انتفاضة “السترات الصفراء” في فرنسا: على ماذا الرهان في هذه الحركة؟

ليون كريميو
2018 / 12 / 4 - 10:26     

الناشر وحدة الترجمة – مركز الدراسات الاشتراكية

في هذا المقال، الذي نُشِرَ لأول مرة مُترجَمًا إلى الإنجليزية على موقع إنترناشيونال فيوبوينت، وخضع لتحريرٍ بسيط للنشر على موقع العامل الاشتراكي الأمريكي، يصف ليون كريميو، الناشط في نقابة التضامن الديمقراطي (Solidaires) والعضو بحزب مناهضة الرأسمالية الجديد (NPA)، الحركة الجماهيرية التي تمحورت حول المظاهرات الحاشدة وإغلاق الطرق، ضد ضريبة الوقود الفرنسية، والمناقشات التي أفرزتها بين صفوف الحركة العمالية الفرنسية.

على مدى شهر تقريبًا، تشهد فرنسا تطور حركة جماهيرية غير مسبوقة.

يوم 17 نوفمبر، رُصِدَت 2500 حالة على الأقل من قطع تقاطعات الطرق والطرق السريعة في جميع المناطق. ووفقًا للشرطة، فقد شملت هذه التحرُّكات ما لا يقل عن 300 ألف من السترات الصفراء (يرتدي المتظاهرون سترات النيون التي يُطلَب من السائقين الفرنسيين حملها في سياراتهم).

في الأسبوع التالي، استمرت العديد من هذه الحالات في المدن الثانوية والمناطق الريفية. يوم السبت الماضي، 24 نوفمبر، نُظِّمَت العديد من الفعاليات بمشاركة أكثر من 100 ألف متظاهر، بما في ذلك ما لا يقل عن 8 آلاف في باريس في شارع الشانزليزيه، مع 1600 حالة قطع طريق رُصِدَت في جميع المناطق. (في اليوم نفسه، كانت هناك مظاهراتٌ مُناهِضةٌ للعنف ضد النساء في جميع أنحاء البلاد، وقدَّرَت الشرطة مسيرة باريس بـ 12 ألف مشارك، في حين قدَّر المنظمون العدد بثلاثين ألفًا).

لم تبادر أيٌّ من الأحزاب أو النقابات بتدشين هذه الحركة، بل أنها بُنِيَت بالكامل من خلال الشبكات الاجتماعية، حول رفض زيادةٍ أخرى في ضريبة الكربون على الوقود من خلال ضريبة الاستهلاك المحلي على منتجات الطاقة (المعروفة اختصارًا باسم TICPE)، المُقرَّر أن تبدأ في 1 يناير 2019 بإضافة 6.5 سنتات أخرى للتر الواحد من الديزل و2.9 سنتًا على لتر البنزين 95.

بحلول عام 2018، كانت الضريبة على الديزل قد زادت فعليًا بقيمة 7.6 سنتات. تحصل الدولة حاليًا على حوالي 60% من الضرائب، أو 85.4 سنتًا مقابل لتر واحد من وقود الديزل الذي يتكلف 1.45 يورو، وتُخطِّط الحكومة لزيادة هذه النسبة في عامي 2020 و2021 بمعدل 6.5 سنتًا سنويًا.

تُعَدُّ هذه أكبر نسبة ضريبة ديزل في أوروبا بعد المملكة المتحدة وإيطاليا. ولكن الديزل في فرنسا، على عكس معظم الدول الأوروبية الأخرى، هو الأهم على الإطلاق، إذ يُمثِّل 80% من استهلاك الوقود. وقد ارتفع سعر الديزل بنسبة 23% خلال العام الماضي.

دُشِّنَت عريضةٌ على الإنترنت ضد هذه الزيادات الضريبية، جاء ذكرها في مقال في صحيفة Le Parisien اليومية الرائدة في البلاد، لتجمع مئات الآلاف من التوقيعات في منتصف أكتوبر، وأكثر من مليون توقيع بحلول أوائل نوفمبر. من هنا، ظهرت المئات من مجموعات الفيسبوك في جميع أنحاء البلاد، وشوهِدَت مقاطع فيديو ضد الضريبة ملايين المرات على الإنترنت (بما في ذلك فيديو تحدَّث فيه ممثِّلٌ محلي لمجموعة “فرنسا دائمًا” اليمينية المُتطرِّفة).

دعا سائق شاحنة إلى فرض حصار على الطريق الدائري حول باريس يوم 17 نوفمبر. وقد اختير هذا التاريخ لإطلاق آلاف المبادرات المحلية لإيقاف الطرق والتقاطعات، فيما نُشِرَت قائمةٌ بتلك المبادرات على موقعٍ خُصِّصَ لهذه المناسبة بواسطة اثنين من “السترات الصفراء”. التقطت أهم وسائل الإعلام اليومية، خاصة التلفزيونية منها، ما يجري، مما ضخَّم من الظاهرة.

انتشرت الحركة كالنار في الهشيم، بداية من مجرد التوقيع على عريضة.

أيُّ نوعٍ من الحركة؟
تحدَّت الحركة الحكومة، لكنها أيضًا مثَّلَت تحديًا للنقابات والأحزاب السياسية.

كان التناقض مدهشًا بين امتداد الحركة بين صفوف الطبقات الشعبية، والتعاطف الواسع معها، خاصةً في مواقع العمل، والدعم الهائل الذي لاقته من السكان (دعم بنسبة 70٪ عشية 17 نوفمبر) من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى سخرية الكثير من الدوائر اليسارية التي شجبت الحركة، مشيرين إلى تأثير أرباب العمل في النقل البري واليمين المُتطرِّف عليها.

لكن كافة منظمات أصحاب العمل في النقل البري أدانت عمليات قطع الطرق، وطالبت الحكومة بتفريقها. أما في ما يتعلَّق باليمين المُتطرِّف، صحيح أن نيكولاس دوبونت آينان، زعيم حركة “فرنسا دائمًا” كان متحمسًا للحركة منذ منتصف أكتوبر الماضي، إذ عَرَضَ سترته الصفراء في وسائل الإعلام، وبالمثل أعلن التجمع الوطني (المعروف حاليًا باسم الجبهة الوطنية)، الذي تنتمي له مارين لوبان، دعمه للحركة في الوقت نفسه الذي استنكر فيه حواجز الطرق.

من الواضح أن معظم مُنظِّمي السترات الصفراء أرادوا أن يباعدوا ما بينهم وبين هذا الدعم غير الملائم. من جانب آخر، عبر “الجمهوريون” والحزب الاشتراكي في تكتمٍ عن تعاطفهما مع الحركة.

من ناحيةٍ أخرى، في حين عبَّرَ قياديو حركة “فرنسا لا تخضع”، مثل مثل جان لوي ميلينشون أو فرانسوا روفين، عن دعمهم للحركة في العديد من المقابلات التلفزيونية، كما فعل أوليفييه بيسانسينو من حزب مناهضة الرأسمالية الجديد، أصَّرَت جميع النقابات العمالية الرئيسية -وليس فقط اتحاد العمل الديمقراطي الفرنسي (CFDT) واتحاد الشغيلة (FO)، ولكن أيضًا الاتحاد العام للعمل (CGT) واتحاد التضامن الديمقراطي (Solidaires)- على رفض دعم المظاهرات، وأصَّروا على أنه يجري التلاعب بهم من قِبَلِ اليمين المُتطرِّف وأصحاب العمل في قطاع النقل البري.

الحقيقة هي أن السترات الصفراء تعكس حركةً عميقة بين الطبقات الشعبية. في كلِّ يوم، يعمل 17 مليون شخص خارج البلدات التي يعيشون فيها -أي ثلثيّ الناشطين اقتصاديًا. من بين هؤلاء الثلثين، يستخدم 80% سياراتهم الخاصة للوصول إلى العمل.

وبالتالي، فإن القلق بشأن تكلفة الوقود هو قلقٌ شعبي في منطقة باريس الكبرى، ولكن أكثر من ذلك في مناطق أخرى (وحتى في منطقة باريس، يستخدم موظفٌ واحد من كلِّ اثنين المواصلات العامة للذهاب إلى العمل). لذا فإن مسألة الضريبة الإضافية تخص الغالبية العظمى من العاملين بأجر.

يضطر الموظفون، ولا سيما العائلات، إلى العيش بعيدًا عن المراكز الحضرية، حيث يفاقم سوء الأحوال المعيشية من المسافة التي تفصل سكنهم عن مكان العمل. في منطقة باريس نجد أن 50% من الموظفين الذين يستقلون سيارةً للذهاب إلى العمل هم في الغالب أولئك الذين يُجبَرون على العيش في الأطراف أو يعملون لساعات طويلة.

انفجرت تكلفة الانتقال بالسيارات، وخاصة وقود الديزل، في سياقٍ استُخدِم فيه المستوى الرسمي للتضخم كذريعةٍ لعدم زيادة الأجور. ومن ثم فإن “السترات الصفراء” تُشعِل سخطًا شعبيًا ذا طابع طبقي واضح يتعلَّق بالقدرة الشرائية والأجور والمعاشات.

لكن هذا السخط يحفز أيضًا الغضب المنتشر الذي يسببه سوء الأداء الحكومي، وتراكم الهجمات على القوة الشرائية والمعاشات التقاعدية في مواجهة العديد من العطايا التي قُدِّمَت للأثرياء وللرأسماليين –وكذلك سوء أداء الأحزاب التي توالت على إدارة البلاد واعتُبِرَت مسئولة عن هذا الوضع. وقد استفاد ماكرون من هذا التشكيك ففاز بالانتخابات، ولكن الآن ارتدت عليه مظاهر الأزمة.

من خلال الإصلاحات الضريبية الحكومية، حيث إلغاء ضريبة التضامن الاجتماعي على الثروة، والضريبة الثابتة على مداخيل رأس المال، سوف يشهد أغنى 1% من السكان ارتفاعًا في دخلهم بنسبة 6% خلال عام 2019. وسيشهد أغنى 0.4% ارتفاعًا في قدراتهم الشرائية بمقدار 28300 يورو والأغنى 0.1٪ بمقدار 86.290 يورو.

وفي الوقت نفسه، فإن أفقر 20% من السكان سيشهدون انخفاضًا في دخولهم -وذلك بسبب غياب أي زيادة في المنافع الاجتماعية، وبدلات السكن، وانخفاض المعاشات- في حين أن الأسعار في ازدياد.

أزمة الحكومة وتآكل شعبيتها
ينظر قطاعٌ كبيرٌ جدًا من السكان إلى ماكرون باعتباره رئيسًا للأثرياء، الأثرياء جدًا. وقد كانت الزيادة في ضرائب الوقود، التي تؤثر على العمال الذين يتلقون أقل الأجور بعد كل تلك العطايا للأثرياء، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.

علاوة على ذلك، دخلت حكومة ماكرون في أزمةٍ متسارعة منذ الصيف الماضي، إذ كانت قضية “بينالا” بمثابة فضيحة الصيف. أُدين ألكسندر بينالا، وهو ضابط أمن شخصي لماكرون، بالاعتداء على المتظاهرين يوم أول مايو من العام الماضي، مما كشف عن ممارسةٍ رئاسية تستخدم الخدمات الحكومية وفقًا للحاجة الشخصية، مما أعاد إلى الذاكرة، بشكلٍ مختلف، فضيحة فرانسوا فيون عشية الانتخابات الرئاسية.

تبعت فضيحة بنالا هذه استقالة نيكولاس هولو، رجل ماكرون في قضايا البيئة، بعد خرق العديد من وعود ماكرون البيئية. في أعقاب ذلك، استقال أيضًا وزير الداخلية جيرار كولومب في أوائل الخريف، وهو من أوائل من أيَّدوا الرئيس. تشهد هذه الأزمات الداخلية المتلاحقة على التآكل المتسارع لهذه الحكومة وضعف قاعدتها السياسية والاجتماعية.

كل استطلاعات الرأي تمنح ماكرون مستوى من الشعبية أقل من شعبية رئيس الحزب الاشتراكي السابق فرانسوا هولاند بعد فترةٍ مماثلةٍ في المنصب.

كل الرسائل التي يطلقها أصحاب “السترات الصفراء” على الشبكات الاجتماعية أو أثناء الحصار تطالب بإلغاء ضرائب الوقود، ولكن فيما يتجاوز ذلك، هناك غضبٌ من تكاليف المعيشة، والمطالبة بإعادة الضريبة على الثروة، وفي أحيان كثيرة –بوضوح وبساطة- تطالب ماكرون بالاستقالة.

لتبرير فرض ضريبة على الوقود والحصول على دعمٍ شعبي، تشير الحكومة إلى الحاجة إلى مكافحة الاحتباس الحراري العالمي عن طريق خفض انبعاثات الغازات الدفيئة والجسيمات الدقيقة. حاول المُتحدِّث باسم الحكومة، بنيامين جريفو، الحصول على دعمٍ من اليسار المدافع عن البيئة عن طريق شجب “أولئك الذين يُدخِّنون السجائر ويستخدمون الديزل”. ولكن حتى بين دعاة حماية البيئة، فإن الزيادة في الضرائب لم تلق أي استجابة إيجابية، ولم ينل تعالي الحكومة إعجابهم.

السبب الأساسي لذلك هو أن جميع سياسات الحكومة، مثل سابقتها، تتجاهل الضرورات الإيكولوجية للساعة. بعد تفضيل السيارات للجميع والديزل، لم يُنفَّذ أيُّ شيءٍ لتطوير وسائل النقل العام في المناطق الريفية وفي أطراف المدن الكبيرة، في حين يجب على الطبقات العاملة أن تسافر لمسافاتٍ بعيدة عن أماكن العمل والمراكز الحضرية.

هناك غطرسةٌ لا تطاق من جانب الحكومة في توجيه المزيد من الأموال إلى الأشخاص الذين لن يتمكَّنوا من تغيير نمط سفرهم أو سياراتهم. ومع الهجمات على شركة السكك الحديدية الوطنية الفرنسية (SNCF)، تعتزم الحكومة إزالة أكثر من 11 ألف كيلومتر من السكك الحديدية، حيث فضَّلَت الحكومة التضحية بالقطارات إلى حدٍّ كبير لصالح طرق السيارات. في الوقت نفسه، نجد أن شركة النفط “توتال” معفاةٌ من أيِّ ضرائب، ويدها مطلقة في مواصلة التنقيب عن المعادن.

بالإضافة إلى ذلك، كشفت المناقشات حول قانون التمويل لعام 2019 أن أكثر من 500 مليون يورو من ضريبة الوقود لن تذهب إلى التحوُّل الإيكولوجي، ولكن لتغطية العجز في ميزانية عام 2019 نتيجة إلغاء ضريبة الثروة.

على مدار أسابيع، حاولت الحكومة ووسائل الإعلام تشويه سمعة “السترات الصفراء”، مع احتقار متعجرف للحركة، ووصفها بأنها “حركة أطراف فرنسا” من المناطق المنسية، أو “تمرُّد” من غير المتعلِّمين، غير المدركين لتغيُّر المناخ.

ماذا عن الحركة العمالية المنظمة؟
لم تبدأ حركة “السترات الصفراء” بمبادرةٍ من الحركة العمالية ومنظماتها، الأمر الذي يعكس فقدانها للنفوذ في العديد من المناطق وبين مجموعات العمال. وهو أيضًا، كما يقول قادة أطاك (ATTAC) وكوبرنيكوس (Copernicus) في عمود في صحيفة Le Monde، نتيجة الإخفاقات المتراكمة للحركات الاجتماعية في السنوات الأخيرة.

يمثِّل الاستعداد لتنظيم عمليات الحصار والقيام بفعاليات مباشرة رفضًا للأشكال التقليدية من التظاهر، ولكنه استمرارٌ للحصارات التي قامت بها القطاعات الاجتماعية التصادمية في السنوات الأخيرة.

علاوة على ذلك، فإن سياسة القيادات النقابية وضعف استجابتها لهذه الحركة الشعبية تمثِّل مشكلة. وقد اتُّخِذَت هذه السياسة كذريعةٍ للمناورات في أقصى اليمين أو الطبيعة “غير المسيَّسة” للسترات الصفراء. ولكن كما يقول قادة أطاك وكوبرنيكوس في العمود المذكور أعلاه:

“لن نتصدى لهذا التحدي، ولا استغلاله من اليمين المُتطرِّف، ولا مخاطر مناهضة الضرائب، من خلال ممارسة سياسة الكرسي الفارغ أو إلقاء اللوم على المتظاهرين. بل على العكس، نحن نمنح أنفسنا الوسائل الكفيلة بأن تجعل لنا وزنًا بين صفوفه وأن نكسب المعركة الثقافية والسياسية داخل هذه الحركة ضد اليمين المُتطرِّف وقوى أصحاب العمل الذين يريدون إخضاعها”.

العديد من الهياكل النقابية والناشطين لم يتردَّدوا في تقديم دعمهم ويدعون للمشاركة في فعاليات “السترات الصفراء”. كان هذا هو الحال في فصل الصيف، على وجه الخصوص، من جانب عمال التعدين والاتحاد العام للعمل واتحاد عمال النقل مع عدة نداءات للتوحُّد حول مطالب عمالية تخص زيادة الأجور، وضد الضرائب غير المباشرة التي تضرب الطبقات الشعبية، ومن أجل ضريبة دخل تقدُّمية.

في كثيرٍ من الأحيان، رفضت هذه المطالبات بوضوح فرض ضرائب على الوقود، مع التأكيد على الحاجة إلى سياسةٍ بيئية حقيقية تستهدف “توتال” وتُطوِّر وسائل النقل العام والشحن بالسكك الحديدية، بدلًا من النقل البري.

على شبكات النشطاء، وحتى في الصحافة، تشهد جميع التقارير على الطبيعة الشعبية لهذه الحركة، والتي تتألَّف بالأساس من الموظفين والمتقاعدين إلى جانب أصحاب الأعمال الحرة أو أصحاب المشاريع الصغيرة -وكل هؤلاء، من أصحاب الدخول المنخفضة، الذين يعانون من هجمات الحكومة الشديدة.

يشهد نشطاء حزب مناهضة الرأسمالية الجديد الذين شاركوا في الحصارات أو حتى توزيع المنشورات على الترحيب الجيد بهذه الفعاليات -وقبل كل شيء التوافق على الحاجة إلى إعادة الضريبة على الثروة ووضع حدٍّ لمنح العطايا للأثرياء.

علام الرهان في هذه الحركة؟
هناك بالتالي رهاناتٌ سياسية كبيرة في هذه الحركة. والمهم هو جعلها منظمةً بشكلٍ ديمقراطي ومرتبطةً بمنظمات الحركة العمالية التي تريد خوض صراع مشترك، من خلال مواجهة عامة مع النظام.

تأمل الحكومة أن تكون “السترات الصفراء” مجرد فاصلٍ مُقلِق قبل العودة إلى الحياة السياسية والاجتماعية “الطبيعية”. بعد 17 نوفمبر، ركَّزَت جميع وسائل الإعلام بكثافةٍ على الاشتباكات، وجرحى حالات الحصار وقطع الطرق، ووفاة أحد أفراد “السترات الصفراء” الذي سحقه سائق سيارة. كما سلَّطوا الضوء على الأفعال العنصرية والمعادية للمثلية التي ارتُكِبَت على حواجز الطرق -والتي رغم كونها غير مقبولة، كانت هامشية للغاية- في محاولةٍ لتشويه سمعة الحركة بأكملها.

ورغم تردُّد الحكومة في تعاملها مع هذه الحركة مقارنةً بمظاهرات الحركات الاجتماعية الأخرى، فقد قمعتها بشدة في الأيام الأخيرة، وعلى وجه الخصوص، مظاهرة الشانزليزيه. ونظرًا لعدم اعتيادهم على تظاهرات الشوارع، بل وأكثر من ذلك على الاشتباكات، فقد صُدِمَ الكثيرون من “السترات الصفراء” بمثل هذا العنف، لكنه لا يعيق تصميمهم ورغبتهم في إقامة حواجز جديدة.

تأمل الحكومة أن تؤدي صور الاشتباكات مع اقتراب احتفالات نهاية العام إلى القضاء على هذه الحركة. إذا كانت الحركة العمالية تعتقد الشيء نفسه، فسيكون ذلك خطأً كبيرًا.

على الرغم من هامشيته، ينتظر اليمين المُتطرِّف لينقضَّ على هذه الحركة ويأمل ألا يبرز في القلب منها منظورٌ مناهضٌ للرأسمالية فيطغى عليها بمنظوره. يجب أن تثير واقعة “فاركوني” في عام 2013 في إيطاليا، والتي لديها سمات مشتركة مع حركة السترات الصفراء، انتباه المناهضين للرأسمالية على وجه الخصوص، الذين يرغبون في الغضب الشعبي والسخط الاجتماعي، ليس فقط أن يتحوَّلوا ضد حكومة الأغنياء هذه، ولكن أيضًا أن يسعوا إلى تمهيد الطريق لهجوم معادٍ للرأسمالية يرفع راية التحرُّر.

– هذا المقال مترجم عن موقع العامل الاشتراكي الأمريكي