الحلقة السابعة: منظمة -إلى الأمام-: حول الخط الإستراتيجي، الإيديولوجي، السياسي والتنظيمي - محاولة تركيبية


موقع 30 عشت
2018 / 12 / 1 - 17:29     

يقدم موقع 30 غشت الحلقة السابعة من مقالة " منظمة "إلى الأمام": حول الخط الإستراتيجي، الإيديولوجي، السياسي والتنظيمي ـــ محاولة تركيبية"، بقلم عسو أمزيان. وهي تضم المحاور التالية:

المرحلة الثانية: من الانفجار السياسي والتنظيمي و"إعادة البناء" التحريفي 1979 / 1980 إلى الحل العملي 1994.
1 ــ تقديم
2 ــ "القيادة الجديدة" و"إعادة البناء".
3 ــ علاقة "إعادة البناء" بالتقييم في تصور "القيادة الجديدة".
4 ــ "القيادة الجديدة" و "مهامها العاجلة":
أ ــ" المهام العاجلة" ــ "إعادة البناء" ــ "التقييم": علاقاتها في تصور "القيادة الجديدة".

ــــــــــــــــــــــــــ الحلقة السابعة ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرحلة الثانية:
من الانفجار السياسي والتنظيمي و"إعادة البناء" التحريفي 1979 / 1980 إلى الحل العملي لمنظمة "إلى الأمام" سنة 1994

1 ــ تقديم
انطلقت أولى لبنات "مسلسل إعادة البناء" التحريفي خلال سيرورة الانفجار السياسي والتنظيمي لمنظمة "إلى الأمام"، وتحديدا في فترة الصراعات السياسية والإيديولوجية والتنظيمية التي عرفتها المنظمة سنة 1979 والتي أفضت في 12 نونبر من نفس السنة، إلى طرد كل العناصر التي ابتعدت عن خط المنظمة السياسي والإيديولوجي، وعلى الخصوص طرد العناصر الإصلاحية والتصفوية التي قادت عملية التخريب الداخلي للمنظمة.
خلال هذه السيرورة المتسارعة والمركبة من حيث تقاطع أحداثها وتعدد أطرافها وتداخلها أحيانا من جهة، ومن جهة ثانية من حيث عواقبها "التنظيمية" الأولية1، برز ما كان يختمر من قبل إلى السطح، وعلى أرضية خلافات سياسية واستراتيجية عميقة، بدأت تبرز إحدى معالمها الأساسية، صراع بين خط ثوري دافع عن خط المنظمة وتجربتها الثورية، وقاد بانتصار، معارك سياسية وإيديولوجية وتنظيمية ضد الخطين الانتهازي اليميني والعمالوي التصفوي، وهو الخط الذي طرح "التقييم الشامل" للتجربة كحلقة أساسية في سيرورة إعادة بناء المنظمة، وبين خط بدأ يستغل تدريجيا الوضع العام الداخلي لما بعد انتصار الخط الثوري في معركة أبريل 79 إلى حدود صدور قرارات الطرد ل 12 نونبر، حيث نصب هذا الخط "الجديد"، بداية، نفسه ك"قيادة جديدة"2 تروم، في مناورة سياسية وتنظيمية تلعب بها دور الوسيط وتستعيد بها مواقعها السابقة داخل "التنظيم"، إعادة ترتيب الوضع الداخلي للمنظمة، خصوصا بعد انسحاب السرفاتي من المنظمة المركزية المحلية، وتوقيفه بعد ذلك من طرف لجنتها القيادية المحلية، والتحاقه بداية بموقع المجمدين تحت ذريعة نظريته في "التوجيه والتسيير"، وتحديدا التحاقه بزعماء الخط الانتهازي اليميني الذين شكل معهم سابقا، ابتداء من يناير 1979 (تاريخ ترحيله إلى السجن المركزي)، حلفا ثلاثيا ضد الخط الثوري3.
تشكل إذن، ومرة أخرى، حلف ثلاثي "قيادي جديد" على أرضية الشروط التي أملاها السرفاتي على رفيقيه القدامى في هذه "القيادة الجديدة"، وهي التفاوض مع المجمدين لأجل إعادة إدماجهم في التنظيم، إن هذه العملية لا تخرق فقط النظام الداخلي للمنظمة، وتتنكر لمبادئها وقراراتها، بل هي تقفز كليا على مجمل الأعمال التخريبية التي مارستها وقادتها تلك العناصر منذ استئصال النظام للتنظيم المركزي، وعلى رأسهم السرفاتي نفسه الذي اعترف، في "تأملاته النقد الذاتية"، بأدواره التخريبية المتعددة، التي قام بها منذ ترحيله إلى السجن المركزي، وقبل ذلك، محاولته تلغيم وتقويض المعركة التي استشهدت خلالها سعيدة المنبهي.
انتهت محاولة استعادة المجمدين للتنظيم إلى الفشل، وفرضت على من نصبوا أنفسهم "قياديي" هذه المناورة، قبول قرارات طرد هؤلاء المجمدين، وهي المعروفة ب "قرارات 12 نونبر 1979".
لقد أعقبت هذه المناورة السياسية والتنظيمية التي فشلت مهمتها في جمع ما لا يجمع، استمرار هذا الثلاثي في تنصيب نفسه "قيادة جديدة" ل "تنظيم إلى الأمام"، حد الاستفراد به، حيث انطلق في بلورة تصوره لما أسماه ب "مسلسل إعادة البناء"، الذي يقوم وفق طرحه على "حد أدنى تنظيمي مرتكز على تصور أولي للمهام... يتم فيه اللجوء إلى تقييم جزئي كلما طرحت عملية بناء جزئية"، هذا في الوقت الذي كان فيه مناضلو الخط الثوري يطرحون تصورهم المركز في شعار "التقييم الشامل وإعادة البناء"، والذي ووجهت تصوراته بالإقصاء، بسبب فرض "القيادة الجديدة" ضرورة التعاطي الإيجابي مع طروحاتها وتصوراتها، فاحتكرت بهذا الصدد ولنفسها وحدها مشروع "إعادة البناء" عن طريق تطويع، خدمة لتصورها وطرحها، بعض المفاهيم المركزية التي أسست لها المنظمة سابقا في ممارستها وتصورها التنظيميين (انظر تقرير 20 نونبر)، وعلى الخصوص دور "القيادة في عملية البناء التنظيمي"، وكذا "وحدة المنظمة". لقد تعامل هذا الثلاثي بمكر اتجاه ضغط مجموعة من مناضلي الخط الثوري، وصراعهم ضد المسار الذي اتخذته "القيادة الجديدة"، حيث في الوقت الذي اضطرت فيه هذه الأخيرة إلى فتح النقاش حول مشروع "إعادة البناء" الذي استفردت به، عبر تشكيل لجان بهذا الصدد، كانت هي قد انطلقت عمليا في إنجازه دون مناقشة لأرضياته وطروحاته.
هكذا دخل إذن تنظيم "إلى الأمام" مرحلة جديدة من الممارسة البيروقراطية، بزعامة من نصبوا أنفسهم "قيادة جديدة" له، تحتكر كل شيء باسم "المركزية" التي لم تختلف هنا، ممارسة ومنهجا تفكيريا، عن تلك التي تم من بين ما تم بسببها، الانفصال عن الحزب التحريفي ل"علي يعتة"، وباسم "وحدة المنظمة" التي لم تكن تعني هنا سوى وحدة فوقية، تركز كل التنظيم في "القيادة الجديدة" نفسها4، وما على تنظيمات المنظمة إلا التنفيذ، خصوصا وأن العديد من مناضلي الجيل الأول، خلال سيرورة الانفجار السياسي والتنظيمي، لم يعد يربطهم بالمنظمة أي رابط سياسي أو إيديولوجي أو تنظيمي، وأن جيلا ثانيا من تنظيمات المنظمة شبه الجماهيرية، الذي لم يكن على معرفة بسيرورات الوضع الداخلي للمنظمة، وجوهر صراعات أطرافها وأطروحاتها الأساسية، كان قد بدأ العمل منذ 1978 على شحنه وتشكيل منظوره لتجربة المنظمة السياسية والتنظيمية، وهو الجيل الذي سيشكل على طول هذه المرحلة الثانية ل "إلى الأمام"، القاعدة التنظيمية الوفية ل قيادة خط "إعادة البناء" التحريفي.
أمام هذا الانحراف السياسي والتنظيمي في إطلاق مشروع "إعادة البناء"، أصدر مجموعة من مناضلي الخط الثوري وثيقة "بيان إلى عموم الرفاق" بتاريخ 9 يونيو 1980، والذي تلته حملة مسعورة من الإشاعات من طرف خط "إعادة البناء" في حق متعاطفي ومناضلي الخط الثوري، الذين اضطروا معها، مرة أخرى، إلى إصدار "بيان توضيحي حول الإشاعات الأخيرة" بتاريخ 19 شتنبر 1980، وهو البيان الذي يشكل عمليا الحد الفاصل بين الخطين وسط ما تبقى من تنظيم "إلى الأمام".

2 ــ "القيادة الجديدة" و"إعادة البناء"
ستحاول هنا هذه المقالة التركيبية تقديم مجموعة من الأفكار المركزية لتصور "القيادة الجديدة" لما أسمته ب "مسلسل إعادة البناء" ارتباطا بعملية "التقييم"، حيث لن يتم الاعتماد هنا على تسلسل هذه الأفكار كما جاءت في أولى الوثائق، التي تمت بلورتها بهذا الصدد، بقدر ما سيتم الاعتماد على المنطق الذي يربط هذه الأفكار بعضها ببعض من جهة، ومن جهة ثانية، ما يربطها بتصور هذه "القيادة" ل"التقييم".
بداية لقد تمت الإشارة في "البيان السياسي الداخلي بمناسبة الذكرى التاسعة لتأسيس المنظمة" (غشت 1979) والموقع باسم "اللجنة الوطنية"، على أن "القيادة الوطنية ستعمل لاحقا على تهيئ أرضية تتعرض للوضع الذاتي لمنظمتنا ولمهامها العاجلة، وخصوصا منها ما يتعلق بإعادة البناء"5، وهي الوثيقة التي ستصدر في نهاية 1979، بعنوان "وضعية المنظمة والمتطلبات العاجلة لإعادة البناء"، والتي تعرض فيها أصحابها إلى ما اصطلحوا عليه ب"أزمة المنظمة ومهمة المنظمة الرئيسية التي تكمن في "إعادة البناء"، وحددوا "برنامج للعمل يستهدف إنجازه إعادة بناء الخط السياسي وتهيئ المؤتمر الأول"، و "ضرورة إصدار النشرة المركزية الجماهيرية "إلى الأمام" كداعية ومحرض ومنظم جماعي، والنشرة المركزية الداخلية "الشيوعي" كأداة أساسية لتنظيم الصراع الديمقراطي وسط المنظمة".
تقول الوثيقة إذن، بأن "مسألة إعادة البناء… هي مهمة مزدوجة، تعني من جهة بناء منظمتنا تنظيميا، ومن جهة ثانية بناء خطها السياسي". ولأجل هذه "المهمة المزدوجة" من "بناء التنظيم وبناء الخط السياسي"، تحدد الوثيقة الزاوية أو الطريقة التي بها يجب النظر إلى "مسألة إعادة البناء" "المزدوجة" هذه6، وهي، وفق الوثيقة: "النظر إلى إعادة البناء كمسلسل: مسلسل البناء التنظيمي والبناء السياسي للمنظمة" "والذي يتم خلاله" (أي هذا "المسلسل")، البناء التنظيمي والسياسي".
في هذه الحالة، وهذا ما يمكن على الأقل فهمه هنا، يصبح "مسلسل إعادة البناء" (التنظيمي والسياسي) العام أو الشامل، إن صح هذا التعبير، هو مجموع لحلقات متتالية (كالمتتاليات الحسابية في الرياضيات) من "البناءات التنظيمية والسياسية" التي تكون "مسلسل" هؤلاء في "إعادة البناء" ككل.
لقد حددت وثيقة "القيادة الجديدة" حلقة بداية (انطلاقة) هذا "المسلسل" كالتالي: “وينطلق من حد أدنى من البناء التنظيمي (على أساس تصور أولي لمهام المنظمة: ضرورة توحيد الفروع، الأولوية للتجذر داخل الطبقة العاملة...)، وهذا الحد الأدنى، "يمكن المنظمة، من جهة، من ممارسة نشاطها الفعلي في الساحة النضالية، ويمكن جميع فروعها في المساهمة الفعلية في بناء الخط السياسي..."
فالتصور الأولي للمهام، الذي على أساسه سينبني الحد الأدنى التنظيمي، كانطلاقة أولى لمسلسل إعادة البناء، حددته الوثيقة في ضرورة توحيد الفروع: وهي هنا عملية "بناء تنظيمي" من دون أي خط سياسي، تتم على أساسه عملية التوحيد، وفي أولوية التجذر داخل الطبقة العاملة : وهو عنصر أولوي بالنسبة لهذه "القيادة" للتحرك في الساحة النضالية / الحركة، بشكل آخر يمكن القول، أن الحلقة / الدائرة الأولى من مسلسل إعادة البناء التنظيمي والبناء السياسي، تنطلق بداية من توحيد الفروع، وتحت من نصب نفسه قيادة جديدة لها (المنظمة =القيادة + الفروع)، الأمر الذي سيمكنها من ممارسة نشاطها في الساحة النضالية (أولوية هذا النشاط هو التجذر داخل الطبقة العاملة)، ثم عن طريق هذا النشاط / الحركة ستتمكن المنظمة (بالنسبة للفروع المساهمة فقط) من بناء خطها السياسي.
فمن ثنائية أولى، طرفاها "البناء التنظيمي والبناء السياسي"، إلى ثنائية ثانية، ضمن أولوية البناء التنظيمي على البناء السياسي، طرفاها في أولى حلقات انطلاقة هذا "المسلسل"، هما: طرف الحد الادنى التنظيمي (توحيد الفروع، من دون نسيان أن هناك "قيادة جديدة" ــــ "مركزية" ــــ يلزمها وجود قواعد/ الفروع)، و طرف الحركة (مع أولوية التجذر داخل الطبقة العاملة)7، والهدف وفق الوثيقة هو الحركة ("تمكين المنظمة من ممارسة نشاطها الفعلي في الساحة النضالية")، وتمكين ذاك الحد الأدنى التنظيمي ( فروعه موحدة وعلى رأسها "قيادة جديدة) من المساهمة (المساهمة فقط) الفعلية في بناء الخط السياسي"8
الانطلاقة الأولى : بناء حد أدنى تنظيمي  الهدف 1: التمكن من الحركة ( الساحة النضالية)  الهدف 2: بناء الخط السياسي.
هذا الأمر كحلقة اولى، عليها أن تتطور في حركة دائرية (هي في الحقيقة هنا حركة دائرية من التكرار، وليست حركة ديالكتيكية)، من حد أدنى تنظيمي يتحرك ليبني خطا سياسيا، أو لنقل ليبني حدا أدنى سياسيا، يوازي ويتمشى مع الحد الأدنى التنظيمي، ثم يعود إلى الحد الأدنى التنظيمي للتحرك في اتجاه الخط السياسي، وعلى هذه العملية أن تتكرر باستمرار، حتى يكتمل هذا المسلسل ب (تقول الوثيقة) " المؤتمر كحدث بارز يسجل خلاصات الإنجازات السياسية والتنظيمية الحاصلة وللدفع بالمسلسل لإنجاز حلقات جديدة".
وكأن المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية "إلى الأمام" هنا، من وجهة النظر هذه، وقبل استيلاء هؤلاء عليها، لم يكن لديها خط سياسي تأسست على أرضيته، وتم نقده وتطويره في معمعان الصراعات الطبقية، وكأنه لم يكن في تجربتها أي تجذر داخل الطبقة العاملة، والذي تم طرحه أكثر من مرة كمهمة مركزية لها، وكأنه لم يكن هناك خط تنظيمي تمت محاكمته وتطويره، وهو، عكس ما تقدمه هذه "القيادة الجديدة" في ربطها لبناء خطها السياسي ببنائها لحدها الأدنى التنظيمي، يستمد شكله ومضمونه من الخط السياسي للمنظمة (انظر تقرير 20 نونبر). كل هذا على الأقل، يفرض العمل على تقييم تجربة عشر سنوات منه ل"الانطلاق من جديد".

3 ــ علاقة "إعادة البناء" بالتقييم في تصور "القيادة الجديدة":
إن المنطق الذي تحكم في تصور “القيادة الجديدة” ل"مسألة إعادة البناء التنظيمي والسياسي" لمنظمة "إلى الأمام"، هو المنطق نفسه الذي تحكم في تصورها لمسألة "التقييم" ارتباطا بهذا "البناء"، فإذا كان هذا الأخير سيتم بالتقسيط، انطلاقا من بناء حد أدنى تنظيمي يؤدي عن طريق الحركة / الممارسة إلى بناء حد أدنى من الخط السياسي، فإن حلقة الحد الأدنى هذه، تحكمت هي الأخرى في مسألة "التقييم"، وهكذا (تقول الوثيقة): "أن نلجأ إلى التقييم الجزئي، كلما طرحت علينا عملية بناء جزئية، و لكن يكتمل مسلسل التقييم باكتمال مسلسل البناء"9.
إن علاقة "إعادة البناء" هنا ب "التقييم" هي علاقة مسلسل بمسلسل آخر، علاقة خارجية، حيث سيتم اللجوء، ومن خارج "مسلسل إعادة البناء"، وكلما طرحت عملية بناء جزئية، إلى "التقييم الجزئي". هذه العلاقة هنا هي علاقة توازي وليست تداخلية التي فيها يكون التقييم عنصرا داخليا لعملية "إعادة البناء"، وليس، كما هو الحال في تصور "القيادة الجديدة"، عاملا خارجيا يتم المناداة على أحد أجزائه، أو اللجوء إليه كلما طرحت حلقة من حلقات "البناء الجزئي".
فالملاحظ إذن، أن علاقة "الحد الأدنى من البناء التنظيمي" ب "الحد الأدنى من البناء السياسي" هي علاقة خارجية، حيث يتم الانطلاق من أولى حلقات الأول على أساس تصور أولي لمهام ما، وعن طريق الحركة / الممارسة، لبناء حلقة الثاني، وكأن لكل واحد من البنائين جوهره الخاص به، وليس أن التنظيم، كما عبرت عن ذلك وثيقة "عشرة أشهر من كفاح التنظيم ــ نقد ونقد ذاتي"، هو "التجسيد الحي للخط السياسي في ممارسة الحركة الجماهيرية، أو حلقة الوصل بين النظرية والممارسة..."، وهي هنا علاقات داخلية في منظور هذه الوثيقة النقدية، تشكل فيها كل هذه العناصر (النظرية والتنظيم والممارسة) كلا ماديا واحدا، وأن (تضيف وثيقة "عشرة أشهر..."): "التنظيم يستمد بنيته وأشكال علاقاته من الخط السياسي...".
إن غياب الخط السياسي في تصور "القيادة الجديدة"، وغياب نظرية الثورة بشكل عام، في انطلاق أولى عمليات "إعادة البناء التنظيمي"، والمعبر عنها ب "الحد الأدنى التنظيمي"، لا يعني سوى الانطلاق في عمل تجريبي محوره "تجميع ما تبقى من التنظيم من أجل الحركة"، إنها العفوية في أجلى صورها السياسية، والنظرة الذاتية التي أريد بها خدمة المواقع التنظيمية لأصحابها وطموحاتهم الطبقية ـــ السياسية.
إن هذه العلاقة التي ربطت بها "القيادة الجديدة" عملية "البناء التنظيمي" ب "البناء السياسي"، هي نفسها التي ربطت بها "مسلسل إعادة البناء" ب"التقييم"، فكان أن أصبح "البناء التنظيمي" مجردا من أي خط سياسي ونظري يحكم بنيته ويضبط حركته، وأن أصبح "بناء الخط السياسي" هو نتيجة تجريبية ذاتية لتحرك مجموعة من "الأعضاء منظمين في فروع تحت وصاية مجموعة أخرى متنظمة كقيادة لتلك الفروع"، وأصبح التقييم هو تقييم جزئي لتجربتهم الجزئية في المنظمة، وليس تقييما لعشر سنوات من النضال السياسي والإيديولوجي والتنظيمي، يدرج فيه التجارب الثورية في المنطقة وأمميا، ولا يقفز على المنجزات الفكرية والعلمية لتدعيم المنظور البروليتاري للعالم في صراعه ضد الفكر البرجوازي بمختلف منوعاته.
خطاطة1 : "مسلسل إعادة البناء":
(يتعذر وضع الخطاطة هنا على موقع الحوار المتمدن، لهذا يمكن الرجوع إلى المقالة على موقع 30 غشت)
يبدو أن مركز "مسلسل إعادة البناء" الذي تحكمت فيه النظرة الثنائية10 والتجزيئية (ثنائية البناء وجزئيته وثنائية التقييم وجزئيته)، هو الحركة لضمان موقع في ساحات النضال.

4 ــ "القيادة الجديدة" و "مهامها العاجلة":
إن هذه المهام التي اصطلحت عليها "القيادة الجديدة" ب "العاجلة"، هي تلك المهام التي على أساسها سيتم إطلاق "مسلسل إعادة بناء الحد الأدنى التنظيمي والحد الأدنى من البناء السياسي"، وهي التي ستؤطر ما أسمته ب "النشاط في الساحة النضالية" كحلقة مركزية في هذا "المسلسل"، فهذه "المهام العاجلة" لا تندرج هنا ضمن خط سياسي واستراتيجي، بل على العكس من هذا، فعن طريق هذه "المهام الأولية"، وانطلاقا من "إعادة بناء حد أدنى تنظيمي" بناء على "تقييم تنظيمي جزئي"، سيتم "إعادة بناء حد أدنى سياسي"، هو الآخر كسابقه، بناء على "تقييم سياسي جزئي" كلما "طرحت عملية بناء جزئية".

أ ــ" المهام العاجلة" ــ "إعادة البناء" ــ "التقييم": علاقاتها في تصور "القيادة الجديدة":
تقول "القيادة الجديدة" أن "إعادة بناء المنظمة" يستحيل إنجازه "بدون التجذر وسط الجماهير... وأنه لا يمكن بناء منظمة ماركسية لينينية صلبة بدون التجذر وسط الطبقة العاملة والجماهير ذات المصلحة الأساسية في الثورة"11. وبهذا الصدد، تقول "القيادة الجديدة" أن "المنظمة فشلت في تحويل شعار التجذر وسط الطبقة العاملة إلى واقع ملموس"، وهو الشعار الذي تم تدقيقه، حسبها، خلال الندوة الوطنية الأولى (نهاية 71 / بداية 72)، وتساءلت هنا عن سبب رفع المنظمة لشعار "التجذر وسط الشبيبة المثقفة"؟
وللجواب على تساؤل "القيادة الجديدة" وتحديد أسباب "الفشل في تحويل شعار التجذر إلى واقع ملموس"، تقول هذه "القيادة": "أن تقييما نقديا صريحا لتجربة المنظمة هو الذي سيمكننا من الجواب... وهو الذي يمكننا في نفس الوقت من استخلاص دروس ثمينة تجنبا من السقوط مجددا في الأوهام والمنزلقات والممارسات البرجوازية الصغيرة التي سقطت فيها منظمتنا".
كما أنه، في استمرار من هذه "القيادة" في إبراز دور "التقييم النقدي" للتجربة في عملية "إعادة البناء" و"التجذر وسط الجماهير..."،:"هذا التقييم كفيل بفرز الأسباب الموضوعية (التركيب الطبقي البرجوازي الصغير للحملم... وانعدام شروط التحام عفوي لحركة الشبيبة المثقفة بالحركة العمالية...) والأسباب الذاتية (الانغلاق وسط الشبيبة المدرسية والتنظير له بأطروحة "الشبيبة المدرسية تشكل الطليعة التكتيكية للجماهير"...)..". ولم يفت هذه "القيادة" هنا الإشارة إلى "أن للمنظمة تجربة متواضعة وسط الطبقة العاملة وحتى مع الفلاحين"، لكن "التقييم النقدي للتجربة هو الذي يبرز فشلنا في هذا المجال"، وتؤكد هذه "القيادة" على "أن التقييم النقدي لتجربة منظمتنا والحملم في العمل مع الطبقة العاملة سيمكننا من استخراج دروس ثمينة ستساعد المناضلين في عملهم المباشر معها".
إلى حدود هنا، فهذه المقالة التركيبية تحاول تسليط الضوء على طبيعة العلاقات التي أقامتها "القيادة الجديدة" بين "مهامها العاجلة" من جهة، وبين "إعادة البناء" و"التقييم" من جهة ثانية، على أن نعود في فقرة لاحقة إلى مواقفها، وهي ليست من التقييم في شيء، التي أطلقتها في حق الخط السياسي والتنظيمي والإستراتيجي للمنظمة، حيث قامت، دون تحليل يذكر، بتمريرها هنا حين عرضها لمهامها ارتباطا ب"إعادة البناء" والتقييم.
الملاحظ إذن، وفق ما تقوله "القيادة الجديدة" في الفقرات التي أوردناها أعلاه، أنه حتى تلك "المهام العاجلة"، وأولها "التجذر وسط الطبقة العاملة"، أصبحت هي الاخرى رهينة بعملية التقييم، وأنه من دون هذا الأخير، سيتم لا محالة "إعادة السقوط في نفس المنزلقات والممارسات…. الفشل ..."، لتصبح المعادلة الجديدة هي كالتالي:
1 ــ إعادة البناء هي رهينة بالتجذر وسط الطبقة العاملة بالأساس (وسط الجماهير بشكل عام)
2 ــ فشل التجربة السابقة في التجذر وضرورة الجواب على سؤال الفشل
3 ــ هذا الجواب هو رهين بالتقييم النقدي لهذه التجربة لتجنب السقوط في نفس الفشل ول "استخراج دروس ثمينة ستساعد المناضلين" خلال عملية التجذر التي تدعو إليها "القيادة الجديدة".
خطاطة2: الطريق إلى "إعادة البناء":
(يتعذر وضع الخطاطة هنا على موقع الحوار المتمدن، لهذا يمكن الرجوع إلى المقالة على موقع 30 غشت)
إذا كان "التقييم النقدي للتجربة" هنا، هو حلقة مركزية في "مسلسل إعادة البناء" عن طريق التجذر وسط الطبقة العاملة، فلما تجزيء هذا التقييم وطرح " بناء حد أدنى تنظيمي"، لتمكين هذا الأخير من النشاط في الساحة النضالية حتى يتسنى له هو الآخر "إعادة بناء حد أدنى سياسي"؟ لماذا رفض "التقييم الشامل" إذن، والذي طرحه الخط الثوري للمنظمة، كعنصر محوري في إعادة البناء، إن كان كل هذا الدور ل "التقييم النقدي للتجربة"؟ ألسنا هنا أمام موقف حد أدنى من موقف "التقييم الشامل وإعادة البناء" الذي دافع عنه الخط الثوري، أي موقف "حد أدنى من التقييم وحد أدنى من البناء التنظيمي والبناء السياسي".
لا تدعي هذه المقالة التركيبية التوفر على جواب شاف لهذا السؤال، إلا أن ما يمكن الانتباه إليه، حين سنعرض مجموعة من مواقف "القيادة الجديدة" في حق الخط السياسي والتنظيمي والإستراتيجي للمنظمة، هو أنها ("القيادة الجديدة") انتهجت طريقة اقتناص المواقف من هذا الطرف أو ذاك من الأطراف المتصارعة وسط المنظمة، لطرح مشروعها الذي أرادت به إطلاق "مسلسل إعادة البناء"، وبالأساس مواقف الخط الانتهازي اليميني وإلى حد ما بعض مواقف الخط العمالوي التصفوي.

الهوامش

1 ــ انظر بهذا الصدد دراسة "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية "إلى الأمام"...".
2 ــ لعب هذا الدور كل من علي فقيرو عبد الحميد أمين ، فالأول كما هو معلوم وفق تقرير 20 نونير ، قد تم تجميد عضويته في اللجنة الوطنية للمنظمة بعد تسليمه نفسه للنظام في ماي 1972، وبقي بعيدا منذ ذلك التاريخ عن المنظمة، أما الثاني فقد جعله الاعتقال في 19 ماي 1972 بعيدا هو الآخر عن المنظمة وتجربتها.
3 ــ انظر بهذا الصدد اعترافاته في تأملاته النقد الذاتية لسنة 1979، والتي أصدرها في مارس 1980.
4 ــ نضرب هنا مثالا بإحدى الفقرات التي خصتها “القيادة الجديدة” لنفسها في حديثها عن ما سمي ب “القيادة الوطنية”، حيث تقول: " لابد للقيادة الوطنية أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية، ….. و تعمل على مسايرة و توجيه عمل المنظمة في مختلف الفروع التي تعاني من التفكك السياسي و التنظيمي " ، يبدو أننا هنا لسنا بعيدين عن نظرية "التسيير والتوجيه" لصاحبها ابراهام السرفاتي، لجعل "القيادة الجديدة" فوق التنظيم وخارج أي محاسبة تنظيمية وسياسية.
5 ــ انظر بيان الذكرى التاسعة لتأسيس المنظمة المنشور في كتاب" الوثائق الأساسية للمنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية "إلى الأمام".” ــ على موقع 30 غشت.
6 ــ من الضروري إثارة الانتباه هنا قبل الاستمرار في توضيح وجهة النظر هذه، وتقديمها للقارئ، على أن الوثيقة لم تحدد هنا بعد الطرف الذي ستوليه الأولوية، الطرف الرئيسي، أي الطرف الذي ستركز عليه أكثر من الآخر، والذي ستعتمده أساسا وتستند إليه في إطلاقها لما ستسميه بعد هذا ب "مسلسل إعادة البناء"، وإلا لكانا الطرفان متساويان ومتزامنان في انطلاقة عملية "إعادة البناء"، وقد يظلان هكذا إلى أن يقرر أصحابها انهاء عملية بنائهما. وفي هذه الحالة، فهي نظرة مثالية مطلقة لسيرورة علاقات السياسي والتنظيمي. ومع ذلك، يمكن مسبقا، بناءا على الانطباع الذي يوحي به ترتيب المصطلحين الذين اعتمدتهما الوثيقة في طرح "مسألة إعادة البناء"، والقصد هنا ترتيب مصطلحي "البناء التنظيمي والبناء السياسي"، القول بأنه إشارة ضمنية على أن الأولوية، في وجهة نظر الوثيقة، هي للبناء التنظيمي واستبعاد أولوية الخط السياسي .
7 ــ ويحق هنا وضع التساؤل التالي: ما الفرق بين هذا الطرح والطرح العمالوي التصفوي الذي دعا إلى حل المنظمات الماركسية ــ اللينينية والذهاب إلى الطبقة العاملة، غير "توحيد الفروع" تحت "قيادة" أصحاب هذا "المسلسل"، وهو السؤال الذي يستتبعه آخر : على أي أساس سياسي وإيديولوجي إذن ستتوحد هذه الفروع؟ والذي على طريقه ستنطلق في تجذرها داخل الطبقة العاملة؟. وبشكل آخر: لأجل ماذا التجذر داخل الطبقة العاملة في غياب أي منظور سياسي وإيديولوجي لقضايا الصراع الطبقي؟ ألا تؤدي هذه الطريق التي اختارها هؤلاء، والتي يغيب فيها الخط السياسي، إلى النقابوية العمالوية، وتجريد الطبقة العاملة من سلاح النضال السياسي على أساس خط سياسي واستراتيجي محدد؟
8 ــ الكلمة بين قوسين وسط الفقرة هي من عندنا، وكأن أصحاب الوثيقة يلمحون ضمنيا هنا في هذه الفقرة (تمكين الفروع من المساهمة...)،من دون إثارة مباشرة وصريحة، على أن الفروع في تجربة المنظمة سابقا لم تكن لها مساهمة في بناء الخط السياسي. أما الآن، ف"القيادة الجديدة"، في إطار "مسلسل إعادة البناء"، ستمكنها من هذه المساهمة التي كانت سابقا مقتصرة فقط على القيادة المركزية. وما يؤكد مضمون هذه الفكرة هو ما جاءت به هذه "القيادة الجديدة" في حديثها حول "الوحدة" (وحدة المنظمة)،حيث تقول:"من بين السلبيات الهامة لتجربة منظمتنا، ضعف المساهمة الفعالة لجميع أعضائها أطرا و مناضلين في بلورة خطها الإديولوجي و السياسي و التنظيمي. لقد كان الصراع الديموقراطي المنظم شبه منعدم داخلها، مما أدى إلى وحدة سطحية للمنظمة.."
9 ــ بمعنى أن ما سيتم تقييمه وجب بداية تجزيئه، لكن، حتى وإن اعتقد أصحاب هذه النظرة بصحة التقييم الجزئي، فعلى أي أساس سيتم التجزيئ كي يتم ذاك التقييم الجزئي؟ أليست هذه بالنظرة الانتقائية التي تعدم كليا مفهوم السيرورة.
أليست عملية التجزيئ هذه مرتبطة بتجربة هؤلاء وسط المنظمة، أي أن بعدهم عن فترة من فترات تجربتها فرض عليهم نظرتهم التجزيئية لها، ولهذا وجب، في منظورهم لتجربة المنظمة، أن يتناسب حجم تقييمهم مع زمن وحجم تجربتهم فيها، ولن يكون هذا التقييم للتجربة إلا جزئيا من جزئية تجربتهم فيها ودفاعا في الحاضر عن مواقعم التنظيمية السابقة فيها.
10 ــ القصد هنا بهذه النظرة هي الثنائية المثالية: La dualité métaphysique التي تحكمت في تصور "القيادة الجديدة"، حيث لكل طرف من هذه الثنائية جوهره الخاص، لتصبح العلاقة بين الطرفين خارجية وعلاقة تماثل. وهي تختلف كليا عن النظرة المادية الديالكتيكية كما عبر عنها لينين في عرضه "حول الديالكتيك": "ازدواج الواحد.." ( le dédoublement de l’un)، وعبر عنها ماو تسي تونغ "في التناقض": "انقسام الواحد.." (la scission de l’un).
11 ــ انظر وثيقة "المهام العاجلة لمنظمتنا"، منشورة على موقع 30 غشت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع بالحلقة الثامنة، وهي تتضمن المحاور التالية:
ب ــ مواقف "القيادة الجديدة" من خلال "مهامها العاجلة".
ب ــ 1 ــ المواقف الانتهازية اليمينية والتصفوية في خط "القيادة الجديدة".
ج ــ "القيادة الجديدة": "التجذر وسط الطبقة العاملة والعمل وسط الفلاحين".

موقع 30 غشت
http://www.30aout.info