفوذها من الوجود الامريكي.
اما الاتجاه الثاني فهو الموقف الروسي والصيني الذي كان يقف نقيضالمصالح امريكا والغرب في الشرق الاوسط. ان بروز روسيا (الامبريالية) كقوة سياسية وعسكرية خلال العقد الاخيرومحاولة احياء إمبراطورتيها وهيبتها السياسية والعسكرية، جعلتهافي مواجهة مباشرة مع الغرب عموما وبالشكل المباشر امريكا في الشرق الاوسط وفي اوروبا واسيا وامريكا اللاتينية وبواسطة القوة الاقتصادية الصينية العملاقة. ان روسيا والصين تكمل احداهما الاخرى من اجل انشاء الاقطاب العالمية. ان مواجهة العملاق الاقتصادي الصيني الصاعد في ظل الازمة الاقتصادية العالمية، ومواجهة الامكانية العسكرية الصاعدة لروسيا، جعلت امريكا تنزف اموالا طائلة في هذا الميدان ولكن بدون اي نتائج وهو ما ادى الىسقوط الهيبة والهيمنة السياسية والعسكرية الامريكية في العالم. وان روسيا اول من رحب بهذا القرار ولكن ينتظر ان ترى الانسحاب فعليا وحقيقيا، حتى تعلن الانتصار على امريكا. ان اول المستفيدين من انسحاب امريكا في سورية هي روسيا بالطبع والحكومة السورية والتي ستعمل على تنظيف سوريا من الموالين للغرب وامريكا في سوريا ومن ثم في المنطقة.
اما الاتجاه الثالث فهي تركيا وايران ولكن برؤيتين مختلفتين. تركيا تحاول ان تملء الفراغ الامريكي بقواتها والقوات الموالية لها من المعارضة الاسلامية السورية وبهذا تستطيع ان تلعب دورا في مستقبل سوريا وفي المنطقة. ان هذه المحاولة هي محاولة خطرة لان المصالح الروسية تأتي بالدرجة الاولى وهي المسيطرة ميدانيا وسياسيا وعسكريا، فتبقى محاولات تركية ضمن صفقات معينة مع روسيا تحديدا. اما بخصوص ايران فان رحيل امريكا يعني الفشل الذريع لامريكافي مواجهتها لايران مرة اخرى. ان ايران تحاول ايضا ان تحافظ على وجودها السياسي في الشرق الاوسط من اجل الحفاظ على كيانها السياسي في ظل التقلبات السياسية العالمية التي تسقط رؤوس السياسيين البرجوازيين الواحد تلو الاخر. ومن الجدير بالذكر عندما نتحدث عن قوات سوريا الديمقراطية والتي تشكل القوات الكردية اكثريتها فأنها ستفقدالمساندة الامريكية بعد رحيل القوات الامريكية فهي كانت تعلق امالها على امريكا كعادة القوميين الاكراد وبعد رحيل امريكا سوف ترجع هذه القوات الى احضان القوات الروسية والحكومة السورية وسوف تتصالح وتندرج ضمن مخططات السياسات الروسية في سوريا.
اما بخصوص الطبقة العاملة في الشرق الاوسط فان سقوط الغطرسة والهيمنة الامبريالية وانهيارها وتعمق التناقضات بين الدول الامبريالية ومصالحها من الممكن استغلالها لصالح نضالها الطبقي البروليتاري اذا تم تعميق وتوسيع الانسجام في وعيها الطبقي وتنظيم نفسها بشكل مستقل. ان رحيل امريكا عن سورية والعراق وليبيا واليمن ومصر وتونس قد تجعل من الطبقة العاملة ان تتنفس من جديد لفترة من الزمن حيث تكون بعيدة بشكل مباشر عن المشاكل السياسية والاقتصادية والعسكرية التي اثقلت كاهن حياتها ومصيرها ورؤيتها الفكرية والسياسيةفقد ابعدت التدخلات الامبريالية مسارات الحركة العمالية عن النضال الطبقي الاجتماعي بشكل واضح وصريح في مواجهة الطبقة البرجوازية والرأسمالية. ان اي فشل لأية قوة امبريالية والرأسمالية العالمية والمحلية ستكون في المحصلة لصالح الطبقة العاملة.